الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: الأيْمَانُ
(*)
تعريف الأيمان:
الأيمان لغةً: جمع يمين، وأصل اليمين في اللغة: اليد، وأطلقت على الحَلِف، لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل امرئ منهم بيمينه على يمين صاحبه (1).
واليمين شرعًا: «توكيد الشيء بذكر اسم أو صفة لله» (2).
مشروعية اليمين:
ثبتت مشروعية اليمين بالكتاب والسنة والإجماع:
1 -
فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَلَا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} (3)، وقوله سبحانه:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (4)، وقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالقسم في ثلاثة مواضع من كتابه، فقال:{وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} (5)، {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَاتِيَنَّكُمْ} (6){قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} (7).
2 -
ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة
…
» (8).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «
…
[فوالذي لا إله غيره] إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب
…
» (9) الحديث.
(*) لأخينا الفاضل: عصام جاد -حفظه الله- كتاب نافع في «فقه الإيمان» وقد استفدت منه.
(1)
«لسان العرب» و «النهاية» لابن الأثير.
(2)
«فتح الباري» (11/ 516).
(3)
سورة النحل، 91.
(4)
سورة التحريم، 2.
(5)
سورة يونس: 53.
(6)
سورة سبأ: 3.
(7)
سورة التغابن: 7.
(8)
صحيح: أخرجه البخاري (6528)، ومسلم (221).
(9)
صحيح أخرجه بهذا اللفظ مسلم (2643)، والترمذي (2137)، وهو عند البخاري (3208) بدون لفظ القسم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم خشية» (1).
وعن ابن عمر قال: «كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ومُقلِّبِ القلوب» (2) وغيرها كثير وسيأتي طرف من ذلك في أثناء الباب، إن شاء الله.
3 -
وقد أجمعت الأمة على مشروعية الأيمان، وثبوت أحكامها (3).
أيمان المسلمين:
الأيمان التي يحلف بها المسلمون، مما قد يلزم بها حكم، يمكن إجمالها في نوعين (4):
1 -
القسم: وهو ما يقصد به تعظيم المُقسم به، وهذا النوع لا يكون إلا بالله تعالى، فهو المستحق للتعظيم بذاته على وجه لا يجوز هتك حرمة اسمه بحال.
2 -
الشرط والجزاء: وهي يمين عند الفقهاء لما فيها من معنى اليمين، وهو المنع أو الإيجاب، وإن كان هذا النوع لا يعرفه أهل اللغة، ومن هذا النوع: اليمين بالنذر، واليمين بالطلاق، واليمين بالحرام، واليمين بالظهار، ونحو ذلك.
وسنهتم في هذا البحث بالنوع الأول وبعض الصور من النوع الثاني، وباقي صوره مفرَّقة في مواضعها من أبوب الفقه.
لا ينبغي الإكثار من الحلف (5):
قال الله تعالى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَاّفٍ مَّهِينٍ} (6)، والحلَاّف -على ما ذكره بعض المفسِّرين-: كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف، وقال عز وجل {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} (7) والمراد: الامتناع من الحلف -على أحد الأقوال- فإن بَعْدَ الحلف إنما يتصوَّر حفظ البرِّ، وحفظ اليمين يذكر لمعنى الامتناع.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (6101)، ومسلم (2356).
(2)
«المغنى» (11/ 160 - مع الشرح الكبير).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (6628)، والنسائي (7/ 2)، وأبو داود (3263)، والترمذي (1540)، وابن ماجه (2092).
(4)
«المبسوط» (8/ 126)، وانظر «مجموع الفتاوى» (35/ 241).
(5)
«التفسير الكبير» للرازي (6/ 75، 30/ 83)، و «المبسوط» (8/ 127).
(6)
سورة القلم: 10.
(7)
سورة المائدة: 89.
وقد كان العرب يمدحون الإنسان بالإقلال من الحلف، كما قال كثير:
قليل الألايا (1) حافظ ليمينه وإن سبقت منه الأَلِيَّةُ بُرَّتِ
والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان: أن من حلف في كل قليل وكثير بالله، انطلق لسانه بذلك، ولا يبقى لليمين في قلبه وَقْعٌ، فلا يؤمن إقدامه على اليمين الكاذبة فيختل ما هو الغرض الأصلي من اليمين، ولذا كُره الحلف في البيع والشراء، لقوله صلى الله عليه وسلم:«الحلف مَنْفَقَةٌ للسلعة، محققة للبركة» (2).
الحلف لا يكون إلا بالله: عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير في ركب يحلف بأبيه، فقال:«ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» (3).
فدلَّ على أمرين (4):
الأول: الزجر عن الحلف بغير الله، وإنما خُصَّ في حديث عمر بالآباء لوروده على سببه المذكور، أو خص لكونه غالبًا عليه لقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى:«وكانت قريش تحلف بآبائها» (5) ويدل على التعميم قوله: «من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله» .
الثاني: أن من حلف بغير الله مطلقًا لم تنعقد يمينه، سواء كان المحلوف به يستحق التعظيم لمعنى غير العبادة كالأنبياء والملائكة والعلماء والصلحاء والآباء والكعبة، أو كان لا يستحق التعظيم كالآحاد، أو يستحق التحقير والإذلال كالشياطين وسائر من عُبد من دون الله .. ووجه الدلالة من الخبر أنه لم يحلف بالله، ولا بما يقوم مقام ذلك. اهـ.
فائدة: إذا حَلَف المسلم لأخيه بالله فينبغي أن يصدقه: وإن علم منه ضِدَّه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأى عيسى ابن مريم عليه السلام رجلاً سرق، فقال عيسى: أسرقت؟ قال: كلا والذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنتُ بالله، وكذبتُ عيني» (6).
(1) جمع أليَّة: وهي الحلف والقسم.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (2087)، ومسلم (1606).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (6646)، ومسلم (1646).
(4)
«فتح الباري» (11/ 533).
(5)
البخاري (3836)، ومسلم (1646).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (3444)، ومسلم (2368).
الحلف بأسماء الله وصفاته:
1 -
الحلف بأسماء الله تعالى (1): لا خلاف بين أهل العلم في أن من قال: (والله) أو (بالله) أو (تالله) فحنث -أن عليه الكفارة لانعقاد يمينه، وكذلك الحلف بأي اسم من أسمائه سبحانه التي لا يسمى بها غيره، كالرحمن، والأول الذي ليس قبله شيء، ورب العالمين، والحي الذي لا يموت ونحو ذلك.
وأما ما يسمى به غير الله تعالى مجازًا، وينصرف إطلاقه إلى الله تعالى، مثل الخالق والرازق والرب والرحيم والقاهر ونحوه، فهذا يسمى به غير الله مجازًا بدليل قوله تعالى {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} (2)، وقوله {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} (3)، وقوله {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} (4)، و {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ} (5) فهذا إن نوى به اسم الله تعالى أو أطلق، كان يمينًا لأنه بإطلاقه ينصرف إليه، وإن نوى به غير الله تعالى لم يكن يمينًا، لأنه يُستعمل في غيره فينصرف إليه بالنية.
وأما ما يسمى به الله تعالى وغيره ولا ينصرف إليه بإطلاقه، كالحي والعالم والكريم ونحو ذلك، فهذا إن قصد به اليمين باسم الله تعالى كان يمينًا، وإن أطلق أو قصد غير الله تعالى لم يكن يمينًا.
2 -
الحلف بصفات الله تعالى:
(أ) يجوز -عند جمهور العلماء- القسم بصفة من صفات ذات الله سبحانه التي لا يراد بها غيره، مثل: جلاله وكبريائه وعظمته وعزته، وتنعقد بها اليمين:
فعن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول: قط قط، وعزَّتك، ويُزوى بعضها إلى بعض» (6).
وفي حديث أبي هريرة -في ذكر آخر من يخرج من النار-: «.. فلا يزال يدعو الله، فيقول لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره، فيقول: لا، وعزَّتك لا أسألك غيره ..» (7).
(1)«المغنى» (11/ 182)، و «المجموع» (18/ 22)
(2)
سورة العنكبوت: 17.
(3)
سورة الصافات: 125.
(4)
سورة يوسف: 50.
(5)
سورة يوسف: 42.
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (6661)، ومسلم (2848).
(7)
صحيح: أخرجه البخاري (6573)، ومسلم (183) وليس عنده موضع الشاهد.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أيوب يغتسل عريانًا، فخرَّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزَّتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك» (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت، الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون» (2).
ووجه الدلالة منه أنه جازت الاستعاذة بصفة من صفات الله، فكذلك الحلف، لأن كليهما لا يكون إلا بالله.
(ب) وأما صفات أفعال الله تعالى، فقد تقدم في حديث ابن عمر:«كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم لا، ومقلب القلوب» (3).
قال ابن العربي رحمه الله: «في الحديث جواز الحلف بأفعال الله إذا وُصف بها ولم يذكر اسمه، وإن حلف بصفة من صفاته أو بفعل من أفعاله مطلقًا لم تكن يمينًا لما تقدم من قوله: «من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت، وإن حلف بصفة من صفاته كانت يمينًا ووجبت عليه الكفارة بالحنث
…
كذلك قال العلماء من المالكية والشافعية من لدن مالك والشافعي إلى زماننا» اهـ (4).
الحلف بالقرآن:
القرآن كلام الله وهو غير مخلوق، وكلامه سبحانه صفة من صفاته، ولذا ذهب جمهور العلماء -خلافًا لأبي حنيفة- إلى جواز الحلف بالقرآن وأنه تنعقد به اليمين، ويؤيد هذا أن الحلف كالاستعاذة لا تكون إلا بالله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة ببعض صفات الله تعالى، كقوله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك
…
» (5) وقوله: «أعوذ بكلمات الله التامات
…
» (6) وقوله: «أعوذ برضاك من سخطك
…
» (7) ومثل هذا كثير (8).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (279)، ومسلم (2806).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (7383)، ومسلم (2717).
(3)
صحيح: تقدم قريبًا.
(4)
«عارضة الأحوذي» (7/ 23)
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (4628) وغيره من حديث جابر.
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (2708) وغيره من حديث خولة بنت حكيم.
(7)
صحيح: أخرجه مسلم (486) وغيره من حديث عائشة.
(8)
«المغنى» (11/ 193)، و «مجموع الفتاوى» (35/ 237) وقد ذهب متأخروُ الحنفية كابن الهمام والعيني إلى ترجيح مذهب الجمهور من انعقاد اليمين بالقرآن، وانظر «الفقه الإسلامي وأدلته» (3/ 379).
تنبيه: من حلف بالمصحف: فإن كان يقصد به القرآن المسطور فيه الذي هو كلام الله جاز، وإن قصد الورق المكتوب فيه لم يجز والله أعلم.
قول الحالف: «لَعَمْرُ الله» :
جاء في حديث عائشة رضي الله عنها لما قال أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبيٍّ، فقام أسيد بن حضير، فقال لسعد بن عبادة:«لعمر الله لنقتله» (1).
والعمر: الحياة، فمن قال:(لعمر الله) كأنه حلف ببقاء الله، وهو جائز عند عامة أهل العلم (2) وتنعقد به اليمين مطلقًا، للحديث المتقدم، وفيه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأسيد رضي الله عنه قوله «لعمر الله» وعدم إنكاره عليه.
وقد قال تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (3) فثبت له عرف الشرع، ثم لأن معناه: وبقاء الله أو: وحياة الله، فهو قسم بصفة ذات الله فكان جائزًا.
من قال: «وَعهْدِ الله» :
اختلف أهل العلم فيمن قال: (وعهد الله أو عليَّ العهد) هل تنعقد يمينه بذلك على ثلاثة أقوال (4):
الأول: الحلف بعهد الله ينعقد يمينًا مطلقًا: وهو قول الحسن وطاووس والشعبي والأوزاعي ومالك وأحمد، وحجتهم:
1 -
قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} (5) فقوله تعالى {وَلَا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} لم يتقدمه غير ذكر العهد فعُلم أنه يمين، وأجيب: بأنه لا يلزم من عطف الأيمان على العهد أن يكون يمينًا.
2 -
وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على يمين كاذبة ليقتطع
(1) صحيح: أخرجه البخاري (6662).
(2)
«المبسوط» (8/ 132)، و «المدونة» (2/ 29)، و «الأم» (7/ 87)، و «المغنى» (11)، و «الفتاوى» (35/ 273).
(3)
سورة الحجر: 72.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
سورة النحل: 91.
بها مال رجل مسلم -أو قال: أخيه- لقي الله وهو عليه غضبان» فأنزل الله تصديقه {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} (1)(2).
فخصَّ العهد بالتقدمة على سائر الأيمان، فدلَّ على تأكد الحلف به، لأن عهد الله ما أخذه على عباده، وما أعطاه عباده كما قال تعالى {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ} لأنه قدم على ترك الوفاء به.
3 -
أن العهد يطلق على اليمين، فصار كأنه قال: ويمين الله، وذلك يمين، فكذا هنا.
4 -
أنه يحتمل أن يكون معناه: كلام الله، وهو صفة له.
5 -
أنه قد ثبت له عرف الاستعمال، فيجب أن يكون يمينًا بإطلاقه.
الثاني: أنه تنعقد به اليمين إذا نواها: وهو قول الشافعي، وحجته أنه يستعمل في غير معنى اليمين -كوصية الله لعباده باتباع أوامره وغير ذلك- فلا ينصرف إلى اليمين إلا بنيَّة.
الثالث: الحلف بعهد الله ليس يمينًا: وهو قول أبي حنيفة وابن حزم، وحجتهما:
1 -
أن الحلف بعهد الله ليس من الحلف بصفات الله التي يجوز الحلف بها.
2 -
أن اليمين لا تكون إلا بالله.
الراجح:
من قال: «أقسمتُ» أو «أقسم» :
1 -
من قال: «أقسم بالله» أو «أقسمت بالله» فهذا يمين بلا خلاف سواء نوى اليمين أو أطلق، لأنه لو قال:«بالله» ولم يقل أقسم، كان يمينًا، وإنما كان يمينًا بتقدير الفعل قبله، ثم قد ثبت له عرف الاستعمال، قال تعالى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} (3) وقال سبحانه {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} (4).
2 -
وإذا قال: «أقسمُ» أو «أقسمت» فهل يُعدُّ يمينًا؟ فيه ثلاثة أقوال (5):
(1) سورة آل عمران: 77.
(2)
«البدائع» (3/ 8)، و «المدونة» (2/ 30)، و «الأم» (7/ 88)، و «المغنى» (11/ 196)، و «المحلى» (8/ 32).
(3)
سورة المائدة: 107.
(4)
سورة الأنعام: 109.
(5)
«البدائع» (3/ 7)، و «المدونة» (2/ 30)، و «الأم» (7/ 87)، و «المغنى» (11/ 205)، و «المحلى» (8/ 32).
الأول: أنه يمين مطلقًا: وهو مذهب الحنفية وأحمد في رواية واستظهرها ابن قدامة واستدلوا بما يلي:
1 -
حديث ابن عباس عن أبي هريرة -في قصة الرجل الذي قصَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه وأن أبا بكر أوَّلها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا» قال: أقسمتُ -بأبي أنت وأمي- لتخبرني ما الذي أخطأتُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تقسم» (1) فاعتبر النبي صلى الله عليه وسلم قول أبي بكر «أقسمتُ» يمينًا، فثبت له عرف الشرع والاستعمال.
2 -
وفي حديث الإفك، قال أبو بكر رضي الله عنه لعائشة:«أقسمتُ عليكِ أي بنية، إلا رجعت إلى بيتك» (2).
3 -
وفي قصة عبد الرحمن بن أبي بكر مع ضيف أبي بكر لما امتنعوا عن تناول الطعام فجاء أبو بكر، وقد اختبأ عبد الرحمن خوفًا منه، فقال أبو بكر: «يا غنثر، أقسمت عليك إن كنت تسمعني
…
» (3).
4 -
قوله تعالى: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ} (4) ولم يقل (أقسموا بالله) فاعتبره يمينًا والاستثناء في اليمين.
5 -
أن القسم لم يجز إلا بالله عز وجل، فكان الإخبار عنه عما لا يجوز بدونه كما في قوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (5) ولأن العرب تعارفت الحلف على هذا الوجه.
الثاني: أنه يمين إذا نوى اليمين بالله وإلا فلا: وهو مذهب زفر -من الحنفية- وإسحاق ومالك وابن المنذر، لأنه يحتمل القسم بالله وبغيره فلم يكن يمينًا حتى يصرفه بنيَّة إلى ما يجب به الكفارة.
الثالث: أنه ليس بيمين، نوى أو لم ينو: وهو قول الشافعي وابن حزم والحسن والزهري وقتادة وأبي عبيد، لأن اليمين لا تنعقد إلا باسم معظم أو صفة معظمة ليتحقق له المحلوف عليه، وذلك لم يوجد.
(1) صحيح: أخرجه الترمذي (2293)، وأبو داود (3268)، وابن ماجه (3918) بهذا اللفظ وهو في الصحيحين بلفظ «والله لتخبرني» .
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (4757).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (2057).
(4)
سورة القلم: 17، 18.
(5)
سورة يوسف: 82.
واستدلَّ الخطابي لهذا المذهب بحديث تأويل أبي بكر المتقدم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإبرار القسم [وسيأتي قريبًا] فلو كان قوله (أقسمتُ) يمينًا لأشبه أن يبره.
وتُعقِّب بأنه قد جاء في رواية الصحيحين أن أبا بكر صرح باليمين فقال: «والله لتخبرني» فقال له: «لا تقسم» فدلَّ على أن إبرار المقسم ليس بواجب.
الراجح: الذي يظهر أن قول القائل (أقسمت أو حلفت) يعتبر يمينًا منعقدة لكن ينبغي أن يقيد بأن يكون مختارًا وقاصدًا للحلف لا حاكيًا له ونحو ذلك، والله أعلم.
من قال: «أشهد بالله» أو «أشهد» :
1 -
إذا قال القائل: (أشهد بالله) فإنه يُعدَّ يمينًا عند عامة الفقهاء، إلا أن الشافعي قيده بما إذا نوى، لأن قوله (بالله) وحده يمين، فقوله (أشهد بالله) في معنى: أقسم بالله، وقد تقدم أن قوله تعالى -في اللعان- {أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ
…
} (1) أن اللعان عند أكثر أهل العلم أيمان مؤكدة بالشهادة.
2 -
أما إذا قال (أشهد) فاختلف العلماء في اعتباره يمينًا على ثلاثة أقوال كالتي في المسألة السابقة تمامًا، ومستند من جعل قول (أشهد) يمينًا، قوله تعالى {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ
…
} ثم قال بعدها {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (2) قالوا: فسمى الله شهادتهم يمينًا.
وأجاب الآخرون بأن الآيات ليست صريحة في الدلالة على المطلوب، لاحتمال أن يكون قوله سبحانه {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ} ليس راجعًا إلى قوله {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وإنما يرجع إلى سبب نزول الآيات وهي أن عبد الله بن أبيٍّ حلف ما قال، قاله القرطبي.
قلت: وربما يتأيد هذا بحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس خير؟ فقال: «قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته» (3).
قال الحافظ: «وهو ظاهر في المغايرة بين اليمين والشهادة» اهـ (4).
(1) سورة النور: 8.
(2)
سورة المنافقون: 1، 2.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (6658)، ومسلم (2533).
(4)
«فتح الباري» (11/ 544).
من قال: «وايْم الله» :
في انعقاد اليمين بذلك المذاهب المشهورة المتقدمة، والصحيح أنها تنعقد بذلك لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«.. وايْم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها» (1).
وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -في قصة سليمان عليه السلام وقسمه ليطوفن على تسعين امرأة- قال النبي صلى الله عليه وسلم: «.. وايْم الذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون» (2).
ولأن «وايْم الله» أصلها: وايْمُنُ الله، وهو اسم وضع للقسم، بمعنى: يمين الله.
الحلف بغير الله شرك:
عن ابن عمر أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة: فقال ابن عمر: لا يُحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«من حلف بغير الله فقد أشرك» (3).
ويؤيده حديث قتيلة -امرأة من جهينة-: «أن يهوديًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تنددون وإنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: وربِّ الكعبة، ويقولون: ما شاء الله ثم شئت» (4).
وقد جاء النهي عن الحلف بغير الله تعالى في غير ما حديث، منها:
1 -
حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون» (5).
2 -
وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم» (6).
3 -
وعن ابن الزبير: أن عمر لما كان بالمحمص من عسفان استبق الناس،
(1) صحيح: أخرجه البخاري (6788)، ومسلم (1688).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (6639)، ومسلم (1654).
(3)
حسن بما بعده: أخرجه الترمذي (1535)، وأبو داود (3251).
(4)
صحيح: أخرجه النسائي (7/ 6)، وأحمد (6/ 371).
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (3248)، والنسائي (7/ 5).
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (1648)، والنسائي (7/ 7)، وابن ماجه (2095).
فسبقهم عمر فقال ابن الزبير: فانتهزت فسبقتُه، فقلتُ: سبقتُه والكعبة، ثم انتهز فسبقني فقال: سبقتُه والله
…
ثم أناخ فقال: «أرأيت حلفك بالكعبة، والله لو أعلم أنك فكرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك، احلف بالله فأثم أو أبرر» (1).
4 -
وعن ابن مسعود قال: «لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا» (2).
شُبْهتان، والردُّ عليهما:
1 -
حديث: «أفلح وأبيه إن صدق» ونحوه:
جاء في بعض طرق حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه -في قصة الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فأخبره بفرائضه، وفيه:«.. فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أفلح [وأبيه] إن صدق، أو: دخل الجنة [وأبيه] إن صدق» (3).
وقد ورد نحوه من حديث أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيُّ الصدقة أعظم أجرًا؟ فقال:«أما [وأبيك] لتُنبأنه ....» الحديث (4).
ونحوه من حديث أبي هريرة -أيضًا- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي، فقال:«نعم [وأبيك] لتُنبأنَّ، أمُّك ..» الحديث (5).
وقد استدل بعض أهل العلم -منهم مالك والشافعي- بهذه الروايات على أن الحلف بغير الله مكروه وليس محرمًا (!!) لكن أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة، منها (6):
1 -
عدم ثبوت زيادة «أفلح [وأبيه]» وقد أشار ابن عبد البر إلى أنها غير
(1) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (15927)، والبيهقي (10/ 29).
(2)
إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (15929) وغيره، وانظر «الإرواء» (8/ 192).
(3)
أخرجه بهذه الزيادة: مسلم (11)، وأبو داود (392) ولم يخرجها البخاري (46).
(4)
أخرجه بهذه الزيادة: مسلم (1032) وأخرجه بدونها: البخاري (1419)، وأبو داود (2865)، والنسائي (3611).
(5)
أخرجه مسلم (2548)، وابن ماجه (2706)، وأحمد (2/ 327) وفي سنده شريك بن عبد الله القاضي.
(6)
«فتح الباري» (11/ 534)، و «طرح التثريب» (7/ 145).
محفوظة، وهو كما قال: وكذلك تكلم بعض العلماء في ثبوت قوله «وأبيك لتنبأنه» لكن قال شيخنا المبارك مصطفى بن العدوي -رفع الله قدره- في شأن الزيادة الأخيرة: «إن في النفس شيئًا من القول بشذوذ: أما وأبيك لتنبأنه» (1) قلت (أبو مالك): وعلى فرض ثبوت جميع هذه الزيادات، فإن لأهل العلم توجيهات لهذه المرويات -على ندرتها- يجب المصير إلى بعضها لأجل مخالفتها للأحاديث الظاهرة المشتهرة التي تقدمت، فمن ذلك:
2 -
أن هذا اللفظ كان يجري على ألسنتهم من غير قصد حقيقة القسم، وإلى هذا جنح البيهقي، وقال النووي، إنه الجواب المُرضي.
3 -
أنه كان يقع في كلامهم على وجهين: أحدهما للتعظيم والآخر للتأكيد، والنهي إنما ورد عن الأول.
4 -
أن هذا كان جائزًا ثم نسخ، ورُدَّ بأنه لا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحلف بغير الله ولا يقسم بكافر، ثم إن دعوى النسخ ضعيفة لإمكان الجمع ولعدم تحقيق التاريخ.
5 -
أن في الجواب حذفًا تقديره (أفلح ورب أبيه).
6 -
أنه للتعجب، ويدل عليه أنه لم يرد بلفظ (وأبي) وإنما ورد بلفظ «وأبيه» أو «وأبيك» بالإضافة إلى ضمير المخاطب حاضرًا وغائبًا.
7 -
أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من أمته، وتُعقِّب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال.
قلت: فالأظهر أن الحلف بغير الله حرام للأدلة الصريحة في ذلك، ومثلُ قوله صلى الله عليه وسلم:«من حلف بغير الله فقد أشرك» لا يمكن أن يقال فيه: إنه مصروف إلى الكراهة، فهذا مما يستثنى من قاعدة «الجمع أولى من الترجيح» والله أعلم.
2 -
قسم الله تعالى بمخلوقاته:
ومما استدل به القائلون بكراهة الحلف بغير الله -دون تحريمه- أن الله تعالى قد أقسم في كتابه بمخلوقاته فقال: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} (2)، و {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (3)، و {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (4) ونحو هذا.
(1) نقله عنه أخونا في الله عصام جاد في كتابه «فقه الأيمان» ص (69).
(2)
سورة الطارق: 1.
(3)
سورة الشمس: 1.
(4)
سورة الفجر: 1، 2.
وأجيب عن ذلك بجوابين:
الأول: أن هذه الأقسام فيها إضمار القسم برب هذه المخلوقات، كأنه قال:(ورب السماء)، (ورب الشمس) وهكذا.
الثاني: إنما أقسم الله بمخلوقاته دلالة على قدرته وعظمته، والله تعالى يقسم بما شاء من خلقه، ولا وجه للقياس على أقسامه.
قلت: فعُلم أنه لا متعلق للقائلين بعدم تحريم الحلف بغير الله بشيء مما استدلوا به.
من حلف بغير الله، ماذا يفعل؟
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف فقال في حلفه: واللات والعُزَّى، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعالى أقامرك فليتصدق» (1).
وسعد بن أبي وقاص قال: حلفتُ بالات والعُزَّى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قل: لا إله إلا الله، ثم انفث عن يسارك ثلاثًا، وتعوَّذ، ولا تَعُدْ» (2).
وهل هذا مختصُّ بمن قال: واللات والعُزَّى؟ أم يلحق به كل من حلف بغير الله؟ الأظهر الثاني، ولذا قال شيخ الإسلام (3): «
…
الحلف بالمخلوقات كالحلف بالكعبة والملوك والآباء والسيف وغير ذلك
…
فهذه الأيمان لا حرمة لها، بل هي غير منعقدة ولا كفارة على من حنث فيها باتفاق المسلمين، بل من حلف بها فينبغي أن يوحِّد الله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
…
» ثم ذكر حديث أبي هريرة المتقدم.
الحلف بالأمانة:
لا يجوز الحلف بالأمانة، لحديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بالأمانة، فليس منا» (4) أي: ممن اقتدى بطريقتنا، وقيل: أي من ذوي أسوتنا، بل هو من المتشبهين بغيرنا، فإنه من ديدن أهل الكتاب، ولعله أراد به الوعيد عليه (5).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (6650)، ومسلم (1647).
(2)
صحيح: أخرجه ابن ماجه (2097)، وأحمد (1/ 183) وغيرهما وهو عند النسائي (7/ 7) بزيادة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثلاث مرات
…
» الحديث. وهي ضعيفة كما في «الإرواء» (8/ 192).
(3)
«مجموع الفتاوى» (33/ 122).
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (3253)، وابن حبان (1318)، والبيهقي (10/ 30).
(5)
«عون المعبود» (9/ 79، 80).
فإن أضاف لفظ الأمانة إلى لفظ الجلالة فقال: «وأمانة الله» فمن العلماء من اعتبرها يمينًا موجبة للكفارة، لأن أمانة الله صفة من صفاته، فجاز الحلف بها (!!).
وفيه نظر: لعدم الدليل على أن الأمانة صفة من صفات الله، وإنما هي أمر من أوامره، وفرض من فروضه، فنهوا عنه لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله تعالى وصفاته (1)، ثم لثبوت النهي عن الحلف بالأمانة، فالصحيح أنه لا يجوز ذلك مطلقًا وهو قول الحنفية، ونسبه ابن عبد البر وغيره إلى الشافعي (2).
الحلف بملة غير الإسلام:
إذا أخبر الإنسان عن نفسه أنه إن فعل كذا، أو إن لم يفعل كذا، أو إن حصل كذا، أو إن لم يحصل، فهو يهودي أو نصراني أو كافر ونحو ذلك- فهذا حرام يقع فاعلهُ في الإثم سواء صدق أو كذب، لحديث ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عُذِّب به في نار جهنم» (3).
وحديث بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف فقال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبًا فهو كما قال، وإن كان صادقًا فلن يرجع إلى الإسلام سالمًا» (4).
ثم اختلف أهل العلم: هل هذه يمين شرعية أم لا؟ (5) فقال مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين والليث وأبو ثور وابن المنذر: ليست يمينًا، ويستدل لهم بأنه ليس حلفًا باسم الله ولا بصفته، فلا يكون يمينًا، ولا كفارة فيها.
وقال الحنفية وأحمد -في الرواية الأخرى- والحسن والثوري والأوزاعي
(1)«معالم السنن» للخطابي.
(2)
«البدائع» (3/ 6)، و «المغنى» (11/ 207)، و «التمهيد» (14/ 372).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (1363)، ومسلم (110).
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (3258)، والنسائي (3772)، وابن ماجه (2100)، وأحمد (5/ 356).
(5)
«البدائع» (3/ 8، 21)، و «ابن عابدين» (3/ 55)، و «الشرح الصغير» (1/ 330)، و «نهاية المحتاج» (8/ 169)، و «المغنى» (11/ 198 - 201)، و «الإنصاف» (11/ 31)، و «مجموع الفتاوى» (35/ 274).