الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - صيام التطوع
(1)
رغب الشرع في صيام أيام غير رمضان وهي:
1 -
ستة أيام من شوال:
يستحب أن يُتبع رمضان بصيام ست من شوال -لا يشترط تتابعها- لأن هذا يعدل صيام الدهر، فعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من صام رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر» (2).
وإنما كان ذلك كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والسنة بشهرين، كما في حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من صام رمضان، فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الفطر، فذلك تمام صيام السنة» (3).
وقد استحب صيام هذه السنة كثير من أهل العلم منهم الشافعي وأحمد، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك إلى كراهة صيامها لئلا يُعتقد وجوبه إلحاقًا برمضان، ولا وجه لهذه الكراهة لمعارضتها النص الصحيح الصريح باستحبابها، ثم إن الإلحاق إنما خيف في أوَّل الشهر، أما في آخره فقد فصل بينه وبين غيره بيوم العيد الذي لا يجوز صومه (4).
من كان عليه قضاء من رمضان، هل يصوم الستة قبل القضاء؟
الظاهر من حديث أبي أيوب المتقدم أن حوز فضيلة ثواب صوم الدهر مشروطة بصيام رمضان ثم إتباعه بست من شوال، فلا يقدم صيام الست على قضاء رمضان (5)، قلت: إلا أن يقال إن قوله «ثم أتبعه ستًّا» خرج مخرج الغالب فليس له مفهوم، فيجوز حينئذ صيام الست قبل قضاء رمضان لا سيما لمن ضاق عليه شوال لو قضى، وهذا يحتمله إطلاق حديث ثوبان، والله أعلم.
(1) استفدت في هذا الباب مما جمعه أخي الفاضل: أسامة عبد العزيز -أثابه الله- في كتابه «صيام التطوع فضائل وأحكام» .
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (1164)، وأبو داود (2433)، والترمذي (759)، والنسائي في الكبرى (2862)، وابن ماجه (1716).
(3)
صحيح: أخرجه أحمد (5/ 280)، والنسائي في الكبرى (2860)، وابن ماجه (1715).
(4)
«شرح مسلم» للنووي (3/ 238)، و «شرح العمدة» (2/ 556)، و «المغنى» (4/ 438)، و «فتح القدير» (2/ 349)، و «حاشية ابن عابدين» (3/ 421)، و «الاستذكار» (10/ 259).
(5)
أفاده العلامة ابن عثيمين رحمه الله كما في «الممتع» (6/ 448).
2، 3 - صيام المحرم، وتأكيد التاسع والعاشر (عاشوراء):
يستحب الإكثار من الصيام في شهر المحرم، لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» (1).
ويتأكد الاستحباب في صيام العاشر من المحرم (عاشوراء)، فعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله» (2).
وسئل ابن عباس عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: «ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يومًا يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهرًا إلا هذا الشهر، يعني رمضان» (3).
ويستحب أن يصوم قبله يوم التاسع من المحرم، لحديث ابن عباس قال:«حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم» (4).
وقد ذهب إلى استحباب الجمع بين صيام التاسع والعاشر من المحرم: مالك والشافعي وأحمد حتى لا يتشبه باليهود في إفراد العاشر (5).
تنبيه: ذهب بعض العلماء إلى استحباب صيام الحادي عشر مع التاسع والعاشر مستدلين بما رُوى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا قبله يومًا وبعده يومًا» (6) لكنه حديث ضعيف جدًّا فليس فيه حجة لاستحباب صيام الحادي عشر، فلينتبه، والله أعلم.
4 -
الإكثار من الصيام في شعبان:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه كله إلا قليلاً، فعن عائشة قالت: «كان رسول الله
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1163)، والنسائي في «الكبرى» (2905)، وابن ماجه (1742).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (1162).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (2006)، ومسلم (1132).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (1134).
(5)
«شرح الزرقاني» (2/ 237)، و «المجموع» (6/ 383).
(6)
ضعيف جدًّا: أخرجه أحمد (2418)، والحميدي (485)، وابن خزيمة (2095) وغيرهم.
صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يُفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان» (1).
تنبيهان:
الأول: تخصيص صيام يوم النصف من شعبان بدعة:
فمن لم يكن من عادته الإكثار من صيام شعبان أو صيام الأيام الثلاثة البيض، فخص يوم الخامس عشر من شعبان بالصيام معتقدًا اختصاصه بفضيلة، ففعله بدعة إذ لا يصح في فضل النصف من شعبان ولا صيامه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ما ورد في هذا فهو شديد الضعف أو موضوع كحديث على مرفوعًا: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها
…
» (2).
الثاني: لا يثبت النهي عن الصيام بعد انتصاف شعبان:
اختلف العلماء في صيام التطوع بعد انتصاف شعبان، فذهب الجمهور إلى جوازه، وذهب الشافعية إلى كراهته، مستدلين بحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» (3) لكنه ضعيف -على الراجح وقد أنكره الأئمة الذين يُدان بقولهم في هذا الشأن، فلا حرج في الصيام بعد انتصاف شعبان، ويؤيد هذا الأحاديث الصحيحة، كحديث عائشة المتقدم في صيام النبي صلى الله عليه وسلم لأكثر شعبان، وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم» (4) ففيه النهي عن صوم يوم أو يومين فقط من آخر شعبان خشية أن يزاد في الشهر ويلحق به ما ليس منه، إلا أن يكون صومًا اعتاده فلا بأس، وعن أم سلمة قالت:«ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان» (5).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1969)، ومسلم (1156).
(2)
ضعيف جدًّا: أخرجه ابن ماجه (1388).
(3)
منكر: أخرجه أبو داود (2337)، والترمذي (738)، والنسائي في «الكبرى» (2911)، وابن ماجه (1651)، وأحمد (2/ 442) وقد أنكره عبد الرحمن بن مهدي وأحمد ويحيى ابن معين وأبو زرعة وغيرهم، وقد تكلمت عليه في تعليقي على «شرح البيقونية» لابن عثيمين (ص 22 - 24)، وقد صححه العلامة الألباني رحمه الله!!.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1914)، ومسلم (1082).
(5)
صحيح: أخرجه الترمذي (726)، والنسائي (4/ 150)، وابن ماجه (1648)، وأحمد (6/ 293).
5 -
صيام يوم عرفة لغير الحاج:
يستحب للحاج أن يصوم يوم عرفة، لحديث أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده» (1).
وتكفير السنتين إما أن يراد به أن الله تعالى يغفر له ذنوب سنتين [إذا اجتنبت الكبائر] أو أنه يعصمه في هاتين السنتين، فلا يعصى فيهما (2).
لا يستحب للحاج صيام عرفة: فقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، الفطر يوم عرفة بعرفة، فعن ميمونة رضي الله عنها:«أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بحلاب -وهو واقف في الموقف- فشرب منه، والناس ينظرون» (3).
وسئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة بعرفة، فقال:«حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر بصومه، ولا أنهي عنه» (4).
والأفضل للحاج أن يفطر يوم عرفة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، ولما فيه ن التقوية على الدعاء والذكر في هذا الموقف، وهذا مذهب جمهور العلماء (5).
6 -
صيام الاثنين والخميس:
فعن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الاثنين والخميس» (6).
وسأل أسامة بن زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامه الاثنين والخميس، فقال صلى الله عليه وسلم:«ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» (7).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1162).
(2)
«المجموع» للنووي (6/ 381) بنحوه.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (1989)، ومسلم (1124).
(4)
صحيح: أخرجه الترمذي (751)، والنسائي في «الكبرى» (2826)، وأحمد (2/ 47).
(5)
«المجموع» (6/ 380)، و «التمهيد» (21/ 158)، و «شرح العمدة» لشيخ الإسلام (2/ 762).
(6)
صحيح: أخرجه الترمذي (745)، والنسائي (2186)، وابن ماجه (1739).
(7)
حسن: أخرجه النسائي (2357)، وأحمد (5/ 201)، والبيهقي في «الشعب» (3821).
7 -
صيام ثلاثة أيام من كل شهر:
فعن أب هريرة قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» (1).
وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: «
…
وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر
…
» (2).
ويستحب أن تكون الثلاثة البيض: وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«صيام ثلاثة أيام من كل شهر، صيام الدهر، أيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة» (3).
8 -
صوم يوم وفطر يوم (صوم داود عليه السلام:
وهذا أفضل الصيام، وأعدله، وأحبه إلى الله عز وجل، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصوم إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يومًا ويفطر يومًا» (4) وفي رواية «وهو أعدل الصيام» (5).
لكن هذا مشروط بمن لم يضيع ما أوجب الله عليه بسبب الصيام، فإن ضيع الفرائض أو انشغل به عن مؤنة أهله كان منهيًّا عنه (6).
فائدة: يستحب أن لا يخلى شهرًا من صوم.
عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا معلومًا سوى رمضان؟ قالت: «والله إن صام شهرًا معلومًا سوى رمضان حتى مضى لوجهه، ولا أفطر حتى يصيب منه» (7).
فيستحب أن لا يخلى شهرًا من صيام، فإن النفل غير مختص بزمان معين، بل السنة كلها صالحة له إلا ما نهى عن صومه وإن كان الأفضل الصيام من الأيام التي رغب الشرع في صيامها. والله أعلم.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1981)، ومسلم (821).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1976)، ومسلم (1159).
(3)
صحيح لشواهده: أخرجه النسائي (2419)، وأبو يعلى (7504)، والطبراني في «الكبير» (2/ 2499) عن جرير، وله شواهد عن أبي ذر وقتادة بن ملحان.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1131)، ومسلم (1159).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (1976)، ومسلم (1159).
(6)
مستفاد من «الشرح الممتع» لابن عثيمين رحمه الله (6/ 474).
(7)
صحيح: أخرجه مسلم (1156).