المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحكام السعي بين الصفا والمروة - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ٢

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌4 - كتاب الزكاة

- ‌حكم الزكاة ومنزلتها

- ‌من فضائل وفوائد الزكاة

- ‌حكم منع الزكاة وعقوبة مانعها

- ‌شروط وجوب الزكاة

- ‌زكاة الديون

- ‌الأصناف التي تجب فيها الزكاة

- ‌زكاة الذهب والفضة

- ‌الزكاة في الأوراق النقدية «البنكنوت»

- ‌نصاب الأوراق النقدية

- ‌زكاة الحلي

- ‌الزكاة في الرواتب وكسب الأعمال

- ‌زكاة الصداق

- ‌زكاة المواشي

- ‌زكاة الإبل

- ‌زكاة البقر

- ‌زكاة الغنم

- ‌مسائل عامة في زكاة المواشي

- ‌زكاة الزروع والثمار

- ‌زكاة عروض التجارة

- ‌زكاة الركاز والمعادن

- ‌أحكام عامة في الركاز

- ‌مصارف الزكاة

- ‌نقل الزكاة

- ‌زكاة الفطر

- ‌مصرف زكاة الفطر

- ‌5 - كتاب الصيام

- ‌تعريف الصيام

- ‌أقسام الصيام:

- ‌1 - الصيام الواجب وأقسامه:

- ‌صيام رمضان

- ‌المفطرون وأحكامهم

- ‌قضاء رمضان

- ‌2 - صيام التطوع

- ‌مسائل تتعلق بصيام التطوع

- ‌الأيام المنهي عن صيامها

- ‌ليلة القدر

- ‌الاعتكاف

- ‌6 - كتاب الحج والعمرة

- ‌أولاً: الحج

- ‌الحج عن الغير

- ‌المواقيت

- ‌سياق صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ملخص أفعال حج التمتُّع

- ‌ما قبل السفر

- ‌الإحرام

- ‌دخول مكة والطواف

- ‌السعي بين الصفا والمروة

- ‌التحلل من الإحرام

- ‌يوم التروية

- ‌يوم عرفة

- ‌الإفاضة إلى المزدلفة والمبيت بها

- ‌يوم النحر

- ‌أيام التشريق

- ‌طواف الوداع قبل السفر

- ‌أركان الحج

- ‌محظورات الإحرام

- ‌دخول مكة

- ‌أحكام في الطواف عامة

- ‌أحكام السعي بين الصفا والمروة

- ‌الهَدْي

- ‌الحلق والتقصير

- ‌الفوات والإحصار

- ‌ثانيًا: العمرة

- ‌فضل العمرة

- ‌وقت العمرة:

- ‌تجوز العمرة قبل الحج:

- ‌هل يشرع تكرار العمرة

- ‌أركان العمرة:

- ‌واجبات العمرة:

- ‌زيارة المدينة المنورة

- ‌فضل مسجدها وفضل الصلاة فيه:

- ‌آداب زيارة المسجد والقبر الشريفين:

- ‌مسجد قباء:

- ‌البقيع وأُحد:

- ‌المزارات:

- ‌محظورات الحرمين

- ‌7 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌أولًا: الأيْمَانُ

- ‌أنواع اليمين القَسَمِيَّة

- ‌كفَّارة اليمين

- ‌ثانيًا: النُّذُور

- ‌8 - كتاب الأطعمة والأشربة وما يتعلق بهما

- ‌الأَطْعِمَة

- ‌من آداب الأكل

- ‌الصَّيْد وأحكامه

- ‌التذكية الشرعية

- ‌الأضحية

- ‌ما يُضَحَّى به

- ‌العقيقة

- ‌الأشربة

- ‌الآنية وما يتعلَّق بها

الفصل: ‌أحكام السعي بين الصفا والمروة

‌أحكام السعي بين الصفا والمروة

شروط السعي:

يشترط لصحة السعي بين الصفا والمروة أمور:

1 -

أن يكون بعد طواف صحيح -عند الجمهور- كما تقدم.

2 -

أن يكون سبعة أشواط: من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط وهكذا (1) فلو شك في العدد قبل فراغه لزمه البناء على الأقل كما في الطواف.

3 -

أن يبدأ من الصفا وينتهي بالمروة: لو نكَّسه وبدأ شوطه الأول بالمروة لم يُعتد بهذا الشوط، فلو بدأ أشواطه بالمروة وختم السابع بالصفا، لم يجزه الأول وبقي عليه السابع (2).

4 -

أن يكون السعي في المسعى: وهو الطريق الممتد بين الصفا والمروة.

وذلك كله لفعله صلى الله عليه وسلم وهوالقائل: «خذوا عني مناسككم» (3).

سنن السعي:

1 -

أن يكون على طهارة: لأنه ذكر كما في الطواف.

2 -

أن يستلم الركن قبل خروجه للسعي: كما في حديث جابر.

3، 4 - إذا اقترب من الصفا، يقرأ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} ويقول: ابدأ بما بدأ الله به. وهذا في حديث جابر.

5، 6 - استقبال الكعبة وهو على الصفا، ويقول:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ويدعو بما شاء، يفعل هذا ثلاث مرات.

7 -

أن يمشي إلى المروة وله الركوب لمصلحة: ففي حديث جابر: «ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبَّت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا

».

(1) وقد وهم ابن حزم فزعم أنه يرمل في الثلاثة ويمشي في الأربعة، ووهم غيره فجعلها أربع عشرة مرة، وكلاهما غلط، كما بينه ابن القيم في «الزاد» (2/ 231).

(2)

«المجموع» (8/ 95).

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (1297)، وأبو داود (1970)، والنسائي (3062).

ص: 239

وقال ابن عباس لما سئل عن سعي النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة راكبًا: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت

فلما كثر عليه ركب، والمشي والسعي أفضل» (1).

8 -

شدة السعي (الإسراع) بين العلمين الأخضرين، وهذا خاص بالرجال دون النساء كما في الطواف.

9 -

وله الدعاء بين الصفا والمروة: كما ثبت عن ابن مسعود أنه كان يقول: «رب اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم» (2).

10 -

أن يفعل على المروة كما فعل على الصفا: من القراءة والتهليل والتكبير واستقبال البيت والدعاء.

الحلق والتقصير للمتمتع:

إذا فرغ الحاج المتمتع من السعي بين الصفا والمروة، فإنه يتحلل من عمرته بالحلق أو التقصير، والأفضل في حقه أن يقصِّر من شعره، ولا يحلقه، وإنما يحلقه يوم النحر بعد فراغه من أعمال الحج، ففي حديث جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصِّروا، وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلُّوا بالحج

» (3) فإن فعل صار حلالاً يحلُّ له كل شيء حتى الجماع حتى يأتي يوم التروية.

سنن الخروج إلى منى:

1 -

أن يحرم الححاج [المفرد من أهل مكة أو المتمتع الذي كان قد حلَّ] من منزله يوم التروية (الثامن من ذي الحجة).

2 -

أن يتوجه الجميع -ومعهم القارن والمفرد الآفاقي -يوم التروية إلى منى قبل الظهر.

3 -

أن يصلوا الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، يوم التروية.

4 -

أن يبيتوا بمنى حتى يصلوا الفجر وتطلع الشمس (يوم عرفة).

5 -

أن ينتقل في هذه المواطن راكبًا، وهو أفضل من المشي.

(1) صحيح: أخرجه مسلم (1264) من حديث أبي الطفيل.

(2)

صحيح مرفوعًا: أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 68)، والطبراني في «الدعاء» (870).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (1568)، ومسلم (1216).

ص: 240

6 -

أن يضرب له قبة (خيمة) بنمرة، إن شاء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ودليل هذه السنن ما جاء في حديث جابر: «

فلما كان يوم التروية توجَّهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم

حتى أتى عرفة

» (1).

7 -

أن يلبِّي أو يكبِّر في طريقه من منى إلى عرفة: لحديث محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك -وهما غاديان من منى إلى عرفة -كيف كنتم تضنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «كان يهلُّ المهل منا فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه» (2) وعن ابن عمر قال: «غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات، فمنَّا الملبِّي ومنَّا المكبِّر» (3).

8 -

أن يخطبهم الإمام: فيبيِّن لهم المناسك ويحرضهم على الإكثار من الدعاء والابتهال، ويبيِّن لهم ما يهمهم من الأمور الضرورية لشئون دينهم واستقامة أحوالهم، كما في حديث جابر، وهذه الخطبة سنة بالاتفاق، والسنة أن تكون خطبة واحدة لا خطبتين يجلس بينهما، وهو المشهور في كتب الفروع.

9 -

أن يصلي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا مع الإمام بنمرة (يوم عرفة)(4) ولا يصلي بينهما شيئًا.

الركن الرابع: الوقوف بعرفة:

تعريفه:

المراد من الوقوف بعرفة: وجود الحاج في أرض (عرفة) بالشروط والأحكام المقررة.

حكمه: الوقوف بعرفة ركن أساسي من أركان الحج، ويختص بأنه من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج.

وقد ثبت ركنيته بالأدلة القاطعة من الكتاب والسنة والإجماع.

(1) صحيح: أخرجه مسلم (1218).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (1659)، ومسلم (1284).

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (1284).

(4)

ومن فاته الصلاة مع الإمام جاز أن يصليهما منفردًا جامعًا بينهما عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يجوز.

ص: 241

(أ) أما الكتاب: فقال تعالى {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (1).

وقد ثبت أنها نزلت تأمر الناس بالوقوف بعرفة: فعن عروة عن أبيه عن عائشة أن هذه الآية نزلت في الخمس (2)، قال: كانوا يفيضون من جمع فدُفعوا إلى عرفات» (3).

(ب) وأما السنة فعدة أحاديث أشهرها: حديث عبد الرحمن بن يعمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر مناديًا ينادي: الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج» (4).

(جـ) وقد نقل عدد من العلماء الإجماع «على أنه ركن من أركان الحج، وأنه من فاته فعليه حج قابل» (5).

وقته:

1 -

يبدأ وقت الوقوف بعرفة بعد الزوال (الظهر) يوم عرفة عند الجمهور (6)، لفعله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يقف بعرفة إلا بعد الزوال -كما في حديث جابر الطويل- وقد قال:«خذوا عني مناسككم» .

وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن وقت الوقوف يبدأ من فجر يوم عرفة، وحُجَّته حديث عروة بن مضرس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى يدفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا -فقد تم حجُّه وقضة تفثه» (7) لكن قوله «أو نهارًا» مطلق، فيقيَّد بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ويكون المراد من بعد الزوال، وهذا هو الأحوط والله أعلم.

2 -

ومن وقف بالنهار بعرفات فعليه أن يمدَّ وقوفه إلى ما بعد الغروب، فإن

(1) سورة البقرة: 199.

(2)

الحُمس هم قريش وما ولدت، وقد كانوا في الجاهلية يفيضون من جمع ويفيض الناس من عرفات، فأمروا أن يفيضوا من عرفات.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (1665)، ومسلم (1219).

(4)

صحيح: أخرجه أبو داود (1933)، والترمذي (590)، والنسائي (5/ 264)، وابن ماجه (3015).

(5)

«بداية المجتهد» (1/ 335).

(6)

«البدائع» (2/ 125)، و «المغنى» (3/ 414).

(7)

صحيح: أخرجه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وابن ماجه (3016)، وانظر «الإرواء» (1066).

ص: 242

دفع منه قبل الغروب: فذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد (1) إلى أن حجَّه صحيح وعليه دم يجبر ما نقص من جمع جزء من الليل إلى النهار في الوقوف.

وفي رواية عن الشافعي: لا يجب عليه دم، وبه قال أهل الظاهر (2)، وهو الراجح مع قولنا بالوجوب وذهب مالك إلى أن حجه لا يصح حتى يجمع بين الليل والنهار في وقوقه (3)، وحجته حديث ابن عمر قال:«من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج، فليتحلل بعمرة، وعليه الحج من قابل» (4).

وقد أجيب عن الحديث بأنه إنما خص الليل لأن الفوات يتعلق به، وغاية ما يدلُّ عليه أن:

3 -

القدر المجزئ للوقوف أن يقف جزءًا من الليل قبل الفجر -ولو لحظة- فإن طلع الفجر قبل وقوفه فاته الحج، وقد دلَّ على هذا أيضًا حديث عروة بن مضرس المتقدم، والله أعلم.

سنن وآداب الوقوف بعرفة والإفاضة منها:

1 -

الوقوف عند الصخرات: يجوز للحاج أن يقف في أي مكان من عرفة، ويستحب أن يقف عند الصخرات المفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات، لما في حديث جابر:«.. حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه ..» قال النووي: فهذا هو الموقف المستحب، وأما ما اشتهر بين العوام من الأغنياء بصعود الجبل، وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فغلط.

2، 3 - استقبال القبلة ورفع اليدين بالدعاء: لما في حديث جابر: «واستقبل القبلة

»، وقال صلى الله عليه وسلم:«خير الدعاء عرفة، وخير ما قلت أن والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» (5) وقد رود عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء عرفة عدَّة صيغ لكن في أسانيدها لين (6).

(1)«البدائع» (3/ 1098)، و «المجموع» (8/ 123)، و «المغنى» (3/ 370).

(2)

«المحلى» (7/ 118).

(3)

«المدونة» (1/ 413)، و «بداية المجتهد» (1/ 375).

(4)

صحيح مرفوعًا: أخرجه مالك في «الموطأ» (886 موقوفًا)، والدارقطني (2/ 241) مرفوعًا.

(5)

حسن: أخرجه الترمذي (3585)، وابن أبي شيبة (1/ 369)، وانظر «الصحيحة» (1503).

(6)

انظر «زاد المعاد» (2/ 237).

ص: 243

4 -

التلبية: لحديث سعيد بن جبير قال: كنا مع ابن عباس، فقال لي: يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبُّون؟ فقلت: يخافون من معاوية، قال: فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك، فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي رضي الله عنه (1).

قلت: وإن كان قد ذكر ابن تيمية (26/ 136) أن التلبية بعرفة لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما نقلت عن الخلفاء الراشدين وغيرهم، لكن حديث ابن عباس -إن صح- فهو حجة عليه، والله أعلم.

تنبيه: هكذا ينبغي أن يكون حال الحاج على عرفة، ذكر ودعاء وحضور قلب وقراءة وتضرُّع وسؤال وابتهال وخضوع لله سبحانه، فليت شعري أين هذا ممن يفضي يوم عرفة في لهوه ولعبه معرضًا عن ربه مُنشغلاً بمحادثة رفاقه فيما لا ينفع، بل ربما يلعب الورق «الكوتشينة» والتدخين وسماع الأغاني وغير ذلك من المحرمات، نعوذ بالله من الخذلان!!

5 -

أن يكون مفطرًا لا صائمًا: لحديث ميمونة: «أن الناس شكُّوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بحلاب -وهو واقف في الموقف- فشرب منه والناس ينظرون» (2).

6 -

الإفاضة من عرفة (النزول) بعد الغروب بسكينة: أي برفق وطمأنينة لقول النبي صلى الله عليه وسلم -لما دفع من عرفة بعد غروب الشمس-: «أيها الناس عليكم السكينة، فإن البرَّ ليس بالإيضاع» (3) أي: الإسراع.

لكن إذا وجد أمامه فجوة فإنه يسرع قليلاً، لحديث .... :«كان صلى الله عليه وسلم يسير العَنَق، فإذا وجد فجوة نصَّ» (4).

7 -

السير إلى المزدلفة مع التلبية: وقد تقدم الحديث في هذا عند «مواطن التلبية» .

المبيت بمزدلفة ليلة النحر:

حكمه: اختلف أهل العلم في حكم الوقوف بالمزدلفة (5) والمبيت بها على ثلاثة أقوال:

(1) صححه الألباني: أخرجه الحاكم (1/ 464 - 465)، والبيهقي (5/ 103)، وانظر «حجة النبي» (ص: 74).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (1989)، ومسلم (1124).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (1671)، ومسلم (1218)، والنسائي (5/ 257).

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (1666)، ومسلم (1286).

(5)

وتسمى أيضًا (جمعًا).

ص: 244

الأول: أنه ركن ومن فاته فقد فاته الحج: وهو مذهب ابن عباس وابن الزبير من الصحابة، وإليه ذهب النخعي والشعبي وعلقمة وأهل الظاهر، وفي مذهب مالك ما يدلَّ عليه، وهو اختيار ابن القيم -رحمهم الله تعالى- (1) وحجتهم:

1 -

قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (2).

والمشعر الحرام: قيل جبل بالمزدلفة معروف بـ «قزح» ، وقيل: جميع المزدلفة.

2 -

حديث عروة بن المضرس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا فقد أتم حجَّه وقضى تفثه» (3) ففُهم منه أن من لم يقف بالمزدلفة لم يتم حجُّه.

3 -

فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي خرج مخرج البيان للذكر المأمور به في الآية الكريمة.

القول الثاني: أنه واجب، ومن تركه عليه دم وحجُّه صحيح، وهذا مذهب جمهور العلماء (4) واستدلوا بما يأتي:

1 -

قوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة، من جاء قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك» (5).

وهذا يقتضي أن من وقف بعرفة قبل طلوع الفجر بأيسر زمان، صح حجُّه، ولو كان الوقوف بمزدلفة رُكنًا لم يصحَّ حجُّه.

2 -

أنه لو كان ركنًا لاشترك فيه الرجال والنساء، فلما قدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء بالليل عُلم أنه ليس بركن.

وأجابوا عن الآية وحديث عروة بن مضرس، بأن المنطوق فيهما ليس بركن إجماعًا، فإنه لو بات بالمزدلفة، ولم يذكر الله تعالى ولم يشهد الصلاة فيها صح حجُّه، فما هو من ضرورة ذلك أولى، ثم إن المبيت ليس من ضرورة ذكر الله تعالى بها، وكذلك شهود صلاة الفجر، فإنه لو أفاض من عرفة في آخر ليلة النحر

(1)«المغنى» (3/ 376)، و «المحلى» (7/ 118)، و «بداية المجتهد» (1/ 376)، و «زاد المعاد» (2/ 253).

(2)

سورة البقرة: 198.

(3)

صحيح: تقدم قريبًا.

(4)

«المغنى» (3/ 417)، و «الزاد» (2/ 253).

(5)

صحيح: تقدم قريبًا.

ص: 245

أمكنه ذلك، فتعيَّن حمل ذلك على مجرد الإيجاب أو الفضيلة أو الاستحباب (1) قلت: فيكون المراد بإتمام الحج في الحديث الإتمام الذي يصح الشيء بدونه مع التحريم، ويؤيد هذا أن من أدرك عرفة والمزدلفة ولم يطف طواف الإفاضة فلم يتم حجُّه بالإجماع، والله أعلم.

والقول بوجوب الوقوف بالمزدلفة والمبيت بها هو أعدل الأقوال وأرجحها، إلا أنني أتحفظ على إلزامه بدم الجبران، لأن الأصل حرمة مال المسلم إلا بحق، والحق يعرف بالدليل، ولا يصح القياس في الكفارات على الأصح، وإن كان هذا خلاف الجماهير.

القول الثالث: أنه سنة، وهو قول ضعيف، وهو رواية عن أحمد، رحمه الله.

فائدة: حد المبيت الواجب (2):

ذهب الحنفية إلى أن من حصَّل قدر لحظة من طلوع الفجر -يوم النحر- إلى طلوع الشمس بمزدلفة فقد أدرك الوقوف سواء بات أو لا، وإلا لزمه دم إلا إن تركه لعذر كالزحام فلا شيء عليه.

وذهب المالكية إلى أنه زمن حط الرحل في أي جزء من الليل ما بين وصوله إلى طلوع الفجر وعند الشافعية والحنابلة: يجب الوقوف قدر لحظة من وصوله إلى منتصف الليل -إن وصلها قبل منتصفه- فإن وصلها بعد منتصف الليل أجزأه قدر لحظة قبل طلوع الفجر.

قلت: الذي يظهر أن الواجب أن يبيت بمزدلفة حتى الفجر، سواء وصلها قبل منتصف الليل أو بعده، لأن اسم المبيت لا يتناوله إلا إذا بقي بها حتى الفجر، وإنما رخَّص للضعفة من النساء وغيرهن في النفر بعد منتصف الليل، وهذا تشعر به ألفاظ الأحاديث في المسألة، كحديث عائشة قالت:«نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة بطيئة فأذن لها، فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا حتى أصبحنا ....» (3).

وهو ظاهر في أن من لم يرخَّص له لزمه أن يبقى بالمزدلفة حتى الصبح، لأنه فعل في مقابل الرخصة فأشبه العزيمة.

(1)«اختيارات ابن قدامة الفقهية» للغامدي (1/ 675).

(2)

«رد المحتار» (2/ 241)، و «حاشية العدوي» (1/ 475)، و «مغنى المحتاج» (1/ 498)، و «المغنى» (3/ 417)، و «الفروع» (3/ 510).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (1681)، ومسلم (1290).

ص: 246

وكحديث أسماء «أنها نزلت عند المزدلفة فقامت تصلي ساعة ثم قالت: يا بُنيَّ هل غاب القمر؟ قلت: «لا، فصلَّت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: فارتحلوا. ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح من منزلها، فقلت لها: يا هنتاه، ما أرانا إلا قد غلَّسنا، قالت: يا بنيَّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظُّعُنِ» (1). تعني: النساء.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أنا ممن قدَّم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله» (2).

فهذه الأحاديث وغيرها تفيد أن الواجب المبيت حتى الفجر إلا للضَّعفة فيجوز لهم النزول منها قبل الفجر بعد غياب القمر.

فائدة: الرخصة في عدم المبيت بمزدلفة خاصة بالضعفة من الأهل والصبيان، فهل يدخل فيها جملة النساء أم تخصُّ بالضعفة منهم؟ هذا محل نظر والأظهر أنه خاص بالضعفة من النساء خاصة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدَّم ضعفة أهله وبقيت معه عائشة رضي الله عنها، وإنما استأذنت سودة لأنها كانت ثقيلة ثبطة، والله أعلم.

السنن في المزدلفة والدفع منها (3):

1 -

صلاة المغرب والعشاء: جمع تأخير بمزدلفة.

2 -

الأذان لهما بأذان واحد وإقامتين.

3 -

ترك النافلة بين الصلاتين.

4 -

النوم حتى طلوع الفجر، وعدم إحياء الليل بالصلاة.

5 -

صلاة الفجر في أول وقتها بأذان وإقامة.

6 -

الوقوف على المشعر الحرام من المزدلفة مستقبل القبلة داعيًا حامدًا مكبِّرًا مهللاً حتى إسفار الصبح جدًّا.

7 -

الدفع بسكينة من مزدلفة قبل أن تطلع الشمس.

(1) صحيح: أخرجه البخاري (1679)، ومسلم (1291).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (1678)، ومسلم (1293).

(3)

هذه السنن كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الطويل، وحديث أسامة بن زيد في الصحيحين.

ص: 247

8 -

الإسراع قليلاً في بطن مُحَسِّر (1)، إلا أن يكون راكبًا سيارة لا يقودها فإنه يعجز عن ذلك وإن كان الأولى أن ينوي بقلبه أنه لو تيسر له أن يسرع أسرع.

9 -

الذهاب إلى الجمرة من طريق أخرى غير طريق الذهاب إلى عرفات.

رمي الجمرات بمنى:

تعريفه: الرمي لغةً: القذف، والجمرات أو الجمار: الأحجار الصغيرة، جمع جمرة: وهي الحصاة.

حكمه: ذهب جمهور العلماء إلى أن رمي الجمرات واجب، لا يجوز تركه، فمن تركه لزمه دم عندهم.

ودليل إيجابه:

1 -

حديث جابر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول: «لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» (2).

2 -

قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله» (3).

3 -

ولأنه عمل يترتب عليه الحِلُّ فكان واجبًا، ليكون فاصلاً بين الحل والإحرام.

موضع الجمار التي ترمى وعددها:

الجمار التي ترمى بمنى، وهي ثلاث:

1 -

جمرة العقبة الكبرى: وهي الأولى جهة مكة وتكون على يسار الداخل إلى منى.

2 -

الجمرة الوسطى: وهي التي تلي جمرة العقبة جهة مزدلفة.

3 -

الجمرة الصغرى: وهي التي تلي مسجد الخيف بمنى.

(1) مكان بين منى والمزدلفة -وهو من منى على الأصح- وسمي كذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي: أعيي وكل، ولعله لأجل ذلك كان صلى الله عليه وسلم يسرع فيه كعادته في مواضع المعذبين.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم (1297)، والنسائي (3062)، وأبو داود (1970).

(3)

إسناده ضعيف: أخرجه أبو داود (1888)، والترمذي (902)، وأحمد (4/ 64).

ص: 248

صفة الحصيات:

يستحب أن تكون الحصيات التي يرمى بها مثل حصى الخذف، والمراد أنها قدر حب الباقلاء (الفول) وقيل: تكون أكبر من الحمص ودون البندق:

ففي حديث جابر: «

ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبِّر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف

» وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ان يلتقط له حصى الجمار فالتقط له سبع حصيات من حصى الخذف، فجعل ينفضهنَّ في كفه وقال:«بأمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (1) فماذا يقال فيما يفعله بعض الجهال من رميهم الجمرات بالنعال؟! أصلح الله شأن المسلمين وعرفهم بسنة نبيهم الكريم، هذه هي السنة.

من أين تُلتقط الحصيات؟

يجوز للحاج أن يلتقط الحصى من حيث شاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد لذلك مكانًا كما في حديث ابن عباس السابق، وبه قال أحمد وعطاء واختاره ابن المنذر وابن تيمية رحمهم الله.

واستحب الشافعي (2) أن يأخذها من مزدلفة، وهو مروي عن ابن عمر وسعيد ابن جبير، قلت: لكن لا يخفى ما فيه من التكلف والمشقة، وفي الأمر سعة.

هل يجوز الرمي بحصى رمى به قبل؟

ذهب الجمهور إلى جواز الرمي بحصى رمى به من قبل مع الكراهة، وذهب ابن حزم إلى الجواز من غير كراهة، وقال (3) رحمه الله: أما رميه بحصى قد رمى به فلأنه لم ينه عن ذلك قرآن ولا سنة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، فإن قيل: قد رُوى عن ابن عباس «أن حصى الجمار ما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه ترك، ولولا ذلك لكان هضابًا تسدُّ الطريق» قلنا: نعم، فكان ماذا؟ وإن لم يتقبل رمي هذه الحصا من عمرو فسيُقبل من زيد، وقد يتصدق المرء بصدقة فلا يقبلها الله تعالى منه، ثم يملك تلك العين آخر فيتصدق بها فتقبل منه. اهـ.

(1) صحيح: أخرجه النسائي (5/ 268)، وابن ماجه (3029)، وأحمد (1/ 215، 347).

(2)

«المجموع» (8/ 155).

(3)

«المحلى» (7/ 188).

ص: 249

لا يغسل حصى الرمي:

استحب الشافعي رحمه الله غسل حصى الجمار، ولا دليل على هذا الغسل، قال ابن المنذر: لا يعلم في شيء من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم غسلها أو أمر بغسلها، ولا معنى لغسلها، وكان عطاء والثوري ومالك وكثير من أهل العلم لا يرون غسلها، وقال: وروينا عن طاوس أنه كان يغسلها (1)، قلت: الأظهر أن غسلها لا يشرع والله أعلم.

رمي الجمار راكبًا:

ويجوز أن يرمي الجمار راكبًا لحديث قدامة بن عبد الله قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة يوم النحر على ناقة له صهباء، لا ضرب، ولا طرد، ولا إليك إليك» (2).

توقيت الرمي وعدده:

أيام الرمي أربعة: يوم النحر (العاشر من ذي الحجة)، وثلاثة أيام بعد وتسمى أيام التشريق (الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة).

ويرمي -يوم النحر- جمرة العقبة الكبرى وحدها بسبع حصيات.

ويرمي في أيام التشريق الجمار الثلاث -كل يوم منها- على الترتيب: الجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، يرمي كل جمرة منها بسبع حصيات.

فيصير مجموع الحصيات المرمية سبعين: سبع يوم النحر وإحدى وعشرون في كل يوم من أيام التشريق.

فإن تعجَّل الحاج، فلم ينتظر إلى الثالث عشر -وهذا جائز له- فيكون عدد الحصى المرمية تسعًا وأربعين.

1 -

الرمي يوم النحر:

تقدم أنه يجب رمي جمرة العقبة وحدها يوم النحر بسبع حصيات، ولكن

من أين يرمي جمرة العقبة؟

يستحب أن يرمي من (بطن الوادي) بحيث تكون مكة عن يساره ومنى عن

(1)«المجموع» (8/ 156، 164).

(2)

حسن: أخرجه النسائي (5/ 270)، والترمذي (903)، وابن ماجه (3035).

وقوله (لا ضرب

) تعريض للأمراء بأنهم أحدثوا هذه الأمور، وقوله (إليك إليك) معناه ابتعد وتنح.

ص: 250

يمينه إن تيسَّر له ذلك، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر، ولحديث ابن مسعود «أنه حين رمى جمرة العقبة استبطن الوادي حتى إذا حاذى بالشجرة، اعترضها فرمى بسبع حصيات، يكبِّر مع كل حصاة، ثم قال: من ها هنا -والذي لا إله غيره- قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم» (1).

فإن لم يتيسر هذا -لا سيما في الوقت الحاضر- فلا بأس أن يرميها من أي مكان تيسر.

وقت الرمي:

عن جابر رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فبعد الزوال» (2) فالسنة أن لا يرمي جمرة العقبة يوم النحر إلا بعد طلوع الشمس، ولا يجب هذا عند الجمهور، وأما رُوى عن ابن عباس: قدَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على حُمُرات فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: «أُبَنِي لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» (3) فحديث ضعيف فإن أخَّر الرمي إلى ما قبل الغروب جاز وإن لم يكن مستحبًّا بالإجماع (4).

فإن شق عليه الرمي قبل الغروب فإنه يرخَّص أن يرمي ولو بالليل لحديث ابن عباس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل يوم النحر بمنى فسأله رجل:

قال: رميت بعد ما أمسيت، قال: لا حرج» (5).

ويبتدئ وقت الرمي عند الحنفية والمالكية من طلوع الفجر يوم النحر، وعند الشافعية والحنابلة من منتصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة قبله.

وآخر وقت رمي جمرة العقبة عند الحنفية إلى فجر اليوم التالي (الحادي عشر)، وعند المالكية إلى المغرب، ويجب في المذهبين الدم بتأخير الرمي عن ذلك.

وأما الشافعية والحنابلة فآخر وقت الرمي عندهم آخر أيام التشريق.

(1) صحيح: أخرجه البخاري (1750)، ومسلم (1296).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري تعليقًا مجزومًا (3/ 677 - فتح)، ومسلم (1299).

(3)

ضعيف: أخرجه أبو داود (1940)، والنسائي (5/ 271)، وابن ماجه (3025)، وله طرق لا تخلو من مقال وقد صححه الحافظ في «الفتح» (3/ 528) بطرقه وكذا الألباني في «حجة النبي» (ص 80).

(4)

«التمهيد» لابن عبد البر (17/ 255).

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (1735) وغيره.

ص: 251

متى يرمي الضعفة الذين دفعوا من مزدلفة قبل الفجر؟

لا خلاف في أن المستحب للضعفة من النساء وغيرهن الرمي بعد طلوع الشمس اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، أما ما قبل طلوع الشمس، فأجازه الشافعي رحمه الله ولو قبل الفجر، وأجازه الجمهور بعد الفجر إلى طلوع الشمس.

قال شيخنا -حفظه الله تعالى- (1): «والذي يظهر لي في شأن النساء خاصة أن لهن الرمي إذا وصلن إلى منى، فقد أذن لهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدفع بليل (2)، ورمت أسماء رضي الله عنها قبل صلاة الصبح (3)، وتقدم في حديث سالم: «فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم» (4).

هذا، وإن صح حديث ابن عباس رضي الله عنهما فالنهي فيه للغلمان ليس للنساء، أو يحمل الأمر فيه على الندب جمعًا بين الأدلة كما قال ابن حجر في «الفتح» والله أعلم اهـ.

سنن الرمي يوم النحر:

1 -

قطع التلبية قبل الشروع في الرمي: لحديث الفضل بن عباس: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة» (5) وبه قال الجمهور (6).

2 -

التكبير مع كل حصاة يرميها: لما في حديث جابر: «

حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبِّر مع كل حصاة منها

»

3 -

أن يرميها من أسفلها من بطن الوادي: وقد تقدم هذا قريبًا.

4 -

أن يرمي بعد طلوع الشمس: وقد تقدم كذلك.

5 -

الانصراف بعد الرمي وعدم الوقوف: لما في حديث جابر: «.. رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر» فلا يقف عند جمرة العقبة عن الجمرتين

(1)«جامع أحكام النساء» لشيخنا مصطفى بن العدوي -حفظه الله- (2/ 563) بتصرف يسير.

(2)

تقدمت هذه الأحاديث في «المبيت بالمزدلفة» وهي صحيحة.

(3)

تقدمت هذه الأحاديث في «المبيت بالمزدلفة» وهي صحيحة.

(4)

تقدمت هذه الأحاديث في «المبيت بالمزدلفة» وهي صحيحة.

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (1670)، ومسلم (1281).

(6)

«فتح الباري» (3/ 623)، و «المجموع» (8/ 177)، و «نهاية المحتاج» (3/ 303)، و «المبدع» (3/ 340)، عند ابن حزم في «المحلى» (7/ 180): يقطع التلبية إذا أتم الرمي.

ص: 252

الأخريين بأربعة أشياء: اختصاصها بيوم النحر، وأن لا يوقف عندها، وترمى ضحى، ومن أسفلها استحبابًا» اهـ.

الأعمال في يوم النحر وترتيبها:

الأعمال المشروعة للحاج يوم النحر بعد وصوله منى أربعة، وهي: رمي جمرة العقبة، ثم ذبح الهدي، ثم الحلق، ثم طواف الإفاضة، وترتيب هذه الأربعة هكذا سنة، وليس بواجب، فلو طاف قبل أن يرمي أو ذبح في وقت الذبح قبل أن يرمي أو حلق قبل الرمي والطواف جاز، ولا فدية عليه، لكن فاته الأفضل (1)، وهذا مذهب الشافعي وجمهور السلف والعلماء وفقهاء أصحاب الحديث (2).

ويدلَّ له حديث ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير، فقال: لا حرج» (3) وهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معًا، لأن اسم الحرج والضيق يشملها.

وقال بعض العلماء كالإمام أحمد وغيره إن الرخصة في عدم الترتيب تختص بمن نسى أو جهل لا بمن تعمد (4)، لما في حديث عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، قال:«اذبح ولا حرج» فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال:«ارم ولا حرج» فما سئل يومئذ عن شيء قدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افعل ولا حرج» (5).

قال ابن دقيق العيد في «شرح عمدة الأحكام» (3/ 79): ما قاله أحمد قوى من جهة أن الدليل دلَّ على وجوب اتباع الرسول في الحج بقوله: «خذوا عني مناسككم» وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل: «لم أشعر» فيختصُّ الحكم بهذه الحالة، وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج، وأيضًا فالحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرًا، لم يجز اطِّراحه، ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة،

(1)«المجموع» (8/ 168).

(2)

«فتح الباري» (3/ 668).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (1734) وغيره.

(4)

«المغنى» (3/ 447)، و «فتح الباري» (3/ 668).

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (1736، 1737)، ومسلم (1306).

ص: 253

وقد علق به الحكم، فلا يمكن اطراحه بإلحاق العمد به، إذ لا يساويه، وأما التمسك بقول الراوي «فما سئل عن شيء .. إلخ» فإنه يشعر بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى، فجوابه أن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه، وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل، والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه، فلا يبقى حجة في حال العمد. اهـ.

قلت: هذا الكلام يكون في غاية السداد لو اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على قوله: «لا حرج» في جواب للسائل، فلما قال:«افعل ولا حرج» وكان هذا دالاًّ على عدم الحرج في المستقبل، عُلم أنه لا فرق بين الناسي والجاهل والذاكر والعالم، وهذا كما أنه ظاهر الأدلة فهو الموافق لمقاصد الشريعة لا سيما في هذه الأيام (1) والله أعلم.

يبقى إشكال في تقديم الحلق على الهدي لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (2). وقد أُجيب بأن المراد ببلوغ الهدي محله: وصوله إلى الموضع الذي يحل ذبحه فيه وقد حصل، وإنما يقع الإشكال لو قال: ولا تحلقوا حتى تنحروا، فصح أنه لا يجب الترتيب وإن كان هو الأولى، والله أعلم.

التحلل الأول والثاني:

للحج تحللان: أول وثان، يتعلقان برمي جمرة العقبة والحلق وطواف الإفاضة، وقد اختلف العلماء: هل يحصل التحلل الأول بالرمي وإن لم يحلق، أو بالرمي مع الحلق؟

والأصل في هذا حديث عائشة قالت: «طيَّبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديَّ هاتين حين أحرم، ولحلِّه حين أحلَّ قبل أن يطوف» (3).

وعائشة رضي الله عنها لم تكن مسايرته لما أفاض صلى الله عليه وسلم من مزدلفة، وقد ثبت أنه استمر راكبًا إلى أن رمى جمرة العقبة، فدلَّ على أن تطييبها له وقع بعد الرمي، لكن هل كان هذا التطييب قبل الحلق أو بعده؟

فقال بعض العلماء (4): لو كان يحل بالرمي فقط لقالت: (ولحله قبل أن

(1) أشار إلى نحو هذا العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- كما في «الممتع» (7/ 367).

(2)

سورة البقرة: 196.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (1754)، ومسلم (1189).

(4)

«الشرح الممتع» (7/ 365).

ص: 254

يحلق) فهي رضي الله عنها جعلت الحل ما بين الطواف والذي قبله، والذي قبله هو الرمي والنحر والحلق، لا سيما وقد قال صلى الله عليه وسلم:«إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر» (1).

وقد ورد حديث: «إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء» (2) لكنه لا يصح.

وقال آخرون: إن المحرم إذا رمى جمرة العقبة، حلَّ له كل شيء إلا النساء، ولو لم يحلق، واستدلوا برواية لحديث عائشة المتقدم بلفظ:«طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والإحرام، حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر، قبل أن يطوف بالبيت» (3).

وبحديث: «إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء» (4) بدون زيادة «وحلقتم» وهذا مذهب عطاء ومالك وأبي ثور وأبي يوسف وهو رواية عن أحمد واختاره ابن قدامة وإليه ذهب ابن حزم بل إنه قال: يحل له ذلك بمجرد دخول وقت الرمي ولو لم يرم (5).

وذهب الشافعية إلى أن التحلل الأول يقع بأمرين من ثلاثة: الرمي والحلق والطواف، ويقع التحلل الثاني بالثالث (6).

وأما التحلل الثاني فيحصل بعد طواف الإفاضة، ففي حديث ابن عمر: «

ثم لم يحلل [أي النبي صلى الله عليه وسلم من شيء حرم منه حتى قضى حجَّه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت، ثم حلَّ من كل شيء حرم منه

» (7).

2 -

الرمي في أول وثاني أيام التشريق:

يجب في هذه اليومين (الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة) رمي الجمار الثلاث على الترتيب: الجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، يرمي كل جمرة منها بسبع حصيات.

(1) صحيح: أخرجه البخاري (1566)، ومسلم (1229).

(2)

ضعيف: أخرجه الطحاوي (1/ 419)، والبيهقي (5/ 136)، وأحمد (6/ 143)، وانظر «الإرواء» (1046).

(3)

إسناده صحيح: أخرجه أحمد (6/ 200).

(4)

صححه الألباني: وانظر «الإرواء» (4/ 236)، و «الصحيحة» (239).

(5)

«المغنى» (3/ 439)، و «المحلى» (7/ 139)، و «حجة النبي» (ص: 81).

(6)

«المجموع» (8/ 203)، و «فتح الباري» (3/ 684).

(7)

صحيح: أخرجه مسلم (1227) وغيره.

ص: 255

وقت الرمي:

يبدأ وقت الرمي في هذين اليومين بعد الزوال، ولا يجوز قبله عند جمهور العلماء (1)، والدليل:

1 -

لحديث جابر قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فبعد الزوال» (2) وقد قال صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» (3).

2 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترقب زوال الشمس حتى يرمي، فعن وبرة قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما «متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارمه، فأعدت عليه المسألة، قال: كنا نتحيَّن فإذا زالت الشمس رمينا» (4) ولو جاز قبل الزوال لفعله صلى الله عليه وسلم ولو مرة لبيان الجواز.

3 -

أنه لو كان الرمي قبل الزوال جائزًا لفعله صلى الله عليه وسلم، لما فيه من فعل العبادة في أول وقتها، ولما فيه من التيسير على العباد ولما فيه من تطويل الوقت (5).

يمتد الوقت المسنون من زوال الشمس إلى غروبها، فإن شق الرمي قبل المغرب، فلا حرج -على الأصح- أن يرمي بالليل كما سبق تحريره عند الرمي يوم النحر.

وأنه نهاية وقت الرمي، فمذاهب العلماء فيه مثل الذي تقدم في الرمي يوم النحر.

صفة الرمي في اليومين:

عن سالم أن ابن عمر رضي الله عنهما: «كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبِّر مع كل حصاة، ثم يتقدم فيسهل فيقوم مستقبل القبلة طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلاً، ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ويقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله» (6).

النَّفر الأول: إذا رمى الحاج الجمار أول وثاني أيام التشريق، فإنه يجوز له أن ينفر -أي يرحل- إلى مكة، إن أحب التعجل في الانصراف من منى، ويُمس

(1)«المبسوط» (4/ 23)، و «الموطأ» (1/ 409)، و «الفروع» (3/ 518)، و «المجموع» (8/ 211).

(2)

«المبسوط» (4/ 23)، و «الموطأ» (1/ 409)، و «الفروع» (3/ 518)، و «المجموع» (8/ 211).

(3)

صحيح: تقدم قريبًا.

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (1746).

(5)

«الشرح الممتع» (7/ 384).

(6)

صحيح: أخرجه البخاري (1751).

ص: 256

هذا اليوم يوم النفر الأول، وبه يسقط رمي اليوم الثالث من أيام التشريق اتفاقًا، لقوله تعالى:{فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (1).

وله أن ينفر -النفر الأول- قبل غروب الشمس ثاني أيام التشريق في مذهب الجمهور، وعند الحنفية: له أن ينفر ما لم يطلع الفجر من ثالث أيام التشريق.

3 -

الرمي ثالث أيام التشريق:

ويجب رمي الجمار الثلاث في هذا اليوم على من تأخر ولم ينفر من منى «النفر الأول» بعد الزوال عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: يجوز الرمي قبل الزوال بعد الفجر، وحديث جابر يردُّه.

واتفقوا على أن آخر وقت الرمي في هذا اليوم غروب الشمس، وأن وقت الرمي لقضاء الأيام السابقة ينتهي أيضًا بغروب شمس ثالث أيام التشريق، لخروج وقت المناسك بغروب الشمس.

النَّفر الثاني:

إذا رمى الحاج الجمار الثلاث في اليوم الثالث من أيام التشريق -وهو رابع أيام النحر- انصرف من منى إلى مكة، ولا يسن له أن يقيم بمنى بعد الرمي ويسمى «يوم النفر الثاني» وبه تنتهي مناسك منى.

النيابة في الرمي (الرمي عن الغير):

من عجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس ونحوهما، فإنه يستنيب من يرمي عنه، لأن وقته مضيق، وينبغي أن يكون النائب قد رمى عن نفسه أولاً.

ولا يصح الرمي عن النساء -غير العاجزات عن الرمي- وكذلك عن الصبيان، وأما حديث جابر:«حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان ورمينا عنهم» (2) فهو حديث ضعيف لا يصح.

المبيت بمنى أيام التشريق واجب:

يجب المبيت بمنى في ليالي أيام التشريق الثلاث (أو: ليلتي حادي عشر وثاني عشر لمن تعجَّل) عند جمهور العلماء، يلزم على من تركه بغير عذر دم عندهم، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(1) سورة البقرة: 203.

(2)

ضعيف: أخرجه أحمد (3/ 314) ونحوه عند الترمذي (927)، وابن ماجه (3038)، والبيهقي (5/ 256).

ص: 257