الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: «إنها لا تصيد صيدًا، ولا تنكأ عدوًّا، ولكنها تكسر السنَّ وتفقأ العين» (1).
إذا وجد الصيد بعد أيام:
إذا رمى الصائدُ الحيوان ووقعت فيه الرمية وغاب، ثم وجده الصائد ولو بعد أيام -في غير ماء- كان حلالاً إذا لم ينتن أو يعلم أن الذي قتله غير سهمه: فعن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك وقتل فكُلْ، وإن أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلابًا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن فقتلن فلا تأكل، فإنك لا تدري أيها قتل، وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكُلْ، وإن وقع في الماء فلا تأكل» (2).
التذكية الشرعية
تعريفها (3):
التذكية في اللغة: مصدر ذكيت الحيوان، والاسم هو الذكاة، وهي الذبح والنحر.
وفي الاصطلاح: هي السبب الموصل لحل أكل الحيوان البري اختيارًا.
وعرفها الحنفية بأنها: «السبيل الشرعية لبقاء طهارة الحيوان وحل أكله إن كان مأكولاً وحل الانتفاع بجلده وشعره إن كان غير مأكول» .
وعرفها الحنابلة بأنها: «ذبح أو نحر حيوان مقدور عليه مباح أكله، يعيش في البر، لا جراد ولا نحوه - بقطع حلقوم ومريء، أو عقر حيوان ممتنع إذا تعذر قطع الحلقوم والمريء» .
وهي نوعان (الذبح والنحر).
تعريف الذبح: أطلق الذبح في اللغة على الشَّقِ وهو المعنى الأصلي ثم استعمل في قطع الحلقوم من باطن عند النَّصيِل، و «النَّصِيل» بفتح النون وكسر الصاد مفصل ما بين العنق والرأس تحت اللحيين.
وأطلق في الاصطلاح على معانٍ كثيرة، ومنها: (ما يتوصل به إلى حل الحيوان سواء أكان قطعًا في الحلق أم في اللبة من حيوان مقدور عليه أم إزهاقًا
(1) صحيح: أخرجه البخاري (5479)، ومسلم (1954).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (5484)، ومسلم (1929).
(3)
«الموسوعة الفقهية» (21/ 173)، و «المفصل» (3/ 20).
لروح الحيوان غير المقدور عليه بإصابته في أي موضع كان من جسده بمحدد أو بجارحة معلمة) والذبح يكون فيما عدا الإبل من الحيوانات.
تعريف النحر: يطلق النحر في اللغة على أعلى الصدر وموضع القلادة منه والصدر كله ويطلق على الطعن في لبة الحيوان لأنها مسامتة لأعلى صدره.
وفي الاصطلاح: هو الطعن في اللبة، ويكون النحر في الإبل خاصة.
فائدة (1):
تخصيص الإبل بالنحر وما عداها بالذبح مستحب عند الجمهور -خلافًا للمالكية- لا واجب، ووجه استحبابه أن الله تعالى ذكر في الإبل النحر، قال تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) وذكر في البقر والغنم الذبح، فقال سبحانه {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (3) وقال عز وجل {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (4).
ولأن الأصل في الذكاة إنما هو الأسهل على الحيوان، وما فيه نوع راحة له فهو أفضل، والأسهل في الإبل النحر لخلو لبتها عن اللحم واجتماع اللحم فيما سواها، والبقر والغنم ونحوها جميع عنقها لا يختلف.
حكم التذكية وحكمة اشتراطها (5):
التذكية شرط لإباحة أكل الحيوان مأكول اللحم والانتفاع به من سائر الوجوه، قال الله تعالى:{وَلَا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (6).
وعن رافع بن خديج قال: يا رسول الله، إنا لاقوا العدو غدًا وليست معنا مُدى، فقال صلى الله عليه وسلم:«أعجل -أو: أرني- ما أنهر الدم وذُكر اسم الله فكُلْ، ليس السن والظفر، وسأحدثك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمُدى الحبشة» (7).
(1)«البدائع» (5/ 40)، و «الشرح الصغير» (1/ 314)، و «المقنع» (3/ 538)، و «مغنى المحتاج» (4/ 271)، و «الموسوعة» (21/ 176) وأما المالكية فأوجبوا النحر في الإبل، وأجازوا الذبح والنحر -مع تفضيل الذبح- في البقر، وأوجبوا الذبح فيما عدا ذلك.
(2)
سورة الكوثر: 20.
(3)
سورة البقرة: 67.
(4)
سورة الصافات: 107.
(5)
«البدائع» (5/ 40)، و «مغنى المحتاج» (4/ 267)، و «حجة الله البالغة» (2/ 812) ط. الكتب الحديثة.
(6)
سورة الأنعام: 121.
(7)
صحيح: أخرجه البخاري (5543)، ومسلم (1968).
وفيه أن إراقة الدم، وذكر اسم الله على الذبيحة شرط لإباحة أكل لحمها.
وأما الحكمة في اشتراط التذكية: فهي أن الحُرْمة في الحيوان المأكول لمكان الدم المسفوح، ولا يزول إلا بالذبح أو النحر، وأن الشرع إنما ورد بإحلال الطيبات خاصة، قال تعالى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (1)، وقال سبحانه {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} (2) ولا يطيب إلا بخروج الدم وذلك بالذبح أو النحر، ولهذا حرمت الميتة لأن المحرم -وهو الدم المسفوح- فيها قائم.
ومن الحكم كذلك: التنفير عن الشرك وأعمال المشركين، وتمييز مأكول الآدمي عن مأكول السباع، وأن يتذكر الإنسان إكرام الله له بإباحة إزهاق روح الحيوان لأكله والانتفاع به بعد موته.
شروط الذبح:
يشترط ليحل أكل الحيوان المذكَّى شروط، بعضها يتعلق بالمذبوح، وبعضها بالذابح، وبعضها بآلة الذبح.
(أ) شروط الحيوان المذبوح (3):
1 -
أن يكون حيًّا وقت الذبح: فلا يُذبح الحيوان الميت.
2 -
أن يكون زهوق روحه بمحض الذبح.
3 -
أن لا يكون من صيد الحرم لما تقدم في «كتاب الحج» من تحريم صيد الحرم، وقد قال صلى الله عليه وسلم في مكة:«فلا ينفَّر صيدها» (4).
(ب) شروط الذابح:
1 -
أن يكون عاقلاً (5): سواءً كان رجلاً أو امرأة، بالغًا أو غير بالغ إذا كان مميزًا، فلا تصح تذكية المجنون ولا الصبي الذي لا يعقل، ولا السكران، لأن غير العاقل لا يصح منه القصد إلى الذبح والتسمية، وبهذا قال الجمهور: الحنفية والمالكية والحنابلة وهو قول عند الشافعية، والأظهر عندهم أنه يصح تذكيتهم جميعًا (!!).
(1) سورة المائدة: 4.
(2)
سورة الأعراف: 157.
(3)
«الموسوعة الفقهية» (21/ 179).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1349)، ومسلم (1355).
(5)
«ابن عابدين» (5/ 188)، و «الخرشي» (2/ 301)، و «مغنى المحتاج» (4/ 266)، و «المغنى» (8/ 581) و «المحلى» (7/ 456).
وقال ابن حزم: لا تصح تذكية غير البالغ كالمجنون والسكران لأنهم غير مخاطبين بخطاب الشرع في قوله تعالى {إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} (1) إذ هم غير مكلفين.
2 -
أن يكون مسلمًا أو كتابيًا (يهوديًّا أو نصرانيًّا): فلا تحل ذبيحة الوثني والمجوسي، وهذا متفق عليه، لأن غير المسلم والكتابي لا يخلص ذكر اسم الله، وذلك أن المشرك يُهل لغير الله أو يذبح على النصب، وقد قال تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
…
وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} (2) والمجوسي لا يذكر اسم الله على الذبيحة (3).
وأما أهل الكتاب فإنما حلت ذبيحتهم لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} (4) قال ابن عباس «طعامهم: ذبائحهم» (5).
ويؤيد هذا، أنه لو لم يكن المراد بطعامهم: ذبحائهم، لم يكن للتخصيص بأهل الكتاب معنى، لأن غير الذبائح من أطعمة سائر الكفرة حلال، ولو فرض أن الطعام غير مختص بالذبائح فهو اسم لما يُطعم، فيدخل فيه الذبائح، وتكون حلالاً (6).
تنبيه: إنما تحلُّ ذبيحة الكتابي إذا لم يُعلم أنه ذكر عليها غير اسم الله تعالى، فإن ذكر عليه اسم غير الله كأن قال: باسم المسيح أو العذراء أو الصنم، لم يؤكل، لقوله تعالى في بيان المحرَّمات:{وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (7).
3 -
أن لا يكون مُحرمًا إذا ذبح صيد البر: فإن المحرم يحرم عليه التعرض للصيد البري سواء كان التعرض بالاصطياد أو الذبح أو القتل، ويحرم عليه كذلك أن يَدُلَّ الحلال على صيد البر أو يشير إليه، كما تقدم في «الحج» ، فما ذبحه المحرم من صيد البر فهو ميتة وكذلك ما ذبحه الحلال بدلالة المحرم أو إشارته، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} (8) وقال سبحانه {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} (9).
(1) سورة المائدة: 3.
(2)
سورة المائدة: 3.
(3)
«الموسوعة الفقهية» (21/ 184).
(4)
سورة المائدة: 4.
(5)
أخرجه البخاري تعليقًا (9/ 636).
(6)
«البدائع» (5/ 45)، و «الخرشي» (2/ 301)، و «نهاية المحتاج» (8/ 106)، و «المقنع» (3/ 535).
(7)
سورة المائدة: 3.
(8)
سورة المائدة: 95.
(9)
سورة المائدة: 96.
تنبيه: المحرَّم على المُحرم ذبحُه إنما هو الصيد، فأما المستأنس كالدجاج والغنم والإبل، فللمحرم أن يذَكيها، لأن التحريم مخصوص بالصيد، أي: بما شأنه أن يصاد وهو الوحش فبقي غيره على عموم الإباحة، وهذا متفق عليه بين المذاهب (1).
4 -
أن يسمى على الذبيحة إذا ذَكَر (2): فإن تعمَّد تركها -وهو قادر على النطق بها- لم تؤكل ذبيحته عند الجمهور ومن نسيها أو كان أخرس أُكلت ذبيحته، قال تعالى:{وَلَا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (3).
ولحديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله فكُلْ
…
» (4).
ولذا اشترط الجمهور التسمية على الذبيحة -عند التذكر والقدوة- وقال الشافعي -وهو رواية عن أحمد- أنها مستحبة وليست واجبة، لحديث عائشة: أن قومًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قومنا يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: «سمُّوا عليه أنتم وكلوا» قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر (5).
فلو كانت التسمية شرطًا لما حلت الذبيحة مع الشك في وجودها، لأن الشك في الشرط شك فيما شرطت له.
واستدلوا كذلك بأن الله أباح لنا ذبائح أهل الكتاب وهم لا يذكرونها، وأجابوا عن قوله تعالى {وَلَا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (6) بأن المراد: ما ذكر عليه اسم غير الله، يعني: ما ذبح للأصنام بدليل قوله تعالى {وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (7) وسياق الآية دالٌّ عليه، فإنه قال:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} والحالة التي يكون فيها فسقًا هي الإهلال لغير الله، كما قال تعالى:{أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (8).
(1)«البدائع» (5/ 50)، و «الشرح الصغير» (1/ 297)، و «نهاية المحتاج» (3/ 332)، و «كشاف القناع» (2/ 437).
(2)
«البدائع» (5/ 46)، و «الشرح الصغير» (1/ 319)، و «البجيرمي» (4/ 251)، و «المغنى» (8/ 565).
(3)
سورة الأنعام: 121.
(4)
صحيح: تقدم قريبًا.
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (2057) وغيره.
(6)
سورة الأنعام: 131.
(7)
سورة المائدة: 3.
(8)
سورة الأنعام: 145.
5 -
أن لا يهلَّ بالذبح لغير الله:
والمقصود به: تعظيم غير الله سواء كان برفع صوت أم لا، فهذا لا تحلُّ ذبيحته بالاتفاق، لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
…
وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (1).
والذبح لغير الله حرام لحديث أبي الطفيل قال: سئل عليٌّ رضي الله عنه: أخصَّكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها: «لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى مُحْدثًا» (2).
شروط آلة الذبح:
يُشترط في آلة الذبح شرطان:
1 -
أن تكون قاطعة: سواء كانت حديدًا أم لا، وسواء كانت حادة أم كليلة ما دامت قاطعة، لأن المقصود بالذبح: قطع الودجين والمريء والحلقوم، وجريان الدم.
2 -
أن لا تكون عظمًا أو ظفرًا: لحديث رافع بن خديج، قال: قلت يا رسول الله، إنا لاقوا العدو غدًا وليست معنا مُدْى، قال:«ما أنهر الدم، وذكر اسم الله فَكُلْ، ليس السنَّ والظُّفر، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة» (3).
الذبح بالآلات الكهربائية:
تقدم أنه يشترط في آلة الذبح أن تكون قاطعة وأن لا تكون عظمًا أو ظفرًا، ولا شك أن الآلات الكهربائية حادة وسريعة في إتمام عملية الذبح، فشروط الآلة محققة فيها، فهي إذن صالحة للتذكية.
وهنا شبهة: أنه ربما كانت هذه الآلات -لحدتها وسرعتها- تقطع رأس الحيوان!! فنقول: هذا جائز، نصَّ عليه أحمد رحمه الله وبه قال أبو حنيفة والثوري (4)، لأنه اجتمع قطع ما تبقى الحياة معه، مع الذبح، فأبيح، وهذه الآلات حادة جدًّا فتأتي على قطع الرأس كله مرة واحدة فلا يتصور موت الحيوان وإزهاق روحه قبل قطع الأوداج حتى يقال: التذكية لا تجوز!! (5).
(1) سورة المائدة: 3.
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (1978).
(3)
صحيح: تقدم قريبًا.
(4)
«المغنى» (8/ 578).
(5)
«المفصَّل» د. عبد الكريم زيدان (3/ 30) بنحوه.
آدابُ الذَّبح: يُستحب في الذبح أمور، منها (1):
1 -
إحسان الذبح: وذلك يتحقق بإحداد السكين -ونحوها- وسرعة القطع، لما في ذلك من إراحة الذبيحة وعدم تعذيبها:
فعن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحدَّ أحدكم شفرته، وليُرحْ ذبيحته» (2).
ويستحب أن يحدَّ الشفرة قبل إضجاع الشاة ونحوها، وقد كره الجمهور أن يُحدَّ الذابح شفرته بين يدي الذبيحة وهي مهيأة للذبح، لما جاء عن ابن عباس أن رجلاً أضجع شاة يريد أن يذبحها، وهو يحد شفرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أتريد أن تميتها موتات؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها؟!» (3).
2 -
إضجاع الذبيحة: لأنه أرفق بها، وعليه أجمع المسلمون، لحديث عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد، فأتى به ليضحى به، فقال لها:«يا عائشة، هلمي المدية» ثم قال: «اشحذيها بحجر» ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال:«بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به» (4).
«ويكون هذا الإضجاع على جانبها الأيسر، لأنه أيسر للذابح في أخذ السكين باليمنى، وإمساك رأسها باليسرى» (5).
3 -
وضع قدمه على صفحة عنقها:
فعن أنس قال: «ضحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعًا قدمه على صفاحهما، يُسمِّي ويكبر، فذبحهما بيده» (6).
قال النووي: «وإنما فعل هذا ليكون أثبت له وأمكن، لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه» اهـ.
(1) انظر بعضها، وزيادة عليها في «بدائع الصنائع» (5/ 60)، و «ابن عابدين» (5/ 188).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (1955).
(3)
أخرجه الحاكم (4/ 257)، والبيهقي (9/ 280)، وعبد الرزاق (8608) واختلف في وصله وإرساله.
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (1967)، وغيره وسيأتي في «الأضحية» .
(5)
«سبل السلام» للصنعاني (4/ 162).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (5558) وسيأتي.
4 -
توجيه الذبيحة إلى القبلة: ويكون التوجيه بمذبحها لا بوجهها، فعن جابر ابن عبد الله قال:«ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجئين، فلما وجههما قال: «إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض، على ملة إبراهيم حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله، والله أكبر «ثم ذبح» (1).
وعن نافع أن ابن عمر «.. كان هو ينحر هديه بيده يصفهن قيامًا (2) ويوجههن إلى القبلة، ثم يأكل ويُطعم» (3).
تنبيه: ليس هذا التوجيه بشرط في الذبح، إذ لو كان كذلك لما أغفل الله تعالى بيانه وإنما هو مستحب.
5، 6 - التسمية والتكبير:
وقد تقدم في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أضجع الكبش «قال: بسم الله
…
» (4).
وفي حديث أنس: «.. فرأيته واضعًا قدمه على صفاحهما، يُسمِّي ويكبِّر، فذبحهما بيده» (5).
وفي حديث جابر المتقدم قريبًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بسم الله، والله أكبر» ثم ذبح (6).
وقد مرَّ في شروط الذبح جملة من الأدلة على اشتراط التسمية.
آداب النَّحْر:
يستحب في النحر كل ما يستحب في الذبح، إلا أن الإبل تُنحر قائمة على ثلاث، ومعقولة (مقيَّدة) اليد اليسرى (7):
(1) صححه الألباني: أخرجه أبو داود (2778) وغيره، وصححه الألباني، وقد يُنازع فيه، وانظر «العلل» لابن أبي حاتم (2/ 39، 44)، وللدارقطني (7/ 20).
(2)
لأن السنة في نحر الإبل أن تكون قائمة كما سيأتي.
(3)
إسناده صحيح: أخرجه مالك (854).
(4)
صحيح: تقدم قريبًا.
(5)
صحيح: تقدم قريبًا.
(6)
تقدم قريبًا.
(7)
«البدائع» (5/ 41)، و «نهاية المحتاج» (8/ 111)، و «المقنع» (1/ 474).
1 -
قال الله تعالى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ
…
} (1) ومعنى صواف: قيامًا، كما قال ابن عباس.
2 -
وفي حديث أنس بن مالك -في حجة النبي صلى الله عليه وسلم: «.. ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بُدْنٍ قيامًا، وضحى بالمدينة كبشين أملحين أقرنين» (2).
3 -
وعن زياد بن جبير قال: «رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها، قال: ابعثها قيامًا مقيَّدة، سنة محمد صلى الله عليه وسلم» (3).
إذا لم يتمكن من الحيوان ليذبحه (4):
إذا لم يتمكن من الحيوان، وتعذَّر ذبحه، لهربه ونحو ذلك، فيجوز طعنه ورميه بالسهم ونحوه في أي موضع من جسده بحيث يجرحه ويقتله، ويحلُّ أكله بذلك، وبهذا قال جمهور العلماء -خلافًا لمالك والليث!! - لحديث رافع بن خديج قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فَنَدَّ بعير من إبل القوم، ولم يكن معهم خيل، فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما فعل منها هذا، فافعلوا به هكذا» (5).
وفي لفظ: «فإذا غلبكم شيء فاصنعوا به هكذا» .
ذكاة الجنين ذكاة أُمَّه (6):
إذا ذبحت الذبيحة ثم خرج من بطنها جنين ميِّتًا، فأصح قولي العلماء: أن الجنين يحل أكله لأنه مذكى بذكاة أمِّه، وهو قول الجمهور خلافًا لأبي حنيفة، ويؤيد هذا القول حديث أبي سعيد قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين؟ فقال: «كلوه إن شئتم» وفي رواية: قلت يا رسول الله، ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ قال:«كلوه إن شئتم، فإن ذكاته، ذكاةُ أُمِّه» (7).
(1) سورة الحج: 36.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (1714)، ومسلم (690).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (1713)، ومسلم (1320).
(4)
«المحلى» (7/ 446)، و «نيل الأوطار» (8/ 163)، و «السيل الجرار» (4/ 68).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (5543)، ومسلم (1968).
(6)
«المجموع» (9/ 147)، و «نيل الأوطار» (8/ 164)، و «سبل السلام» (4/ 1412).
(7)
صحيح: أخرجه أبو داود (2827)، والترمذي (1476)، وابن ماجه (3199).