الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العروض، لأن النصاب معتبر بالقيمة، فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال.
وعند أبي حنيفة والشافعي -في أحد أقواله- أن التاجر مخيَّر بين إخراج السلعة أو القيمة (1).
واختار شيخ الإسلام التفصيل بحسب مصلحة الآخذ للزكاة (2).
زكاة الركاز والمعادن
الركاز لغة: من الركز، فهو الشرع المركوز في باطن الأرض من معدن أو مال مدفون.
وهو شرعًا: دفن الجاهلية (الكنز) الذي يؤخذ من غير أن يطلب بمال ولا يتكلف له كثير عمل، سواء كان ذهبًا أو فضة أو غيرهما.
وأما المعدن لغة: من العدن وهو الإقامة، ومركز كل شيء معدنه.
وشرعًا: كل ما خرج من الأرض مما يُخلق فيها من غيرها مما له قيمة.
والمعادن إما أن تكون جامدة تذوب وتنطبع بالنار كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والزئبق.
أو أن تكون مائعة كالبترول والقار (الزفت) ونحوه.
والركاز والمعدن بمعنى واحد عند الحنفية، والجمهور على التفريق بينهما، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «
…
والمعدن جبار، وفي الركاز الخُمس» (3). ففرَّق بين المعدن والركاز.
من وجد كنزًا، كيف يصنع فيه؟
من وجد كنزًا لا يخلو من أحد خمس حالات:
[1]
أن يجده في أرض موات أو لا يُعلم لها مالك:
فهو له، ويخرج خُمسه، ويكون له أربعة أخماسه.
(1)«البدائع» (2/ 21)، و «المغنى» (3/ 31).
(2)
«مجموع الفتاوى» (25/ 80).
(3)
البخاري (1499)، ومسلم (1710).
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -في كنز وجده رجل في خربة جاهلية-: «إن وجدته في قرية مسكونة أو في سبيل ميتاء (1) فعرِّفه، وإن وجدته في خربة جاهلية، أو في قرية غير مسكونة، ففيه، وفي الركاز الخمس» (2).
[2]
أن يجده في طريق مسلوكة أو قرية مسكونة: فهذا يعرَّفه، فإن جاء صاحبه فهو له، وإلا كان من حقه، للحديث السابق.
[3]
أن يجده في ملك غيره: وللعلماء فيه ثلاثة أقوال (3):
1 -
أنه لصاحب الملك: وهو قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن، وقياس قول مالك، ورواية عن أحمد.
2 -
أنه لواجده: وهو رواية أخرى عن أحمد واستحسنه أبو يوسف.
قالوا: لأن الكنز لا يملك بملك الدار، فيكون لمن وجده.
3 -
التفريق: فإن اعترف به مالك الدار فهو له، وإن لم يعترف به فهو لأول مالك وهذا مذهب الشافعي.
[4]
أن يجده في ملكه المنتقل إليه ببيع أو نحوه (4): ففيه قولان:
1 -
أنه لواجده في ملكه: وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والمشهور عن أحمد إن لم يَدِّعه المالك الأول.
2 -
أنه للمالك قبله إذا اعترف به وإلا فللذي قبله وهكذا، فإن لم يعرف له مالك فكالمال الضائع: أي يكون لقطة.
وهذا قول الشافعي.
[5]
أن يجده في دار حرب:
فإن ظهر عليه بجمع من المسلمين فهو غنيمة حكمه حكمها.
(1) سبيل ميتاء: أي طريق مسلوك، وميتاء مفعال من الإتيان.
(2)
أبو داود (1710)، والشافعي في «مسنده» (673)، وأحمد (2/ 207)، والبيهقي (4/ 155) وسنده حسن.
(3)
المبسوط (2/ 214)، وفتح القدير (2/ 183)، والمغنى (3/ 49)، و «الأم» (2/ 41)، والمجموع (6/ 41).
(4)
المبسوط (2/ 212)، والمدونة (1/ 290)، والمغنى (3/ 49)، والأم (2/ 44)، والمجموع (6/ 40).
وإن قدر عليه بنفسه دون مساعدة أحد: فللعلماء فيه قولان (1):
1 -
أنه لواجده: وهو مذهب أحمد، قياسًا على ما وجد في أرض موات.
2 -
إذا كان عرف مالك الأرض وكان حربيًّا يذب عنها، فهو غنيمة، وإذا لم يعرف ولم يكن يذب عنها، فهو ركاز، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي على تفصيلات بينهم.
لا يشترط النصاب والحول في الركاز:
لا يشترط النصاب ولا الحول في الركاز، وتجب الزكاة فيه بمجرد العثور عليه، فيخرج الخُمس، لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم:«في الركاز الخُمس» (2) وهذا قول جمهور العلماء.
إلى من يصرف الخمس في الركاز؟
اختلف العلماء في بيان مصرف الخُمس على قولين (3):
1 -
أن مصرف الخمس هو مصرف الزكاة: وهو قول الشافعي وأحمد إلا أنه قال: وإن تصدق به على المساكين أجزأه.
وحجتهم: ما رُوى عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن رجل من قومه يقال له حجمة قال: «سقطت عليَّ جرة من دير قديم بالكوفة عند جبانة بشر، فيها أربعة آلاف درهم، فذهبت بها إلى علي بن أبي طالب فقال: اقسمها خمسة أخماس فقسمتها، فأخذ عليٌّ منها خمسًا، وأعطاني أربعة أخماس، فلما أدبرت دعاني، فقال: في جيرانك فقراء ومساكين؟ قلت: نعم، قال: فخذها فاقسمها بينهم» (4).
ولأنه مستفاد من الأرض، فأشبه الزرع.
2 -
أن مصرفه مصرف الفيء: وهو قول أبي حنيفة ومالك ورواية في مذهب أحمد وصححهما ابن قدامة.
وحجتهم: ما رُوى عن الشعبي: «أن رجلاً وجد ألف دينار مدفونة خارجًا من المدينة، فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخذ منها الخمس مائتي دينار، ودفع إلى
(1) المغنى (3/ 50)، والمدونة (1/ 291)، والمبسوط (2/ 215)، والمجموع (6/ 40).
(2)
متفق عليه، وقد تقدم قريبًا.
(3)
«الأم» (2/ 44)، و «المغنى» (3/ 51)، و «المدونة» (1/ 292)، و «المبسوط» (2/ 212).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (7179)، والطحاوي في «شرح المعاني» (3/ 304)، والبيهقي (4/ 157) بسند ضعيف.
الرجل بقيتها، وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين إلى أن أفضل منها فضلة، فقال: أين صاحب الدنانير؟ فقام إليه، فقال عمر: خذ هذه الدنانير فهي لك» (1).
والشاهد: أنها لو كانت زكاة لخص بها أهلها، ولم يرده على واجده.
قالوا: ولأنه يجب على الذمي، والزكاة لا تجب عليه، ولأنه مال مخموس زالت عنه يد الكافر [على اعتبار أنه دفن الجاهلية] فأشبه خمس الغنيمة.
قلت: الدليلان لا يصلحان للاحتجاج بهما، ولذا قال الألباني (2) -رحمه الله تعالى-:«وليس في السنة ما يشهد صراحة لأحد القولين على الآخر، ولذلك اخترت في (أحكام الركاز) أن مصرفه يرجع إلى رأي إمام المسلمين، يضعه حيثما تقتضيه مصلحة الدولة، وهو الذي اختاره أبو عبيد في (الأموال)» اهـ.
هل تدخل المعادن في حكم الركاز؟
1 -
ذهب مالك -في إحدى الروايتين- والشافعي -في قوله الثاني- إلى أن المعادن لا يجب فيها شيء إلا الأثمان (الذهب والفضة).
2 -
وذهب الجمهور إلى أن المعادن على اختلاف أنواعها من ذهب وفضة ونحاس وحديد ورصاص
…
وبترول، كالركاز يجب فيه حق، على خلاف في مقداره (3) وهذا هو الأرجح لعموم قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ} (4).
ولا شك أن النفط (البترول) الذي يعرف بالذهب الأسود هو من أثمن الأثمان فلا يصح أن يخرج من هذا الحكم، والله أعلم.
مقدار الواجب في المعدن:
ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وأبو عبيد، وغيرهم إلى أن الواجب في المعدن الخمس كالركاز.
بينما ذهب الجمهور إلى أن فيه ربع العشر قياسًا على النقدين وسبب الخلاف، اختلافهم في معنى الركاز، وهل يشمل المعدن أم لا؟
(1)«الأموال» لأبي عبيد (874) بسند ضعيف.
(2)
«تمام المنة» (ص: 378).
(3)
المبسوط (2/ 295)، و «المدونة» (1/ 292)، و «الأم» (2/ 45)، و «المغنى» (3/ 50).
(4)
سورة البقرة: 267.