الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: الحج
تعريف الحج:
الحج -بفتح الحاء ويجوز كسرها وهو شاذ- لغةً: أصله القصد، فيقال (حَجَّهُ حجًّا) أي: قصده، وقيل: هو من قولك: (حججته) إذا أتيته مرة بعد أخرى، وقيل غير ذلك، والأول هو المشهور (1).
والحج -في اصطلاح الشرع-: قصد بيت الله الحرام والمشاعر لأداء عبادة مخصوصة في زمن مخصوص بكيفية معينة.
حُكْم الحَجِّ:
الحج فرض عين على كل مكلف مستطيع في العمر مرة، وهو ركن من أركان الإسلام، وقد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع:
(أ) أما الكتاب: فقد قال الله سبحانه: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (2).
(ب) وأما السنة: فقد وردت أحاديث كثيرة جدًّا -بلغت حد التواتر- تفيد اليقين والعلم القطعي الجازم بثبوت هذه الفريضة (3)، ومن ذلك:
1 -
حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» (4).
2 -
حديث أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحُجُّوا» ، فقال رجل: أَكُلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلتُ نعم لوجبت، ولما استطعتم
…
» (5) الحديث.
(1) سورة آل عمران: 97.
(2)
تاج العروس، و «المجموع» (7/ 7).
(3)
انظر «الترغيب والترهيب» (2/ 211).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16) وغيرهما.
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (1337).
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وجوب الحج - على المستطيع- مرة واحدة في العمر (1)، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة يكفر جاحده (2).
هل يجب الحج على الفورية أو التراخي؟
ذهب جمهور العلماء: أبو حنيفة -في أصح الروايتين- وأبو يوسف، ومالك وأحمد (3) إلى أن من وجدت عنده شروط وجوب الحج -التي ستأتي- وتحقق فرض الحج عليه، فإنه يجب عليه الفور، وأنه يأثم بتأخيره واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (4).
2 -
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا» (5).
والأصل في الأمر أن يكون على الفور ما لم يصرفه صارف (6).
3 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أراد الحج فليتعجل» (7).
4 -
وبما روى مرفوعًا: «من ملك زادًا وراحلة تبلغ إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًّا» (8).
بينما هب الشافعي ومحمد بن الحسن وبعض السلف إلى أنه يجب على التراخي، فلا يأثم بتأخير الحج -مع الاستطاعة- بشرط العزم على فعله في
(1) هذا إذا لم ينذر أن يحج، فإن نذره وجب عليه أيضًا.
(2)
«المغنى» (3/ 241)، و «المجموع» (7/ 13).
(3)
«المغنى» (3/ 241)، و «المجموع» (7/ 85)، و «الفروع» (3/ 242).
(4)
سورة آل عمران: 97.
(5)
صحيح: تقدم قريبًا.
(6)
ولهذا غضب النبي صلى الله عليه وسلم -في غزوة الحديبية- حين أمرهم بالإحلال فتباطئوا كما عند البخاري (2731).
(7)
ضعيف: أخرجه أحمد (1737)، وابن ماجه (2883)، والطبراني (18/ 287 - 296)، والبيهقي (4/ 340)، وغيرهم من طريق أبي إسرائيل الملائي عن فضيل بن عمرو عن ابن جبير عن ابن عباس عن الفضل، وأبو إسرائيل فيه ضعف وله أغاليط، وقد تابعه -متابعة ناقصة- مهران أبو صفوان عن ابن عباس بنحوه أخرجه أبو داود (1732)، وابن أبي شيبة (3/ 227)، وأحمد (1871)، والدارمي (1784)، والبيهقي (4/ 339) وغيرهم، لكن مهران مجهول، فلا تفيد متابعته، والله أعلم.
(8)
ضعيف: أخرجه الترمذي (812).
المستقبل، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة سنة ثمان (1)، ولم يحج إلا في السنة العاشرة، ولو كان واجبًا على الفورية لم يتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عما فرض عليه لا سيما ولم يحبسه عذر ظاهر من حرب أو مرض! (2). وبأنه إذا أخره ثم فعله بعد ذلك لم يكن قاضيًا له، وهذا يدل على أنه على التراخي.
وأجابوا عن الآية الكريمة بأن الأمر بالحج فيها مطلق عن تعيين الوقت، فيصح أداؤه في أي وقت فلا يثبت الإلزام بالفور لأنه تقييد للنص بغير دليل، وضعَّفوا الأحاديث الآمرة بالتعجيل.
قلت: مبنى الخلاف هنا على مسألة: الأصل في الأمر أنه على الفور أو التراخي؟ وعلى كل حال فالأولى التعجيل وعدم التأخير -مع الاستطاعة- احتياطًا، فإنه لا يدري لعله لا يمتد به العمر حتى يحج. والله أعلم.
من فضائل الحج:
1 -
الحج يمحق الذنوب المتقدمة:
(أ) فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حجَفلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أُمُّه» (3).
(ب) ولما أراد عمرو بن العاص أن يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، اشترط أن يُغفر له، فقال صلى الله عليه وسلم:«أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله؟» (4).
2 -
الحج سبب للعتق من النار:
فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة
…
» (5).
(1) والحج فرض سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع أو عشر من الهجرة على خلاف، انظر «المجموع» (7/ 87)، و «زاد المعاد» (1/ 175) و (3/ 25).
(2)
«الأم» (2/ 118)، و «المجموع» (7/ 87).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (1521)، ومسلم (1350).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (121).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (1348).
3 -
الحج جزاؤه الجنة:
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمر كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (1).
4 -
الحج من أفضل الأعمال:
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل الله» قيل ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» (2).
5 -
الحج أفضل جهاد النساء:
فعن عائشة أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟
قال: «لا، ولَكُنَّ أفضل الجهاد: حج مبرور» (3).
شروط إيجاب الحج:
وهي صفات يجب توفرها في الإنسان حتى يكون مطالَبًا بأداء الحج على سبيل الوجوب، فمن فقد أحد هذه الشروط لم يجب عليه الحج، وهي خمسة:
الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة.
قال ابن قدامة (4)«لا نعلم في هذا كله اختلافًا» اهـ.
- فأما الإسلام والعقل، فهما شرطا صحة كذلك، فلا يصح الحج من كافر ولا مجنون.
- وأما البلوغ والحرية، فهما شرطان لإجزاء الحج عن الفريضة كذلك، وليسا شرطين للصحة، فلو حج الصبي والعبد صح منهما لحديث المرأة التي: «
…
رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيًّا فقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم، ولك أجر» (5).
ولا يجزئهما عن حجة الإسلام على الراجح، لحديث:«من حج ثم عتق فعليه حجة أخرى، ومن حج وهو صغير ثم بلغ فعليه حجة أخرى» (6).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1773)، ومسلم (1349).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (26)، ومسلم (83).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (1520)، والنسائي (5/ 114)، وابن ماجه (290).
(4)
«المغنى» (3/ 218)، و «نهاية المحتاج» (2/ 375).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (1336)، وأبو داود (1736)، والنسائي (5/ 120).
(6)
صححه الألباني: أخرجه ابن خزيمة (3050)، والحاكم (1/ 481)، والبيهقي (5/ 179)، وانظر «الإرواء» (4/ 59).
- وأما الاستطاعة فهي شرط للوجوب فقط، فلو تجشَّم غيرُ المستطيع المشقة وحج، كان حجه صحيحًا مجزئًا، كما لو تكلف القيام في الصلاة والصيام من يسقط عنه أجزأه (1).
بم تتحقق الاستطاعة؟
لا تتحقق الاستطاعة المشروطة لإيجاب الحج إلا بما يلي:
[1]
صحة البدن وسلامته من الأمراض التي تعوقه عن أفعال الحج، لحديث ابن عباس: أن امرأة من جثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فأحجُّ عنه؟ قال:«حجِّي عنه» (2).
فمن وُجدت فيه سائر الشروط وكان مريضًا مُرمِنًا أو مُقعدًا فلا يجب عليه أداء الفريضة بنفسه اتفاقًا.
لكن اختلفوا هل يلزمه أن ينيب من يحج عنه؟ فذهب الشافعية والحنابلة وصاحبا أبي حنيفة أنه يلزمه، بناء على أن صحة البدن شرط للأداء بالنفس لا شرط للوجوب.
وقال أبو حنيفة ومالك لا يلزمه (3)، قلت: والأظهر أنه يلزمه ويدل عليه حديث ابن عباس السابق، ففي بعض رواياته:«أرأيت إن كان على أبيك دين، أكنت قاضيته؟» قالت: نعم، قال:«فدين الله أحق أن يُقضى» (4).
[2]
ملك ما يكفيه في رحلته وإقامته وعودته، فاضلاً عن حاجاته الأصلية من دَيْن ونفقة عيل ومن تلزمه نفقتهم عند جمهور العلماء (5) -خلافًا للمالكية- لأن النفقة حق للآدميين وهو مقدم، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» (6).
ويدخل في هذا ملك الزاد والراحلة، وقد فُسِّر السبيل في قوله تعالى:
(1)«المغنى» (3/ 214).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1855)، ومسلم (1334).
(3)
«نهاية المحتاج» (2/ 385)، و «الكافي» (1/ 214)، و «فتح القدير» (2/ 125).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5699)، والنسائي (5/ 116)، وانظر «المحلى» (7/ 57).
(5)
«المجموع» (7/ 56)، و «الموسوعة الفقهية» (17/ 31).
(6)
صحيح: أخرجه أبو داود (1676)، وانظر «الإرواء» (989).
{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (1). بالزاد والراحلة وقد روى هذا التفسير مرفوعًا ولا يصح (2).
[3]
أمن الطريق: وهو يشمل الأمن على النفس والمال وقت خروج الناس للحج لأن الاستطاعة لا تثبت بدونه.
ويُشترط المحَرْمَ لوجوب الحج على المرأة:
يشترط لإيجاب الحج على المرأة الشروط الخمسة المتقدمة ويزاد عليها أن يصحبها زوج أو محرم (3)، فإن لم تجد فلا يجب عليها الحج: فعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال:«انطلق فحُجَّ مع امرأتك» (4) وهذا مذهب الحنفية والحنابلة (5).
بينما ذهب المالكية والشافعية (6) إلى أن المحرم ليس شرطًا في الحج لكنهم اشترطوا أمن الطريق والرفقة المأمونة، وهذا في حج الفريضة وأما حج النفل فلا يجوز خروجها له إلا مع محرم اتفاقًا.
وأجاز الظاهرية للمرأة التي لا زوج لها ولا محرم أو أبى زوجها، أن تحج بغير محرم (7).
واستدلوا جميعًا بما روى من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للاستطاعة بالزاد والراحلة وهو ضعيف كما تقدم، وبقوله صلى الله عليه وسلم:«يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها، لا تخاف إلا الله» (8) ويجاب عن هذا بأنه إخبار عما سيقع من الأمن ولا تعلق لهذا بحكم سفر المرأة بلا محرم.
(1) سورة آل عمران: 97.
(2)
«نفسير الطبري» (4/ 15).
(3)
يأتي تعريف المحرم في «أبواب النكاح» من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (3006)، ومسلم (1341).
(5)
«البدائع» (3/ 1089)، و «المغنى» (3/ 230)، و «بداية المجتهد» (1/ 348)، و «المجموع» (7/ 68).
(6)
«البدائع» (3/ 1089)، و «المغنى» (3/ 230)، و «بداية المجتهد» (1/ 348)، و «المجموع» (7/ 68).
(7)
«المحلى» (7/ 47).
(8)
صحيح: أخرجه البخاري (3595) وغيره، والظعينة: المرأة.
إذا حجت المرأة بغير محرم:
إذا حجت المرأة بغير محرم صح حَجُّها وأثمت لخروجها بدونه.
تستأذن المرأة زوجها للحج وليس له منعها (1):
1 -
إذا توفرت شروط وجوب الحج المتقدمة لدى المرأة -في حج الفريضة- فإنه يستحب لها أن تستأذن زوجها فإن أذن لها وإلا خرجت بغير إذنه، لأنه ليس للزوج أن يمنعها من الذهاب لحج الفريضة -عند الجمهور- لأن حق الزوج لا يقدم على فرائض الأعيان كصوم رمضان ونحوه.
2 -
إذا كان حجها حج نذر: فإن كانت نذرته بإذن زوجها، أو نذرته قبل الزواج ثم أخبرته به فأقره، فليس له منعها، أما إذا نذرته رغمًا عنه فله منعها، وقيل بل ليس له منعها كذلك لأنه واجب كحجة الإسلام.
3 -
إذا كان حجها حج تطوع أو حجًّا عن غيرها، فيجب عليها استئذان زوجها إجماعًا، ويجوز له أن يمنعها.
هل تخرج المُعْتَدَّة للحج؟ (2).
المرأة المعتدة عن طلاق أو وفاة مدة إمكان السير للحج لا يجب عليها الحج -عند الجمهور- لأن الله تعالى نهى المعتدات عن الخروج بقوله: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} (3). ولأن الحج يمكن أداؤه في وقت آخر، وأما العدة فتجب في وقت مخصوص فكان الجمع بين الأمرين أولى.
وفرَّق الحنابلة بين خروجها للحج في عدة الطلاق، وعدة الوفاة، فمنعوه في عدة الوفاة، وأجازوه في عدة الطلاق المبتوت، قالوا: لأن لزوم البيت فيه واجب في عدة الوفاة، والطلاق المتبوت لا يجب فيه ذلك. اهـ.
قلت: لا يظهر لي وجه والتفريق -في لزوم البيت- بين عدة الوفاة وعدة الطلاق، على أن الآية تتعلق بالمطلقات، والمعتدة للوفاة تقاس عليها -على أحد القولين (4) - فهلا عكسوا هذا التفريق؟!!
(1)«المغنى» (3/ 240)، و «الأم» (2/ 117)، و «فتح القدير» (2/ 130)، و «المحلى» (7/ 52).
(2)
«المغنى» (3/ 240)، و «مغنى المحتاج» (1/ 536).
(3)
سورة الطلاق: 1.
(4)
والقول الثاني: أن المعتدة لوفاة زوجها تعتد حيث شاءت، وسيأتي هذا في «العِدد» .