الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسائل تتعلق بصيام التطوع
1 -
تبييت النية من الليل:
تقدم في «شروط صحة الصيام» أن مذهب الجمهور جواز إنشاء نية صيام التطوع أثناء النهار (1) لمن لم يأكل أو يشرب وأراد أن يصوم، وأنه لا يشترط تبييتها من الليل كصيام الفرض، لكن تبييتها قبل الفجر أحوط لاحتمال الأدلة.
2 -
المتطوع أمير نفسه إن شاء أتم صومه وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه:
من دخل في صوم تطوع، فإن المستحب له أن يُتمَّه لكن إن بدا له أن يفطر فله ذلك ولا قضاء عليه وبه قال الشافعي وأحمد (2).
واحتجوا بما رُوى عن أم هانئ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فأُتى بشراب فشرب، ثم ناولني، فقلت: إني صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن المتطوع أمير نفسه، فإن شئت فصومي، وإن شئت فأفطري» (3).
قلت: وهذا حديث ضعيف، لكن يشهد لمعناه حديث أبي جحيفة قال: «آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سليمان وأبي الدرداء،
…
فصنع [أي سلمان] له طعامًا، فقال: كُلْ، قال: إني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل،
…
، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حق، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان» (4).
وفيه أن أبا الدرداء أفطر، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء.
وحديث عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: «يا عائشة، هل عندكم شيء؟ قالت: فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيء، قال: «فإني صائم» ، قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية، أو جاءنا زور، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله أهديت لنا هدية أو جاءنا زور، وقد خبأت لك شيئًا، قال: ما
(1) عند أبي حنيفة والشافعي في المشهور عنه: لا تصح النية إلا قبل الزوال، وعند أحمد وقول للشافعي أنه يصح في أي وقت من النهار وهذا قول أكثر السلف وهو الأعدل، والله أعلم.
(2)
«المجموع» (6/ 393)، و «شرح العمدة» (2/ 601).
(3)
ضعيف: أخرجه الترمذي (732)، والنسائي في «الكبرى» (3302)، وأحمد (6/ 341).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1968).
هو؟ قلت: حيس، قال: هاتيه، فجئت به، فأكل، ثم قال:«قد كنت أصبحت صائمًا» (1).
وهذا نص في جواز الإفطار بعد إجماع الصيام، وقد ثبت هذا عن ابن عباس وابن مسعود وجابر بأسانيد صحيحة (2).
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن من أصبح متطوعًا فأفطر متعمدًا فعليه القضاء (3)، واحتجوا بما رُوى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ولحفصة لما كانتا صائمتين فأكلتا:«اقضيا يومًا آخر مكانه» (4) وهو ضعيف.
واحتجوا بزيادة وردت في حديث عائشة -في فطره صلى الله عليه وسلم بعد صيامه- وهي قوله: «إني كنت أردت الصوم، ولكن أصوم يومًا مكانه» (5) وهي شاذة، وقاسوا إتمام صيام التطوع على إتمام الحج والعمرة، وهذا قياس مع الفارق، فإن من أفسد صلاته أو صيامه كان عاصيًا لو تمادى فيه فاسدًا، أما في الحج فهو مأمور بالتمادي فيه فاسدًا، ولا يجوز له الخروج منه حتى يتمه على فساده ثم يقضيه وليس كذلك الصوم والصلاة، فلا يقاس على الحج (6)، ثم هو ههنا قياس في مقابل النص فلا يعتبر به.
3 -
هل يجوز صيام التطوع قبل قضاء رمضان؟
تقدم أن مذهب جماهير السلف والخلف جواز تأخير قضاء رمضان -لمن أفطر بعذر- مطلقًا وعدم اشتراط المبادرة بعد أول الإمكان.
ثم اختلفوا في جواز التطوع قبل قضاء رمضان، فذهب الحنفية، ورواية عن أحمد إلى الجواز، وكرهه المالكية، واستحب الشافعية القضاء قبل التطوع، وعن أحمد رواية أخرى بعدم الجواز (7).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1154) وقد تقدم.
(2)
انظر «مصنف عبد الرزاق» (7767 - 7768 - 7771)، و «سنن البيهقي» (4/ 277).
(3)
«شرح معاني الآثار» (2/ 111)، و «المدونة» (1/ 183).
(4)
ضعيف: أخرجه الترمذي (735)، والنسائي في «الكبرى» (3291)، وأحمد (6/ 263).
(5)
شاذ: أخرجه النسائي في «الكبرى» (3300)، وعبد الرزاق (7793)، والدارقطني (2/ 177)، والبيهقي (4/ 275)، وقال النسائي: هذا خطأ، وقال البيهقي: وهو عند أهل العلم بالحديث غير مفحوظ.
(6)
نقله في «التمهيد» (12/ 77) عن الشافعي.
(7)
«البدائع» (2/ 104)، و «مواهب الجليل» (2/ 417)، و «المجموع» (6/ 375)، و «المغنى» (4/ 401).
قلت: لا يصح دليل في المنع من صيام التطوع قبل القضاء، بل يدل على الجواز أن الله تعالى أطلق القضاء بقوله:{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1). ويدل عليه كذلك حديث عائشة قالت: «كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان» (2).
ولا شك أنها كانت تتطوع في أثناء العام، وكان هذا بعلم النبي صلى الله عليه وسلم فهو إقرار منه، ثم إن القضاء واجب يتعلق بوقت موسع، فجاز التطوع في وقته قبل فعله كالصلاة يتطوع في أول وقتها. والله أعلم.
4 -
المرأة تستأذن زوجها في الصيام:
لا يجوز للمرأة أن تصوم صيام تطوع في حضور زوجها بغير إذنه، لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه» (3).
وسبب هذا أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام، وحقه منه واجب على الفور، فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي (4).
فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي الفجر حتى تطلع الشمس، فقال صفوان: يا رسول الله، أما قولها يضربني إذا صليت، فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتنا، قال: فقال: «لو كانت سورة واحدة لكفت الناس» وأما قولها: يفطرني، فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ:«لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها»
…
الحديث (5).
فإذا كان زوجها غائبًا عنها فصومها التطوع جائز بلا خلاف، لمفهوم الحديث ولزوال معنى النهي (6). والله أعلم.
(1) سورة البقرة: 185.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1950)، ومسلم (1146).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (5192)، ومسلم (1026).
(4)
«البدائع» (2/ 107)، و «المدونة» (1/ 186)، و «شرح مسلم» للنووي (3/ 65).
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (2459)، وأحمد (3/ 84)، والبيهقي (4/ 303).
(6)
«المجموع» للنووي (6/ 392).