الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس عشر: اتجاهات
التغير في البنية
والمعجم
التغير في البنية
مدخل
…
الفصل الخامس عشر: اتجاهات التغير في البنية والمعجم
1-
التغير في البنية:
عندما كتب سيبويه في القرن الثاني الهجري كتابه العمدة في النحو لاحظ اللغوي العظيم أن صوت الضاد من الأصوات الصعبة التي لا يسهل نطقها على غير البدو، وتحدث عن نطق آخر لها أطلق عليه "الضاد الضعيفة"1. ولسنا نريد هنا أن نفصل القول في كيفية النطق للضاد البدوية، فهذا لا يزال موضع خلاف بين الباحثين، ولكن الضاد الضعيفة على كل حال ثمرة أثر من آثار الأساس اللغوي، فاللغات التي سبقت العربية في الشام والعراق ومصر والمغرب لم تكن تعرف الضاد
…
كانت العراق حيث عاش سيبويه ملتقى لأخلاط من القوم يتحدث أكثرهم باللهجات الآرامية التي لا تعرف صوتا اسمه الضاد. ولذا فقد نتج عن محاولتهم الناقصة النطق بالضاد ذلك الصوت الذي يطلق عليه سيبويه اسم الضاد الضعيفة.
1 الكتاب "ط بولاق 1317" 2/ 404.
وربما يتصور البعض في مصر أو في العراق أن هذه الضاد التي تنطق اليوم هي الضاد التي كان ينطقها امرؤ القيس أو زهير قبل الإسلام، أو كعب بن زهير في صدر الإسلام، أو الخليل بن أحمد في القرن الثاني للهجرة، وهذا غير صحيح، فالنطق العراقي الحالي للضاد يخلطها مع الظاء خلطًا يجعل التلاميذ يخلطون في الكتابة بين هذه وتلك. وهذه الظاهرة ليست وليدة الساعة بل بزغت مع استقرار العربية في العراق، وهناك عدد كبير من الرسائل أكثرها من العراق والمغرب يحاول مؤلفوها فيها التمييز بين الكلمات ذات الضاد والأخرى ذات الظاء، ولولا الخلط لما كانت هناك صورة لتأليف هذه الرسائل1.
لقد التقت الضاد والظاء في العراق في نطق واحد هو النطق الذي يسمعه أبناء مصر ظاء، أما في مصر فهناك تطور مواز، فقد التقت الضاد والظاء في نطق واحد، فنحن نقول اليوم كلمة "ظل" في العامية كما لو كانت بالضاد. ولسنا نريد الآن تحديد زمن هذا الخلط، وقصارى محاولتنا هنا أن نبين أن هذا النطق الذي يتصوره بعض أبناء مصر نطقًا قديمًا للضاد ليس كذلك، فهذا النطق الحديث يجعل من الضاد صوتًا مطبقًا مقابلا للدال. ولكن سيبويه جعل المقابل المطبق للدال هو الطاء لا الضاد. وهنا وجه الخلاف بين القديم والحديث، فالإطباق في اصطلاح علماء الأصوات العرب القدامى والمعاصرين اتخاذ طرف اللسان وأقصاه وضعا مرتفعا نحو الحنك الأعلى مع حدوث تقعر في وسط اللسان. ولو طبقنا الفهم العلمي الدقيق لنصوص سيبويه على البحث الصوتي لخرجنا من هذا أن النطق القديم للطاء "ط" هو ما ينطبق تماما على النطق الحالي للضاد في مصر، فالضاد في مصر تنطق مثل الدال، اللهم إلا أن الضاد مطبقة والدال غير مطبقة، وقديمًا قال سيبويه "ولولا الأطباق لصارت الطاء دالا.... ولخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس شيء في موضعها غيرها"2 لقد حدث.
1 رمضان عبد التواب: مشكلة الضاد وتراث الضاء والظاء، في: مجلة المجتمع العلمي العراقي "1971" وبه قائمة بهذه المؤلفات في الفرق بين الضاد والظاء.
2 الكتاب 2/ 406.