الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفرَّق بعض الفقهاء، فقال: إن كان الخارج كثيرًا بالنسبة إلى العمل والتكاليف فالواجب الخمس، وإن كان قليلاً بالنسبة إليهما فالواجب هو ربع العشر (1) ولقائل أن يقول: ليس في المعدن زكاة -غير الذهب والفضة- «والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس» (2) بناء على أن المراد بقوله (المعدن جبار) أي: لا زكاة فيه بدليل اقترانه بقوله (وفي الركاز الخمس)، ولأنه -أي الركاز- مال مجموع يؤخذ بغير كلفة ولا تعب، بخلاف المعدن لأنه يحتاج إلى كلفة وتعب في استخراجه فأسقطت الزكاة منه.
وإن كان يمكن أن يكون المراد بقوله (المعدن جبار): أن من استأجر من يحفر له معدنًا فسق عليه فقتله فهو جبار، ويؤيده اقترانه بقوه (البئر جبار -والعجماء جبار).
أحكام عامة في الركاز
هل يجزئ إخراج القيمة بدل العين الواجبة في الزكاة؟
للعلماء في إخراج القيمة من الزكوات مذهبان:
الأول: أن ذلك لا يجوز، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود (3)، وحجتهم:
1 -
أن الشرع نص على الواجب في الزكاة فلا يجوز العدول عنه كما لا يجوز في الأضحية، ولا في المنفعة، ولا في الكفارة.
2 -
قوله صلى الله عليه وسلم: «في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون» (4).
قالوا: ولو جازت القيمة لبيَّنها.
3 -
قوله صلى الله عليه وسلم فيمن وجبت عليه جذعة: «تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهمًا» (5).
(1) انظر «فقه الزكاة» (1/ 471) وما بعدها.
(2)
متفق عليه وقد تقدم.
(3)
المدونة (1/ 258)، والمجموع (5/ 428 - 429)، والمغنى (2/ 565).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
سبق تخريجه.
قالوا: ولو كانت القيمة مجزئة لم يقدره، بل أوجب التفاوت بحسب القيمة.
4 -
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «فرض زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير
…
» (1).
قالوا: ولم يذكر القيمة، ولو جازت لبينها فقد تدعو الحاجة إليها.
5 -
قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: «خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر» (2).
6 -
أن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير، وشكرًا لنعمة المال، والحاجات متنوعة، فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به.
الثاني: أنه يجوز إخراج القيمة، وهو مذهب أبي حنيفة والثوري والظاهر من مذهب البخاري، ووجه في مذهب الشافعي ورواية عن أحمد، وحجتهم (3):
1 -
ما رُوى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال لأهل اليمن: «ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس مكان الشعير والذرة آخذه منكم، فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة» (4).
2 -
استدلوا بإجزاء ابن اللبون عن بنت المخاض، وإجزاء الحقة مع عشرين درهمًا عن الجذعة (وهما الدليلان الثاني والثالث لأصحاب القول الأول).
قالوا: ففي هذا اعتبار القيمة.
3 -
أن المقصود بأداء الزكاة إغناء الفقير، والإغناء يحصل بأداء القيمة، كما يحصل بأداء العين، وربما سد الخلة بأداء القيمة أظهر.
وقد اجتهد كل فريق في الجواب عن أدلة الفريق الآخر وإظهار مذهبه. والذي يترجح عندي، هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (5). من التوسط
(1) أخرجه البخاري (1504)، ومسلم (984).
(2)
أخرجه أبو داود (1599)، وابن ماجه (1814)، والحاكم (1/ 546)، والبيهقي (4/ 112)، والدارقطني (2/ 99) وفي سنده لين.
(3)
المبسوط (2/ 156)، والمجموع (2/ 429).
(4)
علَّقه البخاري (3/ 336)
…
ووصله الحافظ في «التغليق» (3/ 12) سنده ضعيف لانقطاعه.
(5)
مجموع الفتاوى (25/ 80 - 82).
في هذا الباب، فلم يجز مطلقًا ولم يمنع مطلقًا، بل رأى جواز إخراج القيمة مقيدًا له بالحاجة والمصلحة والعدل.
فإذا لم تكن حاجة، ولا مصلحة راجحة، فالأظهر أن إخراج القيمة ممنوع منه وهذا الذي ذهب إليه هو مقتضى الجمع بين الأدلة، والله أعلم.
ما حكم تعجيل الزكاة قبل حولان الحول؟
قد علمت أن المال إذا بلغ النصاب، فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يحول عليه الحول، لكن إذا أراد صاحب المال أن يخرج زكاته قبل الحول، فللعلماء في هذا قولان:
الأول: الجواز، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماعة من السلف (1) واحتجوا بما يأتي:
1 -
ما رُوى أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل «فرخَّص له في ذلك» (2).
2 -
ما رُوى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: «إنا كنا تعجلنا صدقة العباس لعامنا هذا عام أول» (3).
3 -
أنه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه (وهو كمال النصاب) قبل وجوبه فجاز، كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله، وأداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفارة القتل بعد الجرح قبل الزهوق.
القول الثاني: المنع، وهو مذهب مالك -وأجازه إذا بقى من الحول الشيء اليسير -وهو قول ربيعة وداود وابن حزم (4)، وحجتهم:
1 -
حديث ابن عمر مرفوعًا: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» (5).
(1) المبسوط (2/ 176)، و «الأم» (2/ 20)، والمجموع (6/ 86)، والمغنى (2/ 470).
(2)
أبو داود (1624)، والترمذي (678)، وابن ماجه (1795) وغيرهم من أوجه فيها مقال وحسنها الألباني في «الإرواء» (857).
(3)
انظر السابق.
(4)
المدونة (1/ 284)، وبداية المجتهد (1/ 232)، والمحلى (6/ 95).
(5)
الترمذي (631)، وأبو داود (1573)، وابن ماجه (1792)، والدارقطني (198)، والبيهقي (4/ 104)، وصححه الألباني في «الإرواء» (787).