الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزكاة في الأوراق النقدية «البنكنوت»
تكييفها الفقهي:
نظرًا لقلة تعامل الناس في هذه الأيام بالنقدين «الذهب والفضة» وتعاملهم بدلاً منهما بالعملات الورقية المعروفة «بأورق البنكنوت» فقد واجهت الفقهاء مشكلة «التكييف الفقهي للنقود الورقية» وانبرى علماء الشريعة لإطلاق الأحكام على هذا النوع الجديد من النقود على ضوء تكييفهم وتصنيفهم لهذه النقود.
وقد وقفت لأهل العلم في هذا الشأن على خمسة أقوال (1):
1 -
أن هذه النقود سندات دَيْن على الجهة التي أصدرتها:
واعتمدوا على أن هذا هو وضعفها الحقيقي حسبما تقتضيه صيغة الإقرار بالمديونية المسجلة على كل ورقة نقدية، وبذلك طبقوا عليها أحكام التعامل بأسناد الديون (2).
ومن سلبيات هذا التكييف: أنه سيخضع هذه النقود للخلاف الذي تقدم بين العلماء في زكاة الدين فمن لا يرى إخراج زكاة الدين سيمنع إخراجها من هذه النقود.
وكذلك إذا كانت هذه النقود سندات دين، فلا يجوز البيع بها دينًا، للإجماع على أنه لا يجوز بيع الدين بالدين، أضف إلى ذلك أنها إذا كانت سندات دين مغطاة بالذهب والفضة، فلا يجوز أن يشترى بها الذهب أو الفضة أصلاً، لأنه يشترط هنا التقابض وهو منعدم.
2 -
أنها عرض من عروض التجارة وسلعة من السلع (3):
واعتمدوا على وصفها بأنها مال متقوم تختلف فيه الرغبات ويخضع لقانون العرض والطلب في ثبات قيمته، وبالتالي حاولوا تطبيق الأحكام الفقهية المتعلقة بعروض التجارة -والتي سيأتي بعضها- على هذه العملات.
(1)«النقود .. وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية» لعلاء الدين زعتري (ص: 329 وما بعدها) وهي دراسة قيمة.
(2)
وممن قال بهذا: مشيخة الأزهر، والعلامة الشنقيطي في «أضوءا البيان» (1/ 257).
(3)
ممن قال بهذا: السعدي رحمه الله كما في «الفتاوى السعدية» (ص: 338 - 339) ولم يوافقه تلميذه ابن عثيمين، رحمه الله.
ومن سلبيات هذا التكييف: أنه سيفتح الباب للربا؛ فإن اعتبار هذه النقود عروضًا سيجيز بيع بعضها ببعض متفاضلاً ولو كانت من جنس واحد!! وهذا عين الحرام.
وكذلك فكونها من عروض التجارة فلا يجب فيها الزكاة إذا لم تكن معدة للتجارة والنماء!!
3 -
أنها تشبه الفلوس المسكوكة من غير الذهب والفضة (كالنحاس والنيكل
…
) (1).
فقالوا كأنها فلوس مسكوكة من الورِق، وهذه الفلوس تعتمد في قيمتها على العرف لا على قيمة المادة المصنوعة منها.
وهذه الفلوس ينظر إلهيا باعتبارين: باعتبار الأصل هي (عرض) لأن أصل النحاس والنيكل ونحوهما من العروض التي تباع وتشترى، وباعتبار ما صارت إليه هي (ثمن).
فمن نظر إلى الأصل ففيها السلبيات التي تقدمت في عروض التجارة.
ومن نظر إلى ما صارت إليه وأنها ثمن، بقيت عنده مشكلة وهي اختلاف الفلوس عن هذه العملات الورقية من عدة أوجه (2) مما يمنع إلحاق النقود الورقية بالفلوس التي تقل عنها درجة وكفاءة.
4 -
أنها متفرعة من الذهب والفضة (3):
وقالوا: هي بديل عنهما، واعتمدوا على أن إصدار النقود الورقية يقتضي تغطيتها بالذهب أو الفضة، فإن كان غطاء العملة ذهبًا فحكمها حكم الذهب، وإن كان فضة فحكمها حكم الفضة.
ومن سلبيات هذا التكييف: أنه لا يوجد في العالم الآن عملتان متساويتان في القيمة، مع أنهما متفرعتان من جنس الذهب، فيلزم من هذا أنه لا يجوز التفاضل عند إبدال دينار كويتي بدينار ليبي -مثلًا- بل لابد من التماثل -على أساس أن جنسهما واحد- وبينهما فارق كبير!! ثم إن افتراض وجود غطاء كامل ذهبي أو
(1) ممن قال بهذا: مصطفى الزرقا، كما نقله ابن منيع في «الورق النقدي» (ص 147).
(2)
تنظر في «النقود» للزعتري (ص: 346 وما بعدها).
(3)
ممن قال بهذا: الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية.