الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ب) قالوا: والعسل يتولد من نَور الشجر والزهور، ويكال ويدَّخر، فوجبت فيه الزكاة كالحب والتمر، ولأن الكلفة فيه دون الكلفة في الزروع والثمار (1).
وهؤلاء الموجبون للزكاة في العسل أوجبوا فيه العُشر، واشترط الحنفية في العسل المزكَّى: أن لا يكون في أرض خراجية، وأن يكون مملوكًا.
ولم يحددوا له نصابًا، بل رأوا الزكاة في كثيره وقليله.
بينما قال الحنابلة: نصاب العسل عشرة أفراق [حوالي 64.68 كيلو جرام] ورجح الدكتور القرضاوي -حفظه الله- أن يكون النصاب خمسة أوسق [647 كيلو جرام].
3 -
وتوسط أبو عبيد في «الأموال» (ص 506) فقال:
«وأشبه الوجوه في أمره [يعني العسل] أن يكون أربابه يؤمرون بصدقته، ويُحثون عليها، ويكره لهم منعها، ولا يؤمن عليهم المأثم في كتمانها من غير أن يكون ذلك فرضًا عليهم كوجوب صدقة الأرض والماشية
…
وذلك أن السنة لم تصح فيه كما صحت فيهما» اهـ.
قلت: وهذا هو الأرجح أنه لا تجب الزكاة في العسل، وإن كان لا يخلو إخراجها فيه من كونها خيرًا، فإنه إن كان واجبًا فقد أدى ما وجب، وأبرأ ذمته، وإن لك يكن واجبًا فهو صدقة.
ولذا فإن ابن مفلح (2)[وهو من أعلم الناس بفقه شيخ الإسلام] كان يرى أنه لا زكاة في العسل.
زكاة عروض التجارة
عُروض التجارة هي: كل ما عدا النقدين (الذهب والفضة) من الأمتعة والعقارات وأنواع الحيوان والزروع والثياب والآلات والجواهر ونحو ذلك مما أعد للتجارة.
وعرَّفها بعضهم بأنها: ما يُعد للبيع والشراء بقصد الربح.
(1)«زاد المعاد» (1/ 314).
(2)
«الفروع» (2/ 450).
حكم الزكاة في عروض التجارة:
اختلف العلماء في زكاة عروض التجارة على قولين (1):
1 -
أنها تجب فيها الزكاة: وهو قول جمهور العلماء، وحكى بعضهم أنه إجماع الصحابة والتابعين كما سيأتي.
واستدلوا بالكتاب والسنة وآثار الصحابة والتابعين، وبالقياس:
(أ) فمن القرآن: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ} (2).
وبوَّب عليها البخاري في كتاب الزكاة في «صحيحه» قال: (باب صدقة الكسب والتجارة) ومعنى قوله (ما كسبتم) يعني: التجارة (3).
(ب) ومن السنة:
استدلوا بحديث سمرة بن جندب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع» (4).
وبحديث أبي ذر مرفوعًا: «في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته» (5).
والبز: الثياب، فهو يشمل الأقمشة والمفروشات والأواني ونحوها، وهذه إذا كانت للاستمتاع الشخصي فلا زكاة فيها بلا خلاف، فبقي أن المراد إذا كانت للاستغلال والتجارة.
غير أن الحديثين ضعيفان، لكن يمكن أن يستدل للزكاة في عروض التجارة بدخولها في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «
…
أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة من أموالهم
…
» الحديث وقد تقدم.
(1) انظر «فقه الزكاة» (1/ 340) وما بعدها، وغير ذلك من المراجع التي أشير إلهيا فيما بعد.
(2)
سورة البقرة: 267.
(3)
انظر «تفسير الطبري» (5/ 555)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (1/ 235) وغيرهما.
(4)
ضعيف: أخرجه أبو داود (1562)، وعنه البيهقي (1/ 97)، والدارقطني (ص 214) وغيرهم بسند ضعيف وانظر «الإرواء» (827).
(5)
ضعيف: أخرجه أحمد (5/ 179)، والبيهقي (4/ 147)، الدارقطني (2/ 101)، وانظر الضعيفة (1178).
إذ عروض التجارة مال بلا شك، هذا بضميمة قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات
…
» (1).
فإن هذا التاجر لو سئل: ماذا تريد بالتجارة؟ لقال: الذهب والفضة؟! (2) ويستدل لهذا أيضًا بحديث أبي هريرة في منع خالد بن الوليد الزكاة وشكوى الناس ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: «
…
وأما خالد، فإنكم تظلمون خالدًا، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله
…
» (3).
فكأنهم ظنوا أنها للتجارة فطالبوه بزكاة قيمتها، فأعلمهم عليه الصلاة والسلام بأنه لا زكاة عليه فيما حبس (4).
ومن آثار الصحابة والسلف:
1 -
عن ابن عبد القاري قال: «كنت على بيت المال زمن عمر بن الخطاب، فكان إذا خرج العطاء، جمع أموال التجار ثم حسبها، شاهدها وغائبها، ثم أخذ الزكاة من شاهد المال على الشاهد والغائب» (5).
2 -
عن ابن عمر قال: «ليس في العروض زكاة، إلا ما كان للتجارة» (6).
3 -
عن ابن عباس قال: «لا بأس بالتربص حتى يبيع والزكاة واجبة فيه» (7).
4 -
عن عطاء قال: «لا صدقة في اللؤلؤ، ولا زبرجد، ولا ياقوت، ولا فصوص، ولا عرض، ولا شيء لا يدار (أي لا يتاجر به) وإن كان شيئًا من ذلك يدار ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع» (8).
5 -
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى زريق: «انظر من مرَّ بك من المسلمين، فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات من كل أربعين دينارًا دينارًا ....» (9).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).
(2)
مستفاد من «الشرح الممتع» (6/ 141).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (1468)، ومسلم (983).
(4)
انظر «فتح الباري» (3/ 392) وقال: وهذا يحتاج لنقل خاص فيكون فيه حجة. اهـ.
(5)
«الأموال» و «مصنف ابن أبي شيبة» و «المحلى» وصححه ابن حزم وتأوله.
(6)
إسناده صحيح: أخرجه الشافعي في «الأم» (2/ 68)، وعبد الرزاق (4/ 97)، والبيهقي (4/ 147) بسند صحيح.
(7)
«الأموال» (ص 426)، وابن حزم في «المحلى» (5/ 234) وصحح إسناده لكن تأوله.
(8)
إسناد صحيح: أخرجه عبد الرزاق (7061)، وابن أبي شيبة (3/ 144) بسند صحيح.
(9)
إسناد صحيح: أخرجه مالك (594)، والشافعي في «الأم» (2/ 68).
ولم ينقل عن واحد من الصحابة ما يخالف قول عمر وابنه وابن عباس، بل استمر العمل والفتوى على ذلك في عهد التابعين وفي زمان عمر بن عبد العزيز، وكذلك اتفق فقهاء التابعين ومن بعدهم على القول بوجوب الزكاة في أموال التجارة.
حتى نقل ابن المنذر وأبو عبيد الإجماع على ذلك، إلا قولاً ذكره أبو عبيد ولم ينسبه لقائل ثم قال عقبه:«وأما القول الآخر فليس من مذاهب أهل العلم عندنا» اهـ.
(ء) وأما القياس:
فالعروض المتخذة للتجارة: مال مقصود به التنمية، فأشبه الأجناس الثلاثة التي تجب فيها الزكاة (النقدين، والماشية، والزروع).
(هـ) وأما من جهة النظر والاعتبار:
-فإن عروض التجارة المتداولة للاستغلال نقود معنى، لا فرق بينها وبين الدراهم والدنانير التي هي أثمانها، إلا في كون النصاب يتقلب ويتغير بين الثمن وهو النقد، والمثمن وهو العروض، فلو لم تجب الزكاة في التجارة، لأمكن لجميع الأغنياء أو أكثرهم أن يتجروا بنقودهم، ويتحروا ألا يحول الحول على نصاب من النقدين أبدًا، وبذلك تعطل الزكاة فيهما عندهم (1).
ثم إن أحوج الناس إلى تطهير أنفسهم وأموالهم وتزكيتها هم التجار، فإن طرائقهم في الكسب لا تسلم من شوائب وشبهات:
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة» (2).
فائدة (3): قد نقل الإجماع على وجوب الزكاة في عروض التجارة: ابن المنذر وأبو عبيد وعنهما جماعة من أهل العلم وفيه نظر، لأن الخلاف في المسألة قديم -كما ذكر الشافعي وغيره- وخالف فيها الظاهرية كما سيأتي.
(1)«تفسير المنار» لرشيد رضا (10/ 591).
(2)
أبو داود (3326)، والترمذي (1208)، والنسائي (3797)، وابن ماجه (2145) وهو صحيح.
(3)
«الإجماع» (14)، و «الأموال» (429)، وانظر «المجموع» (6/ 47)، و «بداية المجتهد» (1/ 254)، و «الروضة الندية» (1/ 286)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (3/ 36، 44) ط. الفكر.
القول الثاني: أنها لا تجب فيها الزكاة: وهو مذهب الظاهرية -ومن تابعهم كالشوكاني وصدق خان ثم الألباني، وقد تبنى قولهم ابن حزم ودافع عنهم في «المحلى» وأطال النفس في نقض مذهب الجمهور بما لا يسلم له، ومما تعلقوا به:
1 -
حديث: «ليس على مسلم في عبده ولا فرسه صدقة» (1).
وظاهره عدم الوجوب سواء كانت للتجارة أو لغيرها.
وأجاب الجمهور بأن المراد نفي الزكاة عن عبده الذي يخدمه، وفرسه الذي يركبه، وهما من الحوائج الأصلية المعفاة من الزكاة بالإجماع.
2 -
أن الأصل في مال المسلم الحرمة وبراءة الذمم من التكاليف.
وهذا الأصل إنما يصار إليه عند عدم الدليل، وقد تقدم إجماع الصحابة على القول بوجوب الزكاة عروض التجارة.
3 -
حديث قيس بن أبي غرزة قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نبيع الرقيق نسمي السماسرة، فقال:«يا معشر التجار، إن بيعكم هذا يخالطه لغو وحلف فشوبوه بالصدقة أو بشيء من صدقة» (2).
قال ابن حزم: فهذه صدقة مفروضة غير محدودة، ولكن ما طابت به أنفسهم وتكون كفارة لما يشوب البيع مما لا يصح من لغو وحلف. اهـ.
إلى غير ذلك من الحجج والتشغيبات التي شغبَّ بها ابن حزم رحمه الله في «المحلى» (5/ 233) وما بعدها، وقول الجمهور هو الصواب، والله أعلم.
شروط الزكاة في مال التجارة (3)
يشترط في المال المعد للكسب والتجارة لتجب الزكاة فيه شروط:
1 -
أن لا تكون العروض مما يجب الزكاة فيه أصلاً، كالماشية والذهب والفضة ونحوها.
لأنه لا تجتمع زكاتان إجماعًا، بل يكون فيها زكاة العين -على الراجح- لأن
(1) البخاري (1464)، ومسلم (628).
(2)
صحيح: أخرجه أحمد (4/ 6)، والنسائي (7/ 14)، وأبو داود، والترمذي (1208)، وابن ماجه (2154) وغيره.
(3)
ويشترط لاعتبار المال مال تجارة: أن يملكه صاحبه بفعله كالشراء، وأن ينوي به التجارة.
زكاة العين أقوى ثبوتًا من زكاة التجارة لانعقاد الإجماع عليها ومن كان يتاجر فيما دون نصاب العين فإنه يخرج زكاة التجارة (1).
2 -
أن يبلغ النصاب: وهو نصاب النقد (85 جرامًا من الذهب).
3 -
حولان الحول.
متى يعتبر النصاب في مال التجارة؟
في وقت اعتبار النصاب في أموال التجارة ثلاثة أقوال:
1 -
في آخر الحول (وهو قول مالك والشافعي).
2 -
في جميع الحول: بحيث لو نقص النصاب لحظة انقطع الحول (مذهب الجمهور).
3 -
في أول الحول وآخره دون ما بينهما (مذهب أبي حنيفة).
كيف يزكي التاجر ثورته التجارية؟
إذا حلَّ موعد الزكاة فإن على التاجر أن يضم ماله بعضه إلى بعض، وهذا المال يشمل:
1 -
رأس المال والأرباح والمدَّخرات وقيمة بضائعه.
2 -
الديون المرجوة الأداء.
فيقوِّم قيمة البضائع ويضيفها إلى ما لديه من نقود، وإلى ما له من ديون مرجوة الأداء، ويطرح منها ما عليه من ديون.
ثم يخرج عن هذا كله ربع العُشر (2.5%) بحسب سعرها وقت إخراج الزكاة، لا بحسب سعر شرائها.
هذا هو رأي جمهور الفقهاء، ووافقهم مالك فيه في التاجر المدير الذي يبيع ويشتري.
لكن قال في التاجر «المحتكر» الذي يشتري السلعة أو العقار ثم يتربص مدة من الزمن، ويرصد السوق، حتى ترتفع الأسعار، فيبيع، قال: لا يزكي إلا إذا باع السلعة فيزكيها لسنة واحدة وإن بقيت أعوامًا.
هل تخرج الزكاة من عين البضائع أم من قيمتها؟
ذهب الجمهور إلى وجوب إخراج القيمة، وأنه لا يجوز الإخراج من عين
(1) انظر «المجموع» (6/ 50)، و «المغنى» (3/ 34).