الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأيام المنهي عن صيامها
1، 2 - يوما العيدين:
أجمع العلماء على تحريم صوم يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى بكل حال، سواء صامها عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك (1).
لحديث أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم» (2).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر» (3).
3 -
أيام التشريق (4):
ولا يجوز صومها تطوعًا في قول أكثر أهل العلم، لحديث نُبَيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب» (5).
وعن أبي مرة مولى أم هانئ: أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو ابن العاص، فقرب إليهما طعامًا فقال:«كُل، فقال: إني صائم، فقال عمرو: «كُلْ، فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نفطرها، وينهانا عن صيامها» (6).
لكن: يُرخَّص للحاج الذي لم يجد الهدي أن يصوم فيها -كما سيأتي- فعن عائشة وابن عمر قالا: «لم يُرخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْن إلا لمن لم يجد الهدي» (7).
4 -
صوم يوم الجمعة منفردًا:
لا يجوز صوم يوم الجمعة إلا لمن صام يومًا قبله، أو يومًا بعده، أو كان يصوم يومًا ويفطر يومًا فصادف صيامه الجمعة فلا بأس بذلك.
(1)«شرح مسلم للنووي» (3/ 207)، و «المغنى» (4/ 424)، و «فتح الباري» (4/ 281).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1990)، ومسلم (1137).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (1991)، ومسلم (1138).
(4)
هي الأيام الثلاثة بعد يوم النحر (يوم عيد الأضحى) وهي ثاني وثالث ورابع أيام عيد الأضحى.
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (1141).
(6)
صحيح: أخرجه أبو داود (2418)، وأحمد (4/ 197).
(7)
صحيح: أخرجه البخاري (1997 - 1998).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده» (1).
وعن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة، فقال:«أَصُمت أمس؟» قالت: لا، قال:«تريدين أن تصومي غدًا؟» . قالت: لا، قال:«فأفطري» (2).
وهذا مذهب الشافعي وأحمد، وخالف في هذا أبو حنيفة ومالك فقالوا: لا يكره (3) واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر، وقلما يفطر يوم الجمعة» (4).
ويجاب عنه بأجوبة: منها أن الأظهر أنه ضعيف، وعلى فرض صحته فيحمل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يومًا قبله أو بعده معه ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال (5)، ثم إن هذا فعل وذاك قول، والقول مقدم، على الفعل عند التعارض وعدم إمكان الجمع.
وأما مالك رحمه الله فلم يبلغه النهي، ومن علم حجةٌ على من لم يعلم.
فائدة: إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة فلا حرج في إفراده بالصيام، فإن النهي إنما هو عن تعمده بعينه، والله أعلم (6).
5 -
صيام يوم الشك:
لا يجوز أن يستقبل رمضان بصيام يوم أو يومين على نية الاحتياط لرمضان، وهذا لمن لم يصادف عادة له (7)، أو يصله بما قبله، فإن لم يصِل ولا صادف عادة
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1985)، ومسلم (1144).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1984)، ومسلم (1143).
(3)
«حاشية ابن عابدين» (3/ 336)، و «الموطأ» (1/ 330)، و «شرح مسلم» (3/ 210)، و «المغنى» (4/ 427).
(4)
إسناده لين: أخرجه أبو داود (2450)، والترمذي (742)، والنسائي (2367)، وابن ماجه (1725) من طريقة عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود، وعاصم له أوهام وروايته عن زر فيها مقال.
(5)
«التلخيص» (2/ 216)، و «سبل السلام» (2/ 347).
(6)
«شرح العمدة» (2/ 652)، و «الزاد» (2/ 86).
(7)
كأن تكون عادته صوم يوم وفطر يوم، أو صوم الاثنين أو الخميس ونحوه.
فهو حرام، لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم» (1).
وعن عمار بن ياسر قال: «من صام اليوم الذي شك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» (2).
6 -
صيام الدهر:
عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أنه يسرد الصوم قال له: «لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد» (3).
وفي حديث أبي قتادة: قال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال:«لا صام ولا أفطر» (4).
فيكره صوم الدهر، وإن لم يجد مشقة أو ضعفًا، وكذلك لو لم يصم الأيام المنهي عن صيامها، فإن صامها كذلك فيحرم عليه. والله أعلم.
هل يُشرع صيام رجب؟
لم يصح في فضل صيام رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة مكذوبة (5).
فلا يجوز تحري صيام رجب خاصة أو تخصيص أوله بصيام، وقد كان عمر يضرب على صيامه، فعن خرشة بن الحر قال:«رأيت عمر يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان، ويقول: كلوا، فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية» (6).
وعن محمد بن زيد قال: «كان ابن عمر إذا رأى الناس وما يعدون لرجب كره ذلك» (7).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1914)، ومسلم (1082).
(2)
صحيح: أخرجه أبو داود (2334)، والترمذي (681)، والنسائي (4/ 153)، وابن ماجه (1645).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (1977)، ومسلم (1159).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (1162).
(5)
«مجموع الفتاوى» (25/ 290)، و «لطائف المعارف» (ص 228)، و «السيل الجرار» (2/ 143).
(6)
صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 102)، وابن كثير في «مسند الفاروق» (1/ 285).
(7)
صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 102).
وعن عطاء قال: «كان ابن عباس ينهى عن صيام رجب كله، لأن لا يتخذ عيدًا» (1).
وذهب بعض أهل العلم إلى استحباب صيام رجب لكونه من الأشهر الحرم (2).
قلت: الأشهر الحرم قد خصها الله تعالى بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها وإن كان منهيًّا عنه في كل زمان قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} (3). فهذا نهي عن ارتكاب الذنوب في هذه الأشهر لعظم حرمتها عند الله تعالى وأن العقاب قد يضاعف فيها على الذنوب، وكذلك يُضاعف الثواب على العمل الصالح، لكن هل يعني هذا أن تخصص هذه الأشهر بصيام من بين الشهور، لا سيما ولا يصح في هذا شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الباهلي:«صم من الحرم واترك» (4) وهو ضعيف؟
هذا على أن لتفسير الآية الكريمة وجهًا آخر، وهذا أن المراد بقوله تعالى:{فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} : لا تُصيِّروا حرام هذه الأشهر حلالاً، وحلالها حرامًا (5).
فالثابت هو الصيام في المحرم كما تقدم بيانه، أما صيام رجب وتخصيصه بذلك -لا سيما مع اعتقاد أفضليته- فلا يجوز، فإن صام منه غير معظم لأمر الجاهلية، من غير أن يجعله حتمًا، أو يخص منه أيامًا يواظب على صومها أو ليالٍ معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنه سنة، إن خلا صيامه من هذا فلا بأس حينئذ والله أعلم (6).
حكم إفراد السبت بالصوم:
عن عبد الله بن بُسر عن أخته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة، أو عود شجرة فليمضغه» (7).
(1) صحيح: أخرجه عبد الرزاق (7854).
(2)
«المجموع» (6/ 386)، و «مقدمات ابن رشد» (1/ 242)، و «نيل الأوطار» (4/ 293).
(3)
سورة التوبة: 36.
(4)
ضعيف: أخرجه أبو داود (2428)، والنسائي في «الكبرى» (2743)، وأحمد (5/ 28).
(5)
«تفسير الطبري» (6/ 366).
(6)
انظر «تبيين العجب بما ورد في فضل رجل» للحافظ بن حجر (ص: 70).
(7)
أعلَّه الأئمة: أخرجه أبو داود (2421)، والترمذي (744)، والنسائي في «الكبرى» (2762)، وابن ماجه (1726)، وأحمد (6/ 368)، وقال مالك: كذب، وقال أبو داود: منسوخ، وقال الحافظ: مضطرب، وقال الطحاوي: شاذ، وكذا شيخ الإسلام وغيرهم وقد تكلمت عليه في تعليقي على «شرح المنظومة البيقونية» لابن عثيمين (ص: 24).
وقد اختلف أهل العلم في فقه هذا الحديث على قولين:
الأول: جواز صيام السبت تطوعًا ولو مفردًا: وهذا مذهب مالك، ويفهم من كلام أحمد، واختاره ابن تيمية وابن القيم (1)، وهؤلاء ضعَّفوا الحديث، وقدموا عليه الأحاديث الصحاح التي تحث على صيام عرفة وست من شوال وعاشوراء وصيام ثلاثة أيام البيض وصيام يوم وإفطار يوم، فلابد أن يوافق أحد هذه الأيام يوم السبت!!
وكذلك حديث صيام يوم قبل الجمعة أو يومًا بعده، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لجويرية لما صامت الجمعة:«أتريدين أن تصومي غدًا» ؟
…
وكل هذا تقدم.
الثاني: كراهة إفراد السبت بالصيام: وهو مذهب الجمهور: الحنفية والشافعية والحنابلة (2)، وقد حملوا هذا الحديث على المنع من إفراده بالصوم لأنه تشبه باليهود، وأيدوا هذا بما رُوى عن ابن عباس أن أم سلمة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت والأحد، كان يقول:«إنهما عيدان للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم» (3).
قلت: أما حديث عبد الله بن بسر فقد تضافرت أقوال الأئمة على إعلاله، وعليه فلا حرج في صيامه لا سيما إن وافق يومًا ندب الشرع إلى صيامه، والله أعلم.
كراهة وِصال الصوم:
يكره مواصلة الصوم ومتابعة بعضه بعضًا دون فطر أو سحور، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إياكم والوصال» -قالها ثلاثًا- قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: «إنكم لستم في ذلك مثلي، إني ابيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون» (4) لكن إذا لم تكن هناك مشقة فلا بأس بالوصال إلى السحر فقط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» (5).
(1)«الإنصاف» (3/ 347)، و «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 575)، و «مختصر السنن» (3/ 298).
(2)
«المجموع» (6/ 440)، و «البدائع» (2/ 79)، و «المغنى» (4/ 428).
(3)
ضعيف: أخرجه النسائي في «الكبرى» (2776)، وأحمد (6/ 323) وغيرهما بسند ضعيف.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1966)، ومسلم (1103) عن أبي هريرة.
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (1967)، وأبو داود (2344).