الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا سميت الزكاة صدقة، لأنها تدل على صدق طلب صاحبها لرضا الله عز وجل (1).
9 -
أنها تزكي أخلاق المزكي، وتشرح صدره:
فالزكاة تنتشل صاحبها من زمرة البخلاء، وتدخله في زمرة الكرماء، وهي تشرح صدره، فإن الإنسان إذا بذل ماله -عن طيب نفس وسخاء- فإنه يجد في نفسه انشراحًا (2)
10 -
أنها تصون المال وتحصنه من تطلع الفقراء وامتداد أيدي الآثمين.
11 -
أنها عون للفقراء والمحتاجين: تأخذ بأيديهم لاستئناف العمل والنشاء إن كانوا قادرين، وتساعدهم على ظروف العيش الكريم إن كانوا عاجزين، فتحمي المجتمع من مرض الفقر، والدولة من الإرهاق والضعف (3).
12 -
أنها مساهمة من المسلم بواجبه الاجتماعي في رفد الدولة الإسلامية بالعطاء عند الحاجة، وتجهيز الجيوش، وصد العدوان، وفي إمداد الفقراء إلى حد الكفاية (4).
13 -
أنها شكر لنعمة المال (5).
حكم منع الزكاة وعقوبة مانعها
1 -
اتفق العلماء على أن من جحد وجوب الزكاة وأنكر فرضيتها، فهو كافر بالإجماع، لأنه مكذِّب بالقرآن والسنة، ومنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة (6).
2 -
وأما من أقَرَّ بوجوبها، وامتنع من أدائها:
(أ) فرُوى عن أحمد أنه قال: «تاركها بخلاً يكفر كتارك الصلاة كسلاً» وقوَّى هذه الرواية بعض الحنابلة (7) واستدلوا لها بقوله تعالى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (8).
(1)«الشرح الممتع» (6/ 12).
(2)
انظر «زاد المعاد» لابن القيم (2/ 25).
(3)
«الفقه الإسلام وأدلته» (2/ 732).
(4)
«الفقه الإسلام وأدلته» (2/ 732).
(5)
«الذخيرة» للقرافي (3/ 7).
(6)
«المغنى» (2/ 572)، و «المجموع» (5/ 334).
(7)
«الشرح الكبير» مع الإنصاف (3/ 43)، و «المبدع» (1/ 308) و «الشرح الممتع» (6/ 7).
(8)
سورة التوبة: 11.
قالوا: فالأخوة في الدين لا تنتفي إلا بخروج الإنسان من الملة، وقد رتب الله ثبوت الأخوة على هذه الأوصاف الثلاثة: التوبة من الشرك، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.
(ب) بينما ذهب جمهور العلماء إلى أن من منع الزكاة بخلاً من غير جحود لفرضيتها، فهو مرتكب لكبيرة من الكبائر، وإثم عظيم، وواقع تحت الوعيد الشديد بالعذاب الأليم يوم القيامة، ولكنه لا يخرج بهذا من الملة ما دام مقرًّا بوجوبها.
وهذا هو الصواب، ويؤيده ما في حديث أبي هريرة من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر مانع زكاة الذهب والفضة، وذكر عقوبته، قال بعد ذلك:«ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» (1).
ولو كان كافرًا لم يكن له سبيل إلى الجنة، والله أعلم.
وأما عقوبة مانع الزكاة في الدنيا: فقدرية، وشرعية:
فالقدرية (2): أن يبتلى الله تعالى كل من يبخل بحق الله وحق الفقير في ماله بالمجاعة والقحط، كما قال صلى الله عليه وسلم:«وما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين» (3).
وفي رواية: «إلا حبس عنهم القطر» .
والشرعية:
(أ) أنه إذا كان مانع الزكاة في قبضة الحاكم، فإنه تؤخذ منه الزكاة قهرًا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» ومن حقها الزكاة، قال أبو بكر رضي الله عنه بمحضر الصحابة «الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها
…
» (4).
وذهب الجمهور إلى أن مانع الزكاة إذا أخذت منه قهرًا لا يؤخذ معها شيء من ماله مستدلين بحديث: «ليس في المال حق سوى الزكاة» (5).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (987).
(2)
«فقه الزكاة» (1/ 92).
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (4577)، والحاكم (2/ 136)، والبيهقي (3/ 346) وحسنه الألباني.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1399)، ومسلم (20).
(5)
ابن ماجه (1789) بسند ضعيف.
وذهب الشافعي في القديم وإسحاق وبعض أصحاب أحمد، إلى أنه يؤخذ منه شطر ماله مع الزكاة عقوبة له (1).
واحتجوا بحديث: «.. ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله» (2).
وأجاب الأولون عن هذا الحديث بأنه منسوخ، وتعقب هذا بأن دعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ.
(ب) وإذا كان مانع الزكاة خارجًا عن قبضة الحاكم، فعلى الحاكم أن يقاتله، لأن الصحابة قاتلوا الممتنعين من أدائها.
وأما عقوبة مانع الزكاة في الآخرة: فقد وردت فيه عدة نصوص، منها:
1 -
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
…
هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} (3).
2 -
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من آتاه الله مالاً، فلم يؤدِّ زكاته، مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه- ثم يقول: أنا كنزك، أنا مالك» ثم تلا هذه الآية: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ ..... بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (4)(5).
3 -
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أُحمى عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه وجبهته حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يُرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاته، إلا بُطح لها بقاع قرقرٍ، كأوفر ما كانت تستن عليه، كلما مضى عليه أخراها رُدَّت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار، وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بُطح لها بقاع قرقرٍ، كأوفر ما كانت فتطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء، كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان
(1)«نيل الأوطار» (4/ 147)، و «الموسوعة الفقهية» (23/ 231) الكويت.
(2)
أبو داود (1560)، والنسائي (5/ 15 - 17)، وأحمد (5/ 4) بسند حسن.
(3)
سورة التوبة: 34، 35.
(4)
سورة آل عمران: 180.
(5)
البخاري (1403).