الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6-
الهمداني والحياة اللغوية في القرن الرابع الهجري:
وصف الهمداني "ت 334" الحياة اللغوية في جزيرة العرب في أوائل القرن الرابع الهجري وخصص لها فصلا مستقلا عنوانه "لغات أهل هذه الجزيرة"1. ويتضح من عبارات الهمداني في هذا الفصل صورة التنوع اللغوي في الجزيرة العربية آنذاك. لقد قاس الهمداني اللهجات واللغات المختلفة في الجزيرة العربية وفق معايير العربية الفصحى، فبقدر قرب اللهجة من الفصحى تكون هذه اللهجة رديئة. إننا نلاحظ من وصف الهمداني لطبيعة التنوع اللغوي في الجزيرة العربية في أوائل القرن الرابع الهجري عدة أنماط لغوية. ففي أقصى الجنوب وبالتحديد في منطقة الشحر لاحظ الهمداني أن أهلها "ليسوا بفصحاء" مهرة غشم يشاكلون العجم"2. والواقع أنهم يمثلون جماعة لغوية متميزة لغتها الأول هي اللغة المهرية وليست اللغة العربية، فالعربية بالنسبة لهم لغة تكتسب تعلمًا كما تكتسب أية لغة أجنبية أخرى. ولاحظ الهمداني أن منطقة حضرموت القريبة من منطقة المهرة تسودها لغة ليست بفصيحة "وربما كان فيهم الفصيح، وأفصحهم كندة وهمدان"3. ومعنى هذا أن منطقة حضرموت كانت قطعت في ميدان التعريب بعربية الشمال شوطًا بعيدًا، وأن قبيلة كندة بصفة خاصة كانت قد تعربت بدرجة أكبر، ومعنى هذا بالنسبة لعربي مثل الهمداني أنه كان يستطيع التعامل مع أبناء قبيلته بلغته العربية ويستطيع كذلك التعامل مع أبناء قبيلة كندة بالعربية أيضًا، بينما يصعب عليه أن يفهم كلام أهل الشحر، فلغتهم هي اللغة المهرية. ويعكس وصف الهمداني لبعض اللهجات بأنها غير فصيحة أن هذه اللهجات عربية شمالية ولكنها تختلف
1الهمداني: صفة جزيرة العرب "طـ القاهرة 1953 هـ" ص134–136.
2 الهمداني 134.
3 الهمداني 134.
اختلافًا بينًا عن العربية الفصحى.
وقد ذكر الهمداني إلى جانب لغة المهرة لغة أخرى تختلف عن العربية الشمالية، وهي اللغة الحميرية. فذكر أن أهل شبام أقيان والمصانع وتُخلى يستخدمون "الحميرية المحضة"1، وذكر في مواضع أخرى أن بعض القبائل تتعامل "باللسان الحميري"2 أو بالحميرية القحة المتعقدة3. ومن هذا كله يتضح أن القرن الرابع الهجري عرف جماعات بشرية تتعامل في اليمن بالمهرية، وأخرى باللسان الحميري، وجماعات أخرى أخذت تتعرب بعربية الشمال.
لقد كان الهمداني يعلم أن منطقة اليمن عرفت لغة أخرى غير العربية الشمالية، وأن هذه اللغة الحميرية تركت أثرًا في استخدام اليمنيين المتعربين بعربية الشمال. فعندما تحدث الهمداني عن سرور حمير وجعده ذكر أنهم:"ليسوا بفصحاء وفي كلامهم شيء من التحمير..... فيقولون: يا بن مَعَم في يا بن العم وسِمَع في اسمع"4. وبهذا تعربت بعض الجماعات البشرية بعربية الشمال متأثرة بلغتها الأولى العربية الجنوبية.
ويبدو أن لغة بعض المناطق في اليمن في القرن الرابع الهجري كانت تتعامل بلغة قريبة من الفصحى غير أنها مولدة أي بها بعض مظاهر اللحن. يقول الهمداني: "عدن لغتهم مولدة ردية"5، "بنو مجيد وبنو واقد والأشعر لا بأس بلغتهم"6 "سرو ومذحج ومأرب وبيحان وحريب فصحاء، ورديء
1 الهمداني 136.
2 الهمداني 135، السطر الأول.
3 الهمداني 135، السطر الثالث وكذلك السطر التاسع.
4 الهمداني 134.
5 الهمداني 134، الثالث من أسفل.
6 الهمداني 134.