الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللغة منهم قليل"1. "خولان صَعْدَه.... فصحاء"2. ويبدو أن هذه المناطق كانت قد تعربت بعربية الشمال إلى حد كبير.
لقد ذكر الهمداني في عبارة موجزة لهجة كل قبيلة وكل منطقة اهتم بها. وقد جعل أقرب اللهجات إلى اللغة الفصحى تلك اللهجات العربية الشمالية في مناطق العروض والحجاز ونجد. يقول الهمداني "أما العروض ففيها الفصاحة ما خلا قراها، وكذلك الحجاز فنجد السفلى، فإلى الشام وإلى ديار مضر وديار ربيعة ففيها الفصاحة إلا في قراها"3. ومن هذا يتضح أن مجموعة من اللهجات في هذه المناطق كانت قريبة من الفصحى ولكن لهجات الحضر المستقرين أي سكان القرى كانت مخالفة للفصحى. وهكذا أوضح الهمداني في وصفه للحياة اللغوية في جزيرة العرب بعبارات موجزة بعض جوانب التنوع اللغوي في القرن الرابع الهجري.
1 الهمداني 134.
2 الهمداني 136.
3 الهمداني 136.
7-
المقدسي والحياة اللغوية في القرن الرابع الهجري
تضمن كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" للمقدسي معلومات مختلفة حول العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري. وقد ذكر في مقدمته أنه اهتم أيضًا "باختلاف أهل البلدان في كلامهم وأصواتهم وألسنتهم وألوانهم"1 وتقوم هذه الملاحظات على خبرة المؤلف في أثناء رحلاته وما دونه في أثناء هذه الرحلات حول كل إقليم من الأقاليم التي زارها2.
تناول المقدسي الحياة اللغوية في الأقاليم العربية من الدولة الإسلامية بمجموعة.
1المقدسي: أحسن التقاسيم ص1.
2 انظر أيضًا مجموعات المفردات التي تختلف فيها لهجات الأقاليم العربية 30-32.
من الملاحظات حول جزيرة العرب والعراق والشام ومصر والمغرب. لاحظ المقدسي أن العربية هي اللغات السائدة في جزيرة العرب عدا منطقة صُحَار1 وهي المنطقة الواقعة على المحيط الهندي والخليج العربي من عمان. فهذه المنطقة كانت تضم وفق وصف المقدسي جماعات من المتحدثين بالفارسية. وإلى جانب هذه المنطقة التي سادها فيما يبدو ضرب من الازدواج اللغوي، فقد ذكر المقدسي أن اليمن ضمت "قبيلة من العرب لا يفهم كلامهم"2، ولا شك أن المقصود بهؤلاء العرب تلك الجماعات اللغوية التي كانت تتعامل في القرن الرابع الهجري باللغات العربية الجنوبية المختلفة، وقد أشار الهمداني إلى ذلك. وإذا كان الهمداني قد ذكر أن لغة عدن مولدة فإن المقدسي ذكر عدة أمثلة من لهجة عدن، يقول المقدسي:"وأهل عدن يقولون لرجليه رجلينه، وليديه يدينه وقس عليه، ويجعلون الجيم كافا فيقولون لرجب ركب ولرجل ركل"3.
ومعنى هذا أن لهجة عدن في القرن الرابع الهجري لم تكن تميز بين الاسم المضاف والاسم غير المضاف وأن النون لم تكن تحذف من الاسم المثنى المضاف إلى ما بعده. وملاحظة المقدسي حول نطق الجيم في عدن على نحو نطق الجيم في لهجة القاهرة المعاصرة واضحة من تدوينه لهذا الصوت بحرف الكاف، فقد أراد أن يعبر دون لبس عن صوت الجيم الشديدة فعبر عنه بالكاف، وهي في العربية صوت شديد أيضًا. ولا شك أن نطق الجيم على هذا النحو في عدن في القرن الرابع الهجري يعد امتدادًا للجيم في اللغة السامية الأم وللجيم في اللغة العربية الجنوبية، وأن أهل عدن عندما تعربوا بعربية الشمال احتفظوا بهذا الصوت ولم ينطقوه النطق العربي الشمالي. ويبدو أن جماعات بشرية غير عربية الأصل كانت قد هاجرت إلى أنحاء من الجزيرة العربية ولكنها تعربت وأصبحت منتمية للإطار اللغوي العربي، يقول المقدسي: "وأكثر أهل عدن وجدة فرس إلا أن
1 المقدسي ص96.
2 المقدسي ص96.
3 المقدسي ص96.
اللغة عربية"1. وعندما يلاحظ المقدسي أن تلك اللهجات العربية التي أشارت إليها كتب اللغة كانت لا تزال حية في بوادي الجزيرة العربية ذكر ذلك2، ولاحظ أن أقرب اللهجات العربية من الفصحى هي لهجات "هذيل ونجد وبقية الحجاز إلا الأحقاف فإن لسانهم وحش"3. فهذه اللهجات كانت قريبة من الاستخدام اللغوي الفصيح.
فضل المقدسي الاستخدام اللغوي في مشرق الدولة الإسلامية على باقي أنحائها. والمقصود بالمشرق عنده المنطقة الواقعة شرقي العراق، وتضم إيران والمناطق التي بعدها. يقول المقدسي في تفسير ذلك:"لأنهم أصح الناس عربية؛ لأنهم تكلفوها تكلفا وتعلموها تلقفًا"4. ومعنى هذا أن اللغة العربية المنشودة في رأي المقدسي كانت لغة تؤخذ بالتعليم لا بالسليقة، ولذا فلم يبرز فيها أبناء الجزيرة العربية، بل اهتم بتعلمها المهتمون بذلك من أبناء لغات أخرى، فأجادوا العربية الفصحى وامتازوا بها. وعندما ذكر المقدسي إقليم العراق والمقصود به جنوب ووسط العراق – لاحظ كثرة اللهجات في هذه المنطقة وهي لهجات "حسنة فاسدة" أي حسنة نطقًا فاسدة نحوًا. لقد فضل المقدسي لهجة الكوفة عن باقي لهجات العراق، وفسر هذا بأن سكان الكوفة قريبون من البادية بعيدون نسبيًّا عن المنطقة اللغوية الآرامية. يقول المقدسي:"لغاتهم مختلفة، أصحها الكوفية لقربهم من البادية وبعدهم عن النبط، ثم هي بعد ذلك حسنة فاسدة، بخاصة بغداد، أما البطائح فنبط لا لسان ولا عقل"5. ويبدو أن المقصود بالبطائح المناطق الزراعية السهلة، وأن اللهجات الآرامية كانت لا تزال مسموعة في هذه الأنحاء وقد قارن المقدسي لهجة شمالي العراق بلهجات الشام
1 المقدسي 96.
2 المقدسي 97.
3 المقدسي 97.
4 أحسن التقاسيم 32.
5 المقدسي 128.
ولاحظ أن "لغتهم لغة حسنة، أصح من لغة الشام لأنهم عرب، أحسنها الموصلية"1 ويبدو أن المقصود بهذا أن اللهجة الموصلية كانت أقرب إلى الفصحى من لهجات الشام. وفي كل هذه المنطقة كاد استخدام اللغة الفصحى يكون مقصورًا على التأليف والتدوين والإبداع الفني، ولم تكن لغة حديث عادي بين المثقفين، يقول المقدسي:"وكنت إذا حضرت مجلس قاضي القضاة في بغداد أخجل من كثرة ما يلحن، ولا يرون ذلك عيبًا"2. فالعربية الفصحى كانت قد استقرت آنذاك لغة ثقافة، أجادها أيضًا مؤلفون من غير أبناء اللغة العربية، ومن لم يعتمد إجادتها لم يستطع حسن استعمالها.
وعندما زار المقدسي مصر والمغرب والأندلس لاحظ وجود لغات أخرى إلى جانب العربية. قال المقدسي عن مصر: "لغتهم عربية غير أنها ركيكة رخوة وذمتهم يتحدثون بالقبطية"3. ومعنى هذا أن اختلاف اللهجة العربية في مصر عن الفصحى جعل المقدسي يصفها على هذا النحو، وفي القرن الرابع الهجري كانت مصر قد قطعت في التعريب شوطًا بعيدًا كاد أن يكون حاسمًا، لكن المقدسي لاحظ معرفة بعض أهل الذمة وبالتحديد بعض المسيحيين، بالقبطية فسجل هذا. وذكر المقدسي أيضًا أن اللهجة العربية في المغرب والأندلس "منغلقة مخالفة لما ذكرنا في الأقاليم" ثم ذكر أيضًا أن "لهم لسانا آخر يقارب الرومي".
"والغالب على بوادي هذا الإقليم البربر.... لا يفهم لسانهم"4. ففي ذلك الوقت كانت موجة بني هلال وبني سليم لم تصل بعد، وكانت اللغة البربرية لا تزال تسود منطقة كبيرة من المغرب.
وقد فصل المقدسي الكلام عن اللغات الموجودة في المناطق غير العربية في
1 المقدسي 146.
2 المقدسي 183.
3 المقدسي 203.
4 المقدسي 234.