الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقل الزكاة
الأصل أن تؤخذ الزكاة من أغنياء البلد، وتردُّ على فقرائهم، فلا تنقل إلى بلد آخر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ:«أخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم» (1).
لكن إذا استغنى أهل بلد المزكي عن الزكاة، أو كان غيرهم أشد حاجة إليها أو كانوا أقرب للمزكي مع استحقاقهم للزكاة، أو غير ذلك من المصالح الراجحة، فإنه لا حرج في نقل الزكاة إلى بلد آخر، والله أعلم.
زكاة الفطر
تعريفها:
زكاة الفطر (اصطلاحًا): صدقة تجب بالفطر من رمضان.
الحكمة من مشروعية زكاة الفطر:
حكمة مشروعية زكاة الفطر: الرفق بالفقراء، بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يُسر المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث (2).
فعن ابن عباس قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» (3).
حكم زكاة الفطر:
زكاة الفطر واجبة على كل مسلم، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:
وقال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} (5)«هو زكاة الفطر» .
(1) متفق عليه وقد تقدم.
(2)
المغنى (3/ 56).
(3)
حسن: أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827) وغيرهما بسند حسن.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1503)، ومسلم (984) وغيرهما.
(5)
سورة الأعلى: 14.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض (1).
على من تجب زكاة الفطر:
تجب زكاة الفطر على من توفرت فيه الشروط الآتية:
[1]
الإسلام: لأن زكاة الفطر قُربة من القُرب، وطهرة للصائم من الرفث واللغو -كما تقدم- وليس الكافر من أهلها، وإنما يعاقب على تركها في الآخرة، ولذا قال في حديث ابن عمر المتقدم «
…
من المسلمين» والإسلام شرط عند جمهور العلماء، خلافًا للشافعية، فالأصح عندهم أنه يجب على الكافر أن يؤديها عن أقاربه المسلمين (2).
[2]
القدرة على إخراج زكاة الفطر:
وحدُّ هذه القدرة: أن يكون عنده فضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة العيد ويومه، عند جمهور العلماء (المالكية والشافعية والحنابلة)(3).
لأن من كان هذه حاله يكون غنيًّا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار» فقالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال:«أن يكون له شبع يوم وليلة» (4).
وخالف الحنفية وأصحاب الرأي فقالوا: لا تجب إلا على من يملك نصابًا من النقد أو ما قيمته فاضلاً عن مسكنه (5).
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صدقة إلا عن ظهر غني» (6) قالوا: والفقير لا غنى له فلا تجب عليه، ولأن الصدقة تحل له فلا تجب عليه كمن لا يقدر عليها.
قلت:
ورأي الجمهور أرجح، لأمور:
(1)«الإجماع» لابن المنذر (ص: 49).
(2)
الدر المختار (2/ 72)، ومغنى المحتاج (1/ 402).
(3)
مغنى المحتاج (1/ 403، 628)، والمغنى (3/ 76).
(4)
حسن: أخرجه أبو داود (1629) بسند حسن.
(5)
شرح فتح القدير (2/ 218)، وحاشية ابن عابدين (2/ 360).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (1426).
1 -
أن فرض زكاة الفطر ورد مطلقًا على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد، ولم يقيدها بغني أو فقير، كما قيد زكاة المال بقول (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم).
2 -
أن زكاة الفطر لا تزيد بزيادة المال، فلا يعتبر وجوب النصاب فيها كالكفارة.
3 -
أن الاستدلال بحديث: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» لا يسلم لهم، فإننا نقول معهم: إن العاجز عنها لا تجب عليه، بل قدمنا الحديث بأن الإنسان يغنيه شبع يوم وليلة.
فائدة: تجب زكاة الفطر على المسلم القادر على أدائها، حتى وإن كان عبدًا مملوكًا -كما ذهب إليه الحنابلة- خلافًا لجمهور الفقهاء، فقد اشترطوا لإيجاب الزكاة الحرية، وقالوا: لا تجب على العبد لأن العبد لا يملك.
والصواب أنه يجب على السيد المسلم أن يخرج زكاة الفطر عن عبده، لحديث ابن عمر قال:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل عبد أو حر، صغيرًا أو كبيرًا» (1).
والخلاصة:
أن زكاة الفطر تجب على كل حر مسلم -يملك قوته وقت عياله يومًا أو ليلة- عن نفسه وعمن تلزمه نفقته: كزوجته وأبنائه وخدمه المسلمين. فعن ابن عمر قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم -بصدقة الفطر عن الصغير والكبير، والحر والعبد ممن تمونون» (2).
وذهب ابن حزم إلى أن زكاة الفطر لا تجب على شخص عن غيره، لا عن أبيه ولا عن أمه ولا عن زوجته ولا عن أحد ممن تلزمه نفقته إلا عن نفسه، وأنه يجب على كل من هؤلاء إخراجها عن نفسه من ماله لظاهر حديث ابن عمر المتفق عليه.
فوائد:
1 -
لا يلزم الرجل إخراج زكاة الفطر عن زوجته التي لم يدخل بها لأنه لا تلزمه نفقتها.
(1) صحيح: وتقدم قريبًا.
(2)
حسن لغيره: أخرجه الدارقطني (220)، ومن طريقه البيهقي (4/ 161)، وانظر «الإرواء» (835).
2 -
إذا نشزت المرأة في وقت زكاة، الفطر، ففطرتها على نفسها لا على زوجها.
3 -
إذا كانت الزوجة كتابية فلا يخرج عنها زكاة الفطر.
الأنواع التي تخرج في زكاة الفطر:
تُخرج زكاة الفطر مما يقتاته المسلمون، ولا تُقتصر على ما نص عليه (الشعير والتمر والزبيب) بل تخرج من الأرز والذرة ونحوهما مما يعتبر قوتًا.
وهذا أصح أقوال العلماء -وهو مذهب الشافعية والمالكية (1) - واختاره شيخ الإسلام، وأما فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، فلأن هذا كان قوت أهل المدينة، ولو كان هذا ليس قوتهم بل يقتاتون غيره، لم يكلفهم أن يخرجوا مما لا يقتانون، كما لم يأمر بذلك في الكفارات، فقد قال تعالى في الكفارة {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} (2).
وصدقة الفطر من جنس الكفارات، فكلاهما متعلق بالبدن، بخلاف صدقة المال فإنها تجب بسبب المال من جنس ما أعطاه الله (3).
وأما الحنابلة فقالوا: لا يجزئ إلا التمر والشعير والبر.
ما المقدار الواجب عن كل شخص في زكاة الفطر:
لأهل العلم في المقدار الواجب عن الشخص مذهبان (4):
الأول: أن الواجب صاع من أي صنف:
وبهذا قال جمهور العلماء -خلافًا لأبي حنيفة وأصحاب الرأي- وحجتهم:
1 -
حديث أبي سعيد الخدري قال: كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من أقط، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية المدينة، فتكلم، فكان مما كلَّم الناس: إني لأرى مُدَّيْن من سمراء الشام [يعني: القمح] تعدل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك [قال أبو سعيد]: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه» (5).
(1) لكنهم اشترطوا أن تكون من المعشرات.
(2)
سورة المائدة: 89.
(3)
مجموع الفتاوى (25/ 69).
(4)
المدونة (1/ 358)، والمجموع (6/ 48)، والمغنى (3/ 81)، وشرح فتح القدير (2/ 225).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (1505)، ومسلم (985)، وأبو داود (1616)، والترمذي والنسائي.
2 -
حديث ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر: صاعًا من تمر، وصاعًا من شعير، فعدل الناس إلى نصف صاع من بُر» (1).
المذهب الثاني: أن الواجب: الصاع إلا في البر فيجزئ نصف الصاع:
وهذا مذهب أصحاب الرأي، والزبيب كالبر عند أبي حنيفة في رواية، وحجتهم:
1 -
ما رُوى عن ثعلبة بن أبي صُعير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«صاع من بُر أو قمح على كل اثنين» (2).
2 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديًا في فجاج مكة: «ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم: ذكر أو أنثى أو عبد، صغير أو كبير، مُدَّان من قمح، أو سواهما صاعًا من طعام» (3).
قال الحافظ في الفتح (3/ 437):
«قال ابن المنذر: لا نعلم في القمح خبرًا ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه، ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه، فلما كثُر زمنَ الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير، وهم الأئمة، فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم، ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا في زكاة الفطر نصف صاع من قمح. اهـ[كلام ابن المنذر] وهذا مصير منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفية، لكن حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك، وكذلك ابن عمر، فلا إجماع في المسألة
…
» اهـ (من الفتح).
فائدة: الصاع =4 أمداد = 1/ 6 كيلة مصرية = 2.157 كيلو جرام (بالوزن تقريبًا).
متى تُخرج زكاة الفطر:
يجب إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، ويحرم تأخيرها إلى ما بعدها؛ فعن ابن عمر قال:«أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» (4).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (1511)، ومسلم (984).
(2)
ضعيف: أبو داود (1619) بسند صحيح.
(3)
ضعيف: الترمذي (669) بسند لين، وفيه اختلاف، وانظر تحفة الأحوذي (3/ 348).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1509)، ومسلم (986) وغيرهما.
وعن ابن عباس قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» (1).
أما بداية وقت الوجوب فهو: غروب شمس آخر يوم من رمضان (عند الشافعية والحنابلة وقول عند المالكية) وطلوع فجر يوم العيد (عند الحنفية وقول عند المالكية)(2).
وفائدة الخلاف في بداية وقت الوجوب يظهر فيمن مات بعد غروب الشمس آخر يوم من رمضان، فعلى القول الأول: تخرج عنه زكاة الفطر لأنه كان موجودًا وقت وجوبها، وعلى الثاني: لا يخرج عنه.
وكذلك من ولد بعد غروب الشمس آخر يوم من رمضان: فعلى الأول: لا تخرج عنه وعلى الثاني: تخرج عنه.
يجوز إخراج زكاة الفطر قبل وقت وجوبها:
يجوز تعجيل زكاة الفطر قبل الفطر بيوم أو يومين:
فعن نافع قال: «كان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» (3).
هل تسقط زكاة الفطر بخروج وقتها:
اتفق العلماء على أن زكاة الفطر لا تسقط إذا خرج وقتها، لأنها وجبت في ذمته لمستحقيها، فهي دين لهم لا يسقط إلا بالأداء، لأنها حق للعبد، أما حق الله في التأخير عن وقتها فلا، إلا بالاستغفار والندامة، والله أعلم.
هل يجزئ إخراج القيمة في زكاة الفطر:
تقدم الكلام (4) عن حكم إخراج القيمة في الزكوات عمومًا، وأن الأصل إخراجها على الوجه الذي ورد به النص، ولا يعدل عنه إلى إخراج القيمة إلا لضرورة أو حاجة أو مصلحة راجحة، فيجزئ حينئذ، والله أعلم.
(1) حسن: تقدم تخريجه قريبًا.
(2)
«الموسوعة الفقهية» (23/ 340).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (1511)، ومسلم (986).
(4)
راجع ص (....).