الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأَطْعِمَة
تعريف الأطعمة (1):
الأطعمة: جمع طعام، وهو في اللغة: كل ما يؤكل مطلقًا، وكذا كل ما يتخذ من القوت كالحنطة والشعير والتمر، ويدخل في هذا التعريف كل ما تخرجه الأرض من زروع وثمار، وكل الحيوانات التي تؤكل سواء البرية والبحرية.
ويُقال: طعم الشيء يطعمه طُعْمًا، إذا أكله أو ذاقه، وقد يطلق الفقهاء لفظ «الأطعمة» على:«كل ما يؤكل وما يُشرب، سوى الماء والمسكرات» .
وموضوع الأطعمة عنوان يدل على ما يباح وما يكره وما يحرم منها.
الأصل في الأطعمة الحلُّ: حتى يدل دليل على تحريمها:
1 -
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} (2).
2 -
وقال سبحانه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً} (3).
3 -
ولا يحرم من الأطعمة إلا ما حرَّمه الله في كتابه أو على لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم:
4 -
6 -
(1)«لسان العرب» مادة (طعم)، و «الموسوعة الفقهية» (5/ 123)، و «المفصل» (3/ 43).
(2)
سورة البقرة: 29.
(3)
سورة البقرة: 168.
(4)
سورة الأعراف: 31، 32.
(5)
سورة الأنعام: 119.
(6)
سورة يونس: 59، 60.
(7)
سورة النحل: 116.
7 -
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا، من سأل عن شيء لم يحرم على الناس، فحرِّم من أجل مسألته» (1).
8 -
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» (2).
9 -
وعن أبي الدرداء مرفوعًا: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نسيًّا» ثم تلا هذه الآية: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} (3)(4).
هل يعتبر استخباث العرب لما لم يرد فيه نص؟ (5)
إذا لم يكن في الكتاب أو السنة نصٌّ يدلُّ على حلِّ أو حُرْمة حيوان ما، فقال بعض العلماء: نرجع إلى العرب، فإن استطابت هذا الحيوان فهو حلال، وإن استخبثته فهو حرام، لقوله تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} (6) قال ابن قدامة رحمه الله في معنى الآية: «يعني: ما استطابته العرب فهو حلال، وما استخبثته فهو حرام
…
والذي تعتبر استطابتهم واستخباثهم هم أهل الحجاز من أهل الأمصار، لأنهم هم الذين نزل عليهم القرآن الكريم وخوطبوا به وبالسنة النبوية، فيرجع في مطلق ألفاظها إلى عرفهم دون غيرهم» اهـ.
أسباب تحريم الأطعمة والأشربة (7):
يظهر بالاستقراء وتتبُّع تعليلات الفقهاء فيما يحكمون بحرمة أكله أنه يحرم أكل الشيء مهما كان نوعه لأحد أسباب خمسة:
(1) صحيح: أخرجه مسلم (2358).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
(3)
سورة مريم: 64.
(4)
حسن: أخرجه الحاكم (2/ 406)، والدارقطني (2/ 137) وله شواهد انظر «جامع العلوم والحكم» (1/ 276).
(5)
«المغنى» (8/ 585)، و «ابن عابدين» (5/ 194)، و «مطالب أولي النهى» (6/ 311).
(6)
سورة الأعراف: 157.
(7)
«الموسوعة الفقهية» (5/ 125 - 127) باختصار.
1 -
الضرر اللاحق بالبدن أو العقل، قال تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (1).
2 -
الإسكار أو التخدير أو الترقيد: فيحرم تناول ما يغيب العقل من المسكرات كالخمر وكل أنواع المواد المخدرة كالحشيش والأفيون ونحوها.
3 -
النجاسة: فيحرم كل نجس ومتنجِّس بما لا يعفى عنه.
4 -
الاستقذار عند ذوي الطباع السليمة: كالروث والبول والقمل والبرغوث.
5 -
عدم الإذن شرعًا لحق الغير: فيحرم أكل الطعام غير المملوك لمن يريد أكله ولم يأذن له مالكه ولا الشارع، كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بالقمار أو البغاء ونحو ذلك.
الأطعمة المحرَّمة شرعًا:
(أ) المحرمات في كتاب الله:
فانتظمت هذه الآية بعض المحرمات، وهي:
1 -
الأطعمة بأنواعها: وهي كل حيوان مات حتف أنفه، بدون قتل أو ذبح شرعي:
(أ) المنخنقة: الحيوان الذي يُخنق فيموت.
(ب) الموقوذة: الحيوان الذي يُضرب بعصًا أو نحوها فيموت.
(جـ) المتردية: الحيوان الذي تردَّى (سقط) من مكان عالٍ فمات.
(د) النطيحة: الحيوان الذي نطحه آخر فمات نتيجة ذلك.
(هـ) ما أكل السبع: الحيوان الذي مات نتيجة جرح حيوان مفترس له وأكله منه.
فإذا أُدرك أحد هذه الأشياء حيًّا فذُبح صار حلالاً، لقوله تعالى: {
…
إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} (3).
(1) سورة النساء: 29.
(2)
سورة المائدة: 3.
(3)
سورة المائدة: 3.
ويلحق بالميتة: ما قطع من البهيمة وهي حية:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما قطع من البهيمة وهي حيَّة فهو ميتة» (1) وعليه لا يجوز أكل ما قطع من أعضاء البهيمة وهي حية.
ما يستثنى من الميتة:
تقدم أنه يحرم أكل الميتة بجميع أنواعها، إلا أنه دلَّت السنة على استثناء نوعين من الميتة يحلُّ أكلهما، وهما: السمك والجراد، لقول ابن عمر رضي الله عنهما:«أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال» (2) وله حكم الرفع.
فائدتان:
1 -
حكم أكل ما طفا على سطح الماء من الأسماك وغيرها من حيوان البحر:
لأهل العلم في هذا قولان (3):
الأول: أنه يحلُّ أكله: وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والظاهرية، وعطاء ومكحول والنخعي وأبي ثور، وهو مروي عن أبي بكر وأبي أيوب رضي الله عنهما، واستدلوا بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَاكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} (4).
2 -
وقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} (5) قال ابن عباس وغيره: «صيده ما صدتموه، وطعامه ما قذف» .
فدلَّت هاتان الآيتان بعمومهما على حلِّ جميع صيد البحر، ولم يخصَّ الله تعالى شيئًا من شيء {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} (6).
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (2841)، وابن ماجه (3216).
(2)
صحيح: أخرجه ابن ماجه (3314)، وأحمد (5690) وغيرهما، وانظر «الصحيحة» (1118).
(3)
«البدائع» (5/ 35)، و «المحلى» (7/ 393)، و «المغنى» (9/ 35)، و «نيل الأوطار» (8/ 170).
(4)
سورة فاطر: 12.
(5)
سورة المائدة: 96.
(6)
سورة مريم: 64.
3 -
ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم -لما سئل عن ماء البحر-: «هو الطهور ماؤه، الحِلُّ ميتته» (1) فشمل ذلك ميتة البحر على اختلاف أنواعها.
4 -
ويقول ابن عمر فيما استثنى من الميتة: «أُحلت لنا ميتتان
…
الحوت والجراد» (2).
5 -
ويؤيده حديث جابر وفيه: «أن البحر قذف إلى الساحل بدابة ضخمة تُدعى العنبر، فأكلوا منها، ولما قدموا إلى المدينة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: «هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيئًا فتطعمونا؟» قال جابر: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله» (3).
الثاني: لا يحل أكل السمك الطافي: وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واستدلوا بما يلي:
1 -
ما يُروى عن جابر مرفوعًا: «ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه» (4) وأجيب: بأنه ضعيف باتفاق الحفاظ فلا يجوز الاحتجاج به ولو لم يعارضه شيء، فكيف وهو معارض بما تقدم من الأدلة؟!.
2 -
بعض الآثار عن جابر، وعليٍّ، وابن عباس رضي الله عنهم، في النهي عن أكل الطافي، وكلها ضعيفة (5).
الراجح: لا شك أن أدلة الجمهور أقوى، لكن .. لو ثبت طبيًّا أن السمك الطافي يكون فاسدًا مُضِرًّا بالبدن -لا سيما إن مضى على موته زمن- فحينئذ يكون التحرُّز عنه أليق بقواعد الشريعة التي حرَّمت الخبائث، والله أعلم.
2 -
واختلف العلماء في أكل الجراد (6):
فذهب جماهير العلماء من السلف والخلف -خلافًا لمالك- إلى أنه حلال سواء مات باصطياده أو مات حتف أنفه، لما يلي:
1 -
ما تقدم من قول ابن عمر: «أحلت لنا ميتتان
…
الحوت والجراد».
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (83)، والترمذي (69)، والنسائي (1/ 176).
(2)
صحيح: تقدم قريبًا.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (4362)، ومسلم (1935)، وابن ماجه (386).
(4)
ضعيف: أخرجه أبو داود (3815)، وابن ماجه (3247).
(5)
انظر «المحلى» لابن حزم (7/ 394).
(6)
«المجموع» (9/ 24)، و «المغنى» (9/ 315)، و «سبل السلام» (4/ 1390).
2 -
حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، نأكل الجراد» (1).
واشترط مالك رحمه الله لأكله أن يموت بسبب، بأن يقطع منه شيء أو يُسلق أو يُلقى حيًّا أو يشوى، وأما إذا مات حتف أنفه لم يؤكل!! والأول أرجح، والله أعلم.
2 -
الدم المسفوح:
فلا يحلُّ أكل الدم الذي يُهراق، لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ
…
} (2) وأما الدم اليسير كالذي يكون في عروق الذبيحة مما لا يمكن الاحتراز منه، فمعفو عنه، فعن عائشة رضي الله عنها أنها «كانت لا ترى السباع بأسًا (!!) والحمرة والدم يكونان على القدر» (3).
ما يستثنى من الدم المحرَّم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحلت لنا ميتتان ودمان .... وأما الدمان: فالكبد والطحال» (4).
3 -
لحم الخنزير:
قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (5)، وقال عز وجل: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ
…
} (6).
ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم الخنزير: لحمه وشحمه وجميع أجزائه (7)، لكن خصَّ اللحم بالذِّكر لأنه معظم ما يؤكل من الحيوان، وسائر أجزائه كالتابع له، ولإظهار حرمة ما استطابوه وفضلوه على سائر اللحوم، واستعظموا وقوع تحريمه (8).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (5495)، ومسلم (1952).
(2)
سورة المائدة: 3.
(3)
إسناده صحيح: أخرجه ابن جرير الطبري في «تفسيره» (8/ 71).
(4)
صحيح: تقدم قريبًا.
(5)
سورة المائدة: 3.
(6)
سورة الأنعام: 145.
(7)
وأما ما نسبه بعضهم إلى داود الظاهري من حلِّ ما عدا اللحم من الخنزير ففيه نظر، فقد نقل ابن حزم في المحلى (7/ 390 - 430) حكاية الإجماع على تحريم كل أجزائه وهو من أعلم الناس بمذهب داود، ولو خالف في هذا لحكاه عنه، بل لردَّ الإجماع لأجله، فلينتبه!!.
(8)
«روح المعاني» للألوسي (2/ 42)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (1/ 54).
والضمير في قوله تعالى {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} (1) في لغة العرب التي نزل بها القرآن راجع إلى أقرب مذكور إليه، وهو الخنزير نفسه، فصحَّ بالقرآن أن الخنزير بعينه رجس، فهو كله رجس، والرجس حرام يجب اجتنابه، فالخنزير كله حرام، لا يخرج من ذلك شعره ولا غيره.
فائدة: قال صاحب «تفسير المنار» (2/ 98) في معرض بيانه لحكمة الشريعة في تحريم الخنزير:
4 -
ما ذُكر عليه غير اسم الله:
لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ
…
} (2) وقوله عز وجل: {وَلَا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} ولذلك لا يجوز الأكل من ذبيحة المشرك أو المجوسي أو المرتد، وأما ذبيحة النصراني واليهودي فإنه يجوز الأكل منها ما لم يُعلم أنه ذكر عليها غير اسم الله.
لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} (3) قال ابن عباس: «طعامهم: ذبحائهم» (4).
فائدتان:
(أ) اللحوم المستوردة من البلاد غير الإسلامية:
إذا كانت المستوردة من البلاد غير الإسلامية لحوم حيوانات البحر كالسمك والحوت، فإنه يحلُّ أكلها، لأنه يباح أكلها بلا تذكية (ذبح شرعي) وسواء كان اصطادها مسلم أو غير مسلم.
(1) سورة المائدة: 3.
(2)
سورة الأنعام: 121.
(3)
سورة المائدة: 5.
(4)
أخرجه البخاري تعليقًا (9/ 636 - فتح)، ووصله الطبري (6/ 103)، والبيهقي (9/ 282) بسند منقطع.
وأما إذا كانت هذه اللحوم من حيوانات البر المباح أكلها كالإبل والبقر والغنم والطيور، فإن كانت مستوردة من بلاد أهلها مجوس أو وثنيون أو ملاحدة كالشيوعيين، فهذه اللحوم لا يحلُّ أكلها.
وإن كانت مستوردة من بلاد أهلها نصارى أو يهود (أهل كتاب) فإنه يحلُّ أكلها بشرطين:
1 -
أن لا يُعلم أنهم ذكروا عليها غير اسم الله كالصليب أو المسيح وغير ذلك.
2 -
أن تُذكَّى (تذبح) ذكاة شرعية على النحو الذي سيأتي بيانه.
وقد كان يكفينا -فيما مضى- أن تدَّعي هذه الدول المصدِّرة أنها تذبح على الطريقة الإسلامية، إلا أنه قد ثبت من طرق متعددة أن هذه الدول لا تقوم بعملية الذبح الشرعي، وأن ما تقوم به من ختم على هذه اللحوم بأنها «مذبوحة على الطريقة الإسلامية» ليس إلا مجرد خداع لابتزاز الأموال، وقد وصلت بعض الصفقات من الدجاج المستورد إلى بعض البلاد العربية، وقد وجد أن رقبة الدجاجة سليمة وكاملة ليس فيها أثر الذبح؟! رغم كتابة العبارة التقليدية عليها: أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية!! بل وبلغ الاستخفاف بعقول المسلمين أن وُجد مكتوبًا على صناديق السمك المستورد: إنه ذبح حسب الشريعة الإسلامية!!» (1).
(ب) الجُبن المستورد من البلاد غير الإسلامية (2):
إذا كان الجبن يُستورد من بلاد أهل الكتاب ويصنعون هذا الجبن من أنفحة الحيوانات المباح لنا أكلها، فهذا الجبن حلال لنا.
وأما إذا كان يستورد من بلاد مجوس أو شيوعيين أو وثنيين، وكانوا يصنعون الجبن من أنفحة ذبائحهم، فإن ذبائح هؤلاء بالنسبة للمسلمين كالميتة، لكن هل يحلُّ أكل هذا الجبن المصنوع من أنفحة هذه الميتة؟ قال شيخ الإسلام رحمه الله: في جبن المجوس المصنوع بأنفحة ذبائحهم، قولان للعلماء
…
ثم قال: «والأظهر أن جبنهم حلال، وأن أنفحة الميتة ولبنها طاهر، وذلك لأن الصحابة لما فتحوا العراق أكلوا من جبن المجوس، وكان هذا ظاهرًا شائعًا بينهم» اهـ (3).
(1)«الفقه الواضح» د. محمد بكر إسماعيل (2/ 390 - 395).
(2)
«المفصل» لعبد الكريم زيدان (3/ 54 - 55).
(3)
«مجموع الفتاوى» (21/ 102 - 103).
5 -
ما ذُبح لغير الله: كصنم أو وثن أو قبر أو ميت كالسيد كالبدوي أو غير ذلك من الطواغيت لقوله تعالى {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} (1).
(ب) المحرمات بالسُّنَّة النبوية:
1 -
لحم الحُمُر الأهلية:
ذهب جماهير أهل العلم (2) إلى تحريم أكل لحم الحُمُر الأهلية لما ثبت بأسانيد كالشمس أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم الحمر الأهلية، ومن ذلك:
1 -
2 -
حديث جابر بن عبد الله: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحُمُر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل» (4).
وفي الباب عن عليٍّ وابن عمر والبراء بن عازب وابن أبي أوفى وأبي ثعلبة الخشني وغيرهم رضي الله عنهم.
وقد ذهب بعض المالكية -وهو القول الراجح عندهم- إلى أنه يؤكل مع الكراهة أي التنزيهية (!!).
وروى عن ابن عباس وعائشة أنهما كانا يقولان بظاهر قوله تعالى {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً
…
} (5).
والذي صحَّ عن ابن عباس أنه توقف فيها فقال: «لا أدري أنهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنها كانت حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرَّم يوم خيبر لحم الحمر الأهلية» (6).
وعلى كل حال، قال ابن عبد البر:«لا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمها» اهـ. قلت: وقد ثبت تحريمها ثبوتًا يكاد يكون متواترًا، فهو حجة على كلِّ أحد، والله أعلم.
(1)«البدائع» (5/ 37)، و «الدسوقي» (2/ 117)، و «المجموع» (9/ 11)، و «المغنى» (11/ 65)، و «المحلى» (7/ 406)، و «سبل السلام» (4/ 87)، و «نيل الأوطار» (8/ 128).
(2)
سورة المائدة: 3.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (5528)، ومسلم (1940).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (4219)، ومسلم (1941).
(5)
سورة الأنعام: 145.
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (4227)، ومسلم (1939).
فائدتان:
(أ) لحم الحُمُر الوحشية حلال: وعلى هذا إجماع أهل العلم، وقد ثبت أكلها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: ففي حديث أبي قتادة أنه كان مع قوم محرمين -وهو حلال- فَسَنَحَ لهم حُمُر وحش، فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانًا فأكلوا منها وقالوا: نأكل من لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملوا ما بقي من لحمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كلوا ما بقي من لحمها» (1).
وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «هل معكم منه شيء؟» قالوا: معنا رجله، قال: فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها».
(ب) يجوز أكل لحم الخيل (2):
ذهب جمهور العلماء: الشافعية والحنابلة، وهو قول للمالكية، وجمهور الصحابة والتابعين إلى إباحة أكل الخيل سواء كانت عرابًا أو براذين (أي: خيولاً عربية أو غير عربية) وحجتهم:
1 -
حديث جابر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل» (3).
2 -
حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: «نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا فأكلناه ونحن بالمدينة» (4).
وذهب الحنفية وهو قول ثانٍ لمالكية، وهو قول ابن عباس، إلى كراهة أو تحريم أكل الخيل واحتجوا بما يلي:
1 -
قوله تعالى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} (5) قالوا: فالاقتصار على الركوب والزينة يدل على أنها ليست مأكولة، إذ لو كانت مأكولة لقال: ومنها تأكلون.
وأجيب بأن الآية مكية بالاتفاق، والإذن في الأكل كان بعد الهجرة، ثم إن الآية ليست نصًّا في منع الأكل لا سيما وأن الأحاديث صريحة في الحِلِّ.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1824)، ومسلم (1196).
(2)
«البدائع» (5/ 38)، و «الدسوقي» (2/ 117)، و «المجموع» (9/ 5)، و «المغنى» (11/ 66 - مع الشرح)، و «سبل السلام» (4/ 87)، و «نيل الأوطار» (8/ 125).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (4219)، ومسلم (1941).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5510)، ومسلم (1942).
(5)
سورة النحل: 8.
2 -
ما يُروى عن خالد بن الوليد رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير، وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير» (1) وهو ضعيف لا يحتج به.
فالصحيح قول الجمهور من إباحة أكل الخيل، والله أعلم.
2 -
كل ذي ناب من السباع:
فكل حيوان له ناب يفترس به، سواء كان وحشيًّا كالأسد والذئب والنمر والفهد ونحو ذلك أو كان أهليًّا كالكلب والسِّنَّوْر الأهلي (القِط)، فلا يحلُّ شيء منها عند الجمهور لما يلي:
1 -
حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ ذي ناب من السباع، فأكله حرام» (2).
2 -
حديث ابن عباس قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير» (3).
3 -
وعن أبي الزبير قال: سألت جابرًا عن ثمن الكلب، السِّنَّور؟ قال:«زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك» (4).
وقد ثبت عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله إذا حرَّم على قوم أكل شيء حرَّم عليهم ثمنه» (5).
فائدة: الأرنب حلال: يحل أكل الأرنب عند الجمهور، لحديث أنس أنه قال:«أنفجنا (6) أرنبًا فسعى القوم فلغبوا فأخذتها وجئت بها أبا طلحة، فذبحها وبعث بوركها -أو قال: بفخذها- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبله» (7).
(1) ضعيف: أخرجه النسائي (4332)، وأبو داود (3790)، وابن ماجه (3198)، وأحمد (16214).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (1933).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (1934)، وأبو داود (3785)، والنسائي (7/ 206).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (1569).
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (3488) وغيره، وله شاهد في الصحيحين.
(6)
أي: أثرناها.
(7)
صحيح: أخرجه البخاري (2572)، ومسلم (1953).
ولأنها من الحيوان المستطاب، وليست ذات ناب تفترس به، ولم يرد نصٌّ بتحريمها (1).
3 -
كل ذي مخلب من الطير (الطيور الجارحة) كالبازي والباشق والصقر ونحوها، لحديث ابن عباس المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم:«نهى عن كل ذي مخلب من الطير» (2) والمراد: مخلب يصيد به، إذ من المعلوم أنه لا يسمى ذا مخلب عند العرب إلا الصائد بمخلبه وحده، وأما الديك والعصافير والحمام وسائر ما لا يصيد بمخلبه فلا تسمى ذوات مخالب في اللغة، لأن مخالبها للاستمساك والحفر بها وليست للصيد والافتراس.
وقد قال الجمهور -خلافًا للمالكية!! - بتحريم كل ذي مخلب من الطير (3).
4 -
الجلَاّلة: وهي الحيوانات التي تتغذى بالنجاسات -أو أكثر علفها النجاسة- من الإبل والبقر والغنم والدجاج ونحوها، وهذه الحيوانات لا يحلُّ لحمها ولا لبنها، وبهذا قال أحمد -في إحدى الروايتين- وابن حزم (4)، لحديث ابن عمر قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها» (5).
وذهب الشافعي إلى أنها مكروهة غير محرمة، وهو الرواية الأخرى عن أحمد.
متى يحلُّ أكل الجلَاّلة؟
الجلالة إذا حُبست ثلاثة أيام وعُلفت بما هو طاهر، فإنه يحلُّ ذبحها وأكلها ويشرب لبنها، فعن ابن عمر أنه:«كان يحبس الدجاجة الجلال ثلاثًا» (6).
وقد رُوى عن الإمام أحمد رحمه الله أنها تحبس ثلاثًا، سواء كانت طائرًا أو بهيمة، وفي رواية عنه: تحبس الدجاجة ثلاثًا، ويحبس البعير والبقرة ونحوهما أربعين يومًا.
(1)«البدائع» (5/ 39)، و «الصاوي» (1/ 322)، و «نهاية المحتاج» (8/ 143)، و «المغنى» (11/ 81) مع الشرح الكبير، و «المحلى» (7/ 432).
(2)
صحيح: تقدم قريبًا.
(3)
«البدائع» (5/ 39)، و «نهاية المحتاج» (8/ 144)، و «المقنع» (3/ 527)، و «المحلى» (7/ 403).
(4)
«المغنى» (8/ 594)، و «المحلى» (7/ 410 - 429).
(5)
صححه الألباني: أخرجه أبو داود (3767)، والترمذي (1884)، وابن ماجه (3189).
(6)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (4660 - 8847)، وانظر «الإرواء» (2504).
وعلى كلِّ حال فإن الجلالة تحلُّ بحبسها -على الطعام الطيب- بالاتفاق، واختلفوا في مدة حبسها.
6 -
10 - ما أمر الشارع بقتله لا يحل أكله: الفأرة والعقرب والغراب والحديا (1) والكلب العقور والوزغ (2) والحية.
1 -
فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خمس فواسق، يُقتلن في الحرم: الفأرة، والعقرب، والحُديا، والغراب، والكلب العقور» (3).
2 -
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ، وسماه فُويسقًا» (4).
3 -
وعن عبد الله بن مسعود: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار، وقد أُنزلت عليه {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} (5) فنحن نأخذها من فيه رطبة، إذ خرجت علينا حية، فقال:«اقتلوها» فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وقاها الله شركم كما وقاكم شرَّها» (6).
ولأن هذه الأشياء تعد من الخبائث لنفور الطبائع السليمة منها.
11 -
15 - ما نهى الشارع عن قتله لا يحل أكله: النملة والنحلة والهدهد والصرد (7) والضفدع:
1 -
عن ابن عباس قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحل، والهدهد، والصرد» (8).
2 -
عن عبد الرحمن بن عثمان قال: «ذكر طيبٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دواءً، وذكر الضفدع يُجعل، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع» (9).
(1) طائر يشبه الغراب.
(2)
نوع من الزواحف والهوام، وهي ما يعرف في بلادنا بالبُرص.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (3314)، ومسلم (1198).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (2238)، وله شاهد عن البخاري (3359) من حديث أم شريك.
(5)
سورة المرسلات: 1.
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (1830)، ومسلم (2234).
(7)
الصرد: طائر ضخم الرأس، أبيض البطن أخضر الظهر، قيل: يصيد العصافير.
(8)
صحيح: أخرجه النسائي (5/ 189)، وأحمد (6/ 83) وغيرهما.
(9)
حسن: أخرجه أحمد (15197)، والدارمي (1998)، وابن ماجه (3223).
ووجه استفادة تحريم الأكل لِما نُهى عن قتله: أن النهي عن قتله يعني النهي عن تذكيته، فلا تحلُّه التذكية للنهي عنها، ولو كان أكله حلالاً لما نهى عن قتله.
واعترض الشوكاني على كون الأمر بقتل الشيء أو النهي عن قتله، من أسباب تحريم أكله، وقال:«ولم يأت الشارع بما يفيد تحريم أكل ما أمر بقتله أو نُهى عن قتله حتى يكون الأمر والنهي دليلين على ذلك، ولا ملازمة عقلية ولا عُرفية، فلا وجه لجعل ذلك أصلاً من أصول التحريم، بل إن كان المأمور بقتله أو المنهي عن قتله مما يدخل في الخبائث، كان تحريمه بالآية الكريمة، وإن لم يكن من ذلك، كان حلالاً عملاً بما أسلفنا من أصالة الحلِّ، وقيام الأدلة الكلية على ذلك» اهـ (1).
إباحة المحرَّمات عند الاضطرار:
أجمع المسلمون على إباحة أكل الميتة ونحوها للمضطر، وقد ذكر الله عز وجل الاضطرار إلى المحرمات في خمسة مواطن من القرآن الكريم:
1 -
قال الله -بعد ذكر تحريم الميتة ونحوها- {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (2).
2 -
وقال تعالى -بعد ذكر تحريم الميتة ونحوها-: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (3).
3 -
وقال سبحانه -بعد ذكرها- {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (4).
4 -
وقال سبحانه {وَمَا لَكُمْ أَلَاّ تَاكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (5).
5 -
وقال عز وجل {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (6).
(1)«نيل الأوطار» (8).
(2)
سورة البقرة: 173.
(3)
سورة المائدة: 3.
(4)
سورة الأنعام: 145.
(5)
سورة الأنعام: 119.
(6)
سورة النحل: 115.
حد الاضطرار المُبيح للمحرَّم:
معنى الضرورة في الآيات الكريمة، وحدُّ الاضطرار المبيح لأكل الميتة وسائر المحرمات هو خوف الهلاك على الأصح (1).
المقصود بالإباحة للمحرَّم:
اختلف الفقهاء في المقصود بإباحة الميتة ونحوها على قولين (2).
الأول: جواز التناول وعدمه: وهو قول بعض المالكية والشافعية والحنابلة، لظاهر قوله تعالى:{فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} .
الثاني: وجوب تناولها لمن أشرف على الهلاك: وهو مذهب الجمهور: الحنفية، والراجح عند المالكية الشافعية والحنابلة، لقوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} (3)، وقوله عز وجل {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (4).
قالوا: ولا شك أن الذي يترك تناول الميتة ونحوها حتى يموت، يُعتبر قاتلاً لنفسه، وملقيًا بنفسه إلى التهلكة، لأن الكف عن التناول فعل منسوب للإنسان.
وأما قوله تعالى {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} فلا يتنافى مع القول بالوجوب، لأن نفي الإثم في الأكل عام يشمل حالتي الجواز والوجوب، فإذا وجدت قرينة على تخصيصه بالوجوب عمل بها، والقرينة هنا: الآيتان المتقدمتان.
شروط إباحة الميتة ونحوها للمضطر:
اشترط الفقهاء لإباحة أكل الميتة ونحوها من المحرمات للمضطر شروطًا، اتفقوا على بعضها واختلفوا في بعضها، فمما اتفقوا عليه:
1 -
أن لا يجد طعامًا حلالاً ولو لقمة، فإن وجدها وجب تقديمها، فغن لم تغنه حلَّ له المحرَّم.
2 -
أن لا يكون قد أشرف على الموت بحيث لا ينفعه تناول الطعام، فإن انتهى إلى هذه الحالة لم يحلَّ له المحرَّم.
(1)«أحكام القرآن للجصاص» (1/ 150)، و «أضواء البيان» (1/ 64 - 95) والمراجع الآتية بعده.
(2)
«ابن عابدين» (5/ 215)، و «الصاوي» (1/ 323)، و «نهاية المحتاج» (8/ 150)، و «المقنع» (3/ 530).
(3)
سورة النساء: 29.
(4)
سورة البقرة: 195.