الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (1) ثم إن الذبح هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وسنته لا ينبغي أن نحيد عنها.
3 -
لا يصح الاشتراك في العقيقة: فلا يجزئ الرأس إلا عن رأس، لقوله صلى الله عليه وسلم: «مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عنه دمًا
…
» (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: «كل غلام رهينة بعقيقته
…
» (3) فجعل مع كل غلام عقيقة مستقلة به، ولم يشرع الاشتراك فيها كما شرع في الهدايا والأضاحي.
4 -
لم يصحَّ في المنع من كسر عظام العقيقة، ولا في كراهة ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصحَّ كذلك الأمر بإرسال الرِّجل إلى القابلة.
5 -
لا يُمسُّ المولود بشيء من دم العقيقة: فهذه عادة جاهلية نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم (4) واستبدل بها حلق رأسه والتصدق بوزن شعره فضة:
فعن بريدة رضي الله عنه قال: «كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران» (5) وعن عائشة - في حديث العقيقة- قالت: «وكان أهل الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة، ويجعلونه على رأس الصبي، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل مكان الدم خلوقًا» (6).
6 -
يستحب طبخها دون إخراج لحمها نيئًا: حتى يكفي المساكين والجيران مؤنة الطبخ وهو زيادة في الإحسان وفي شكر هذه النعمة، ودليل على مكارم الأخلاق والجود.
الأشربة
التعريف:
الأشربة جمع شراب، والشراب: اسم لما يُشرب من أي نوع كان، ماء أو غيره، وعلى أي حال كان، وكل شيء لا مضغ فيه فإنه يقال فيه: يُشرب (7).
(1) سورة الكوثر: 2.
(2)
صحيح: تقدم قريبًا.
(3)
صحيح: تقدم قريبًا.
(4)
انظر كتابي «250 خطأ من أخطاء النساء» (ص: 11).
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (2843)، والطحاوي في «المشكل» (1/ 460)، والحاكم (4/ 238).
(6)
صحيح: أخرجه ابن حبان (1057)، والبيهقي (9/ 303).
(7)
«لسان العرب» ، و «مختار الصحاح» مادة (شرب).
الأصل في الأشربة الحِلُّ، إلا ما ورد النص بتحريمه:
لعموم الأدلة المتقدمة -في الأطعمة- التي تثبت أصالة الحِلِّ، ولحديث أنس ابن مالك رضي الله عنه قال:«لقد سقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القدح الشراب كلَّه: الماء، والنبيذ، والعسل واللبن» (1).
الخمر بأنواعها حرام: وهذا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع:
1 -
وقد أُكد تحريم الخمر -في الآيتين- بوجوه من التأكيد منها:
(أ) تصدير الجملة بـ «إنما» .
(ب) أنه سبحانه وتعالى قرنها بعبادة الأصنام.
(جـ) أنه جعلها رجسًا.
(د) أنه جعلها من عمل الشيطان، والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت.
(هـ) أنه أمر باجتنابها.
(و) أنه جعل الاجتناب من الفلاح، فيكون الارتكاب خيبة وممحقة.
(ز) أنه ذكر ما ينتج منها من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض من أصحاب الخمر، وما تودي إليه من الصد عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلاة.
(ح) وقوله تعالى {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} من أبلغ ما يُنهى به، كأنه قيل: قد تُلي عليكم ما فيها من أنواع الصوارف والموانع، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون، أم أنتم على ما كنتم عليه، كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟! (3).
2 -
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه» (4).
كلُّ مسكر خمر:
ذهب جماهير العلماء، منهم: أهل المدينة وسائر الحجازيين، وأهل الحديث،
(1) صحيح: أخرجه مسلم (2008)، والترمذي في «الشمائل» (1/ 294).
(2)
سورة المائدة: 90، 91.
(3)
«تفسير القرطبي» (6/ 285 - الكتب)، و «الطبري» (7/ 31)، و «الألوسي» (7/ 15).
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (3674)، والترمذي (1295)، وابن ماجه (3380).
والحنابلة، وبعض الشافعية إلى أن كل ما أسكر فهو خمر حقيقة، سواء اتخذ من العنب أو التمر أو الحنطة أو الشعير أو غيرها (1).
1 -
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر حرام، إن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: وما طينة الخبال؟ قال: «عصارة أهل النار» (2) وفي لفظ عند مسلم: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» .
2 -
وعن عمر قال: «أيها الناس، إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل» (3).
3 -
ولأن القرآن لما نزل بتحريم الخمر فهم الصحابة -وهم أهل اللسان- أن كل شيء يسمى خمرًا يدخل في النهي، فأراقوا المتخذ من التمر والرطب ولم يخصوا ذلك بالمتخذ من العنب، بل إن الخمر إنما حرمت بالمدينة، وما بها عنب (!!) وما كان شرابهم إلا البسر والتمر. على أن الخمر إنما سميت خمرًا لأنها تخمر العقل وتغيِّبه وتستره فعمت كلَّ مسكر.
وذهب أكثر الشافعية، وصاحبا أبي حنيفة وبعض المالكية إلى أن الخمر هي المسكر من عصير العنب إذا اشتد، سواء أقذف بالزبد أم لا.
فائدتان:
1 -
إذا أسكر الكثير، فالقليل حرام: وعلى هذا جماهير أهل العلم، لقوله صلى الله عليه وسلم:«كل ما أسكر حرام، وما أسكر الفرق، فملء الكف منه حرام» (4).
تنبيه: جمهور الشافعية الذين ذهبوا إلى أن الخمر من عصير العنب لا يخالفون الجمهور في أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، والاختلاف في الإطلاق بين الجمهور وأكثر الشافعية، لم يغيِّر الأحكام من جوب الحد عند شرب قليله، والنجاسة، وغير ذلك مما يتعلق بالخمر، ما عدا مسألة تكفير مستحلِّ الخمر، فلا يكفر منكر حكمه للاختلاف فيه.
(1)«ابن عابدين» (5/ 288)، و «المدونة» (6/ 261)، و «الدسوقي» (4/ 353)، و «الروضة» (10/ 168)، و «المغنى» (9/ 159).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (2002)، والنسائي (8/ 327)، وأحمد (3/ 361).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (5581)، ومسلم (3032).
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (3687)، والترمذي (1928).
وأما الحنفية، فالأنبذة من غير العنب عندهم لا يُحدُّ شاربها إلا إذا سكر منها!! والحديث حجة عليهم.
2 -
كلُّ ما غيَّب العقل فهو خمر:
لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «.. والخمر ما خامر العقل» (1).
ويدخل في هذا الحشيشة والأفيون والهيروين والبانجو ونحوها من المخدرات وهي حرام بإجماع الفقهاء لحديث أم سلمة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومُفتِّر» (2).
ثم قال رحمه الله: «.. ومن استحلها وزعم أنها حلال فإنه يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل مرتدًّا، فإن كل ما يصيب العقل فهو حرام بإجماع المسلمين» اهـ (3).
شرب الخمر للمضطر (4):
ما سبق من تحريم الخمر إنما هو في الأحوال العادية، أما عند الاضطرار فيرخَّص شرعًا تناول الخمر، لكن بمعياره الشرعي الذي تُباح به المحرمات، كضرورة العطش الذي يخشى معه الهلاك أو الغصص أو الإكراه، فيتناول المضطر بقدر ما تندفع به الضرورة، قال الله تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (5).
فأسقط الله تعالى تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة، فعمَّ ولم يخصَّ فلا يجوز تخصيص ذلك.
وقد منع المالكية -وهو الأصحُّ عن الشافعية- شربها لدفع العطش، قالوا:
(1) صحيح: تقدم قريبًا.
(2)
إسناده ضعيف: أخرجه أبو داود (3686)، وأحمد (6/ 254).
(3)
«مجموع الفتاوى» ، وانظر:«ابن عابدين» (6/ 457)، و «سبل السلام» (4/ 1322)، و «الزواجر» للهيثمي (1/ 172).
(4)
«المحلى» (7/ 426)، و «فتح القدير» (9/ 28)، و «الدسوقي» (4/ 353)، و «مغنى المحتاج» (4/ 188)، و «كشاف القناع» (9/ 117).
(5)
سورة الأنعام: 119.
لأنها لا تزيل العطش، بل تزيده حرارة لحرارتها ويبوستها، وأجيب: بأنه قد صحَّ أن كثيرًا من المدمنين عليها من الكفار والخلاع لا يشربون الماء أصلاً مع شربهم الخمر، وعلى كلٍّ فالآية عامة كما تقدم ولا يجوز تخصيص الخمر بالمنع عند خوف الهلاك، لكن هذا موقوف على دفع العطش بها، وإلا لم يجز كما قرره شيخ الإسلام (1).
لا يجوز تملُّك الخمر ولا تمليكها:
يحرم على المسلم تملُّك أو تمليك الخمر بأي سبب من أسباب الملك الاختيارية أو الإرادية، كالبيع والشراء والهبة ونحو ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الذي حرَّم شربها حرَّم بيعها» (2).
وعن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله ورسوله حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» (3).
ضمان إتلاف الخمر (4):
اتفق الفقهاء على أن الخمر إن كانت لمسلم فلا يضمن متلفها، واختلفوا في ضمان من أتلف خمرًا لذمي، فقال الحنفية والمالكية: يضمنها!!، وقال الشافعية والحنابلة: لا يضمنها لانتفاء تقوُّمها كسائر النجاسات.
الخمر تصير خلاًّ:
1 -
إذا تخللت الخمر بنفسها: بغير قصد التخليل، فإن هذا الخلَّ يحلُّ بلا خلاف بين الفقهاء (5)، لقوله صلى الله عليه وسلم:«نِعْم الإدام الخل» (6).
ويُعرف التخلل بالتغيُّر من المرارة إلى الحموضة.
(1) انظر «مجموع الفتاوى» (14/ 471).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (1579)، والنسائي (4664)، والدارمي (2103).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (2236)، ومسلم (1581).
(4)
«ابن عابدين» (5/ 292)، و «مواهب الجليل» (5/ 280)، و «الشرح الكبير» (5/ 376 - مع المغنى)، و «نهاية المحتاج» (5/ 165).
(5)
«المحلى» (1/ 117 - 7/ 433)، و «الموسوعة» (5/ 27).
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (2051)، والترمذي (1839)، والنسائي (3796)، وأبو داود (3820).
2 -
إذا خُللَّت الخمر بوضع شيء فيها: كالخل والبصل والملح، أو إيقاد نار عندها، فاختلف أهل العلم في حكمها على قولين (1):
الأول: لا يجوز تخليلها، ولا يحل هذا الخل: وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو مذهب الشافعية والحنابلة ورواية عن مالك، وحجتهم:
1 -
أن التخليل يعتبر اقترابًا من الخمر على وجه التمول، وهو مخالف للأمر بالاجتناب في قوله تعالى:{فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2).
2 -
حديث أنس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر تُتَّخذ خلاًّ، فقال:«لا» (3).
وفي لفظ: أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرًا؟ قال: «أهرقها» قال: أفلا نجعلها خلاًّ؟ قال: «لا» (4).
وهذا النهي يقتضي التحريم، ولو كان إلى استصلاحها سبيل لم تجز إراقتها، ولكان أرشدهم إليه خصوصًا وأنها لأيتام يحرم التفريط في أموالهم. فقال: أمرته أن يبيعها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الذي حرم شربها حرَّم بيعها» ففتح الرجل المزادتين حتى ذهب ما فيهما» (5).
3 -
عن ابن عباس قال: أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما علمت أن الله حرمها؟» فقال: لا. فساره رجل إلى جنبه، فقال:«بمَ ساررتَه؟» .
4 -
عن عمر رضي الله عنه أنه صعد المنبر فقال: «لا تأكل خلاًّ من خمرٍ أُفسدت، حتى يبدأ الله تعالى إفسادها، وذلك حين طاب الخل، ولا بأس على امرئ أصاب خلاًّ من أهل الكتاب أن يبتاعه ما لم يعلم أنهم تعمدوا إفسادها» (6).
وهذا قول يشتهر بين الناس، لأنه إعلان للحكم بين الناس على المنبر، فلم ينكر أحد.
الثاني: يجوز تخليلها، ويحلُّ الخلُّ: وهو مذهب الحنفية والراجح عند المالكية وهو قول أبي محمد بن حزم، وحجتهم:
(1)«المحلى» (7/ 433)، و «البدائع» (5/ 114)، و «القوانين الفقهية» (34)، و «المغنى» (9/ 145)، و «نيل الأوطار» (8/ 214).
(2)
سورة المائدة: 90.
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (1983)، وغيره.
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (3675)، وأحمد (3/ 119).
(5)
صحيح: تقدم قريبًا.
(6)
أخرجه أبو عبيد في «الأموال» (ص: 104).
1 -
أنه إصلاح، والإصلاح مباح قياسًا على دبغ الجلد، فإن الدباغ يطهره.
2 -
ما يُروى مرفوعًا -في جلد الشاة الميتة-: «إن دباغها يحله كما يحل خل الخمر» (1) وهو ضعيف.
3 -
ما يُروى مرفوعًا: «خير خلِّكم، خلُّ خمركم» (2)!! وهو ضعيف.
4 -
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «نعم الإدام الخل» (3) فلم يفرق بين التخلل بنفسه والتخليل.
5 -
لأن التخليل يزيل الوصف المفسد، ويجعل في الخمر صفة الصلاح، والإصلاح مباح، لأنه يشبه إراقة الخمر.
الراجح:
الذي يظهر أن أدلَّة الأوَّلين أقوى فيحرُم تخليل الخمر، لكن إذا أهدى إلى إنسان خلٌّ مصنوع فلا حرج في أكله لزوال الوصف المفسد، ومع هذا فلا يجوز له شراؤه لأن فيه إعانة على الإثم، وقد قال سبحانه {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (4).
وأما ما تخلل بنفسه فلا حرج في شرائه أو أكله كما تقدم والله أعلم.
لا يجوز التَّداوي بالخمر (5):
ذهب جمهور العلماء إلى تحريم التداوي بالخمر (أي المسكرات) بل: يُحدُّ من شربها لدواء عندهم، ويؤيد التحريم ما يأتي:
1 -
حديث طارق بن سويد الجعفي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر؟ فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال صلى الله عليه وسلم:«إنه ليس بدواء، ولكنه داء» (6).
قال شيخ الإسلام (7): «فهذا نص في المنع من التداوي بالخمر، ردًّا على من أباحه، وسائر المحرمات مثلها قياسًا، خلافًا لمن فرَّق بينهما» اهـ.
(1) ضعيف: أخرجه الدارقطني (4/ 266).
(2)
ضعيف: أخرجه البيهقي في «المعرفة» ، وانظر:«نصب الراية» (4/ 311).
(3)
صحيح: تقدم قريبًا.
(4)
سورة المائدة: 2.
(5)
«البدائع» (6/ 2935)، و «الدسوقي» (4/ 352)، و «مغنى المحتاج» (4/ 188)، و «كشاف القناع» (6/ 116)، وانظر:«التداوي بالمحرمات» لشيخنا ساعد بن عمر غازي، رفع الله قدره.
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (1984).
(7)
«مجموع الفتاوى» (21/ 568)، وانظر:«مختصر الفتاوى المصرية» (ص: 490).
قلت: فكيف يعقل لطبيب مسلم علام بشرعه أن يصف دواءً، وصفه نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه داء؟!
2 -
وعن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث» (1).
3 -
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواءً، فتداووا، ولا تداووا بحرام» (2).
فهذه الأدلة تدل على تحريم التداوي بالأدوية المحرمة عامة، وبالخمر خاصة.
فإن قيل: لماذا لم تُعمل قاعدة: «الضرورات تبيح المحظورات» نقول: لأمرين:
1 -
أن التداوي لا يدخل في باب الضرورات على الراجح: فليس التداوي بواجب عند جماهير الأئمة، حتى قال شيخ الإسلام (3):«ولست أعلم سالفًا أوجب التداوي» اهـ.
ومما يدل على هذا حديث ابن عباس، في المرأة السوداء التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرع، فادعُ الله لي، قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوتُ الله أن يعافيك
…
» الحديث (4) ولو كان دفع المرض واجبًا لم يكن للتخيير موضع. «ولا يخالف هذا الأمر بالتداوي، فالجمع ممكن بأن التفويض (ترك التداوي) أفضل مع الاقتدار على الصبر، وأما مع عدم الصبر على المرض وصدور الحرج، فالتداوي أفضل لأن أفضلية التفويض قد ذهبت بعدم الصبر» اهـ (5).
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نصَّ على تحريم التداوي بالمحرم، كما تقدم، والله أعلم.
تنبيه: البنج ونحوه مما يُغيِّب العقل -إذا لم يوجد ما يقوم مقامه- يجوز استعماله عند الضرورة الملجئة في العمليات الجراحية (6).
حكم الخليطين من الأشربة (7):
لا يجوز خلط شيئين مما يقبل الانتباذ (النقع) في الماء، كالبُسر والرطب،
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (3870)، وابن ماجه (3459)، وأحمد (2/ 446).
(2)
حسن بطرقه: أخرجه أبو داود (3874)، والبيهقي (10/ 5)، وانظر «الصحيحة» (1633).
(3)
«مجموع الفتاوى» (21/ 564).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5652)، ومسلم (2265).
(5)
«الدراري المضية» للشوكاني (ص: 393).
(6)
أشار إلى نحو هذا الحافظ في «الفتح» (10/ 80)، والنووي في «المجموع» (3/ 8).
(7)
المنتقى للباجي (3/ 149)، و «مغنى المحتاج» (4/ 187)، و «كشاف القناع» (6/ 96)، و «المحلى» (7/ 508)، و «نيل الأوطار» (8/ 211).
والتمر والزبيب، ولو لم يشتدَّا، لحديث أبي قتادة قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين التمر والزهو، والتمر والزبيب، ولينبذ كل واحد منهما على حدة» (1).
وعن جابر بن عبد الله: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلط الزبيب والتمر، والبسر والتمر» (2).
ووجه النهي عن انتباذ الخليطين أن الإسكار يسرع إلى ذلك بسبب الخلط قبل أن يتغير، فيظن الشارب أنه ليس بمسكر، ويكون مسكرًا، فنهى عنه سدًّا للذريعة.
وقد ذهب إلى تحريم الخليطين -وإن لم يكن مسكرًا- مالك، وهو ظاهر كلام أحمد والشافعي، وبه قال إسحاق وابن حزم (لكنه خصَّه بالأنواع المذكورة دون غيرها).
وذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة إلى أنه يكره ما لم يصل إلى حدِّ الإسكار فيحرُم حينئذ، وأوَّل الحنابلة قول أحمد رحمه الله:«الخليطان حرام» بأن مراده: إذا اشتد وأسكر.
وأما أبو حنيفة رحمه الله فقال: لا بأس بالخليطين ما لم يصل إلى حدِّ الإسكار!! لأن كلاًّ منهما يحل منفردًا فلا يُكره مجتمعًا (!!) واستُدلَّ له بما يُروى عن عائشة قالت: «كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء فنأخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فنطرحها، ثم نصب عليه الماء فننبذه غدوة، فيشربه عشية، وننبذه عشية فيشربه غدوة» (3) وهو ضعيف لا يحتج به.
قلت: النهي يقتضي التحريم ما لم يصرفه صارف، ثم إن من المعلوم أنه إذا وُجد الإسكار حَرُم الشراب سواء كان من خليطين أو من نوع واحد مستقلٍّ!!
النبيذ من صنف واحد (4):
النبيذ هو: ما يلقى من التمر أو الزبيب أو نحوهما في الماء حتى يحلو ويكسبه طعمه، ثم يشرب.
وهو مباح إذا كانت مدة الانتباذ قريبة أو يسيرة بحيث لم يشتد ولم يصر مسكرًا، وحدَّ الحنابلة هذه المدة بيوم وليلة (!!) وأما المالكية والشافعية فلم يعتبروا
(1) صحيح: أخرجه البخاري (5173)، ومسلم (1987).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (1986).
(3)
ضعيف: أخرجه ابن ماجه (3398).
(4)
«المدونة» (6/ 263)، و «روضة الطالبين» (10/ 168)، و «المغنى» (8/ 317 - 319)، و «فتح الباري» (10/ 57).
المدة وإنما اعتبروا الإسكار، قلت: وهو الأقرب، فعن جارية حبشية قالت:«كنت أنبذ للنبي صلى الله عليه وسلم في سقاء من الليل وأوكيه وأعلقه، فإذا أصبح شرب منه» (1).
وعن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ له أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء، والغد، والليلة الأخرى، والغد إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم، أو أمر به فصُبَّ» (2).
أي: إن كان بدا في طعمه بعض التغيير ولم يشتد سقاه الخادم، وإن اشتد أمر بإهراقه.
شرب الدُّخان (التدخين):
عندما ظهر (التبغ) واستعمله بعض الناس، وكان ذلك في أوائل القرن الحادي عشر للهجرة، اختلف الفقهاء في حكمه، فمنهم من قال بحرمته، ومنهم من كرهه ومنهم من أباحه!!
وخلاصة القول فيه أن التدخين حرام، لأن كل علل التحريم متوفرة فيه وهي:
1 -
كونه يحدث تفتيرًا وخَدَرًا في الجسم، وقد «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومُفتِّر» (3).
2 -
كونها من الخبائث لاسيما وأن هذه العُشبة (التنباك) تُبَل بالخمر ولابد (!!) ولا يتصور عاقل أن «الدخان» من الطيبات، وقد قال تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} (4).
3 -
أن هذا الدخان قد ثبت ضرره على بدن الإنسان لما فيه من المواد السامة المهلكة كالنيكوتين والقطران وغيرهما مما يتسبب في سرطان الرئة والحنجرة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» (5). وقال سحبانه {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} (6) ولا فرق في حرمة المُضرِّ بين كل ضرره دفعيًّا -أي: يحصل دفعة واحدة- أو تدريجيًّا.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (2005).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (2004).
(3)
ضعيف: تقدم قريبًا.
(4)
سورة الأعراف: 157.
(5)
حسن: تقدم كثيرًا.
(6)
سورة النساء: 29.
4 -
أن فيه إسرافًا وإضاعة للمال، وقد «كره النبي صلى الله عليه وسلم إضاعة المال» (1) ولا فرق في إضاعة المال بين إلقائه في البحر أو إحراقه في النار.
فائدة: التدخين يُعجِّل في سن اليأس للمرأة (2):
فقد نشرت مجلة «لافست» الطبية مقالاً عن الدخان جاء فيه: «لقد توصلت دراسة أمريكية حديثة إلى نفس النتيجة التي توصل إليها العلماء في بريطانيا، وهي أن المدخنات من النساء عرضة لبلوغ سن اليأس في وقت مبكر، والتجارب الأمريكية على (3500) امرأة في منتصف العمر أكدت هذه النتيجة» اهـ.
آداب الشرب:
1 -
التسمية قبل الشرب.
2 -
الشرب باليمين: وقد تقدم الدليل عليهما في آداب الطعام.
3 -
أن يشرب جالسًا، ويجوز قائمًا:
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يشربنَّ أحدكم قائمًا، فمن نسي فليستقيء» (3).
والنهي محمول على كراهة التنزيه، فقد ثبت عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم من دلو منها وهو قائم» (4).
4 -
أن يشرب على ثلاث مرات، يتنفس بينها خارج الإناء:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شرب تنفَّس بنفسين أو ثلاثة يفصل فاه عن الإناء ويقول: «إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ» (5).
5 -
أن لا يتنفس أو ينفخ في الإناء:
فعن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شرب أحدكم فلا يتنفَّس في الإناء» (6).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1477)، ومسلم (1715).
(2)
«الأشربة وأحكامها في الشريعة الإسلام» د. ماجد أبو رخية، عن «المفصل» (3/ 71).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (3775).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5617)، ومسلم (2027).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (5631)، ومسلم (3782) واللفظ له.
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (153)، ومسلم (267).