الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحولت اليوم في الاستخدام الحديث إلى اسم قائم بذاته.
وأخيرًا نذكر كلمة "تجمع" هذه الكلمة الشائعة في الاستخدام المعاصر والتي لم تعرفها المعاجم القديمة ولا محاولات استكمالها، وكأن هذه الكلمة صياغة جديدة لمادة قديمة في شكل قديم. فإذا كانت المادة قديمة في العربية والأوزان المختلفة قديمة أيضًا، فإن الاستخدام اللغوي القديم لم يكن بحاجة إلى صياغة كل الأوزان والمشتقات من هذه المادة فالتطور الذي حدث يكمن في صياغة كلمة جديدة من وزن معروف ومادة معروفة، وهكذا تظهر من العنصرين كلمة جديدة، ويظهر التطور أيضًا في استخدام الكلمة القديمة لتؤدي دلالة جديدة أرادت العلوم أو الحضارة التعبير عنها، فوجدت في الكلمة القديمة إمكانية طيعة طورتها بالاستعمال في المعنى الجديد فاكتسبته. وأصبحنا لا نعرفها إلا في الاستخدام الجديد.
تراكيب نحوية جديدة:
وفوق هذا وذاك فهناك ظواهر كثيرة نلاحظها في بناء الجملة العربية الحديثة، ولا تكاد تبدو شائعة في الضوابط التي استخرجها النحاة من لغة القرون الأولى فالجملة العربية الحديثة كما نعرفها في الكتابات والمؤلفات والصحافة تعرف تراكم المصادر على نحو لم يعرف قديمًا بنفس القدر من الانتشار. نقرأ اليوم عن احتمال قيام حرب في منطقة ما، والكلمات: احتمال، وقيام، وحرب، كلها مصادر أضيف سابقها إلى لاحقها ونسمع من الإذاعة على لسان أحد رجال الأمم المتحدة: استحالة منع نشوب حرب بين مصر وإسرائيل والكلمات: استحالة، ومنع، ونشوب، وحرب، كلها مصادر أضيف سابقها إلى لاحقها على نحو لم تكن تعرفه اللغة القديمة على هذا النحو التراكمي. هذا وينبغي أن نذكر في هذا الصدد أن دراسات النحاة العرب للغة إنما قامت على أساس لهجات بعض القبائل ولغة الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة، ولم تضع هذه الدراسات نصوص النثر العربي الذي ازدهر بعد هذا في بؤرة التحليل اللغوي، ولذا فمن الصعب الاعتماد على كتب النحاة القدماء لنتعرف
على طبيعة الأساليب التي عرفها النثر العربي الإسلامي، ونحن الآن نلاحظ بعض الظواهر الموجودة في النثر فنلاحظ الشائع الجديد في النثر ولا نراه في تلك المؤلفات التي قامت أساسًا على دراسة لغة الشعر، فأحكامنا هذه تظل نسبية إلى أن يوضح البحث نسبة شيوع هذه الظواهر في الشعر والنثر على نحو تاريخي، وهذا هو ما يصبو إليه النحو التاريخي للغة العربية.
يعرف النثر العربي الحديث اتجاهًا إلى فك حالة الإضافة باستخدام حرف جر، وهذه الظاهرة شائعة نمارسها ونفهمها ليل نهار، فنحن نتحدث عن صورة من الصور ونقول: هذا منظر عام للواجهة الأمامية لجامعة القاهرة، تفصيلا للعبارة الموجزة: منظر واجهة جامعة القاهرة، ولنقارن الجملتين: ففي الثاني كلمة منظر مضافة إلى واجهة، وكلمة واجهة مضافة إلى جامعة ولكن الجملة الأولى عرفت فك حالة الإضافة مستخدمة بين المضاف والمضاف إليه حرف جر هو اللام، فبدلا من "منظر واجهة" نقول "منظر لواجهة"، وبدلا من "واجهة الجامعة" نقول "الواجهة.... لجامعة"
…
ولكن ينبغي أن نلاحظ هنا أيضًا أن المضاف السابق في كل هذه الحالات قد وصف ثم جاءت اللام ثم المضاف إليه السابق بعد ذلك. وعلى هذا فنحن نتحدث عن منظر عام –للواجهة الأمامية– لجامعة القاهرة. وكذلك عن "المدير العام، لإدارة البعثات، وعن المفوض العام، لشركة السيارات، أو عن: المراسل الخاص، للأهرام أو: الأمين العام، لجامعة الدول العربية وفي كل هذه الحالات وصف المضاف السابق، وفكت حالة الإضافة باللام.
وإذا نظرنا على مزيد من الأمثلة الخاصة بفك حالة الإضافة باللام وجدنا أن المضاف السابق يكون في كثير من الأحيان في حالة إضافة جديدة. نقول: "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة"، فالتعبير البسيط "منظمة التربية و
…
" قد فك بدخول اللام على المضاف إليه "التربية" وبدخول مضاف إليه جديد مضاف إلى المضاف الأول، فتحدثنا عن منظمة الأمم.... لـ.....، وعن وزير
الدولة لـ....، وعن سوء استعمال الحمقى لـ....، وعن أول اجتماع لـ..، وعن استلام الدولة لـ.... وهكذا نلاحظ أن ظاهرة فك حالة الإضافة باستخدام اللام بين المضاف القديم والمضاف إليه القديم ارتبطت بتخصيص المضاف القديم إما بالصفة أو بمضاف إليه جديد.
وإلى جانب هذا نلاحظ فك حالة الإضافة باستخدام حرف الجر: الباء، فنحن نقرأ عن قرار بتأميم الشركة، أو تفويض بعقد الاتفاقية، أو أمر بإنساء....، أو مشروع بتخويل رئيس الدولة.... وهذه الظاهرة شائعة في النثر العربي الحديث. ولا يكاد يعرفها الاستخدام القديم، وعلى كل حال فظاهرة فك حالة الإضافة في النثر العربي الحديث موازية لفك حالة الإضافة في العبرية الحديثة وفي اللهجات العربية الحديثة، ففي العبرية القديمة يكون المضاف والمضاف إليه تركيبًا واضح المعالم مثل "سيفر يوسيف" أي سفر يوسف، ولكن التعبير الحديث "هسيفر شل يوسيف" أي الكتاب الذي ليوسف، ولو كنا أكثر دقة لترجمنا العبارة إلى العامية المصرية قائلين: الكتاب بتاع يوسف، فحالة الإضافة فكانت هنا وهناك في العبرية باستخدام "شل" كأداة للربط بين المضاف والمضاف إليه السابقين، وفي اللهجات العربية الحديثة باستخدام كلمة "بتاع" أو "متاع"، أو "حق"1، فظاهرة فك حالة الإضافة موجودة إذن في مستويات لغوية حديثة مختلفة، وكل مستوى يستخدم للفك أداته الخاصة به، ولم تعد الظاهرة أمرا نادرًا أو خاصًّا بضرورة الشعر كما سجل النحاة القدماء.
وفوق هذا وذاك فقد طورت العربية الفصحى في استخدامها الحديث عدة وسائل للتعبير عما يعبر عنه في علم اللغة بالتنكير. ومعروف أن العربية تعرف عدة أنواع من المعارف، وكان التنوين ولا يزال يؤدي فيها وظيفة علامة التنكير. ولكن الاستخدام الحديث يعرف أيضًا استخدام كلمة "أحد" والمؤنث
1 في بعض اللهجات البدوية المعاصر يقال: البيت حج "جيم مصرية" ابراهيم، بمعنى: بيت ابراهيم.