المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌1026 - البَرَداني *

- ‌1027 - ابن مَرْدُويه الصَّغير *

- ‌1028 - الغَسَّاني *

- ‌1029 - أبو الفِتْيَان *

- ‌1030 - شجاع بن فارس *

- ‌1031 - محمّد بنُ طاهر *

- ‌1032 - ابن مَرْزُوق *

- ‌1033 - المُؤْتَمَن *

- ‌1034 - الأعْمَشُ *

- ‌1035 - ابن مَنْدَه *

- ‌1036 - محمود بن الفَضْل *

- ‌1037 - ابن سُكَّرة *

- ‌1038 - ابن مُفَوَّز *

- ‌1039 - الدَّقَّاق *

- ‌1040 - البَغَوي *

- ‌1041 - شِيرُويه *

- ‌1042 - النَّرْسِي *

- ‌1043 - الحَوْزِيُّ *

- ‌1044 - ابن السَّمَرْقَنْدِي *

- ‌1045 - ابنُ الحَدَّاد *

- ‌1046 - السَّمْعَاني *

- ‌1047 - ابن عَطِيَّة *

- ‌1048 - الإِسْحَاقي *

- ‌1049 - الشَّنْتَرِيني *

- ‌1050 - العَبْدَري *

- ‌1051 - عَبْدُ الغَافِر *

- ‌1052 - الغَازِيُّ *

- ‌1053 - التَّيمِيُّ *

- ‌1054 - الأَنْمَاطِيُّ *

- ‌1055 - أبو سَعْد *

- ‌1056 - اليُوْنَارْتي *

- ‌1057 - محمَّد بن ناصر *

- ‌1058 - البِطْرَوْجي *

- ‌1059 - ابنُ العَرَبي *

- ‌1060 - السِّلَفِيُّ *

- ‌1061 - القاضي عِيَاض *

- ‌1062 - الرُّشَاطِيُّ *

- ‌1063 - الجُوْزَقَاني *

- ‌1064 - الفامي *

- ‌1065 - ابن الدّبَّاغ *

- ‌1066 - السِّنْجي *

- ‌1067 - كُوتاه *

- ‌1068 - السَّمْعَاني *

- ‌1069 - مَعْمَر بن عبد الواحد *

- ‌1070 - أبو الخَيْر *

- ‌1071 - أبو العَلاء الهَمَذَاني *

- ‌1072 - ابن عَسَاكر *

- ‌1073 - أبو مُوسى *

- ‌1074 - الزَّاغُولي *

- ‌1075 - ابن بَشْكُوال *

- ‌1076 - ابنُ الجَوْزِي *

- ‌1077 - السُّهَيلي *

- ‌1078 - عَبْدُ الحَقّ *

- ‌1079 - ابنُ حُبَيْش *

- ‌1080 - ابن الفَخَّار *

- ‌1081 - الشِّيرَازِيُّ *

- ‌1082 - الزَّيدِيُّ *

- ‌1083 - أبو المَوَاهب *

- ‌1084 - الحَازِميُّ *

- ‌1085 - أبو المَحَاسن *

- ‌1086 - ابن خَيْر *

- ‌1087 - أبو عمر بن عَيَّاد *

- ‌1088 - القَاسِم *

- ‌1089 - ابن عبيد الله *

- ‌1090 - عبد الغَنِيّ *

- ‌1091 - عبد الله بن أحمد *

- ‌1092 - البَاقِدَاري *

- ‌1093 - ابن الحُصْري *

- ‌1094 - ابن الْأَخْضر *

- ‌1095 - عبد الرَّزَّاق *

- ‌1096 - عبد القادر بن عبد الله *

- ‌1097 - ابن عات *

- ‌1098 - عليُّ بنُ المُفَضَّل *

- ‌1099 - ربيعة بن الحَسَن *

- ‌1100 - التُّجِيبِيُّ *

- ‌1101 - ابن القُرْطُبي *

- ‌1102 - ابن حَوْط الله *

- ‌1103 - ابن الْأَثير *

- ‌1104 - ابن خَلْفُوْن *

- ‌1105 - العِزُّ ابن الحافظ *

- ‌1106 - الملَّاحي *

- ‌1107 - ابن الْأَنماطِي *

- ‌1108 - الضِّيَاء *

- ‌1109 - ابن القَطَّان *

- ‌1110 - أبو موسى *

- ‌1111 - ابن خَلِيل *

- ‌1112 - ابن نُقْطَة *

- ‌1113 - الدُّبَيثِي *

- ‌1114 - الكَلاعِيُّ *

- ‌1115 - الكَلْبِيُّ *

- ‌1116 - البرْزَالي *

- ‌1117 - ابن الرُّوميَّة *

- ‌1118 - ابن الطَّيلَسان *

- ‌1119 - ابن النَّجَّار *

- ‌1120 - ابن الصَّلاح *

- ‌1121 - الصَّرِيفِيني *

- ‌1122 - اللّارِدِي *

- ‌1123 - عبد العَظيم *

- ‌1124 - اليُونيني *

- ‌1125 - ابن تيمِيَّة *

- ‌1126 - الرَّشيد العَطَّار *

- ‌1127 - البَكرِيُّ *

- ‌1128 - السَّيف بن المَجْد *

- ‌1129 - خالدُ بنُ يوسف *

- ‌1130 - ابن مَسْدِي *

- ‌1131 - ابن سَيِّد النّاس *

- ‌1132 - الْأبَّار *

- ‌1133 - الرَّسْعَنيُّ *

- ‌1134 - ابن الحاجب *

- ‌1135 - الرُّعَينِيُّ *

- ‌1136 - ابنُ الجَوْهَرِي *

- ‌1137 - ابن الكماد *

- ‌1138 - أبو شامة *

- ‌1139 - النَّابُلُسي *

- ‌1140 - ابن الصَّابوني *

- ‌1141 - ابن العمادية *

- ‌1142 - ابن السَّاعي *

- ‌1143 - النَّوَاوي *

- ‌1144 - محبُّ الدِّين *

- ‌1145 - الْأبْيِوَرْدِي *

- ‌1146 - الإسْعِرْدِي *

- ‌1147 - الدِّمْيَاطيُّ *

- ‌1148 - ابن الظَّاهِري *

- ‌1149 - ابن دقيق العيد *

- ‌1150 - ابن الزُّبَير *

- ‌1151 - ابن فَرَح *

- ‌1152 - عليُّ بن عبد الكافي *

- ‌1153 - ابن جَعْوان *

- ‌1154 - الحَارِثيُّ *

- ‌1155 - المِزِيُّ *

- ‌1156 - ابن تَيمِيَّة *

الفصل: ‌1090 - عبد الغني *

‌1090 - عبد الغَنِيّ *

ابنُ عبد الواحد بنِ علي بن سرور بن رافع (1) بن حسن بن جعفر، الإمام، الحافظ الكبير، محدِّث الإِسلام، وأَحَدُ الأئمة الأعلام، تقي الدين، أبو محمد، المَقْدسي، الجَمَّاعيلي (2)، ثم الدِّمَشْقي، الحَنْبَلي، الصَّالحي، صاحبُ التَّصانيف النَّافعة.

ولد سنة إحدى وأربعين وخمس مئة (3)، هو وابن خاله (4) الشيخ موفق الدين بجمَّاعيل، واصطحبا مُدَّةً في أوَّل اشتغالهما ورحلتهما.

سمع أبا المكارم بن هلال بدمشق، وهِبَة الله بن هلال، وابن

* معجم البلدان: 2/ 160، مرآة الزمان: 8/ 338 - 340، التكملة للمنذري: 2/ 17 - 19، ذيل الروضتين: 46 - 47، سير أعلام النبلاء: 21/ 443 - 471، تذكرة الحفاظ: 4/ 1372 - 1381، دول الإسلام: 2/ 80، العبر: 4/ 313، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 168 - 169، مرآة الجنان: 3/ 499 - 500، البداية والنهاية: 13/ 38 - 39، ذيل طبقات الحنابلة: 2/ 5 - 34، النجوم الزاهرة: 6/ 185، طبقات الحفاظ: 485 - 486، حسن المحاضرة: 1/ 354، القلائد الجوهرية: 2/ 319 - 322، شذرات الذهب: 4/ 345 - 346، الفلاكة والمفلوكون للدلجي: 68 - 69.

(1)

في معجم البلدان": 2/ 160 "نافع"، وهو تصحيف.

(2)

جمَّاعيل، قرية في جبل نابلس من أرض فلسطين. "معجم البلدان": 2/ 159.

(3)

في "التكملة" للمنذري: 2/ 18 "وذكر عنه بعض أصحابه ما يدل على أن مولده سنة أربع وأربعين وخمس مئة". وهو ما رجحه الحافظ الضياء. انظر "ذيل طبقات الحنابلة": 2/ 5.

(4)

في الأصل ابن خالته، وهو وهم، إذ أن سعيدة والدة عبد الغني هي أخت أحمد بن محمد بن قدامة، والد الموفق. انظر "القلائد الجوهرية": 1/ 30، وستأتي ترجمة الموفق عقب هذه الترجمة.

ص: 147

البَطِّي، وطبقتهما ببغداد، وأبا طاهر السِّلَفي بالثَّغْر -وأقام عنده ثلاث سنين، ولعلَّه كتبَ عنه أَلف جُزْء- وعليَّ بن هبة الله الكاملي بمِصْر، وأبا الفَضْل الطُّوسي بالموصل (1)، وعبد الرزاق بن إسماعيل القُومَسَاني بهَمَذَان، والحافظ أبا موسى المَدِيني وغيره بأصبهان.

وكَتَبَ ما لا يوصف كثرة، وما زال ينسخ، ويصنِّف، ويحدِّث، ويعلِّم، ويَعْبُد الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا تأخذه في الله لومةُ لائم؛ حتى انتقل إلى رَبِّه، رضي الله عنه.

روى عنه ابناه: أبو الفتح، وأبو موسى، والشيخ موفق الدين، وعبد القادر الرُّهَاوي، والشيخ الضِّياء، وابن خليل، والفقيه اليونيني، وابنُ عبد الدائم، ومحمد بن مهلهل الجِيتي (2)، وآخرون.

قال ابنُ النَّجَّار: حدَّث بالكثير، وصنَّف في الحديث تَصَانيف حسنة، وكان غزيرَ الحِفْظ مِنْ أهل الإِتقان والتجويد، قيِّمًا بجميع فنون الحديث.

قال: وكان كثيرَ العِبادة، وَرِعًا، متمسكًا بالسُّنَّة على قانون السَّلَف، تكلَّم في الصِّفَات والقرآن بشيءٍ أنكره أهلُ التَّأْويل من الفُقَهاء، وشَنَّعوا عليه، فَعُقِدَ له مجلس بدار السُّلْطان بدمشق؛ فأَصَرَّ، وأباحوا قتله، فَشَفعَ فيه أمراءُ الأكراد على أَنْ يَنْزَحَ من دمشق، فذهب إلى مصر، وأقام بها خاملًا إلى حين وفاته.

(1) في الأصل: وبالموصل، وهو وهم من الناسخ.

(2)

في "سير أعلام النبلاء": 21/ 446 "الجيني"، وهو تصحيف، انظر "تبصير المنتبه": 1/ 301.

ص: 148

وقد كتب الحافظ أبو موسى المَدِيني: يقول أبو موسى عفا الله عنه: قَلَّ مَنْ قَدِمَ علينا من الأصحاب من يفهم هذا الشأن كفهم الإمام ضياء الدين (1) عبد الغني بن عبد الواحد المَقْدسي زاده الله توفيقًا، وقد وُفِّق لتبيين هذه الغَلَطات؛ يعني التي في كتاب "معرفة الصَّحابة" لأبي نعيم.

قال: ولو كان الدَّارَقطْني في الأحياء وأمثاله لصوَّبوا (2) فعله، وقَلَّ من تفهَّم في زماننا لما فهمه.

وقال الحافظ ضياء الدين: ثم سافر الحافظُ إلى أَصْبهان، وكان خَرَج وليس معه إلا قليل فلوس، فسهَّل الله من حَمَله، وأنفق عليه؛ فأقام بأَصْبَهان مُدَّة، وحصَّل بها الكتب الجيِّدة، وكان ليس بالأبيض الْأَمْهَق (3) يميل إلى سُمْرة، حسن الثَّغْر، كثّ اللِّحية، واسع الجبين، عظيم الخلق، تام القامة، كان النُّورَ يخرج من وجهه، ضَعُفَ بَصره من كثرة الكتابة والبكاء، صنَّف "المِصْباح" في ثمانية وأربعين جُزْءًا، مشتمل على أحاديث الصحيحين، وكتاب "نهاية المراد" في السنن نحو مئتي جُزْء لم يبيضه، ثم سَرَدَ أسماء مؤلفاته، وذكر ترجمته في عِدَّة كراريس.

وقال: كان لا يكاد أَحَدٌ يسأله عن حديثٍ إلا ذكره له وبيَّنَه،

(1) كذا في الأصل، ومثله في "تذكرة الحفاظ": 4/ 1373، ومثله أيضًا في "سير أعلام النبلاء": 21/ 449، وهو وهم، لعله من أبي موسى نفسه، فقد مر في صدر الترجمة أنه "تقي الدين".

(2)

في الأصل: لصوتوا، وهو تصحيف.

(3)

الأمهق: الأبيض الشديد البياض الذي لا يخالط بياضَه شيءٌ من الحمرة، وليس بنيِّر، ولكن كلون الجص أو نحوه. "اللسان"(مهق).

ص: 149

ولا يُسأل عن رجل إلا قال: هو فلان بن فلان، وبيَّن نسبه، فأقول: كان أميرَ المؤمنين في الحديث، سمِعْتُه يقول: نازعني رَجُلٌ في حديث بحضرة أبي موسى. فقال: هو في البُخَاري، وقلت: ليس هو فيه. فكتَبَ الحديث في رُقْعة، ورفعها إلى أبي موسى يسأَلُه، فناولني أبو موسى الرُّقْعة، وقال: ما تقول؟ فقلت: ما هو في البُخَاري. فَخَجِلَ الرجل.

وقال الشيخ موفق الدِّين: كان رفيقي، وما كُنَّا نستبق إلى خيرٍ إلَّا سبقني إليه إلا القليل، وكَمَّلَ الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البِدْعة وقيامهم عليه، ورُزِق العِلْم، وتحصيل الكتب الكثيرة، إلا أنَّه لم يَعْمَرْ حتى يبلغ غرضَه في روايتها ونشرها.

وقال الشيح الضِّياء: سمعت إسماعيل بن ظفر يقول: جاء رجل إلى الحافظ عبد الغني، فقال: رجل حَلَف بالطَّلاق أنك تحفظ مئة ألف حديث. فقال: لو قال أكثر لصَدَق.

وشاهدتُ الحافظ غيرَ مَرَّةٍ بجامع دمشق يسأله بعض الحاضرين -وهو على المِنْبر- اقرأ لنا أحاديثَ من غير الجُزْء. فيقرأ الأحاديث علينا بأسانيدها عن ظهر قَلْبه. وقيل له: لم لا تقرأ دائمًا من غير كتاب؟ قال: أخاف العُجْب.

وسمعْتُ أبا محمد عبد العزيز الشَّيباني يقول: سمعت التَّاج الكِنْدي بقول: لم يكن بعد الدَّارَقُطْني مثل الحافظ عبد الغني المَقْدسي.

وقال الفقيه محمود بن هَمَّام: سمعت الكِنْدي يقول: لم يَرَ الحافظ عبد الغني مِثْلَ نفسه.

ص: 150

وقال ربيعة اليمنى: قد رأيتُ أبا موسى المَدِيني، وهذا الحافظ عبد الغني أحفظ منه.

قال الشيخ الضِّياء: كل من رأينا من المحدثين يقول: ما رأينا مِثْلَ الحافظ عبد الغني. وهو الذي حرَّضني على السَّفَر إلى مِصْر، وبَعَثَ معنا ابنه عبد الرحمن [وهو](1) ابن عشر سنين، وهو الذي سفَّر إسماعيل بن ظفر، وأعطاه، فسار إلى أَصْبهان، وإلى خُرَاسان، وحرَّض يوسف بن خليل على الرِّحْلة، وكان يقرأ الحديث ليلة الخميس وبعد الجمعة بجامع دمشق، ويجتمع خَلْقٌ، ويبكي الناس كثيرًا، ثم يطوِّل لهم الدعاء.

قال: وكان الحافظ لا يضيِّع شيئًا من زمانه، كان يصلِّي الفجر، ويلقن القرآن، وربما لقَّن الحديث، ثم يقوم فيتوضأ، ويصلي ثلاث مئة رَكْعة بالفاتحة والمعوِّذتين (2) إلى قُبَيل الظهر، فينام نومة، ثم يصلي الظهر، ويشتغل بالتسميع أو النسخ إلى المغرب، فيفطر إن كان صائمًا، ويصلِّي العِشاء، ثم ينام إلى نصف الليل وبعده، ثم يتوضأ ويصلي، ثم يتوضأ ويصلي إلى قريب الفجر، وربما توضأ سبع مَرَّاتٍ أو أكثر، ويقول: تطيب لي الصلاة ما دامت أعضائي رَطْبة. ثم ينام نومة خفيفة قبل الفجر، وهذا دأبه.

قال: وكان جَوَادًا، كريمًا، لا يدَّخر شيئًا ولا دِرْهمًا. وقيل: كان يخرج في اللَّيل بقِفَاف الدَّقيق، فإذا فتحوا له ترك ما معه ومضى؛

(1) ما بين حاصرتين ليس في الأصل، والمثبت من "تذكرة الحفاظ": 4/ 1375.

(2)

ضبطت في "سير أعلام النبلاء": 21/ 452 بفتح الواو المشددة، وهو وهم، انظر "اللسان"(عوذ).

ص: 151

لئلا يُعْرف، وربما كان عليه ثوب مرقع. سمعت بدر بن محمد الجَزَريَّ (1) يقول: ما رأيت أحدًا أكرم من الحافظ؛ لقد أوفى عني غير مَرَّة. وسمعتُ سليمان الإسْعِرْدي (2) يقول: بعث الأفضل (3) إلى الحافظ بنفقة وقمح كثير ففرَّق الجميع.

وحكى رَجُلٌ أنه شاهد الحافظ في الغلاء (4) بمصر ثلاث ليال [يؤثر بعشائه ويطوي](5).

وكان رحمه الله لا يرى مُنْكرًا إلا غَيَّره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومةُ لائم، رأيتُه مَرَّة يريق خمرًا، فسل صاحبُه السيف فلم يَخَفْ، وكان قويًّا؛ فأخذ السيف من الرجل، وكان يكسِّر الشبابات والطَّنابير، وشاهدتُ بخطِّه يقول: والملك العادل (6) ما رأيتُ منه

(1) في "تذكرة الحفاظ": 4/ 1377 "الجذري"، وهو تصحيف.

(2)

في "تذكرة الحفاظ": 4/ 1377 "الأشعري" وهو تصحيف، إذ كان أعداؤه يغيظونه بكشطهم الدال، فتصحف إلى الأشعري، وكان يكره هذه النسبة لأنه حنبلي. انظر "توضيح المشتبه" 1/ 223 - 224 بتحقيق الأستاذ نعيم العرقسوسي.

(3)

هو علي بن صلاح الدين بن يوسف بن أيوب، استقل بملك دمشق بعد وفاة أبيه سنة (589 هـ)، ثم أخرج عنها، ثم تولى شؤون مصر مساعدًا لابن أخيه المنصور. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان": 3/ 419 - 421.

(4)

في "تذكرة الحفاظ": 4/ 1377 "الفلاء" بالفاء، وهو تصحيف.

(5)

ما بين حاصرتين ساقط في الأصل، والمثبت من "تذكرة الحفاظ": 4/ 1377 - 1378.

(6)

محمد بن أيوب، أبو بكر، أخو السلطان صلاح الدين، من كبار الدولة الأيوبية، كان ملكًا عظيمًا، حنكته التجارب، حازمًا، داهية، حسن السيرة، محبًّا للعلماء، توفي سنة (615 هـ)، وهو مدفون في المدرسة العادلية الكبرى في دمشق "مقر مجمع اللغة العربية حاليًا". انظر ترجمته في "وفيات الأعيان": 5/ 74 - 78.

ص: 152

إلا الجميل، أقبل عليَّ وقام لي، والتزمني، ودَعَوْتُ له، وقلتُ: عندنا قصور يوجب التقصير فقال: ما عندك تقصير ولا قصور. وذكر أمر السُّنَّة فقال: ما عندك شيء يُعاب في أمر الدِّين ولا الدُّنيا، ولا بدَّ للناس من حاسدين. وبلغني عنه بعد ذلك أنه ذُكر عنده العلماء فقال: ما رأيتُ مثل فلان، دخل عليَّ فَخُيِّلَ إليَّ أنَّه أسدٌ قد دخل علي.

قال الشيخ الضِّياء: وكان المبتدعة قد وَغِروا صَدْرَ العادل على الحافظ، وتكلَّموا فيه عنده، وكان بعضُهم يقول: ربما يقتله إذا دخل عليه. وسمِعْتُ أن بعضهم بذل في قتل الحافظ خمسة آلاف دينار. قال: وسمعت أبا بكر بن أحمد الطَّحان يقول: جعلوا الملاهي عند درج جيرون (1)، فجاء الحافظ فكسر كثيرًا منها، وصَعِدَ المنبر، فجاءه رسول القاضي يطلبه ليناظره في الدَّفِّ والشّبَّابة، فقال: ذاك حرام، ولا أمشي إليه، إن كان له حاجة يجيء هو. قال: فعاد الرسول يقول: لا بد من مجيئك، قد بطلت (2) هذه الأشياء على السلطان. فقال: ضرب الله رقبته ورقبة السُّلْطان. فمضى الرسول وخفنا من فتنة، فما أتى أحد بعد.

سمعتُ محمود بن سلامة الحَرَّاني بأَصْبَهان يقول: كان الحافظ بأَصْبَهان يخرج فيصطفُّ الناس في السوق ينظرون إليه، ولو قام بأصبهان مُدَّة، وأراد أن يملكها لملكها؛ يعني من حبِّهم له ورغبتهم [فيه](3).

(1) ما زال درج جيرون قائمًا، وهو عند الباب الشرقي للجامع الأموي، وتسمى المحلة الآن "النوفرة"، وقد ذكره ياقوت الحموي في "معجم البلدان": 2/ 199، وانظر ما كتب صلاح الدين المنجد عن باب جيرون في "خطط دمشق": 123 - 129، ويبدو أن جيرون كانت محل فسق وشرب خمر ولهو.

(2)

في "تذكرة الحفاظ": 4/ 1377 "عطلت".

(3)

ما بين حاصرتين مثبت من "تذكرة الحفاظ": 4/ 1377.

ص: 153

قال الضِّياء: وكنا بمِصْر نخرج معه إلى الجمعة فلا نقدر نمشي معه من زحمة النَّاس يتبركون به، ويجتمعون حوله، سمعت الرضى عبد الرحمن بن محمد أنه سمع الحافظ يقول: سألت الله أن يَرْزُقَني حال الإمام أحمد، فقد رزقني صلاته.

قال: ثم ابْتُلي بعد ذلك، وامتحن، سمعت الإمام عبد الله بن أبي الحسن الجُبَّائي (1) يقول: أخذ الحافظ عبد الغني على أبي نُعَيم في مئتين وتسعين موضعًا، فطلبه الصَّدْر بن الخُجَنْدِي (2) وأراد هلاكه، فاختفى الحافظ، وسمعت محمود بن سلامة يقول: ما أخرجناه إلا في إزار.

وسمعت الحافظ يقول: كنا بالمَوْصل نسمع كتاب "الضُّعفاء" للعُقَيلِي، فأخذني أهل المَوْصل وحبسوني، وأرادوا قتلي من أجل ذكر رجل فيه (3)، فجاءني رجل طويل بسيفٍ فقلت: لعله يقتلني وأستريح. قال: فلم يصنع شيئًا، ثم أُطلقت. وكان يسمعه معه ابن البَرْني فأخذ الكُرَّاس الذي فيه ذِكر الرجل، ففتشوا الكتاب فلم يجدوا شيئًا، فأُطلق.

قال الضِّياء: وكان الحافظ يقرأ الحديث بدمشق، ويجتمع الخَلْق عليه، فَحُسِدَ، ثم ذكر أنهم عملوا عليه، ورفعوا منبره، واجتمعوا

(1) في "تذكرة الحفاظ": 4/ 1378 "أبا عبد الله"، وهو وهم، انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء": 21/ 488.

(2)

عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف، الخجندي، أبو القاسم، صدر الدين، كان يتولى الرياسة بأصبهان، وكانت له المكانة كد السلاطين، والملوك والعوام، وكان فاضلًا أدبيًا شاعرًا، توفي سنة (580 هـ)، انظر "فوات الوفيات": 2/ 383 - 384.

(3)

في "ذيل طبقات الحنابلة": 2/ 20 "من أجل ذكر أبي حنيفة".

ص: 154

وناظروه، وأمروه أن يكتب خطه بما يوافقهم فلم يفعل، ثم ذكر محنته، وما جرى له مع الكامل والعادل والأفضل، وذكر خروجه إلى بَعْلَبَك، ثم توجهه إلى مِصْر، وأطال في ذلك، وقال: بلغني أن الحافظ أمر أن يكتب اعتقاده، فكتب: أقول كذا لقول الله تعالى كذا، وأقولَ كذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم كذا حتى فرغ من المسائل، فلما وقف عليها الكامل قال: أيش أقول في هذا؛ يقول بقول الله ورسوله. فخلَّى عنه.

وسمعت أحمد بن محمد بن عبد الغني يقول لي: رأيت أخاك الكمال عبد الرحيم في النَّوْم. فقلت: أين أنت؟ قال: في جنَّة عَدْن. فقلت: أيما أفضل الحافظ عبد الغني أو الشيخ أبو عمر؟ فقال: ما أدري، وأما الحافظ فكلُّ ليلة جُمُعة يُنصب له كرسي تحت العَرْش يقرأُ عليه الحديث، وينثر عليه الدُّرُّ، وهذا نصيبي منه. فأشار إلى كُمِّه.

سمعت أبا موسى (1) يقول: مَرِضَ والدي أيامًا، ووضأته وقت الصُّبْح، فقال: يا عبد الله، صلِّ بنا وخفِّف. فصلَّيتُ بالجماعة، وصلَّى معنا جالسًا، ثم قال: اقرأ عند رأسي {يس} ، فقرأتُها، وقلت: هنا دواء تشربه؟ فقال: ما بقي إلا الموت. فقلت: ما تشتهي شيئًا؟ قال: أشتهي النَّظر إلى وجه الله. فقلت: ما أنت عني راض؟ قال: بلى. وجاؤوا يعودونه، وجعلوا يتحدثون؛ ففتح عينيه وقال: ما هذا؟ ! اذكروا الله، قولوا: لا إله إلا الله. ثم دخل رجل؛ فقمتُ لأناوله كتابًا من جانب المسجد؛ فرجعت وقد توفِّي يوم الاثنين الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة ست مئة، رحمه الله.

(1) ستأتي ترجمته رقم (1110) من هذا الكتاب.

ص: 155