الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
حديث أبي بكر الصديق: «أنه كان لا يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول» (1).
3 -
أن الحول شرط في وجوب الزكاة، فلم يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب.
4 -
أن للزكاة وقتًا، فلم يجز تقديمها عليه كالصلاة.
والراجح: أنه يجوز إخراج الزكاة قبل حولان الحلو لعدم الدليل على المنع، أما حديث «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» فغاية ما يفيده أن لا يجب إخراج الزكاة قبل الحول، وليس فيه ما يمنع تعجيلها.
وأما قولهم (إن للزكاة وقتًا فلم يجز تقديمها)، فنقول: إذا دخل الوقت في الشيء رفقًا بالإنسان كان له أن يعجله ويترك الإرفاق بنفسه، كالدين المؤجل. وأما القياس على الصلاة فلا يصح لأن العبادات لا يقاس بعضها على بعض، والتوقيت في الصلاة غير معقول، فيجب أن يقتصر عليها. والله أعلم.
مصارف الزكاة
مصارف الزكاة محصورة في ثمانية أصناف، والأصناف الثمانية قد نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (2).
و {إِنَّمَا} التي صدرت بها الآية أداة حصر، فلا يجوز صرف الزكاة لأحد -أو في وجه غير داخل في هذه الأصناف.
هل يجب استيعاب هذه الأصناف الثمانية؟ أم يجوز دفعها إلى بعضها؟
ذهب جمهور العلماء (الحنفية والمالكية والحنابلة، وجماعة من السلف منهم عمر، وابن عباس) إلى أنه لا يجب استيعاب هذه الأصناف في صرف أموال الزكاة، بل يجوز الدفع إلى واحد منها، وإعطاؤه الصدقة مع وجود الباقين.
واحتجوا بما يأتي:
1 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» (3).
قالوا: والفقراء صنف واحد من أصناف أهل الزكاة الثمانية.
(1) مصنف عبد الرزاق (7024).
(2)
سورة التوبة: 60.
(3)
متفق عليه وتقدم كثيرًا.
2 -
بما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أفرادًا الزكاة، كحديث قبيصة بن مخارق لما تحمل حمالة وأتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله في الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم:«أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» (1).
وغير هذه الواقعة مما تقدم بعضه.
بينما ذهب الشافعي وجماعة إلى أنه يجب استيعاب الأصناف الثمانية في القسم وقال أبو ثور، وأبو عبيد: إن أخرجها الإمام وجب استيعاب الأصناف، وإن أخرجها المالك جاز أن يجعلها في صنف واحد (2).
[1، 2] الفقراء والمساكين:
الفقراء والمساكين هم أهل الحاجة الذين لا يجدون ما يكفيهم، وإذا أطلق لفظ (الفقراء) وانفرد دخل فيهم (المساكين)، وكذلك عكسه، وإذا جمع بينهما في كلام واحد، كما في آية مصارف الزكاة، تميز كل منهما بمعنى. وقد اختلف الفقهاء في أيهما أشد حاجة، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الفقير أشد حاجة من المسكين، واحتجوا بأن الله تعالى قدم ذكرهم في الآية، وذلك يدل على أنهم أهم، وبقوله تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (3)، فأثبت لهم وصف المسكنة مع كونهم يملكون سفينة ويحصلون نولاً، واستأنسوا لذلك أيضًا بالاشتقاق، فالفقير لغة: فعيل بمعنى مفعول، وهو من نزعت بعض فقار صلبه، فانقطع ظهره، والمسكين مفعيل من السكون، ومن كسر صلبه أشد حالاً من الساكن، وذهب الحنفية والمالكية إلى أن المسكين أشد حاجة من الفقير، واحتجوا بأن الله تعالى قال:{أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} (4). وهو المطروح على التراب لشدة جوعه، وبأن أئمة اللغة قالوا ذلك، منهم الفراء وثعلب وابن قتيبة، وبالاشتقاق أيضًا، فهو من السكون، كأنه عجز عن الحركة فلا يبرح. ونقل الدسوقي قولاً أن الفقير والمسكين صنف واحد، وهو من لا يملك قوت عامه، سواء كان لا يملك شيئًا أو يملك أقل من قوت العام.
واختلف الفقهاء في حد كل من الصنفين (5): فقال الشافعية والحنابلة: الفقير
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1044) وغيره وقد تقدم.
(2)
المجموع (6/ 185)، والمغنى (2/ 668)، والأموال لأبي عبيد (ص: 692).
(3)
سورة الكهف: 79.
(4)
سورة البلد: 16.
(5)
«الموسوعة الفقهية» (23/ 312).
من لا مال له ولا كسب يقع موقعًا من حاجته، كمن حاجته عشرة فلا يجد شيئًا أصلاً، أو يقدر بماله وكسبه وما يأتيه من غلة وغيرها على أقل من نصف كفايته. فإن كان يجد النصف أو أكثر ولا يجد كل العشرة فمسكين. وقال الحنفية والمالكية: المسكين من لا يجد شيئًا أصلاً فيحتاج للمسألة وتحل له. واختلف قولهم في الفقير، فقال الحنفية: الفقير من له أدنى شيء وهو ما دون النصاب، فإذا ملك نصابًا من أي مال زكوي فهو غني لا يستحق شيئًا من الزكاة، فإن ملك أقل من نصاب فهو غير مستحق، وكذا لو ملك نصابًا غير نامٍ وهو مستغرق في الحاجة الأصلية، فإن لم يكن مستغرقًا منع، كمن عنده ثياب تساوي نصابًا لا يحتاجها، فإن الزكاة تكون حرامًا عليه، ولو بلغت قيمة ما يملكه نصابًا فلا يمنع ذلك كونه من المستحقين للزكاة إن كانت مستغرقة بالحاجة الأصلية كمن عنده كتب يحتاجها للتدريس، أو آلات حرفة، أو نحو ذلك. وقال المالكية: الفقير من يملك شيئًا لا يكفيه لقوت عامه.
الغِنى المانع من أخذ الزكاة بوصف الفقر أو المسكنة: الأصل أن الغني لا يجوز إعطاؤه من الزكاة، وهذا اتفاق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا حظ فيها لغني» (1). ولكن اختلف في الغنى المانع من أخذ الزكاة: فقال الجمهور من المالكية والشافعية وهو رواية عن أحمد قدمها المتأخرون من أصحابه: إن الأمر معتبر بالكفاية، فمن وجد من الأثمان أو غيرها ما يكفيه ويكفي من يمونه فهو غني لا تحل له الزكاة، فإن لم يجد ذلك حلت له ولو كان ما عنده يبلغ نُصُبًا زكوية، وعلى هذا، فلا يمنع أن يوجد من تجب عليه الزكاة وهو مستحق للزكاة. وقال الحنفية: هو الغنى الموجب للزكاة، فمن تجب عليه الزكاة لا يحل له أن يأخذ الزكاة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» . ومن ملك نصابًا من أي مال زكوي كان فهو غني، فلا يجوز أن تدفع إليه الزكاة ولو كان ما عنده لا يكفيه لعامه، ومن لم يملك نصابًا كاملاً فهو فقير أو مسكين، فيجوز أن تدفع إليه الزكاة، كما تقدم. وفي رواية أخرى عند الحنابلة عليها ظاهر المذهب: إن وجد كفايته، فهو غني، وإن لم يجد وكان لديه خمسون درهمًا، أو قيمتها من الذهب خاصة، فهو غني كذلك ولو كانت لا تكفيه، لحديث «من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (1633)، والنسائي (2598).
خموش أو خدوش أو كدوح. قالوا يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب» (1). وإنما فرقوا بين الأثمان وغيرها اتباعًا للحديث.
هل يجوز إعطاء الفقير والمسكين القادرين على الكسب؟
من كان من الفقراء والمساكين قادرًا على كسب كفايته وكفاية من يمونه، أو تمام الكفاية، لم يحل له الأخذ من الزكاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» (2).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى» (3) وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وهو الراجح.
بينما ذهب الحنفية والمالكية إلى جواز إعطائه ما دام فقيرًا أو مسكينًا واحتجوا بما في قصة الحديث المذكور، من أن رجلين سألا النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقة، فقلَّب فيهما بصره، فرآهما جلدين، فقال:«إن شئتما أعطيتكما، ولا حظَّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» (4).
قالوا: فإنه أجاز إعطاءهما، وقوله (لا حظ فيها
…
) معناه: لا حق ولا حظ لكما في السؤال (5).
قلت: ولا يخفى ما في هذا التأويل، والظاهر أن قوله (إن شئتما أعطيتكما) ليس المقصود به تجويز إعطائها، وإنما هو للتحذير، كقوله تعالى:{فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (6).
القدر الذي يُعطاه الفقير والمسكين من الزكاة
يُعطى الفقير والمسكين من الزكاة الكفاية أو تمامها، له ولمن يعول، عامًا كاملاً، ولا يزاد عليه، عند جمهور العلماء.
(1) في سنده اختلاف. أخرجه الترمذي (650)، وابن ماجه (1840).
(2)
أبو داود (1617)، والنسائي (5/ 99) وصححه الألباني.
(3)
الترمذي (647)، وأبو داود (1618)، وانظر «صحيح الجامع» (7251).
(4)
سبق تخريجه قريبًا.
(5)
فتح القدير (2/ 28)، والمغنى (6/ 423)، والمجموع (6/ 190)، والموسوعة الفقهية (23/ 316).
(6)
سورة الكهف: 29.
وإنما حددوا العام لأن الزكاة تتكرر كل عام غالبًا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم:«كان يحبس لأهله قوت سنة» (1).
وقال بعضهم: فإن كان صاحب حرفة، أُعطى ما يشتري به أدوات حرفته بحيث يحصل له من ربحه ما يفي بكفايته تقريبًا (2).
[3]
العاملون على الزكاة: يجوز إعطاء العاملين على الزكاة منها. ويشترط في العامل الذي يعطى من الزكاة شروط تقدم بيانها. ولا يشترط فيمن يأخذ من العاملين من الزكاة الفقر، لأنه يأخذ بعمله لا لفقره. وقد قال النبي:«لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة .. فذكر منهم العامل عليها» (3). قال الحنفية: يدفع إلى العامل بقدر عمله، فيعطيه ما يسعه ويسع أعوانه غير مقدر بالثمن، ولا يزاد على نصف الزكاة التي يجمعها وإن كان عمله أكثر. وقال الشافعية والحنابلة: للإمام أن يستأجر العامل إجارة صحيحة بأجر معلوم، إما على مدة معلومة، أو عمل معلوم. ثم قال الشافعية: لا يعطى العامل من الزكاة أكثر من ثُمن الزكاة، فإن زاد أجره على الثُمن أتم له من بيت المال. وقيل من باقي السهام. ويجوز للإمام أن يعطيه أجره من بيت المال. وله أن يبعثه بغير إجارة ثم يعطيه أجر المثل. وإن تولى الإمام أو والي الإقليم أو القاضي من قبل الإمام أو نحوهم أخذ الزكاة وقسمتها لم يجُز أن يأخذ من الزكاة شيئًا، لأنه يأخذ رزقه من بيت المال وعمله عام.
[4]
المؤلفة قلوبهم:
المؤلفة قلوبهم ضربان: كفار ومسلمون، وهم جميعًا السادة المطاعون في قومهم وعشائرهم.
المسلمون منهم أربعة أضرب:
1 -
سادة مطاعون في قومهم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيعطون تثبيتًا لهم.
2 -
قوم لهم شرف ورياسة أسلموا ويعطون لترغيب نظرائهم من الكفار ليسلموا.
3 -
صنف يراد بتألفهم أن يجاهدوا من يليهم من الكفار، ويحملوا من يليهم من المسلمين.
(1) البخاري (5357)، ومسلم (1757).
(2)
المجموع (6/ 194).
(3)
أخرجه أبو داود (1635)، وابن ماجه (1841).
4 -
صنف يراد بإعطائهم من الزكاة أن يُجبوا الزكاة ممن لا يعطيها.
والكفار على ضربين:
1 -
من يرجى إسلامه فيعطى لتميل نفسه إلى الإسلام.
2 -
من يخش شره ويرجى بعطيته كف شره وكف غيره معه (1).
هل انقطع سهم المؤلفة قلوبهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أنه لا يزال باقيًا:
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين (2):
الأول: أن سهم المؤلفة قلوبهم باق كغيره من الأصناف المذكورة في كتاب الله:
وهو مذهب أحمد، والمعتمد عند المالكية والشافعية، وهو قول الحسن، والزهري.
الثاني: أن سهمه قد انقطع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة، وحجتهم: أن الله قد أعزَّ الإسلام وأغناه عن أن يتألف عليه الرجال.
واستدلوا لهذا بأن عمر بن الخطاب لم يُعطِ هذا السهم إلى من كانوا يُعطَونه، وقال: «هو شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ليتألفكم، والآن قد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم
…
» (3).
«والحقيقة أن عمر لم يسقط هذا السهم مطلقًا، وإنما منعهم لزوال الوصف عنهم الذي بموجبه سموا (المؤلفة قلوبهم)، وهذا من قبيل الاجتهاد في توافر شروط تطبيق النص، وليس من قبيل إبطال حكم النص وهذا واضح. وعلى هذا فإذا ظهرت حاجة في إعطاء من يتحقق فيهم معاني وأوصاف (المؤلفة قلوبهم) فإن الإمام يعطيهم من هذا السهم حسب مصلحة المسلمين» (4) لا سيما وقد انقلبت عزة المسلمين ذلاًّ وظهر عليهم أعداؤهم، والله أعلم.
[5]
في الرقاب: وهم ثلاثة أضرب: الأول: المكاتبون المسلمون: فيجوز عند الجمهور الصرف من الزكاة إليهم، إعانة لهم على فك رقابهم، ولم يجز ذلك مالك، كما لم يجز صرف شيء من الزكاة في إعتاق من انعقد له سبب حرية بغير الكتابة، كالتدبير والاستيلاء والتبعيض. فعلى قول الجمهور: إنما يعان المكاتب إن
(1)«المغنى» لابن قدامة (2/ 498).
(2)
شرح فتح القدير (2/ 200)، والمدونة (1/ 297)، والمجموع (5/ 144)، والمغنى (2/ 497).
(3)
سنن البيهقي (7/ 20) بنحوه.
(4)
«المفصل» لعبد الكريم زيدان (1/ 433 - 434) بتصرف.
لم يكن قادرًا على الأداء لبعض ما وجب عليه، فإن كان لا يجد شيئًا أصلاً دفع إليه جميع ما يحتاج إليه للوفاء. الثاني: إعتاق الرقيق المسلم، وقد ذهب إلى جواز الصرف من الزكاة في ذلك المالكية وأحمد في رواية، وعليه فإن كانت الزكاة بيد الإمام أو الساعي جاز له أن يشتري رقبة أو رقابًا فيعتقهم، وولاؤهم للمسلمين. وكذا إن كانت الزكاة بيد رب المال فأراد أن يعتق رقبة تامة منها، فيجوز ذلك لعموم الآية {وَفِي الرِّقَابِ} ويكون ولاؤها عند المالكية للمسلمين أيضًا، وعند الحنابلة: ما رجع من الولاء رد في مثله، بمعنى أنه يشتري بما تركه المعتق ولا وارث له رقاب تعتق. وعند أبي عبيد: الولاء للمعتق. وذهب الحنفية والشافعية وأحمد في رواية أخرى إلى أنه لا يعتق من الزكاة، لأن ذلك كدفع الزكاة إلى القن، والقن لا تدفع إليه الزكاة؛ ولأنه دفع إلى السيد في الحقيقة، وقال الحنفية: لأن العتق إسقاط ملك، وليس بتمليك، لكن إن أعان من زكاته في إعتاق رقبة جاز عند أصحاب هذا القول من الحنابلة. الثالث: أن يفتدي أسيرًا مسلمًا من أيدي المشركين، وقد صرح الحنابلة وابن حبيب وابن عبد الحكم من المالكية بجواز لأنه فك رقبة من الأسر، فيدخل في الآية بل هو أولى من فك رقبة من بأيدينا. وصرح المالكية بمنعه.
[6]
الغارمون: والغارمون المستحقون للزكاة ثلاثة أضرب: الضرب الأول: من كان عليه دين لمصلحة نفسه. وهذا متفق عليه من حيث الجملة، ويشترط لإعطائه من الزكاة ما يلي:
1 -
أن يكون مسلمًا.
2 -
أن لا يكون من آل البيت، وعند الحنابلة قول بجواز إعطاء مدين آل البيت منها.
3 -
واشترط المالكية أن لا يكون قد استدان ليأخذ من الزكاة، كأن يكون عنده ما يكفيه وتوسع في الإنفاق بالدين لأجل أن يأخذ منها، بخلاف فقير استدان للضرورة ناويًا الأخذ منها.
4 -
وصرح المالكية بأنه يشترط أن يكون الدين مما يحبس فيه، فيدخل فيه دين الولد على والده، والدين على المعسر، وخرج دين الكفارات والزكاة.
6 -
أن يكون الدين حالاًّ، صرح بهذا الشرط الشافعية، قالوا: إن كان الدين مؤجلاً ففي المسألة ثلاثة أقوال، ثالثها: إن كان الأجل تلك السنة أعطى، وإلا فلا يعطى من صدقات تلك السنة.
7 -
أن لا يكون قادرًا على السداد من مال عنده زكوي أو غير زكوي زائد عن كفايته، فلو كان له دار يسكنها تساوي مائة وعليه مائة، وتكفيه دار بخمسين فلا يعطى حتى تباع، ويدفع الزائد في دينه على ما صرح به المالكية، ولو وجد ما يقضي به بعض الدين أعطى البقية فقط، وإن كان قادرًا على وفاء الدين بعد زمن بالاكتساب، فعند الشافعية قولان في جواز إعطائه منها.
الضرب الثاني: الغارم لإصلاح ذات البين: الأصل فيه حديث قبيصة قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال:«أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها» (1).
فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن هذا النوع من الغارمين يعطى من الزكاة سواء كان غنيًّا أو فقيرًا، لأنه لو اشترط الفقر فيه لقلت الرغبة في هذه المكرمة، وصورتها أن يكون بين قبيلتين أو حيين فتنة، يكون فيها قتل نفس أو إتلاف مال، فيتحمله لأجل الإصلاح بينهم، فيعطى من الزكاة لتسديد حمالته، وقيد الحنابلة الإعطاء بما قبل الأداء الفعلي، ما لم يكن أدى الحمالة من دين استدانه؛ لأن الغرم يبقى، وقال الحنفية: لا يعطى المتحمل من الزكاة إلا إن كان لا يملك نصابًا فاضلاً عن دينه كغيره من المدينين. ولم يصرح المالكية بحكم هذا الضرب فيما اطلعنا عليه. الضرب الثالث: الغارم بسبب دين ضمان وهذا الضرب ذكره الشافعية، والمعتبر في ذلك أن يكون كل من الضامن والمضمون عنه معسرين، فإن كان أحدهما موسرًا ففي إعطاء الضامن من الزكاة خلاف عندهم وتفصيل (2).
الدين على الميت: إن مات المدين ولا وفاء في تركته لم يجز عند الجمهور سداد دينه من الزكاة. وقال المالكية: يُوفى دينه منها ولو مات، قال بعضهم: هو أحق بالقضاء لليأس من إمكان القضاء عنه، وهو أحد قولين عند الشافعية.
[7]
في سبيل الله: وهذا الصنف ثلاثة أضرب. الضرب الأول: الغزاة في سبيل الله تعالى، والذين ليس لهم نصيب في الديوان، بل هم متطوعون للجهاد، وهذا الضرب متفق عليه عند الفقهاء من حيث الجملة، فيجوز إعطاؤهم من الزكاة قدر ما يتجهزون به للغزو من مركب وسلاح ونفقة وسائر ما يحتاج إليه الغازي لغزوه مدة الغزو وإن طالت، ولا يشترط عند الجمهور في الغازي أن يكون فقيرًا،
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1044)، وأبو داود (1624)، والنسائي (5/ 96).
(2)
«الموسوعة الفقهية» (23/ 322).
بل يجوز إعطاء الغني لذلك، فإنه لا يأخذ لمصلحة نفسه، بل لحاجة عامة المسلمين، فلم يشترط فيه الفقر، وقال الحنفية: إن كان الغازي غنيًّا، وهو من يملك خمسين درهمًا أو قيمتها من الذهب كما تقدم في صنف الفقراء -فلا يعطى من الزكاة، وإلا فيعطى، وإن كان كاسبًا؛ لأن الكسب يقعده عن الجهاد، وعند محمد: الغازي منقطع الحاج لا منقطع الغزاة، وصرح المالكية بأنه يشترط في الغازي أن يكون ممن يجب عليه الجهاد، لكونه مسلمًا ذكرًا بالغًا قادرًا، وأنه يشترط أن يكون من غير آل البيت. وأما جنود الجيش الذين لهم نصيب في الديوان فلا يعطون من الزكاة، وفي أحد القولين عند الشافعية: إن امتنع إعطاؤهم من بيت المال لضعفه، يجوز إعطاؤهم من الزكاة. الضرب الثاني: مصالح الحرب وهذا الضرب ذكره المالكية، فالصحيح عندهم أنه يجوز الصرف من الزكاة في مصالح الجهاد الأخرى غير إعطاء الغزاة، نحو بناء أسوار للبلد لحفظها من غزو العدو، ونحو بناء المراكب الحربية، وإعطاء جاسوس يتجسس لنا على العدو، مسلمًا كان أو كافرًا، وأجاز بعض الشافعية أن يشتري من الزكاة السلاح وآلات الحرب وتجعل وقفًا يستعملها الغزاة ثم يردونها، ولم يجزه الحنابلة، وظاهر صنيع سائر الفقهاء -إذ قصروا سهم سبيل الله على الغزاة، أو الغزاة والحجاج -أنه لا يجوز الصرف منه في هذا الضرب، ووجهه أنه لا تمليك فيه، أو فيه تمليك لغير أهل الزكاة، أو كما قال أحمد: لأنه لم يؤت الزكاة لأحد، وهو مأمور بإيتائها.
الضرب الثالث: الحجاج: ذهب جمهور العلماء (الحنفية والمالكية والشافعية والثوري وأبو ثور وابن المنذر وهو رواية عن أحمد، وقال ابن قدامة: إنه الصحيح) إلى أنه لا يجوز الصرف في الحج من الزكاة؛ لأن سبيل الله في آية مصارف الزكاة مطلق، وهو عند الإطلاق ينصرف إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، لأن الأكثر مما ورد من نذكره في كتاب الله تعالى قصد به الجهاد. فتحمل الآية عليه. وذهب أحمد في رواية، إلى أن الحج في سبيل الله فيصرف فيه من الزكاة، لما روى (أن رجلاً جعل ناقته في سبيل الله، فأرادت امرأته أن تحج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله» (1) فعلى هذا القول لا يعطى من الزكاة من كان له مال يحج به سواها، ولا يعطى إلا لحج الفريضة خاصة، وفي قول عند الحنابلة: يجوز حتى في حج التطوع. وينقل عن بعض فقهاء الحنفية أن مصرف «في سبيل الله» هو لمنقطع الحجاج. إلا أن مريد الحج يعطى من الزكاة عند الشافعية على أنه ابن سبيل كما يأتي.
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (1974)، والحاكم (1838)، والبيهقي (6/ 164).
[8]
ابن السبيل: سُمي بذلك لملازمته الطريق، إذ ليس هو في وطنه ليأوي إلى سكن. وهذا الصنف ضربان: -الضرب الأول: المتغرب عن وطنه الذي ليس بيده ما يرجع به إلى بلده: وهذا الضرب متفق على أنه من أصحاب الزكاة، فيعطى ما يوصله إلى بلده. إلا في قول ضعيف عند الشافعية: أنه لا يعطى؛ لأن ذلك يكون من باب نقل الزكاة من بلدها.
لا يعطى من الزكاة إلا بشروط: الشرط الأول: أن يكون مسلمًا، من غير آل البيت. الشرط الثاني: أن لا يكون بيده في الحال مال يتمكن به من الوصول إلى بلده وإن كان غنيًّا في بلده، فلو كان له مال مؤجل أو على غائب، أو معسر، أو جاحد، لم يمنع ذلك الأخذ من الزكاة على ما صرح به الحنفية. الشرط الثالث: أن لا يكون سفره لمعصية. صرح بهذا الشرط المالكية والشافعية والحنابلة، فيجوز إعطاؤه إن كان سفره لطاعة واجبة كحج الفرض، وبر الوالدين، أو مستحبة كزيارة العلماء والصالحين، أو كان سفره لمباح كالمعاشات والتجارات، فإن كان سفره لمعصية لم يجز إعطاؤه منها لأنه إعانة عليها، ما لم يتب، وإن كان للنزهة فقط ففيه وجهان عند الحنابلة: أقواهما: أنه لا يجوز؛ لعدم حاجته إلى هذا السفر. الشرط الرابع: وهو للمالكية خاصة: أن لا يجد من يقرضه إن كان ببلده غنيًّا. ولا يعطى أهل هذا الضرب من الزكاة اكثر مما يكفيه للرجوع إلى وطنه، وفي قول للحنابلة: إن كان قاصدًا بلدًا آخر يعطى ما يوصله إليه ثم برده إلى بلده.
قال المالكية: فإن جلس ببلد الغربة بعد أخذه من الزكاة نزعت منه ما لم يكن فقيرًا ببلده، وإن فضل معه فضل بعد رجوعه إلى بلده نزع منه على قول عند الحنابلة. ثم قد قال الحنفية: من كان قادرًا على السداد فالأولى له أن يستقرض ولا يأخذ من الزكاة. الضرب الثاني: من كان في بلده ويريد أن ينشئ سفرًا: فهذا الضرب منع الجمهور إعطاءه، وأجاز الشافعية إعطاءه لذلك بشرط أن لا يكون معه ما يحتاج إليه في سفره، وأن لا يكون في معصية، فعلى هذا يجوز إعطاء من يريد الحج من الزكاة إن كان لا يجد في البلد الذي ينشئ منه سفر الحج ما لا يحج به. والحنفية لا يرون جواز الإعطاء في هذا الضرب، إلا أنَّ مَن كان ببلده، وليس له بيده مال ينفق منه وله مال في غير بلده، لا يصل إليه، رأوا أنه ملحق بابن السبيل (1).
(1)«الموسوعة الفقهية» (23/ 324).
هل يجوز أن تُعطى الزكاة للابن أو الأب؟
دفع الزكاة إلى الوالدين، أو إلى الأبناء -ممن لا تلزمه نفقتهم- إن كانوا غارمين أو مكاتبين أو غزاة- جائز ومتجه قوي (1) وهو مذهب الشافعي (2).
وأما إن كانوا فقراء، وهو عاجز عن نفقتهم، فالجمهور على منع دفع الزكاة إليهم.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (3) أنه يجوز دفع الزكاة إليهم، إذا عجز عن نفقتهم.
وهذا هو الأظهر، لأن منع الجمهور من صرف الزكاة إلى من تلزم نفقتهم، كان لعلتين:(الأولى): أنه غني بالنفقة عليه، و (الثانية): أنه بالدفع إليه يجلب على نفسه نفعًا، وهو منع وجوب النفقة عليه.
فإذا كان الرجل عاجزًا عن النفقة عليهم أصلاً، أو لم تكن تلزمه نفقتهم، فقد انتفت العلتان، مع وجود المقتضى، فجاز، والله أعلم (4).
هل يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها لزوجها إن كان من أهل الزكاة.
اختلف العلماء في دفع المرأة زكاتها إلى زوجها على قولين:
[1]
لا يجوز دفعها إليه: وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ورواية عن أحمد (5).
وحجتهم في هذا:
- أنه أحد الزوجين فلم يجز للآخر دفع زكاته إليه كالآخر.
- وأنها تنتفع بدفعها إليه.
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (25/ 90 - 92)، والمحلى (6/ 151 - 152).
(2)
المجموع للنووي (6/ 229).
(3)
مجموع الفتاوى (25/ 90 - 92).
(4)
قلت: ولعله يؤيد الجواز، حديث معن بن يزيد قال:«.. وكان أبي -يزيد- أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردتُ فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن» رواه البخاري (1422).
وهذا يحتمل أن يكون معن ممن يلزم أباه نفقته فيكون حجة لجواز دفع الزكاة إلى الأبناء مطلقًا. وإما أن يكون مستقلاًّ عن نفقة أبيه، فيكون حجة لجواز دفع الزكاة إلى الأبناء الذين لا يلزم الأب النفقة عليهم، والله أعلم.
(5)
المدونة (1/ 298)، وشرح فتح القدير (2/ 209)، والمغنى (2/ 484).
[2]
يجوز دفعها إليه: وهذا مذهب الشافعي والرواية الأخرى عن أحمد (1).
وهو الراجح لموافقته للدليل:
- لحديث أبي سعيد أن زينب امرأة ابن مسعود، قالت: يا بني الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حُليٌّ لي فأردت أن أتصدق بها، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحقُّ من تصدقت به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم» (2).
ولأنه لا تجب على المرأة نفقة زوجها، فلا يمنع دفع الزكاة إليه كالأجنبي.
أما زكاة الرجل، فلا يجوز أن تُدفع إلى زوجته، لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن أخذ الزكاة، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على هذا (3).
هل تدفع الزكاة إلى الأقارب ذوي الأرحام؟
يجوز دفع الزكاة إلى الأقارب إذا كانوا من أهل الزكاة، وهو أفضل من دفعها إلى غيرهم.
لقوله صلى الله عليه وسلم: «صدقتك على ذي الرحم: صدقة وصلة» (4).
ويشهد له ما في حديث زينب: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نعم، ولها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة» (5) وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة لما جاء بصدقته إليه: «
…
وإني أرى أن تجعلها في الأقربين
…
» (6).
هل يجوز دفع الزكاة إلى الفاسق والمبتدع ومن يستعين بها على المعصية؟
لا يخلو حال المنتسبين إلى الإسلام -والذين قد يكونون مستحقين للزكاة- من ثلاثة أحوال:
(1) المجموع (6/ 138)، والمغنى (2/ 484).
(2)
البخاري (1462)، ومسلم (1000)، وابن ماجه (1834).
(3)
المغنى (6/ 649)، والبدائع (2/ 49).
(4)
أخرجه الترمذي (658)، والنسائي (2582)، وابن ماجه (1844) وفيه ضعف.
(5)
البخاري (1466)، ومسلم (998).
(6)
البخاري (1461)، ومسلم (998).
1 -
أن يكونوا مسلمين طائعين مقيمين للشرائع:
فهؤلاء تدفع إليهم الزكاة -إذا كانوا من أهلها- بلا خلاف.
2 -
أن يكونوا من أهل البدع المكفِّرة:
فهؤلاء تمنع الزكاة عنهم، بلا خلاف، لأنهم خارجون بهذه البدع من الملة، والكفار لا يعطون من الزكاة بالإجماع.
3 -
أن يكونوا من أهل البدع والمعاصي:
فهؤلاء إن غلب على ظن المعطي أنهم يصرفونها في المعصية فلا يجوز أن يُعطوا من الزكاة (عند الشافعية والحنابلة).
ولذا قال شيخ الإسلام، كما في الفتاوى (25/ 87):
«فينبغي للإنسان أن يتحرى بزكاته المستحقين من الفقراء والمساكين والغارمين وغيرهم من أهل الدين المتبعين للشريعة.
ومن أظهر بدعة أو فجورًا فإنه يستحق العقوبة بالهجر وغيره، والاستتابة، فكيف يعان على ذلك؟
كذلك لا ينبغي أن تعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله، فإن الله فرضها معونة على طاعته، فمن لا يصلي لا يُعطى حتى يتوب ويلتزم بأداء الصلاة، ومن كان من هؤلاء منافقًا أو مظهرًا لبدعة تخالف الكتاب والسنة من بدع الاعتقادات والعبادات، فإنه مستحق لعقوبة، ومن عقوبته أن يُحرم حتى يتوب
…
» اهـ.
وأما إن لم يكونوا يستعينون بمال الزكاة على المعصية: فرأى شيخ الإسلام أنهم لا يعطون كذلك.
ورأى غيره أنهم يعطون لأنهم داخلون في عموم آية مصارف الزكاة ولم تفرق بين عاصٍ ومطيع.
وعلى كل حال فالأولى تقديم أهل الدين المستقيمين عليه في الاعتقاد والعمل، على من عداهم عند الإعطاء من الزكاة. والله أعلم.
قلت: ومما ورد في هذا الباب:
1 -
عن قزعة قال: «قلت لابن عمر: إن لي مالاً، فإلى من أدفع زكاته؟
فقال: ادفعها إلى هؤلاء القوم -يعني الأمراء- قلت: إذًا يتخذون بها ثيابًا وطيبًا، فقال: وإن اتخذوا بها ثيابًا وطيبًا، ولكن في مالك حق سوى الزكاة» (1).
2 -
عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال: «أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد إخراج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى؟ قال: ادفعها إليهم، فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد رضي الله عنهم فقالوا مثل ذلك» (2).
والظاهر من سياق هذه الآثار، أن المراد بالقوم -الذين يدفع إليهم الزكاة رغم عصيانهم- الأمراء ولاة الأمر الذين تجب طاعتهم، فليس فيه معارضة لما رجحناه من مذهب شيخ الإسلام، والله أعلم.
هل تُدفع الزكاة إلى «الهاشميين» ؟
بنو هاشم هم: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، وآل الحارث، وكذلك آل المطلب، على الراجح (3).
وهؤلاء لا يحل لهم أن يأخذوا من الزكاة المفروضة، بلا خلاف بين أهل العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، وإنما هي أوساخ الناس» (4).
ومعنى (أوساخ الناس): أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم فهي غسالة الأوساخ.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إنا لا تحل لنا الصدقة» (5).
وقال صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي لما أخذ تمرة من تمر الصدقة: «كخ كخ (ليطرحها) أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة» (6).
وقد اختار شيخ الإسلام أنه يجوز لبني هاشم أن يأخذوا من زكاة الهاشميين لا من زكاة الناس، وهذا مروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف (7).
(1)«الأموال» لأبي عبيد (1798) بسند صحيح ونحوه ابن أبي شيبة (4/ 28).
(2)
«الأموال» (1789)، والبيهقي (4/ 115) بسند صحيح.
(3)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم -كما عند البخاري (40/ 3) وغيره-: «إنا وبني المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيء واحد» وشبك بين أصابعه.
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (1072)، والنسائي (2609).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (1069)، وأبو داود (1650).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (1491)، ومسلم (1069).
(7)
فتح القدير لابن الهمام (2/ 272)، وانظر «الجامع للاختيارات الفقهية لابن تيمية» د. أحمد موافي (1/ 400).