الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإِمام العارف عماد الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الوَاسِطي ابن شيخ الحَزَّامِيِّين (1).
1155 - المِزِيُّ *
شيخنا الإِمام، الحافظ، الحُجَّة، النَّاقد الْأَوْحد البارع، محدِّث الشَّام، جمال الدين، أبو الحَجَّاج، يوسف بن الزَّكي عبد الرحمن بن يوسف بن عَبْد الملك، القُضَاعي، الكلْبي، الدِّمَشْقي.
ولد بظاهر حلب سنةَ أربعٍ وخمسين وست مئة.
ونشأ بالمِزَّة ظاهر دمشق، وحفظ القرآن في صغره، وقرأ شيئًا من الفِقْه، وتعلَّم العربية والتصريف واللُّغَة، وشرع في طلب الحديث بنفسه في سنة خمسٍ وسبعين.
فسمع من أول شيء "كتاب الحِلْية" كله على ابن أبي الخير، وأكثر عنه، وسمع "مسند الإِمام أحمد"، والكتب الستة، و"معجم الطَّبَراني"، والأجزاء الطَّبَرْزَدِيَّة والكِنْدية، وسمع "صحيح مسلم" من
(1) في "تذكرة الحفاظ": 4/ 1495 "الحراميين" -بالراء- وهو تصحيف، انظر ترجمته في "الدرر الكامنة": 1/ 96.
* تذكرة الحفاظ: 4/ 1498 - 1500، فوات الوفيات: 4/ 353 - 355، ذيل العبر للحسيني: 229 - 230، طبقات الشافعية للسبكي: 10/ 395 - 430، طبقات الشافعية للإسنوي: 2/ 464 - 465، البداية والنهاية: 14/ 191 - 192، الرد الوافر: 128 - 130، الدرر الكامنة: 5/ 233 - 237، النجوم الزاهرة: 10/ 76 - 77، طبقات الحفاظ: 517، الدارس في تاريخ المدارس (تنبيه الطالب): 1/ 35، القلائد الجوهرية: 329 - 330، مفتاح السعادة: 2/ 224 - 225، شذرات الذهب: 6/ 136 - 137.
الإِرْبِلي، وسمع من خلقٍ كثير منهم: الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، وفخر الدين بن البُخاري، وابن علَّان، وابن شَيْبَان، ولم يزل يسمع إلى أن سمع من أصحاب ابن عبد الدَّائم.
ورحل سنةَ ثلاثٍ وثمانين؛ فسمع من العز الحَرَّاني، وأبي بكر بن الأَنْمَاطي، وغازي الحَلاوي، وخَلْقٍ، وسمع بمصر والإِسكندرية والحَرَمين وحلب وحماة وحِمْص وبَعْلَبَك والقُدْس ونابلس وغيرها.
ونسخ بخَطِّه المليح المتقَن كثيرًا لنفسه ولغيره، وقرأ الكثير وبَرَعَ في اللغة والتَّصْريف، وانتهت إليه الإِمامةُ في علم الحديث مع الصِّدْق والإِتقان وحُسْن الأخلاق، وكثرة السكون، وقِلَّة الكلام، وكثرة التواضع، والحِلْم والصَّبْر، والاقتصاد في المأكل والمَلْبس، وولي مشيخه دار الحديث الأشرفية وغيرها، وصنَّف كتاب "تهذيب الكمال في أسماء الرِّجال"(1) في مئتين وخمسين جُزْءًا، وهو كتاب حافل، عديم النَّظير، و"كتاب الأَطْراف"(2) في ستة وثمانين جُزْءًا، وأوضح في هذين الكتابين مشكلاتٍ لم يُسْبق إليها، وقد ملكت الكتابين بخَطِّه والحمد لله، وهو شيخي الذي انتفعت به كثيرًا في هذا العِلْم، وكان إمامًا في السُّنَّة، ماشيًا على طريقة سَلَف الأُمة، ممرًّا للآيات والأحاديث كما جاءت من غيرِ تشبيهٍ ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، وكان صحيحَ الذِّهن،
(1) تصدره مؤسسة الرسالة في بيروت بتحقيق الدكتور بشار عواد ومراجعة الشيخ شعيب الأرنؤوط.
(2)
هو "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"، طبع في الهند سنة (1965) م بتحقيق عبد الصمد شرف الدين، مع "النكت الظراف على الأطراف" لابن حجر العسقلاني.
حَسَنَ الفَهْم، سريعَ الإِدراك، يرُدُّ في الإِسناد والمتن ردًّا ينْبَهِرُ له فُضَلاءُ الحاضرين، وربما يكون في أثناء ذلك يطالع وينقل الطِّباق (1).
وقد ترافق هو وشيخنا العلامة أبو العَبَّاس (2) كثيرًا في الطلب وسماع الحديث، وانتفع كلُّ واحدٍ منهما بالآخر.
وذكره الحافظ فتح الدين أبو الفتح بن سَيِّد النّاس اليَعْمَري (3) فقال: ووجدتُ بدمشقَ من أهل هذا العِلْم الإِمام المقدَّم، والحافظ الذي فاق من تأَخَّر من أقرانه وتقدم أبا الحَجَّاج يوسف بن الزَّكي عبد الرحمن المِزِّي، بحر هذا العِلْم الزَّاخر، وحِبْره الذي يقول مَنْ رآه: كم ترك الأول للآخر، احفظ النَّاس للتَّراجم، وأعلمهم بالرُّواة من أعارب وأعاجم، لا يخصُّ معرفته مِصْرًا دون مِصْر، ولا ينفرد عِلْمُه بأهلِ عَصْر دون عَصْر، معتمدًا آثار السَّلف الصَّالح، مجتهدًا فيما نيط به في حِفْظ السُّنَّة من النَّصَائح (4)، مُعْرضًا عن الدُّنيا وأسبابها، مقبلًا على طريقته التي أربى بها على أَرْبابها، لا يبالي ما ناله من الْأَزْل (5)، ولا يخلط جِدَّه بشيءٍ من الهَزْل، وضع كتابه "تهذيب الكمال في أسماء الرِّجال" وضعًا استخرج به العِلْمَ من معادنه، واستنبطه من مكامنه، وأثبته
(1) مفردها طبقة، وهي شهادة يذكر فيها أسماء سامعي الدرس واسم كاتبها ويوقع الشيخ في آخرها، وتحفظ، وهي كسجل لأسماء الطلاب الذين قرؤوا الكتاب على الشيخ.
(2)
هو الإمام ابن تيمية، وستأتي ترجمته عقب هذه الترجمة.
(3)
انظر حاشيتنا رقم (1) ص 236 من هذا الكتاب.
(4)
في "الدرر الكامنة": 5/ 235 "المصالح".
(5)
الضيق والشدة. "اللسان"(أزل).
-كما ينبغي- في أماكنه؛ فاستولى به على أَمَدِ الإِحسان (1)، واحتوى به من السَّبْق ما لم يُدْركه في عَصْره إنسان، ولم يَقَعْ له أبدعِ من هذا التصنيف، ولا أبرع من هذا التأليف، وإن كان بما يضعه بصيرًا، وبالسَّبْق في كل ما يأتيه جديرًا، وهو أيضًا في حِفْظ اللُّغَة إمام، وله بأوزان القريض مَعْرفة وإلمام، فكنت أحرصُ على فوائده لأُحرز منها ما أُحرز، وأستفيد من حديثه الذي إن طال لم يملل، وإن أوجز وددت أنه لم يوجز.
وذكره الحافظ شمس الدِّين الذّهبي فقال: هو الإِمام الأوحد، العالم الحُجَّة، المأمون، شرَفُ المحدِّثين، عُمْدة النُّقاد، شيخُنا وصاحبُ مُعْضلاتنا، بارك الله في عُمُره وحَسَناته، ورفع في عِلِّيين درجاتِهِ، شَرَعَ في طلب الحديث وله عشرون سنة؛ فَسَمِعَ ورحل وبَرَعَ في فنون الحديث: معانيه ولُغَاته، وفقهه وعِلله، وصحيحه وسقيمه، ورجاله، فلم نَرَ مِثْلَه في معناه، ولا هو رأى مِثْلَ نَفْسه مع الإِتقان والصِّدْق، وحُسْن الخَطِّ والدِّيانة، وحُسْنِ الأخلاق، والسَّمْت الحسن، والهَدْي الصَّالح والتصون والخير، والاقتصاد في المعيشة واللِّباس، والملازمة للأشغال والسَّمَاع، مع العَقْل التَّام والرَّزَانة والفَهْم، وصِحَّةِ الإِدراك.
قال: وأما كتاب "تهذيب الكمال" الذي جمعه في أسماء الرجال فهو كتاب جامع كامل، عديم المِثْل، فارغ المؤنة (2)، كلما ازداد فيه
(1) أي منتهى غاية الإِحسان.
(2)
كذا في الأصل، ولم أتبينه.