المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

13 - ابتلاع ما لا يحترز منه، مثل: (أ) ما يعلق - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ٢

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌4 - كتاب الزكاة

- ‌حكم الزكاة ومنزلتها

- ‌من فضائل وفوائد الزكاة

- ‌حكم منع الزكاة وعقوبة مانعها

- ‌شروط وجوب الزكاة

- ‌زكاة الديون

- ‌الأصناف التي تجب فيها الزكاة

- ‌زكاة الذهب والفضة

- ‌الزكاة في الأوراق النقدية «البنكنوت»

- ‌نصاب الأوراق النقدية

- ‌زكاة الحلي

- ‌الزكاة في الرواتب وكسب الأعمال

- ‌زكاة الصداق

- ‌زكاة المواشي

- ‌زكاة الإبل

- ‌زكاة البقر

- ‌زكاة الغنم

- ‌مسائل عامة في زكاة المواشي

- ‌زكاة الزروع والثمار

- ‌زكاة عروض التجارة

- ‌زكاة الركاز والمعادن

- ‌أحكام عامة في الركاز

- ‌مصارف الزكاة

- ‌نقل الزكاة

- ‌زكاة الفطر

- ‌مصرف زكاة الفطر

- ‌5 - كتاب الصيام

- ‌تعريف الصيام

- ‌أقسام الصيام:

- ‌1 - الصيام الواجب وأقسامه:

- ‌صيام رمضان

- ‌المفطرون وأحكامهم

- ‌قضاء رمضان

- ‌2 - صيام التطوع

- ‌مسائل تتعلق بصيام التطوع

- ‌الأيام المنهي عن صيامها

- ‌ليلة القدر

- ‌الاعتكاف

- ‌6 - كتاب الحج والعمرة

- ‌أولاً: الحج

- ‌الحج عن الغير

- ‌المواقيت

- ‌سياق صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ملخص أفعال حج التمتُّع

- ‌ما قبل السفر

- ‌الإحرام

- ‌دخول مكة والطواف

- ‌السعي بين الصفا والمروة

- ‌التحلل من الإحرام

- ‌يوم التروية

- ‌يوم عرفة

- ‌الإفاضة إلى المزدلفة والمبيت بها

- ‌يوم النحر

- ‌أيام التشريق

- ‌طواف الوداع قبل السفر

- ‌أركان الحج

- ‌محظورات الإحرام

- ‌دخول مكة

- ‌أحكام في الطواف عامة

- ‌أحكام السعي بين الصفا والمروة

- ‌الهَدْي

- ‌الحلق والتقصير

- ‌الفوات والإحصار

- ‌ثانيًا: العمرة

- ‌فضل العمرة

- ‌وقت العمرة:

- ‌تجوز العمرة قبل الحج:

- ‌هل يشرع تكرار العمرة

- ‌أركان العمرة:

- ‌واجبات العمرة:

- ‌زيارة المدينة المنورة

- ‌فضل مسجدها وفضل الصلاة فيه:

- ‌آداب زيارة المسجد والقبر الشريفين:

- ‌مسجد قباء:

- ‌البقيع وأُحد:

- ‌المزارات:

- ‌محظورات الحرمين

- ‌7 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌أولًا: الأيْمَانُ

- ‌أنواع اليمين القَسَمِيَّة

- ‌كفَّارة اليمين

- ‌ثانيًا: النُّذُور

- ‌8 - كتاب الأطعمة والأشربة وما يتعلق بهما

- ‌الأَطْعِمَة

- ‌من آداب الأكل

- ‌الصَّيْد وأحكامه

- ‌التذكية الشرعية

- ‌الأضحية

- ‌ما يُضَحَّى به

- ‌العقيقة

- ‌الأشربة

- ‌الآنية وما يتعلَّق بها

الفصل: 13 - ابتلاع ما لا يحترز منه، مثل: (أ) ما يعلق

13 -

ابتلاع ما لا يحترز منه، مثل:

(أ) ما يعلق بالأسنان من بقايا الطعام: إذا كان يسيرًا لأنه تبع للريق ولا يمكن الاحتراز منه، بشرط أن لا يقصد ابتلاعه، أو يعجز عن تمييزه ومَجِّه (1).

(ب) الدم اليسير من اللثة والأسنان: فلو دميت لثته فدخل ريقه حلقه مخلوطًا بالدم ولم يصل إلى جوفه لا يفطر عند الحنفية لأنه لا يحترز منه إلا أن يغلب الدم على الريق فيفطر به عندهم.

وعند الشافعية والحنابلة: يفطر بابتلاع الريق المختلط بالدم، والدم نجس -عندهم- لا يجوز ابتلاعه وإذا لم يتحقق أنه بلع شيئًا نجسًا لا يفطر، إذ لا فطر ببلع ريقه الذي لا تخالطه النجاسة!! (2) قلت: الأظهر أنه لا يجوز له أن يتعمد بلع الدم لأنه محرم، فإن غلب عليه بلعه أو شقَّ عليه التحرز من بلعه، أو لم يعلم به لم يفطر.

(جـ) غبار الطريق والطحين ونحو ذلك: مما لا يمكن الاحتراز منه.

14، 15، 16 - الأكل والشرب والجماع ناسيًا.

17 -

القيء غير المتعمد:

وقد تقدمت الأدلة على عدم فساد الصيام بهذه الأمور قريبًا.

‌المفطرون وأحكامهم

المفطرون في رمضان على ثلاثة أقسام (3):

(أ) قسم يجوز له الفطر والصوم.

(ب) قسم يجب عليه الفطر.

(جـ) قسم لا يجوز له الفطر.

[أ] من يجوز لهم الفطر والصوم:

[1]

المريض:

المرض هو: كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة (4).

(1)«رد المحتار» (2/ 98، 112)، و «كشاف القناع» (2/ 32)، و «روضة الطالبين» (2/ 361)، و «القوانين» (80).

(2)

«رد المحتار» (2/ 98)، و «الروضة» (2/ 359)، و «كشاف القناع» (2/ 329).

(3)

«بداية المجتهد» (1/ 438).

(4)

«المصباح المنير» مادة (مرض).

ص: 118

وقد أجمع العلماء على إباحة الفطر للمريض في الجملة (1)، ثم إذا برئ قضاه والأصل فيه قول الله تعالى:{وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2).

وعن سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه قال: «لما نزلت هذه الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (3). كان من أراد أن يفطر، يفطر ويفتدي، حتى أنزلت الآية التي بعدها» (4) يعني قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (5).

وللمريض ثلاث حالات (6):

1 -

أن يكون مرضه يسيرًا لا يتأثر بالصوم ولا يكون الفطر أرفق به، كالزكام اليسير، أو الصداع اليسير أو وجع الضرس ونحوه، فهذا لا يجوز له أن يفطر.

2 -

أن يزيد مرضه أو يتأخر برؤه ويشق عليه الصوم لكن لا يضره، فهذا يستحب له الفطر ويكره له الصوم.

3 -

أن يشق عليه الصوم ويتسبب في ضرر قد يفضي إلى الهلاك، فهذا يحرم عليه الصوم أصلاً، لقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} (7).

هل يفطر الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام؟ (8):

يُباح للصحيح الذي يخشى المرض بالصيام أن يفطر، لأنه كالمريض الذي يخاف زيادة مرضه أو إبطاء برئه بالصوم، قال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} (9).

وقال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (10).

(1)«المغنى» مع الشرح (3/ 16).

(2)

سورة البقرة: 185.

(3)

سورة البقرة: 184.

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (4507)، ومسلم (1145).

(5)

سورة البقرة: 185.

(6)

أفاده في «الشرح الممتع» (6/ 352، 353)، وانظر:«المجموع» (6/ 258)، و «المغنى» (3/ 16)، و «القوانين الفقهية» (82).

(7)

سورة النساء: 29.

(8)

«المغنى» (3/ 364 - الغد)، و «المحلى» (6/ 228).

(9)

سورة النساء: 29.

(10)

سورة البقرة: 185.

ص: 119

وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1).

وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم» (2).

[2]

المسافر:

يشرع للمسافر -سفرًا يُقصر فيه- أن يفطر، لقوله تعالى:{وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3).

إذا صام المسافر صَحَّ صومه:

ذهب جماهير الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة إلى أن الصوم في السفر صحيح مجزئ، ورُوى عن أبي هريرة وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم -وهو مذهب ابن حزم- أنه غير صحيح ويجب القضاء على المسافر إن صام في سفره، وروى القول بكراهته، ومذهب الجماهير أقوى، كما سيأتي.

هل الأفضل للمسافر الصوم أو الفطر؟

اختلف أهل العلم في ذلك، والتحقيق في المسألة، وهو الذي تجتمع عليه النصوص أن يقال:

إن للمسافر ثلاث حالات:

1 -

أن يشق عليه الصوم أو يعوقه عن فعل خير: فالفطر في حقه أولى، ومن هذا ما في حديث جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحامًا ورجلاً قد ظلل عليه فقال: «ما هذا؟» قالوا: صائم، فقال:«ليس من البر الصوم في السفر» (4).

وحديث أنس قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار، أكثرنا ظلاًّ صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصُوَّام وقام المفطرون، فضربوا الأبنية وسقوا الركاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ذهب المفطرون اليوم بالأجر» (5).

(1) سورة الحج: 78.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337).

(3)

سورة البقرة: 185.

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (1946)، ومسلم (1115).

(5)

صحيح: أخرجه مسلم (1119).

ص: 120

وفي حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه -وكانوا في غزوة-: «إنكم مصبحو العدو غدًا والفطر أقوى لكم» (1).

2 -

أن لا يشق عليه الصيام ولا يعوقه عن فعل الخير، فالأولى له الصيام، لعموم قوله تعالى:{وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} (2).

وعن أبي الدرداء قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حارٍّ، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة» (3).

وعن عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ -وكان كثير الصيام- فقال: «إن شئت فصُم، وإن شئت فأفطر» (4).

ولأن الصوم -إذا لم يكن فيه مشقة- أسرع في إبراء الذمة، وأسهل على المكلف غالبًا أن يصوم مع الناس من أن يقضي والناس مفطرون.

3 -

أن يشق عليه الصوم مشقة شديدة غير محتملة قد تفضي إلى الهلاك، فهنا يجب الفطر ويحرم الصوم، كما في حديث جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة فسار حتى بلغ كراع الغميم، وصار الناس، ثم دعا بقدح من ماء، فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، قيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال:«أولئك العصاة، أولئك العصاة» (5).

وقت جواز الفطر للمسافر أحوال:

الأولى: أن يبدأ السفر قبل الفجر، أو يطلع عليه الفجر وهو مسافر، وينوي الفطر، فيجوز له الفطر إجماعًا، لأنه متصف بالسفر عند وجود سبب الوجوب (6).

الثانية: أن ينشئ السفر بعد الفجر (أثناء النهار):

فهذب الجمهور (أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد) إلى أنه لا

(1) صحيح: أخرجه مسلم (1120).

(2)

سورة البقرة: 184.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (1945)، ومسلم (1122).

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (1943)، ومسلم (1121).

(5)

صحيح: أخرجه مسلم (1114)، ونحوه في البخاري (1948) عن ابن عباس.

(6)

«القوانين الفقهية» لابن جزى (82).

ص: 121

يباح له الفطر ذلك اليوم، ووجه ذلك: أن الصوم عبادة تختلف بالحضر والسفر، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة (1).

وذهب أحمد وإسحاق والحسن -وهو اختيار ابن تيمية، وهو الراجح في المسألة -إلى جواز الفطر في ذلك اليوم (2)، لعموم قوله تعالى:{وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3). ولحديث جابر المتقدم قريبًا في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة عام الفتح، وفيه: «

فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه» (4).

ونحوه حديث ابن عباس ففيه: «.. ثم دعا بماء فرفعه إلى يده ليراه الناس فأفطر حتى قدم مكة، وذلك في رمضان

» (5).

ويؤيد هذا المذهب كذلك حديث محمد بن كعب قال: «أتيت -في رمضان- أنس بن مالك، وهو يريد سفرًا، وقد رحلت له راحلته، ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ فقال: سنة، ثم ركب» (6).

وعن عبيد بن جبير قال: «ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في رمضان، فدفع ثم قرب غداؤه، ثم قال: اقترب، فقلت: ألست بين البيوت؟ فقال أبو بصرة: أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» (7).

تنبيه: في الحديثين الأخيرين دليل على أن للمسافر أن يفطر قبل خروجه من الموضع الذي أراد السفر منه، قال ابن العربي: وأما حديث أنس فصحيح يقتضي جواز الفطر مع أهبة السفر، وهذا هو الحق (8) اهـ.

وقد منع الجمهور من الفطر قبل مغادرة بلده، لأنه قبل المغادرة لا يكون على سفر بل هو ناو للسفر، لكن

(1)«حاشية ابن عابدين» (2/ 431)، و «القوانين» (106)، و «المجموع» (6/ 261).

(2)

«الإنصاف» (3/ 289)، و «مجموع الفتاوى» (25/ 212).

(3)

سورة البقرة: 185.

(4)

صحيح: تقدم قريبًا.

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (1948).

(6)

صححه الألباني: أخرجه الترمذي (799)، والبيهقي (4/ 247)، والدارقطني (2/ 187)، والضياء في «المختارة» (2602) وغيرهم، وللعلامة الألباني رسالة في تصحيحه فلتراجع.

(7)

أخرجه أبو داود (2412)، وأحمد (6/ 398)، والدارمي (1713)، والبيهقي (4/ 246) وانظر الرسالة المشار إليها قبله.

(8)

«نيل الأوطار» (4/ 271).

ص: 122

الثالثة: أن ينوي الصوم -وهو مسافر- ثم يبدو له أن يفطر: فيجوز له الفطر -إذا بدا له ذلك- للأدلة المتقدمة في الحالة الثانية، وبه قال الجمهور خلافًا للمالكية والحنفية (1).

انقطاع رخصة الفطر للمسافر:

تسقط رخصة الفطر للمسافر بأمرين:

[1]

إذا نوى الإقامة مطلقًا، أو مدة الإقامة (2):

عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا غزوة الفتح في رمضان وصام، حتى إذا بلغ الكديد الماء الذي بين قديد عُسفان، فلم يزل مفطرًا حتى انسلخ الشهر» (3).

ومعلوم أن الفتح كان لعشر بقين من رمضان، فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بمكة عشرة أيام أو أحد عشر على اختلاف الروايات، ولا شك أن فطره في هذه المدة لا ينفي الفطر فيما زاد عليها.

فالحاصل أن من نوى الإقامة في بلده إقامة مطلقة فإنه يصوم ولا يفطر، وإن لم ينو الإقامة لكن أقام لقضاء حاجة له بلا نية الإقامة ولا يدري متى تنقضي فله أن يفطر والله أعلم.

[2]

إذا عاد إلى بلده:

فإذا عاد إلى محل إقامته ليلاً، فإن كان الغد من رمضان وجب عليه الصوم بلا خلاف، أما لو قدم في النهار، فهل يمسك بقية يومه؟ فيه قولان، والأظهر أنه لا يلزمه الإمساك بل يبقى على فطرة وهذا مذهب الشافعي ومالك وصحَّ عن ابن مسعود أنه قال:«من أكل أول النهار فليأكل آخره» (4)، وقال أبو حنيفة وأصحابه: يمسك بقية اليوم، قياسًا على من يطرأ عليه في يوم الشك، وفيه نظر، لأن ذاك أكل لموضع الجهل، وهذا أكل لسبب مبيح (5).

(1)«المغنى» (3/ 19)، و «المجموع» (6/ 260)، و «القوانين» (82)، و «ورد المحتار» (2/ 122).

(2)

مدة الإقامة التي يفطر فيها عند المالكية والشافعية: أربعة أيام، وعند الحنابلة أكثر من أربعة أيام، وعند الحنفية خمسة عشر يومًا؟! وهذه تحديدات ليس عليها دليل وانظر «المحلى» (6/ 244).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (4275).

(4)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (9343).

(5)

«بداية المجتهد» (1/ 441 - 442).

ص: 123

ويتفرَّع على هذا فائدة وهي:

إذا قدم المسافر أثناء النهار -من رمضان- وهو مفطر، فوجد امرأته قد طهرت في أثناء النهار من حيض أو نفاس، أو برأت من مرض وهي مفطرة فله أن يجامعها ولا كفارة عليه (1).

مسألة: رجل لم يصبر -يومًا- عن جماع زوجته، فهل له أن يسافر بها حتى يفطر ويجامعها؟ الظاهر أنه لا بأس بذلك، والله أعلم.

[3، 4] الشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمريض الذي لا يُرجى بُرْؤه:

أجمع العلماء على أن الشيخ والعجوز العاجزين عن الصوم، يجوز لهما الفطر ولا قضاء عليهما، ثم اختلفوا فيما عليهما إذا أفطرا، فقال الجمهور: يطعمان عن كل يوم مسكينًا، وقال مالك: ليس عليهما إطعام إلا أنه استحبه (2) وقول الجمهور أقوى.

والأصل في هذا قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (3).

وعن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ هذه الآية فقال ابن عباس: «ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فليطعما مكان كل يوم مسكينًا» (4)، وجمهور الصحابة -ومنهم ابن عباس على التحقيق كما سيأتي- يرون أنها منسوخة فعن سلمة بن الأكوع قال:«لما نزلت {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها» (5).

وعلى القول بنسخها، فالآية في محل الاستدلال أيضًا، لأنها إن وردت في الشيخ الفاني -كما ذهب إليه بعض السلف- وإن وردت للتخيير فكذلك، لأن النسخ إنما يثبت في حق القادر على الصوم، فبقي الشيخ الفاني على حاله كما كان (6).

(1)«المجموع» (6/ 268)، وهو قول الشافعي في «الأم» (2/ 62)، ومالك في «المدونة» (1/ 184).

(2)

«القوانين الفقهية» (82)، و «المجموع» (6/ 258)، و «المغنى» (3/ 79)، و «كشاف القناع» (2/ 309)، و «بداية المجتهد» (1/ 447).

(3)

سورة البقرة: 184.

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (4505) لكن قرأها ابن عباس (وعلى الذين يطوَّقونه) وهي شاذة وانظر تفسير الطبري (3/ 438).

(5)

أخرجه البخاري (4507).

(6)

«العناية على الهداية» (2/ 227 - مع فتح القدير).

ص: 124

ثم إن وضع الصوم عن الشيخ والعجوز هو الموافق للعمومات القاضية برفع الحرج.

والمريض الذي لا يرجى برؤه في حكم الكبير (1).

[5، 6] الحامل والمرضع:

إذا خافت الحامل على الجنين، أو خافت المرضع على رضيعها قلة اللبن أو ضيعته ونحو ذلك بالصوم، فلا خلاف في أنه يجوز لهما الفطر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم» (2).

لكن اختلف العلماء فيما يجب عليها إذا أفطرتا على خمسة أقوال:

الأول: عليهما القضاء والإطعام عن كل يوم مسكينًا: وبه قال مالك والشافعي وأحمد (3) وعند الشافعية والحنابلة أنهما إذا أفطرتا خوفًا على نفسيهما فعليهم القضاء فقط!!

الثاني: عليهما القضاء فقط: وهو مذهب الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور وأبي عبيد (4)، وهؤلاء اعتبروا دلالة اقتران المسافر بالحامل والمرضع في الحديث المتقدم، أو قاسوا الحامل والمرضع على المريض أو المسافر.

وقد أُورد على هذا القول أن المسافر إنما لزمه القضاء بنص خارج عن الحديث وهو قوله تعالى {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ

} (5). أما الحامل والمرضع فلا دليل على إيجاب القضاء عليهما، ثم بإمعان النظر في الحديث نرى أن المسافر إذا قصر الصلاة في السفر لا يطالب -بعد رجوعه- بإتمام ما كان قصره من ركعات، فليقل كذلك: إن الحامل والمرضع لا يلزمان بقضاء ما أفطرتاه!! (6).

الثالث: عليهما الإطعام فقط دون القضاء: وهو عكس السابق، وبه قال ابن عباس وابن عمر، وهو مذهب إسحاق، وهو اختيار العلامة الألباني، رحمهم الله.

(1)«رد المحتار» (2/ 119)، و «المجموع» (6/ 258)، و «الروض المربع» (1/ 138).

(2)

حسن أخرجه أحمد (4/ 347)، وعبد بن حميد «المنتخب» (430) وحسنه شيخنا هناك.

(3)

نقله الترمذي عنهم (3/ 402 - التحفة) وانظر المصادر السابقة.

(4)

«بداية المجتهد» (1/ 446)، و «جامع أحكام النساء» (2/ 394).

(5)

سورة البقرة: 185.

(6)

«جامع أحكام النساء» (2/ 395).

ص: 125

فعن ابن عباس قال: «رخص للشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة في ذلك، وهما يطيقان الصوم، يفطران إن شاءا، ويطعمان كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهما، ثم نسخ ذلك في هذه الآية: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (1) وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كان لا يطيقان الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا، وأطعمتا كل يوم مسكينًا» (2).

وفي قوله: «ثبت» إشعار بأن هذا الحكم في حق من لا يطيق الصوم كان مشروعًا كما كان مشروعًا في حق من يطيق الصوم، فنسخ هذا، واستمر الآخر، وكل من شرعيته واستمراره إنما عرفه ابن عباس من السنة، وليس من القرآن (3).

ويؤيد هذا أن ابن عباس أثبت هذا الحكم للحبلى والمرضع إذا خافتا، ومن الظاهر جدًّا أنهما ليستا كالشيخ والشيخة في عدم الاستطاعة، بل إنهما مستطيعتان، ولذا كان يأمر وليدة له حبلى أن تفطر ويقول:«أنت بمنزلة الكبير الذي لا يطيق الصيام فأفطري وأطعمي عن كل يوم نصف صاع من حِنْطَة» (4).

فمن أين أعطاهما ابن عباس هذا الحكم مع تصريحه بأن الآية منسوخة؟! ذلك من السنة بلا ريب.

وعن نافع قال: «كانت بنت لابن عمر تحت رجل من قريش، وكانت حاملاً، فأصابها عطش في رمضان، فأمرها ابن عمر أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينًا» (5).

الرابع: القضاء على الحامل، والقضاء والإطعام على المرضع: وبه قال مالك، وهو قول عند الشافعية (6).

الخامس: ليس عليهما قضاء ولا إطعام: وهو مذهب ابن حزم (7) قال: وإذا سقط الصوم، فإيجاب القضاء عليهما شرع لم يأذن الله تعالى به، ولم يوجب الله

(1) سورة البقرة: 185.

(2)

صحيح: أخرجه ابن الجارود (381)، والبيهقي (4/ 230)، وانظر «الإرواء» (4/ 18).

(3)

أفاده الألباني رحمه الله في ش «الإرواء» (4/ 24) فعليه عن ابن عباس أن الآية منسوخة كما جزم به ابن حزم (6/ 264)، ولا تعارض بينه وبين قول ابن عباس في رواية البخاري «ليست منسوخة» .

(4)

إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (7567)، والدارقطني (2/ 206) وصححه.

(5)

إسناده صحيح: أخرجه الدارقطني (2/ 207)، وانظر «الإرواء» (4/ 20)

(6)

«المحلى» (6/ 265)، و «بداية المجتهد» (1/ 446)، و «المجموع» (6/ 273).

(7)

«المحلى» (6/ 263).

ص: 126

تعالى القضاء إلا على المريض والمسافر والحائض والنفساء ومتعمد القيء

وأما تكليفهم إطعامًا .. فلا يجوز لأحد إيجاب غرامه لم يأت بها نص ولا إجماع

اهـ.

قلت: وأرجح هذه الأقوال أنهما تفطران وتطعمان عن كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهما وهو قول ابن عباس وابن عمر ولا يُعلم لهما مخالف من الصحابة، ثم إن حديث ابن عباس له حكم الرفع لأنه حديث صحابي جاء في تفسير يتعلق بسبب نزول الآية، فهذا حديث مسند كما تقرر في علم المصطلح (1) والله أعلم.

[ب] من يجب عليه الفطر وعليه القضاء:

1، 2 - الحائض والنفساء:

أجمع العلماء على أن الحائض والنفساء لا يصح صومهما، ولا يجب عليهما، ويَحرُم عليهما، ويجب عليهما -بعد الطهر- قضاؤه (2).

فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تَصُم؟ فذلك نقصان دينها» (3).

وعن عائشة قالت: «كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» (4).

مسائل تتعلق بالحائض والصيام (5)

إذا طهرت أثناء النهار: فإنها تتمادى في فطرها، فتأكل وتشرب وإن قدم زوجها من سفر وهو مفطر فله أن يجامعها، وليس لها أن تمسك بقية اليوم بنية الصيام.

إذا طهرت قبل الفجر: ونوت الصيام صح صومها وإن أخرت الغسل لما بعد الفجر، وهذا قول الجمهور.

(1) انظر: «تدريب الراوي» (1/ 192 - 193)، و «علوم الحديث» لابن الصلاح (ص 24).

(2)

«المغنى» (3/ 142)، و «المجموع» (6/ 259).

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (1951).

(4)

صحيح: أخرجه مسلم (335)، وأبو داود (259)، والترمذي (784)، والنسائي (4/ 191).

(5)

مستفاد من «جامع أحكام النساء» لشيخنا (2/ 391 - 393).

ص: 127