المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يفعل ذلك): يحتمل أن الإشارة به إلى الفعل الأخير وهو - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ٢

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌4 - كتاب الزكاة

- ‌حكم الزكاة ومنزلتها

- ‌من فضائل وفوائد الزكاة

- ‌حكم منع الزكاة وعقوبة مانعها

- ‌شروط وجوب الزكاة

- ‌زكاة الديون

- ‌الأصناف التي تجب فيها الزكاة

- ‌زكاة الذهب والفضة

- ‌الزكاة في الأوراق النقدية «البنكنوت»

- ‌نصاب الأوراق النقدية

- ‌زكاة الحلي

- ‌الزكاة في الرواتب وكسب الأعمال

- ‌زكاة الصداق

- ‌زكاة المواشي

- ‌زكاة الإبل

- ‌زكاة البقر

- ‌زكاة الغنم

- ‌مسائل عامة في زكاة المواشي

- ‌زكاة الزروع والثمار

- ‌زكاة عروض التجارة

- ‌زكاة الركاز والمعادن

- ‌أحكام عامة في الركاز

- ‌مصارف الزكاة

- ‌نقل الزكاة

- ‌زكاة الفطر

- ‌مصرف زكاة الفطر

- ‌5 - كتاب الصيام

- ‌تعريف الصيام

- ‌أقسام الصيام:

- ‌1 - الصيام الواجب وأقسامه:

- ‌صيام رمضان

- ‌المفطرون وأحكامهم

- ‌قضاء رمضان

- ‌2 - صيام التطوع

- ‌مسائل تتعلق بصيام التطوع

- ‌الأيام المنهي عن صيامها

- ‌ليلة القدر

- ‌الاعتكاف

- ‌6 - كتاب الحج والعمرة

- ‌أولاً: الحج

- ‌الحج عن الغير

- ‌المواقيت

- ‌سياق صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ملخص أفعال حج التمتُّع

- ‌ما قبل السفر

- ‌الإحرام

- ‌دخول مكة والطواف

- ‌السعي بين الصفا والمروة

- ‌التحلل من الإحرام

- ‌يوم التروية

- ‌يوم عرفة

- ‌الإفاضة إلى المزدلفة والمبيت بها

- ‌يوم النحر

- ‌أيام التشريق

- ‌طواف الوداع قبل السفر

- ‌أركان الحج

- ‌محظورات الإحرام

- ‌دخول مكة

- ‌أحكام في الطواف عامة

- ‌أحكام السعي بين الصفا والمروة

- ‌الهَدْي

- ‌الحلق والتقصير

- ‌الفوات والإحصار

- ‌ثانيًا: العمرة

- ‌فضل العمرة

- ‌وقت العمرة:

- ‌تجوز العمرة قبل الحج:

- ‌هل يشرع تكرار العمرة

- ‌أركان العمرة:

- ‌واجبات العمرة:

- ‌زيارة المدينة المنورة

- ‌فضل مسجدها وفضل الصلاة فيه:

- ‌آداب زيارة المسجد والقبر الشريفين:

- ‌مسجد قباء:

- ‌البقيع وأُحد:

- ‌المزارات:

- ‌محظورات الحرمين

- ‌7 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌أولًا: الأيْمَانُ

- ‌أنواع اليمين القَسَمِيَّة

- ‌كفَّارة اليمين

- ‌ثانيًا: النُّذُور

- ‌8 - كتاب الأطعمة والأشربة وما يتعلق بهما

- ‌الأَطْعِمَة

- ‌من آداب الأكل

- ‌الصَّيْد وأحكامه

- ‌التذكية الشرعية

- ‌الأضحية

- ‌ما يُضَحَّى به

- ‌العقيقة

- ‌الأشربة

- ‌الآنية وما يتعلَّق بها

الفصل: يفعل ذلك): يحتمل أن الإشارة به إلى الفعل الأخير وهو

يفعل ذلك): يحتمل أن الإشارة به إلى الفعل الأخير وهو الغسل

ويحتمل أنها إلى الجميع وهوالأظهر. اهـ.

لكنه قال رحمه الله (1): الظاهر أنه أراد: يمسك عن التلبية، وكأنه أراد بالحرم المسجد، والمراد بالإمساك عن التلبية التشاغل بغيرها من الطواف وغيره لا تركها أصلاً،

، والظاهر أيضًا أن المراد بالإمساك: ترك تكرار التلبية ومواظبتها ورفع الصوت بها الذي يفعل في أول الإحرام لا ترك التلبية رأسًا، والله أعلم. اهـ.

‌محظورات الإحرام

هي الأمور التي منع الشارع المُحِرْمَ منها، وحرَّمها عليه ما دام محرمًا، وهذه المحظورات على قسمين:

(أ) محظور يُفسد الحج: وهو الجماع قبل التحلل الأول (قبل رمي جمرة العقبة على الأرجح) وهو أشد المحظورات إثمًا وأعظمها تأثيرًا في النسك. قال الله تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (2). وقد صح عن ابن عباس وابن عمر وقتادة أن الرفث في الآية: الجماع (3) وقيل الرفث: الإفحاش للمرأة في الكلام فيما يتعلق بالجماع وما أشبه ذلك، واختار ابن جرير أنه عام يشمل هذا كله.

قال ابن قدامة (4): «أما فساد الحج بالجماع في الفرج فليس فيه اختلاف، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع» اهـ.

قلت: ههنا أمور:

الأول: أما الاستدلال بالآية الكريمة، فعلى القول بأن الرفث فيها: الجماع، فإن غاية ما تدل عليه المنع لا أنه يفسد الحج، وإلا لزم في الجدال أنه يفسد الحج ولا قائل بذلك (5)[غير ابن حزم].

الثاني: ليس في هذه المسألة حديث مسند صحيح مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1) السابق (3/ 483).

(2)

سورة البقرة: 197.

(3)

انظر هذه الآثار في «تفسير الطبري» (4/ 125 - 136) بأسانيد صحيحة.

(4)

«المغنى» (3/ 334)، و «الإجماع» لابن المنذر (ص 144).

(5)

«الروضة الندية» (1/ 254).

ص: 197

الثالث: أن الإجماع الذي نقله ابن المنذر وغيره، هل ينتقض بما نقله الشوكاني في «نيل الأوطار» عن داود الظاهري؟ على أن هذا الإجماع -لو سلم- لم يستقر انعقاده على شيء بعينه، وقد حصل اختلاف في تفاصيله:

فقال ابن عباس وأبوحنيفة: لا يبطل الحج بالوطء بعد عرفة.

وقال مالك: إن وطئ يوم النحر قبل رمي الجمرة بطل حجُّه، وإن وطئ يوم النحر بعد رمي الجمرة لم يبطل حجه، وإن وطئ بعد يوم النحر قبل رمي الجمرة لم يبطل حجه؟!

وقال الشافعي: إن وطئ ما بين أن يجزم إلى أن يرمي جمرة العقبة فسد حجه، وإن وطئ بعد الرمي فحجُّه تام.

ثم اختلفوا فيما يجب على من جامع اختلافًا كثيرًا (1)، كما سيأتي.

الرابع: ماذا على المجامع؟ وماذا يفعل؟

إذا جامع الرجل زوجته قبل التحلل الأول أثم وبطل حجُّه -عند الأكثرين- ويلزمها إتمام هذا لا حج -رغم فساده- لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} (2). وعليهما الحج في العام القابل والهدي (بدنة).

وبهذا أفتى ابن عمر وابن عمرو وابن عباس رضي الله عنهم فعن وعمرو بن شعيب عن أبيه فقال: «أتى رجل ابن عمر فسأله عن محرم وقع بامرأته؟ فأشار له إلى عبد الله ابن عمرو فسأله فقال: بطل حجُّه، قال: فيقعد؟ قال: لا، بل يخرج مع الناس فيصنع كما يصنعون، فإذا أدركه قابل، حجَّ وأهدى، فرجعا إلى عبد الله بن عمر فأخبراه، فأرسلنا إلى ابن عباس، فسأله فقال له مثل ما قال ابن عمرو، فرجع إليه فأخبره فقال له الرجل: ما تقول أنت؟ فقال: مثل ما قالا» (3).

وذهبت الظاهرية (4) إلى أنه يفسد نسكه ويبطل وينصرف ولا يتمادى في حجه لأنه عمل فاسد، قالوا: وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحج إنما يجب مرة،

(1) انظر «المحلى» (7/ 189).

(2)

سورة البقرة: 196.

(3)

إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 4/ 142)، والبيهقي (5/ 167).

(4)

«المحلى» (7/ 189) وما بعدها.

ص: 198

ومن ألزمه التمادي على ذلك الحج الفاسد ثم ألزمه حجًّا آخر فقد ألزمه حجتين وهذا خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.

وذهب بعض التابعين (1) إلى أنه يتحلل بعمرة ويقضي، فيجعلونه بمنزلة من فاته الوقوف بعرفة، فإنه يتحلل بعمرة ويحل.

قلت: ولا شك أن الأرجح ما صح عن ثلاثة من علماء الصحابة (2) وأطبق عليه أكثر أهل العلم -إن لم يصح الإجماع- من أن المجامع يفسد حجه ويلزمه المضي فيه واتباع الصحابة في هذا أولى، لعمق عملهم وسداد رأيهم، لا سيما وهو الأحوط في الدين، والله أعلم.

فوائد:

1 -

إذا أُكرهت المرأة على الجماع: فإن حجَّها صحيح، ولا فدية عليها بخلاف زوجها على أصح القولين للعلماء (3).

2 -

إذا جامع بعد التحلل الأول: قبل أن يطوع ويسعى، لم يفسد حجُّه لكنه يأثم «ويجب عليه أن يخرج إلى الحل ويحرم -في إزار ورداء- ليطوف الإفاضة محرمًا لأنه أفسد ما تبقى من إحرامه فوجب عليه أن يجدده وعليه فدية» (4).

3 -

إذا جامع قبل التحلل الأول ناسيًا لإحرامه (5):

إذا جامع المحرم قبل التحلل من العمرة، أو قبل التحلل الأول من الحج ناسيًا لإحرامه فالأصح أنه لا يفسد نسكه ولا شيء عليه لا كفارة ولا غيرها، لقوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَاتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (6).

(ب) محظورات لا تفسد الحج:

1 -

لبس الرجل المخيط من الثياب: يحرم على الرجل لبس المخيط، وما هو

(1)«الشرح الممتع» (7/ 183).

(2)

وورد كذلك فساد الحج بالجماع عن عمر وعلي وأبي هريرة، بأسانيد ضعيفة.

(3)

انظر «المجموع» (7/ 404).

(4)

«الشرح الممتع» لابن عثيمين (7/ 184).

(5)

«المحلى» (7/ 186)، و «المجموع» (7/ 364).

(6)

سورة الأحزاب: 5.

ص: 199

في معناه مما هو على قدر عضو من البدن (1)، فلا يلبس القميص ولا السراويل ولا العمائم ولا القلنسوة ولا الجبة ولا الخفين ولا الجوربين ولا القفازين ونحو ذلك.

لحديث ابن عمر: أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يلبس القُمُص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسَّه زعفران أو ورس» (2).

فائدة: هذا اللبس المُحرَّم على الرجل محمول على ما يعتاد في كل ملبوس، فلو التحف بقميص أو ارتدى أو اتزر بسراويل مما ليس يعتاد لبسه عليه فلا شيء فيه، لأنه حينئذ يكون من جنس الإزار والرداء (3).

من لم يجد إلا السراويل والخفين:

من لم يجد الإزار والرداء، فوجد السراويل والخفين -واحتاج للمشي- فيجوز له أن يلبس ما يجده، لحديث ابن عباس قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: «من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين» (4) فدلَّ على جواز لبس السراويل -إذا لم يجد إزارًا- كما هي ولا يلزمه أن يشقها فيتزر بها -كما يقول الأحناف- ولا شيء عليه، لا فدية ولا غيرها لأنها -أي الفدية- لو وجبت لبينَّها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقت حاجة، وهذا مذهب الجمهور خلافًا للأحناف.

وإذا لم يجد النعلين لبس الخفين، لكن هل يقطعهما -كما في حديث ابن عمر- أم لا لحديث ابن عباس (5)؟ فذهب أحمد إلى أنه لا يلزم قطعهما، واختاره

(1)«المجموع» (7/ 269)، و «المحلى» (7/ 80) وليس المراد بالمخيط ما فيه خيط فإن السنة أن يلبس الإزار والرداء وإن كانا مخيطين باتفاق الأئمة.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (1542)، ومسلم (1177).

(3)

«المجموع» (7/ 270)، و «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (26/ 109).

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (1843)، ومسلم (1178).

(5)

في رواية أحمد (1/ 228) من طريق ابن جريج عن أبي الشعثاء (جابر بن زيد) عن ابن عباس نحو ما ذكرت، وفي آخرها:«قلت: لم يقل ليقطعهما؟ قال: لا» قلت: هذا القول يحتمل أن يكون قائله ابن جريج أو من هو دونه، فقد رواه عمرو بن دينار عن جابر عن ابن عباس بدونه في الصحيحين، بل رواه أيوب عن عمرو عن جابر عن ابن عباس وزاد في آخره:«.. وليقطعهما أسفل الكعبين» هكذا موافقًا لحديث ابن عمر، أخرجه النسائي (5/ 135) ورجاله ثقات إلا أن هذه الزيادة شاذة، والله أعلم.

ص: 200

ابن تيمية حيث قال: «والأفضل أن يحرم في نعلين إن تيسر

فإن لم يجد نعلين لبس خفين، وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالقطع أولاً، ثم رخَّص بعد ذلك في عرفات

وإنما رخص في المقطوع أولاً لأنه يصير بالقطع كالنعلين» اهـ.

وقال بعضهم: قطع الخفين إفساد للمال وقد نهى عنه. اهـ.

بينما ذهب الجمهور إلى أنه يجب قطع ما دون الكعبين (1)، حملاً للمطلق في حديث ابن عباس على المقيد في حديث ابن عمر، قلت: وهذا أولى من الأول والله أعلم.

2 -

تغطية الرجل رأسه بمُلاصق:

فلا يلبس على رأسه قلنسوة (طاقية) ولا عمامة ونحوها لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المتقدم قريبًا: «لا يلبس القمص ولا العمائم

».

ويغطي رأسه بخمار (غترة ونحوها) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم فيمن وقصته دابته بعرفة: «لا تخمروا رأسه» (2) وهذا عام في كل غطاء ولا يقال: إنه يخصص بالعمائم دون سائر الأغطية، فإن العام لا يخصص بأحد أفراده إلا عند التعارض -كما تقرر في الأصول- ولا تعارض هنا، والله أعلم.

فإن استظل بمنفصل عنه كمظلة أو شمسية أو سيارة أو شجرة ونحوها فلا بأس بذلك كما سيأتي.

3 -

لبس المرأة النقاب والبرقع والقفازين:

لزيادة وردت في حديث ابن عمر المتقدم وهي قوله: «

ولا تنتقب المُحرمة، ولا تلبس القفازين» (3) وقد اختلف فيها: هل هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم؟ أم هي مدرجة من قول ابن عمر؟ ورجَّح الأخير الحافظ في «الفتح» (4).

واختلف العلماء في لبسها النقاب، فمنعه الجمهور، وأجازه الحنفية وهو رواية عند الشافعية والمالكية (5).

(1)«فتح الباري» (3/ 471)، والكعبان: هما العظمتان الناتئتان عند مفصل الساق والقدم.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (1851)، ومسلم (1206).

(3)

إسناده صحيح: أخرجه البخاري (1838)، وأبو داود (1825)، والترمذي (833)، والنسائي (5/ 133).

(4)

انظر «فتح الباري» (4/ 64)، وأيَّده شيخنا -حفظه الله- في «جامع أحكام النساء» (2/ 483).

(5)

«فتح الباري» (4/ 65).

ص: 201

قلت: على القول بالمنع من النقاب للمحرمة، فإنه يجوز لها أن تسدل خمارها من على رأسها على وجهها عند مرور الرجال الأجانب، سواء كان ماسًّا لوجهها أم لا، لأنها إنما نهيت عن النقاب، ولا يسمى السدل نقابًا (1)، وسيأتي بعض الأدلة على ذلك قريبًا.

4 -

استعمال -المحرم أو المحرمة- الطيب على ثوب أو بدن:

لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: «

ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسَّهُ زعفران أو ورس» (2).

ولقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته ناقته: «لا تحنِّطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا» (3).

5 -

حلق شعر الرأس:

لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (4).

وقد أجمع المسلمون على تحريم حلق الرأس، يستوي في هذا الرجال والنساء، وتجب الفدية (5).

فإن تأذى المحرم ببقاء شعره جاز له إزالته، وفيه فدية، لقوله تعالى:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (6).

وقد نزلت هذه الآية في كعب بن عجرة لما مرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم -وهو محرم- والقمل يتهافت على وجهه، فقال صلى الله عليه وسلم:«أتؤذيك هوامُّك هذه؟» قال: نعم، قال:«احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، أو انسك بشاة» (7).

هل يُمنع من قص الشعر أو حلق غير الرأس؟

قال النووي (8): «قال أصحابنا: ولا يختص التحريم بالحلق ولا بالرأس، بل

(1)«المحلى» لابن حزم (7/ 91)، و «فتاوى ابن تيمية» (26/ 112).

(2)

صحيح: تقدم قريبًا.

(3)

صحيح: تقدم قريبًا.

(4)

سورة البقرة: 196.

(5)

«المجموع» للنووي (7/ 262).

(6)

سورة البقرة: 196.

(7)

صحيح: أخرجه البخاري (1814)، ومسلم (1201) وغيرهما.

(8)

«المجموع» (7/ 262).

ص: 202

تحرم إزالة الشعر قبل وقت التحلل، وتجب به الفدية سواء شعر الرأس واللحية والشارب والإبط والعانة وسائر البدن، وسواء الإزالة بالحلق والتقصير والإبانة بالنتف أو الإحراق وغيرهما، ولا خلاف في هذا كله عندنا» اهـ.

قلت: ولا شك أن الدليل أخص من الحكم، فلا يصح الاستدلال، إلا أن يقال:(الدليل هنا القياس)، فنقول: إذن لابد أن يتساوى الأصل والفرع في العلة، فمن جعل العلة في النهي عن حلق الرأس: منه الترف (وهو قول الأكثرين) منع حلق سائر الشعر، ومن جعل العلة: أن المحرم إذا حلق رأسه فإنه يسقط به نُسكًا مشروعًا وهوالحلق أو التقصير، قال: لا يحرم إلا حلق الرأس، وأيَّدوا هذا بأن الأصل الحل فيما يؤخذ من الشعور فلا يمنع إلا بدليل (1).

قلت: وهذا القول له وجهه، لكن هل يعكِّر عليه حديث.

وعلى كلٍّ فالأحوط العمل بقول الجمهور في هذه المسألة، فيمنع الأخذ من شعر رأسه وشاربه وإبطه وعانته، والله أعلم.

فائدة: إذا حك المحرم رأسه فلا حرج عليه وإن سقط بعض شعره إذا لم يقصده.

6 -

تقليم الأظفار:

نقل ابن المنذر إجماعًا على منع المحرم من أخذ الأظفار، وقال ابن قدامة:

«أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره، وعليه الفدية بأخذها في قول أكثرهم: حماد ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وروى عن عطاء، وعنه: لا فدية عليه، لأن الشرع لم يرد فيه بفدية» اهـ (2).

قلت: إن صح الإجماع فهو حجة ملزمة، وإلا فالبحث فيه كالذي تقدم في حلق سائر الشعور.

وقد خالف في هذا داود الظاهري فأجاز تقليم الأظفار كلها وقال: لا فدية فيها (3) قال النووي (4): «وقد نقل ابن المنذر وغيره إجماع المسلمين على تحريم

(1) أفاده العلامة ابن عثيمين رحمه الله كما في «الممتع» (7/ 131 - 132).

(2)

«الإجماع» لابن المنذر (57)، و «المغنى» (5/ 388).

(3)

«المجموع» (7/ 263).

(4)

«المجموع» (7/ 263).

ص: 203

قلم الظفر في الإحرام، فلعلهم لم يعتدُّوا بداود، وفي الاعتداد به في الإجماع خلاف

» اهـ.

قلت: وخالف في هذا أيضًا ابن حزم في «المحلى» (7/ 246) فأجاز قص الأظفار.

فائدة: احتج الشنقيطي رحمه الله في «أضواء البيان» (5/ 404) على المنع من تقليم الظفر بقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (1). بناء على تفسير بعض الصحابة والتابعين قضاء التفث بأنه: حلق الرأس وتقليم الأظفار ونتف الإبط

فقال رحمه الله: «وعلى التفسير المذكور فالآية تدل على أن الأظفار كالشعر بالنسبة للمحرم، لا سيما أنها معطوفة بـ «ثم» على نحر الهدايا، فدلَّ على أن الحلق وقص الأظفار ونحو ذلك ينبغي أن يكون بعد النحر» اهـ.

فائدة: إذا انكسر ظفره، فله إزالته، ولا شيء عليه.

8 -

دواعي الجماع: قال النووي: «فتحرم المباشرة بشهوة كالمفاخذة والقبلة واللمس باليد بشهوة قبل التحللين، وفيما بين التحللين خلاف، ومتى ثبت التحريم فباشر عمدًا بشهوة لزمته الفدية، وهي شاة أو بدلها من الإطعام أو الصيام، ولا يلزمه البدنة بلا خلاف سواء أنزل أو لا وإنما تجب البدنة في الجماع، ولا يفسد نسكه بالمباشرة بشهوة بلا خلاف سواء أنزل أم لا، هذا كله إذا باشر عالمًا بالإحرام، فإن كان ناسيًا فلا فدية بلا خلاف

» (2).

قلت: ودليل تحريم ذلك أنه داخل في عموم قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ} كما تقدم.

لكن لا أعلم دليلاً من الكتاب أو السنة يوجب على من باشر بشهوة -فيما دون الجماع- دمًا، اللهم إلا القاعدة التي عند الفقهاء بأن فعل المحرم في الإحرام يوجب الكفارة، وإن كانتغير مسلَّمة.

وقد ذهب مالك إلى أنه إن باشر أو قبَّل أو لمس فأنزل فقد فسد حجُّه وعليه الحج من قابل، وإن قبَّل أو باشر أوتلذذ فلم ينزل ولم يولج فعليه دم (3)؟!

أما ابن حزم فأباح كل ما كان دون الجماع، بناء على أن الرفث: الجماع لا غير (4).

(1) سورة الحج.

(2)

«المجموع» (7/ 306).

(3)

«المدونة» (1/ 327).

(4)

«المحلى» (7/ 254).

ص: 204

9، 10 - الخطبة وعقد الزواج:

لحديث عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب» (1) قال الترمذي: «والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، ولا يرون أن يتزوج المحرم، وإن نكح فنكاحه باطل» اهـ.

وقد عارض هذا الحديث حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّج ميمونة وهو محرم» (2) وبه قال أبو حنيفة والثوري فأجازوا نكاح المحرم.

لكن أجاب عنه الجمهور بعدة أجوبة، منها ما جرى على مسلك الترجيح (3) ومن ذلك:

1 -

أن قول ابن عباس هذا مما استدرك عليه، وعدَّ من وهمه، قال سعيد بن المسيب: ووهم ابن عباس -وإن كانت خالته- ما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما حلَّ. وقال أحمد: هذا لحديث خطأ.

2 -

أن ابن عباس كان حينئذ ابن عشر سنين، وقد يخفى على مثله تفاصيل الأمور التي جرت في زمنه.

3 -

أن ميمونة نفسها وأبا رافع -سفير النبي صلى الله عليه وسلم لزواجها- أثبتا أنه تزوجها في الحِلِّ: فعن يزيد بن الأصم قال حدثتني ميمونة بنت الحارث «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال» قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس (4).

وعن أبي رافع قال: «تزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول فيما بينهما» (5).

(1) صحيح: أخرجه مسلم (1409)، والترمذي (840)، وأبو داود (1841)، والنسائي (5/ 292)، وابن ماجه (1966).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (1837)، ومسلم (1410).

(3)

انظر «المحلى» (7/ 200)، و «المغنى» (3/ 158)، و «فتح الباري» (4/ 62)، «زاد المعاد» (3/ 372)، و «شرح العمدة» لشيخ الإسلام (2/ 194).

(4)

إسناده صحيح: أخرجه مسلم (1411)، وأبو داود (1843)، والترمذي (845)، وابن ماجه (1964) وغيرهم.

(5)

ضعيف: أخرجه الترمذي (841) بسند ضعيف، وهو يتقوى بما قبله، وأعله الترمذي بالإرسال، ولا أراه هنا علة لأن يزيد قد أخذه عن ميمونة على أية حال، وقد صرح بالتحديث في رواية مسلم.

ص: 205

4 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تزوجها في عمرة القضاء -بلا خلاف- ومكة يومئذ دار حرب وإنما هادنهم عليه السلام على أن يدخلها معتمرًا ويبقى بها ثلاثة أيام فقط ثم يخرج فأتى من المدينة محرمًا بعمرة ولا شك أنه تزوجها بعد ما أتم عمرته ثم رجع بها معه من مكة، وإنماكان يحرم من ذي الحليفة، فكان ظاهر الحال أنه تزوجها في إحرامه، أما من روى أنه تزوجها حلالاً فقد اطلع على حقيقة الأمر وأخبر به.

5 -

على فرض صحة حديث ابن عباس (1) فقد تعارض الفعل مع القول -في حديث عثمان- فيجب تقديم القول، لأن الفعل موافق للبراءة الأصلية، وهي كون النكاح حلالاً في كل حال، والقول ناقل عن الأصل فيكون حديث ابن عباس منسوخًا ولا يجوز تقديم الفعل هنا لأنه يلزم منه تغيير الحكم مرتين وهو خلاف قاعدة الأحكام.

قلت: وهذا أقوى الأجوبة، لموافقته الأصول.

ويؤيده كذلك أن تحريم زواج المُحرم قد ثبت العمل به عند الخلفاء الراشدين، فعن أبي غطفان عن أبيه:«أن عمر فرَّق بينهما، يعني: رجلاً تزوج وهو محرم» (2).

وعن علي قال: «لا ينكح المحرم، فإن نكح ردَّ نكاحه» (3).

11، 12 - اقتراف المعاصي، والمخاصمة والجدال: لقوله تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (4).

ومن العلماء من سلك مسلك الخصوصية ورأى أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يعارض الأمر الخاص بالأمة، لا سيما وللنبي صلى الله عليه وسلم في النكاح خصوصياته المعروفة، لكن الترجيح السابق أولى لافتقار الخصوصية إلى الدليل، والله تعالى أعلم.

(1) أشار الحافظ في «الفتح» (9/ 166) إلى أنه قد صح حديث ابن عباس عن أبي هريرة وعائشة رضي الله عنها، قلت: بل في كل منهما كلام، ولعله لأجل ذلك قال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 153):«ما أعلم أحدًا من الصحابة روى عنه أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم إلا ابن عباس» اهـ.

(2)

إسناده صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (869)، وعنه البيهقي (5/ 66)، وانظر «الإرواء» (1038).

(3)

إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (5/ 66).

(4)

سورة البقرة: 197.

ص: 206

13 -

التعرض لصيد الحيوان البرِّي: سواء بالقتل أو الذبح أو الإشارة أو الدلالة، لقوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} (1).

وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} (2).

ولحديث أبي قتادة الذي فيه: «

فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبا قتادة لم يُحرم، فبينما هم يسيرون إذ رأوا حُمُر وحش، فحمل أبو قتادة على الحُمر فعقر منها أتانًا، فنزلوا فأكلوا من لحمها، وقالوا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحم الأتان، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، إنا كنا أحرمنا، وقد كان أبو قتادة لم يحرم، فرأينا حُمُر وحش، فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانًا، فنزلنا فأكلنا من لحمها، ثم قلنا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها، قال:«منكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟» قالوا: لا، قال:«فكلوا ما بقي من لحمها» (3).

جزاء قتل الصيد:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (4).

والآية الكريمة تدل على أن قاتل الصيد مخيَّر في الجزاء بين أحد أمور ثلاثة، بأيها شاء كفَّر، سواء كان موسرً أو معسرًا، وهذه الأمور هي:

[1]

ذبح مثل ما قتل -إن كان له مثل من النَعَم- والتصدق به على الفقراء الحرم، وله أن يذَبحه في أي وقت شاء، ولا يختص ذلك بأيام النحر.

والمراد بالمثل: الأشبه في الصورة والخلقة لا في القيمة فيذبح أشبه النعم بما صاده من أغلب الوجوه، فيذبح في صيد الضبع كبشًا، وفي الغزال عنزًا وفي النعامة ناقة وهكذا فعن جابر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع؟ فقال: «هو صيد، ويُجْعَل فيه كبش، إذا صاده المحرم» (5).

(1) سورة المائدة: 96.

(2)

سورة المائدة: 95.

(3)

صحيح: أخرجه البخاري (1824)، ومسلم (1196).

(4)

سورة المائدة: 95.

(5)

صحيح: أخرجه أبو داود (3801)، وغيره وصححه في «الإرواء» (1050).

ص: 207

وعن جابر: «أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة» (1).

وقد قضى السلف من الصحابة والتابعين (2) في النعامة ببدنة (ناقة) وهو قول مالك والشافعي، قال ابن حزم:«ولا شيء أشبه بالنعامة من الناقة في طول العنق والهيئة والصورة» اهـ.

وفي حمار الوحش والإبل وبقر الوحش: بقرة.

وقد حكم عمر رضي الله عنه في الحمامة بشاة (3)، وكذا حكم ابن عباس رضي الله عنهما (4) فما كان من الصيد لم تحكم فيه الصحابة -مما تقدم وغيره- أقمنا حكمين عدلين خبيرين للحكم في المثل فإن لم يجدا له شبهًا من النعم، فيجب فيه قيمته، ولا يجوز أن يتصدق بها دراهم، بل يقوِّم بها طعامًا ثم يخيَّر بين الأمرين الآخرين من الثلاثة.

[2]

أن يقوِّم المثل بالدراهم والدراهم بطعام ويتصدق به على المساكين لكل مسكين مُدًّا، ولا يجزئ إخراج القيمة (5).

[3]

أن يصوم بدل ذبح المثل والإطعام: عن كل مُدٍّ يومًا عند جمهور العلماء.

والإطعام والصيام يفعلان في أي موضع شاء؛ لأن الله تعالى لم يحُد لهما موضعًا (6).

(1) صحيح: أخرجه مالك (947)، وعنه الشافعي (987)، وعنه البيهقي (5/ 183)، وانظر «الإرواء» (1051).

والعناق: من أولاد المعز وهي التي من حين تولد إلى أن ترعى.

واليربوع: حيوان يشبه الفأر.

والجفرة: ما بلغ أربعة أشهر من الماعز وفصل عن أمه.

(2)

نقل ابن قدامة في «المغنى» (5/ 204، 404)، وشيخ الإسلام في «شرح العمدة» (2/ 283) إجماع الصحابة على ذلك وعلى ما تقدم عن عمر، وانظر مصنف عبد الرزاق (8213)، والمحلى (7/ 226).

(3)

حسنه الحافظ. أخرجه الشافعي في «الأم» (2/ 214)، والبيهقي (5/ 502) وقال ابن حجر في «التلخيص» (2/ 285):«إسناده حسن» .

(4)

إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (5/ 205)، وانظر «الإرواء» (1056).

(5)

انظر «المجموع» (7/ 423).

(6)

«المحلى» (7/ 235).

ص: 208

إذا اشترك جماعة في قتل صيد: فليس عليهم إلا جزاء واحد لقوله تعالى {فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (1). فليس في الصيد إلا مثله لا أمثاله، وعن عمار ابن أبي عمار أن موالى لابن الزبير قتلوا ضبعًا وهم محرمون فسألوا ابن عمر؟ فقال: اذبحوا كبشًا، فقالوا: عن كل إنسان منا؟ فقال: «بل كبش واحد عن جميعكم (2)» ). وهذا في أول دولة ابن الزبير، ولا يعرف لابن عمر مخالف من الصحابة، وهو مذهب الشافعي وجماعة من السلف.

فالجزاء والإطعام يشترك فيه القاتلون، أما إذا اختاروا الصيام فعلى كل واحد منهم الصيام كله، لأن الصيام لا يُشترك فيه ولا يمكن ذلك بخلاف الأموال.

من قتل صيدًا بعد صيد: فعليه لكل مرة جزاء، وليس قول الله تعالى {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} (3). بمسقط للجزاء عنه، فإن الله تعالى لم يقل: لا جزاء عليه، بل قد أوجب الجزاء على القاتل للصيد عمدًا، فهو على كل قاتل مع النقمة على العائد (4).

من قتل الصيد ناسيًا؟

ذهب جمهور العلماء: أبو حنيفة ومالك والشافعي، إلى أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه، وحجتهم في ذلك (5).

1 -

قالوا: قد أوجب الله تعالى الكفارة على قاتل المؤمن خطأ، فقسمنا عليه قاتل الصيد الخطأ.

2 -

قالوا: لما كان متلف أموال الناس يلزمه ضمانها بالخطأ والعمد، وكان الصيد ملكًا لله تعالى، وجب ضمانه بالعمد والخطأ.

3 -

قال بعضهم: إنما نص على المتعمد ليعلم إن حكم المخطئ مثله.

بينما ذهب ابن حزم إلى أن الناسي لإحرامه وغير المتعمد لا جزاء عليه ولا إثم لقوله تعالى: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً} (6). قال: لأن إذاقة الله تعالى وبال

(1) سورة المائدة: 95.

(2)

إسناده حسن: أخرجه الدارقطني (2/ 250)، وابن حزم (7/ 237).

(3)

سورة المائدة: 95.

(4)

«المحلى» (7/ 238)، و «المجموع» (7/ 437).

(5)

انظر «المحلى» لابن حزم (7/ 214) وما بعدها، و «المجموع» (7/ 316).

(6)

سورة المائدة: 95.

ص: 209

الأمر وعظيم وعيده بالانتقام منه لا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أنه ليس على المخطئ البتة ولا على غير العامد للمعصية القاصد إليها

وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَاتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (1). اهـ.

ونقل هذا المذهب عن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وسعيد ابن جبير وابن المسيب وطاوس والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعطاء ومجاهد.

ثم أجاب عن حجج الجمهور بكلام في غاية السداد فليراجع، والله ولي التوفيق.

ما لا يحرم قتله أو صيده للمحرم:

1 -

الحيوان الإنس أصلاً: تقدم أنه يحرم قتل أو صيد الحيوان البريِّ، أما الإنس كالإبل والبقر والغنم والدجاج فلا يحرم شيء منه إن لم يكن وحشيًّا، فإن ندَّ بعير من صاحبه -وهو محرم- فأدركه وقتله رميًا فهو حلال، حتى لو توحش هذا البعير لأن الأصل أنه أنسي (2).

2 -

صيد البحر: لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} (3).

3 -

قتل مُحرَّم الأكل: كالسباع وذوات الناب والمخلب، لأنه لا قيمة له وليس بصيد، وهو مذهب الشافعي وقول للحنابلة خلافًا للجمهور الذين أوجبوا فيه الفدية (4).

4 -

ما أُمر بقتله وما يؤذي: وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على خمس يقتلن في الحل والحرم، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«خمس فواسق تقتلن في الحِلِّ والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» (5).

قال شيخ الإسلام (6): «وجملة أن ما أذى الناس أو آذى أموالهم فإن قتله مباح سواء كان قد وجد منه الأذى كالسبع الذي قد عدا على المحرم، أو لا يؤمن أذاه مثل الحية والعقرب والفأرة والكلب العقور، فإن هذه الدواب ونحوها تدخل

(1) سورة الأحزاب: 5.

(2)

«الشرح الممتع على زاد المستقنع» (7/ 167) بتصرف يسير.

(3)

سورة المائدة: 96.

(4)

«المحلى» (7/ 238)، وانظر «تفسير ابن كثير» (2/ 98).

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (1829)، ومسلم (1198).

(6)

«شرح العمدة» (1/ 136).

ص: 210

بين الناس من حيث لا يشعرون وتعم بلواهم بها، فأذاهم بها غير مأمون، قال أصحابنا: قتلها مستحب» اهـ.

وكذلك قتل البعوض والذباب والبراغيث والقمل إذا كانت تؤذيه لا حرج فيه ولا شيء عليه (1).

5 -

قتل الآدمي الصائل:

للإنسان أن يدفع عنه كل ما يؤذيه من الآدميين والبهائم، حتى لو صال عليه أحد ولم يندفع إلا بالقتال قاتله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من قتل دون ماله فهو شهيد» (2).

14 -

الأكل مما صيد من أجله أو بإشارته أو إعانته:

لما تقدم في حديث أبي قتادة من قوله صلى الله عليه وسلم: «أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟ قالوا: لا، قال: فكلوا» (3).

فإذا صاد المُحلُّ صيدًا فأطعمه المحرم، فإنه يجوز له الأكل منه إذا لم يكن قد صيد من أجله.

فعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: «خرجنا مع طلحة بن عبيد الله -ونحن حرم- فأُهدي له طير، وطلحة راقد، فمنَّا من أكل، ومنَّا من تورَّع، فلما استيقظ طلحة وفَّق من أكل وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» (4) وهو محموا على أنه لم يُصَدْ من أجله.

فإن كان صاده من أجل إطعامه المحرم لم يجُز الأكل منه، وعليه يحمل حديث الصعب بن جثامة أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًّا فردَّه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهه قال:«إنا لم نردَّه عليك إلا أنا حُرُم» (5) فهو محمول على أنه كان صاده من أجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُحرم فلم يجز.

(1)«مجموع الفتاوى» (26/ 118)، و «المحلى» (7/ 245).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (2480)، ومسلم (141).

(3)

صحيح: تقدم قريبًا.

(4)

صحيح: أخرجه مسلم (1197) وغيره.

(5)

صحيح: أخرجه البخاري (1825)، ومسلم (1193).

ص: 211

وهذا هو مذهب جمهور العلماء ورجَّحه ابن القيم (1) وقال: آثار الصحابة كلها في هذا إنما تدل على هذا التفصيل. اهـ.

أمور لا بأس بها للمُحْرِم (المباحات):

وهذه أمور يتحرَّج منها بعض الحجاج، ولا حرج منها، فمن ذلك:

1 -

الاغتسال لغير احتلام، وتغيير إزاره وردائه:

فعن عبد الله بن حنين عن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة أنهما اختلفا بالأبواء، فقال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله عن ذلك، فوجدته يغتسل بين القرنين، وهو يستتر بثوب، قال: فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت أنا عبد الله بن حنين، أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه، ثم قال لإنسان يصب: صب، فصبَّ على رأسه ثم حرَّك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر ثم قال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل، [فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبدًا]» (2) وفيه دليل على جواز الاغتسال للمحرم.

وعن ابن عباس قال: «ربما قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعال أُباقيك في الماء أيُّنا أطول نفسًا ونحن محرمون» (3).

2 -

الامتشاط: فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها فقال: «انقضى رأسك وامتشطي» (4) وهو جائز إذا أمن من سقوط شيء من شعره، وأما إذا لم يأمن فهو محل نزاع واجتهاد، والأظهر جوازه لعدم الدليل على المنع.

3 -

حكُّ الرأس والجسد: فعن عائشة أنها سئلت عن المحرم يحكُّ جسده؟ فقالت: «نعم، فليحككه وليشدد» (5).

ويدل لهذا حديث أبي أيوب المتقدم، ولذا قال شيخ الإسلام (6):«وله أن يحك بدنه إذا حكَّه، وكذلك إذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك لم يضره» اهـ.

(1) انظر «زاد المعاد» (1/ 164)، و «تهذيب السنن» (5/ 215 - مع عون المعبود).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (1840)، ومسلم (1205) والزيادة له.

(3)

إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (5/ 63).

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (316)، ومسلم (1211).

(5)

صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (803).

(6)

«المجموعة الكبرى» (2/ 368) عن «حجة النبي» (ص: 27).

ص: 212

وقال النووي: «وأما حك المحرم رأسه فلا أعلم خلافًا في إباحته

لكن قالوا: يرفق لئلا ينتتف شعره» (1).

4 -

الاحتجام ولو بحلق الشعر مكان الحجم:

لحديث ابن بجينة رضي الله عنه قال: «احتجم النبي صلى الله عليه وسلم (وهو مُحرم بلحى جمل) -موضع بطريق مكة- في وسط رأسه» (2).

قال شيخ الإسلام (3): «وله أن يحك بدنه إذا حكَّه، ويحتجم في رأسه وغير رأسه، وإن احتاج أن يحلق شعر الذكر جاز، فإنه قد ثبت في الصحيح (ثم ساق الحديث السابق وقال:) ولا يمكن ذلك إلا مع حلق بعض الشعر

» اهـ.

وذهب الجمهور إلى جواز الاحتجام بشرط ألا يتضمن قطع الشعر، وإلا لزمه الفدية، وردَّه ابن حزم في «المحلى» (7/ 257) بقوله عقب الحديث السابق: «لم يخبر عليه السلام أن في ذلك غرامة ولا فدية، ولو وجبت لما أغفل ذلك، وكان عليه السلام كثير الشعر أفرع، وإنما نهينا عن حلق الرأس في الإحرام، والقفا ليس رأسًا ولا هو من الرأس

» اهـ.

فائدة: ويدخل فيما تقدم نزع الضرس وفقء الدمل فإنه لا حرج فيه.

5 -

شم الريحان والطيب لحاجة لا للتلذذ به:

فعن ابن عباس قال: «المحرم يدخل الحمام، وينزع ضرسه، ويشم الريحان، وإذا انكسر ظفره طرحه، ويقول: أميطوا عنكم الأذى، فإن الله عز وجل لا يصنع بأذاكم شيئًا» (4).

وشم الطيب له ثلاث حالات (5):

1 -

أن يشمه بلا قصد منه، فهذا لا حرج فيه.

2 -

أن يقصد شمه، لكن لا للتلذذ به أو الترفيه، بل لاختباره ونحو ذلك، وهذا لا بأس كذلك.

(1)«المجموع» (7/ 363).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (1836)، ومسلم (1203).

(3)

«مجموع الفتاوى» (26/ 116).

(4)

إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (5/ 62 - 63).

(5)

انظر «الشرح الممتع» (7/ 158 - 159).

ص: 213

3 -

أن يشمه قاصدًا التلذذ به، فيمنع منه في أقرب قولي العلماء، ولقائل أن يقول: إنه لا بأس لأنه ليس استعمالاً ولا تأثير للشم في الثوب أو البدن.

6 -

طرح الظفر إذا انكسر:

ويدل عليه أثر ابن عباس السابق، وقد سئل سعيد بن المسيب عن ظفر انكسر وهو محرم؟ فقال:«اقطعه» (1).

7 -

تغطية الوجه للرجل:

لا بأس أن يغطي الرجل وجهه بما هو ملتحف به أو بغير ذلك، ليتقي الشمس أو الغبار أو نحوه وهو محرم، وهذا مروي عن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وابن الزبير، وجابر، وابن عباس وجمهور التابعين وهو مذهب الثوري والشافعي (2). وأحد القولين في مذهب أحمد (3).

بينما ذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك إلى أن المحرم لا يغطي وجهه، وهو مروي عن ابن عمر، ويُستدل له بزيادة وردت في حديث المحرم الذي وقصته ناقته فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ولا تخمروا رأسه» ففي رواية «ولا تغطوا وجهه» بدل (ولا تخمروا رأسه» وفي رواية الجمع بينهما، وهذه الزيادة مختلف في صحتها (4)، فمن ضعَّفها قال: لا بأس بتغطية الوجه، ومن صحَّحها: فمنهم من منع تغطية الرجل المحرم وجهه، ومنهم من خص المنع بالمحرم الميت دون الحي أخذًا بظاهر اللفظ وهومذهب ابن حزم، ومنهم من قال: إنما نهى عن تغطية وجهه لصيانة رأسه لا يقصد كشف وجهه، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأس، ولا بد من تأويله، لأن مالكًا وأبا حنيفة يقولان: لا يمتنع من ستر رأس الميت ووجهه، والجمهور يقولون: يباح ستر الوجه دون الرأس، فتعين تأويل الحديث، قاله في «المجموع» (7/ 281).

8 -

إسدال المرأة من على رأسها على وجهها (5):

وقد تقدم أنه لا يجوز للمرأة أن تلبس النقاب وما في معناه كالبرقع ونحوه

(1) إسناده صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (805).

(2)

انظر الآثار عنهم في «المحلى» (7/ 91)، وانظر «المجموع» (7/ 280).

(3)

«المبدع» (3/ 140).

(4)

الحديث متفق عليه وقد تقدم، والزيادة عند مسلم، وانظر «الفتح» (4/ 47)، و «الإرواء» (4/ 200).

(5)

«مجموع الفتاوى» (26/ 112)، و «المحلى» (7/ 91)، و «المغنى» (3/ 325).

ص: 214

وأنه يجوز لها أن تسدل خمارها من على رأسها على وجهها عند مرور الأجانب بها، سواء كان ماسًّا لوجهها أم لا، وهذا أصح قولي العلماء، لأن السدل لا يسمى نقابًا فعن أسماء بنت أبي بكر قالت:«كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام» (1).

وقالت عائشة: «كان الركبان يمرُّون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا، أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه» (2).

9 -

لبس المرأة ما شاءت من الثياب من أي لون:

فعن القاسم بن محمد قال: «كانت عائشة تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة» (3).

وعن أسماء بنت أبي بكر: «أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبعات وهي محرمة، ليس فيها زعفران» (4).

وعن يزيد الفقير قال: «سافرت مع أم سلمة -زوج النبي صلى الله عليه وسلم فكان بعض من معها يلبس المعصفر» (5).

وعن عطاء -في قصة طواف عائشة رضي الله عنها مع الرجال- «.. ورأيت عليها درعًا مُورَّدًا» (6).

ولا يختص لباس المرأة المحرمة بالبياض كما يعتقد كثير من النساء -وخصوصًا المصريات- بل لها أن تلبس ما شاءت ما دام قد توفر فيه شروط اللباس الشرعي.

10 -

لبس المرأة السراويل والخفين:

يجوز للمرأة أن تلبس ما شاءت من سراويل وغيرها، وليست تُمنع مما يمنع منه الرجل من لبس المخيط (7) -غير أنها لا تنتقب ولا تلبس القفازين كما تقدم-.

(1) إسناده صحيح: أخرجه الحاكم في «المستدرك» (1/ 454).

(2)

حسن لغيره: أخرجه أحمد (6/ 30)، وأبو داود (1833) بسند ضعيف وله شواهد يحسَّن بها.

(3)

إسناده صحيح: عزاه الحافظ في «الفتح» (2/ 405) إلى سعيد بن منصور وصحح إسناده.

(4)

إسناده صحيح: أخرجه مالك (719)، والشافعي في «الأم» (2/ 126).

(5)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» .

(6)

صحيح: أخرجه البخاري (1618)، وعبد الرزاق (5/ 67).

(7)

انظر «الأم» (2/ 126)، و «المغنى» (3/ 328)، و «مجموع الفتاوى» (26/ 112)، و «فتح الباري» (3/ 406)، و «جامع أحكام النساء» (2/ 490).

ص: 215

ولها كذلك أن تلبس الخفين، ولا تقطع ما فوق الكعبين منهما:

فعن ابن عمر قال: «لا بأس أن تلبس المحرمة الخفين والسراويل» (1).

وعن سالم عن أبيه: أنه كان يفتي النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفين، حتى أخبرته صفية عن عائشة أنها كانت تفتي النساء أن لا يقطعن فانتهى عنه» (2).

11 -

لبس المرأة المُحرمة الحليَّ إن شاءت:

فعن صفية بنت شيبة أن امرأة قالت لعائشة: يا أم المؤمنين، إن ابنتي فلانة حلفت أن لا تلبس حليها في الموسم (وفي رواية: في إحرامها)، فقالت عائشة: قولي لها: «إن أم المؤمنين تقسم عليك ألا لبست حليك كلَّه» (3).

وعن نافع أن «نساء عبد الله بن عمر وبناته، كُنَّ يلبس الحلي وهنَّ محرمات» (4).

وعن مالك بن مغول قال: سألت ابن الأسود: تلبس المحرمة من لمحلي؟ فقال: «ما كانت تلبس وهي مُحِلَّة» (5).

وقد صح عن عطاء أنه كان يكره الحلي المشهور، أي الذي تشتهر به المرأة من بين النساء (6).

12 -

خضاب المحرمة بالحناء ونحوها إن شاءت:

للمحرمة أن تختضب بالحناء وغيرها لعدم ورود النهي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن الحناء ليست بطيب وهو مذهب الشافعي والحنابلة (7)، إلا أن بعضهم كرهه لأنه من الزينة.

وقال الأحناف والمالكية: لا يجوز الخضاب للمحرم رجلاً كان أم امرأة.

قلت: الظاهر أنه لا دليل على المنع لا للرجل ولا للمرأة، وعليه فلو لفت المرأة الخرق مع الحناء على يديها فإنه لا حرج فيه ولا فدية في أقرب أقوال العلماء.

(1) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 92).

(2)

إسناده صحيح موقوفًا: أخرجه الشافعي، وقد ورد مرفوعًا عند أبي داود (1831)، والبيهقي (5/ 25)، وغير همام والصواب وقفه.

(3)

إسناده صحيح: أخرجه الشافعي، ومن طريقه البيهقي (5/ 52)، وابن أبي شيبة (1/ 4/ 319).

(4)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 4/ 320).

(5)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 4/ 320).

(6)

انظر «جامع أحكام النساء» (2/ 495) لشيخنا -حفظه الله-.

(7)

انظر «المجموع» (7/ 219)، و «جامع أحكام النساء» (2/ 497).

ص: 216

لكن هل يعكِّر على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «طيب المرأة ما ظهر لونه وخفى ريحه» (1)؟! فتكون الحناء طيبًا بهذا النص؟! قلت: الأظهر: لا يعكر كون الحناء من الطيب، لأن المنهي عنه ما له رائحة كما تقدم، والله أعلم.

13 -

الاكتحال للحاجة:

لا بأس أن يكتحل المحرم من وجع يجده في عينيه، وقد اتفق العلماء -كما نقله النووي- على أن للمحرم أن يكتحل بكحل لا طيب فيه إذا احتاج إليه ولا فدية عليه في ذلك (2).

وعن شميسة قالت: «اشتكيت عيني وأنا محرمة، فسألت عائشة أم المؤمنين عن الكحل، فقالت: اكتحلي بأي كحل شئت غير الإثمد، أما إنه ليس بحرام ولكنه زينة ونحن نكرهه، وقالت: إن شئت كحلتك بصبر، فأبيت» (3).

وعن ابن عمر قال: «يكتحل المحرم بأي كحل شاء ما لم يكن فيه طيب» (4).

قلت: الأحوط أن يقيد جواز الاكتحال بالحاجة من وجع ونحوه، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يشعر بكراهته، وإن لم يكن صريحًا، كحديث جابر في حجة النبي صلى الله عليه وسلم ففيه: «

وقدم عليٌّ من اليمن ببُدن النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حلَّ ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت فأنكر ذلك عليها، فقالت إن أبي أمرني بهذا

» الحديث (5).

قال في «المغنى» (3/ 327): وهذا يدل على أنها كانت ممنوعة من ذلك. اهـ. يعني حال الإحرام.

وفي صحيح مسلم أن عمر بن عبيد الله اشتكى عينيه وهو محرم -وقد خرج أبان بن عثمان: «

فأراد أن يكحلها فنهاه أبان بن عثمان، وأمره أن يضمدها بالصبر، وحدَّث عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك» (6).

(1) حسن: وسيأتي تخريجه في موضعه، إن شاء الله.

(2)

«شرح مسلم» (3/ 292)، وهذا مذهب مالك -كما في المدونة- (1/ 342)، والشافعي في «الأم» (2/ 129).

(3)

أخرجه البيهقي (5/ 63)، وشميسة هذه لم توثق إلا أنها صاحبة القصة.

(4)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 4/ 424).

(5)

صحيح: أخرجه مسلم وقد تقدم بتمامه وتخريجه في «صفة الحج» .

(6)

صحيح: أخرجه مسلم (1204).

ص: 217