الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويرجح الباحثون هنا أن اللغة السامية الأولى كانت تستخدم الكاف في هذا الموضع وأن العربية والعبرية اختلفتا بذلك من هذا الجانب عن اللغة السامية الأم. ويقوم هذا الرأي على أساس أن الكاف كانت ضمير المخاطب وأن التاء كانت ضمير المتكلم في اللغة السامية الأم، ثم استخدمت العربية التاء للمتكلم والمخاطب معا، وميزت بعد التاء بالضمة والفتحة والكسرة بين الصيغ المختلفة.
وهكذا يوضح المنهج المقارن العناصر المكونة لصيغ الضمير من جانب كما يوضح عناصرها القديمة الموروثة عن اللغة السامية الأولى، وعناصرها المتكونة في إطار اللغة العربية.
5-
الأسماء الثنائية:
تقوم فكرة الميزان الصرفي عند النحاة العرب على أساس أن أكثر الألفاظ العربية من أصل ثلاثي وقد أثبت البحث المقارن في اللغة السامية أن الأصل الثلاثي كامن وراء أكثر كلمات اللغات السامية وفي نفس الوقت ظهر عن طريق المقارنة بين مجموعة من الكلمات يمكن أن ترد إلى أصول ثنائية. والأصل هنا هو الصيغة الأقدم التي خرجت عنها الصيغ الأخرى الأحدث وهنا فرق بين منهج النحاة العرب ومنهج علماء اللغات السامية بخصوص تحديد الأصل، كان العلماء العرب يحاولون التوصل إلى أصل الكلمة بتقليب الكلمات المشتقة من نفس المادة في العربية، ولكن علم اللغة المقارن يحاول التعرف على الأصل التاريخي بمقارنة كل الكلمات السامية المنتمية إلى جذر واحد في محاولة لتحديد
الأصل الذي صدرت عنه كل هذه الكلمات. ولا شك أن الضمائر وأكثر الأدوات تخرج عن إطار الأصل الثلاثي. والبحث في قضية الثلاثية والثنائية يتناول الأسماء والأفعال التي يمكن أن ترد إلى أصل ثنائي1.
ويمكن تصنيف الألفاظ التي يردها العلماء إلى أصل ثنائي إلى عدة مجموعات من أهمها مجموعة الأسماء الدالة على القرابة، ومجموعة الأسماء الدالة على أعضاء جسم الإنسان.
تعد الكلمات أب، أم، أخ، حم، ابن، من أصل ثنائي وقد تطورت هذه الكلمات في اتجاه الثلاثي لإحداث هذا التطور في عدة اتجاهات أحدها يجعل حركة الإعراب طويلة فيكون الرفع بضمة طويلة أبوك والنصب بفتحة طويلة أباك والجر بكسرة طويلة أبيك غير أن هذه الكلمات تحتفظ بثنائيتها عندما تضاف إلى ضمير المتكلم أبي، حمي، أخي والاتجاه الثاني لجعل هذه الكلمات متوازنة مع الثلاثي كان بتشديد الصامت الثاني في الكلمات أب أم أخ حم. ونجد هذا في لهجات عربية كثيرة، أما كلمة "بن" فقد وسعت صيغتها بألف الوصل وتظهر هذه الكلمة بالباء والنون في الآشورية والعبرية والعربية ولكنها في الآرامية والمرهية بالباء والراء، وتدل صيغ الجمع في الآرامية والمهرية بالإضافة إلى صيغ المفرد والجمع في اللغات السامية الأخرى على أن أصل هذه الكلمة هو الباء والنون كما في العربية، وأما صيغة المفرد في الآرامية والمهرية فهي تطور خاص باللغتين ولا يعكس الصيغة الموروثة من اللغة السامية الأم.
هناك مجموعة ألفاظ ذات أصل ثنائي في اللغات السامية وتدل على أعضاء
1أهم الدراساتحول قضية الأسماء ذات الأصل الثنائي ما كتبه نولدكه:
Noldeke، zweiradikalige substantive، in: neue beitrage zur semitischen sprachwissenschaft، s. 109-178.
جسم الإنسان منها كلمة "يد" وكلمة "دم" وكلمة "رئة" وكلمة "لثة".
ترد كلمة يد في اللغات السامية كلها مكونة من الباء والدال مما يشير إلى ثنائية أصل هذه الكلمة. غير أن بعض اللهجات العربية حاولت جعل هذه الكلمة في شكل الثلاثي بأن شددت الدال، وحاولت لهجات عربية أخرى جعلها ثلاثية بإضافة همزة في أول الكلمة.
أما كلمة "دم" فهي من أصل ثنائي أيضا كما تشهد بذلك الصيغ في العربية الفصحى وغيرها من اللغات السامية. أما الصيغة التي تعرفها بعض اللهجات العربية بتشديد الميم فترجع إلى الاتجاه العام لجعل هذه الكلمة الثنائية الأصل في شكل ثلاثي مثل أكثر الكلمات العربية.
أما الكلمات "رئة" و"لثة" و"شفة" فتعد من أصل ثنائي تطور باضافة تاء التأنيث إلى الأصل الثنائي.
وهناك كلمة ترد إلى أصل أحادي وهي كلمة الفم: فوك، فيك، فاك فالأصل المشترك هو الفاء التي ترد في اللغات السامية أصلا لهذه الكلمة وقد تكونت الصيغ العربية من هذه الفاء مع حركة طويلة في الرفع والنصب والجر، أما الميم التي تظهر في كلمة فم فيمكن أن تكون راسبا من رواسب ظاهرة التمييم وهي ظاهرة تقابل التنوين في بعض اللغات السامية.
وقد أوضح البحث ثنائية كلمات أخرى كانت موضع خلاف بين النحاة العرب. وقد اختلفوا قديما في كلمة اسم أهي مشتقة من السمة أم من السمو1، وأثبت البحث المقارن أن الأصل ثنائي هو الشين والميم في اللغة السامية الأم بدليل الصيغ السامية المختلفة. وبمراعاة أن الشين السامية الأم قد تغيرت إلى سين عربية يتضح أن الصيغة ذات أصل ثنائي، أما ألف الوصل التي أدخلت على الصيغة العربية فكانت لجعل الكلمة مشابهة للألفاظ الثلاثية ولإحداث نوع من التوازن مع أكثر الكلمات العربية.
1 انظر: ابن الأنباري: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين، "المسألة الأولى" في تحقيق قابل ص1-6
ونولدكه "البحث المذكور في 9" ص140-143.