الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع عشر: العربية في القارة الإفريقية
مدخل
…
الفصل الرابع عشر: العربية في القارة الإفريقية
العربية أكثر اللغات الوطنية انتشارًا في القارة الإفريقية، فأكثر من نصف سكان إفريقيا يتعاملون باللغة العربية. وإذا كانت اللغة العربية قد نشأت في آسيا وانتشرت في غربها بعد الفتح الإسلامي، فإن اللغة العربية قد انتشرت في القارة الإفريقية بصورة زادت مع الزمن حتى أصبح أبناء العربية في إفريقيا أكثر منهم في آسيا. وإذا كانت درجة انتشار اللغة العربية في إفريقيا تختلف من قطر لآخر، كما تختلف اللهجات العربية في القارة اختلافًا بعيدًا، فإن هذا يرجع إلى ظروف التعريب التي مرت بها كل منطقة من هذه المناطق.
1-
تعريب مصر والنوبة والسودان:
ارتبطت بداية تعريب مصر بالفتوح العربية الإسلامية وما صحب ذلك من هجرات بشرية تلتها موجات أخرى من القبائل العربية التي استقرت في مصر فذابت في أهلها، وبذلك أخذت هذه المجموعات الوافدة تتحول من النظام القبلي القائم على وحدة الدم إلى أنماط حضرية مغايرة تقوم على وحدة المكان.
وذوبان القبائل الوافدة وتحولها عن النظام القبلي يجعلها بالضروة لا تهتم بأنسابها القائمة على الدم، وتجعل التجمعات البشرية الناجمة عن اختلاطهم بالسكان الأقدم تترابط وتتغاير على أساس الموطن والمستقر، لا على أساس الأصل والنسب. وقد لاحظ المؤرخ الكبير المقريزي هذه الحقيقة في الأسطر الأول من كتابة:"البيان والإعراب عما بمصر من الأعراب" قال: "اعلم أن العرب الذين شهدوا فتح مصر قد أبادهم الدهر وجهلت أحوال أكثر أعقابهم". فلا شك أن الاستقرار ثم الاختلاط والإقامة في القرى والمدن مما يخلق ظروفًا موضوعية جديدة يصبح فيها الاهتمام بالأنساب أمرًا ثانويًّا لا قيمة له، وفي مثل هذه الظروف يصبح تتبع أحوال أعقاب الموجة البشرية العربية المصاحبة للفتح أمرًا غير ممكن.
وقد سجل لنا المقريزي معلومات قيمة عن الموجات العربية المختلفة التي قدمت فاستقرت في أرض مصر، وحاول أن ينسب كل قبيلة إلى عرب الشمال أو على عرب الجنوب وذكر الخلاف في ذلكن يقول المقريزي:"جذام من قدماء عربان مصر قدموا مع عمرو بن العاص"، وهذه القبيلة من عرب الجنوب الذين كانوا قد هاجروا إلى الشمال، يقول المقريزي:"لحقت بالشام فانتمت إلى سبأ ولحقوا باليمن"1. ويبدو أن قبائل الجنوب التي هاجرت إلى مصر كانت من الناحية اللغوية قد تعربت بعربية الشمال قبل رحيلها إلى مصر، فأسهمت في تعريب مصر بلغة الشمال لا بلغة الجنوب، ولا ينفي هذا إمكان وجود تأثيرات جنوبية في الاستخدام اللغوي لهذه القبائل الجنوبية أصلا، الشمالية مهجرًا، المصرية مستقرًا.
وتمثل قبيلة قضاعة أكبر تجمع قبلي هاجر إلى مصر في عهد عمر بن الخطاب، وتهجير القبائل إجراء سياسي عرفه التاريخ الإسلامي، ففي عهد
1 المقريزي: البيان والإعراب ص12 وحول تعريب مصر، انظر، أحمد مختار عمر: تاريخ اللغة العربية في مصر "القاهرة 1970".
عمر بن الخطاب هجّر ثلث قبيلة قضاعة إلى مصر، فقد ذكر المقريزي أن بلى قبيلة عظيمة فيها بطون كثيرة، وكانت بلى بالشام، فنادى رجل من بلى بالشام:"يا لقضاعة! فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إلى عامل الشام أن يسير ثلث قضاعة إلى مصر". وواضح من هذا الخبر أن عمر بن الخطاب رأى في الظروف التي أدت إلى استصراخ القبيلة وحدوث ذلك رده نحو عصبية قبلية كامنة، فكان تهجير ثلث القبيلة إجراء سياسيًّا يهدف إلى كسر حدة تكتل "قبيلة عظيمة فيها بطون كثيرة"، وهكذا جاءت هذه الموجة أرض مصر.
وقبيلة قضاعة هذه مختلف في نسبتها إلى عرب الشمال أو عرب الجنوب. يقول ابن حزم: "وأما قضاعة فمختلف فيها، يقولون: هو قضاعة بن معد بن عدنان، وقوم يقولون: هو قضاعة بن مالك بن حمير" ويشير ابن حزم بعد ذلك إلى كتب بطليموس وكتب العجم التي تذكر قضاعة وتحدد مواضعها، قال:"وبلاد قضاعة متصلة بالشام، وببلاد يونان والأمم التي بادت ممالكها بغلبة الروم عليها وببلاد عدنان، ولا تتصل ببلاد اليمن أصلًا1" والواقع أن المصادر المتاحة لا تمكننا من الفصل في قضية أصل قضاعة، وأغلب الظن أن قضاعة من أصل جنوبي، وأنها قد هاجرت مع تلك القبائل العربية الجنوبية التي هاجرت إلى الشمال بعد انهيار سد مأرب، وأن قضاعة قد تعربت في مهجرها إلى الشمال بعربية الشمال تعربا ترك بعض السمات غير الشمالية في لهجتها، الأمر الذي جعل اللغويون ينصون على إعراضهم عن الاستشهاد بلغتها، ولو كانت لغتها جنوبية لما فكر فيهم أحد رفضًا أو قبولًا. ذكر الفارابي2 أنه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام، فإنهم كانوا مجاورين لأهل مصر والقبط، ولا من قضاعة ولا من غسان ولا من إياد فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام.
1 ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص8 وقارن 440.
2 النص مقتبس عن كتاب الاقتراح للسيوطي ص 19.
وأكثرهم نصارى يقرءون في صلاتهم بغير العربية" فعربيتهم لم تكن إذن عربية جنوبية، بل كانت عربية شمالية مشوبة. هذا وقد كان اعتماد ابن مالك على لغة لخم وقضاعة وغيرهم مما أثار عليه نقد أبي حيان النحوي: "وليس ذلك من عادة أئمة هذا الشأن1" وينبغي لكل هذا ألا نبالغ في تصور الأثر الجنوبي في تعريب مصر، فهذه القبائل وإن كان بعضها -على ما يرجح من أصل جنوبي، فإنها كانت من الناحية اللغوية قد تعربت- بصفة عامة بعربية الشمال، قبل أن تخرج بإرادتها أو بأمر الخليفة مهاجرة إلى مصر، وهذا لا ينفي الانتماء الشعوري لهؤلاء، ولا ينفي ترابط القبائل ذات الأصل الجنوبي في عصبية واحدة جمعتهم فترة ما قبل أن يذوبوا مع السكان الأقدمين في مصر.
وفي العصر الأموي حاولت الدوائر الحاكمة إحداث توازن بين عرب الشمال وعرب الجنوب في مصر، والمضي قدمًا في تعريب مصر، فنقلت عدة قبائل شمالية إلى مصر كي تحقق توازنًا مع هؤلاء الذين احتفظوا في وجدانهم الجماعي بأصولهم الجنوبية، وكي تمضي عملية التعريب في مصر على نحو أسرع. فتهجير قبائل شمالية إلى مصر إجراء سياسي اتخذه الخليفة هشام بن عبد الملك سنة 109 هجرية، ذكر المقريزي:"وكان نزول سليم وعدة قبائل من قيس في أرض مصر سنة تسع ومائة.... ولم يكن بأرض مصر أحد من قبس قبل ذلك إلا من كان من فهم وعَدْوَان فإنهما من قيس".
وقد ذكر المقريزي أن هذا القرار السياسي ثم استجابة من الخليفة لرغبة عامل خراج مصر، إذ سأله أن ينقل إليها من قيس أبياتا، فأذن له هشام في الحاق ثلاثة آلاف منهم، وتحويل ديوانهم إلى مصر، على أن لا ينزلوا بالفسطاط.... فأنزلهم الحوف الشرقي وفرقهم فيه"2. وفي موضع آخر ذكر المقريزي أنهم نزلوا منطقة بلبيس، وهذا ما يدفعنا إلى افتراض أنهم نزلوا المنطقتين،
1 الاقتراح للسيوطي ص20.
2 المقريزي: البيان والإعراب ص66.
ولعل تشابه بعض اللهجات في الشرقية مع لهجات في الصعيد إنما يرجع إلى هجرة نفس القبائل إلى كلتا المنطقتين.
واستمرت هجرات عرب الشمال إلى مصر في العصر الطولوني. فنزلت قبائل من اليمامة في صعيد مصر في العقد الخامس من القرن الثالث الهجري، وفي هذا يقول المقريزي:"كانوا ينزلون اليمامة وقدموا مصر في خلافة المتوكل على الله أعوام بضع وأربعين ومائتين في عدد كثير، وانتشروا في النواحي، ونزل طائفة منهم بأعلى الصعيد، وسكنوا بيوت الشعر في براريها الجنوبية وأوديتها".
وفي العصر الفاطمي عرفت مصر موجتين بشريتين عربيتين، لهما أهمية كبرى في تاريخ التعريب في مصر والسودان والمغرب، لقد هاجرت إلى مصر "جهينة"، كما هاجر إليها بنو هلال وبنو سليم.
أما عرب "جهينة" الذين تنتسب إليهم اليوم، أكثر قبائل السودان العربية، فقد نقلوا إلى مصر بقرار سياسي اتخذه الساسة الفاطميون، يقول المقريزي:"وأما جهينة فإنها من قبائل اليمن.... وهي قبيلة عظيمة وفيها بطون كثيرة..... وكانت مساكنهم في بلاد قريش، فأخرجتها قريش بمساعدة عسكر الفاطميين، ونزلوا في بلاد إخميم أعلاها وأسفلها". وهكذا كان تهجير عرب "جهينة" قرارًا سياسيًّا اتخذه الفاطميون فأسهم في إضافة عنصر عربي إلى مصر.
وكانت العوامل السياسية كذلك وراء تهجير بني هلال وبني سليم إلى مصر وإخراجهم منها بعد ذلك، وكانت هذه الموجة العربية الشمالية مثار اهتمام ابن خلدون، وهو مصدرنا الأول في دراسة هذه الهجرة الضخمة ذات العدد الوفير. يذكر ابن خلدون أن "بطون هلال وسليم كانوا يجوبون قفر الحجاز ونجد.... فبنو سليم مما يلي المدينة، وبنو هلال في جبل غزوان عند الطائف، وربما كانوا يطوفون رحلة الصيف والشتاء أطراف
العراق والشام"1. إن بني هلال وبني سليم من عرب الشمال، ولكن تحالف بني هلال وبني سليم مع القرامطة ثم اندحار القرامطة جعل بني هلال وبني سليم في مركز حرج لم ينقذهم منه إلا دعوتهم إلى مصر الفاطمية، يقول ابن خلدون: ".... ثم تحيز بنو سليم والكثير من ربيعة بن عامر إلى القرامطة عند ظهورهم، وصاروا جندًا لهم بالبحرين وعمان..... ولما تغلب شيعة ابن عبيد الله المهدي على مصر والشام نقل أشياعهم من العرب من بني هلال وسليم فأنزلهم بالصعيد وفي العدوة الشرقية من بحر النيل، فأقاموا هناك"2. وهكذا جاء الفاطميون الشيعة بأنصار القرامطة الشيعة إلى مصر، وسنشير –بعد– إلى خروج الهلالية من مصر إلى المغرب "تغريبة بني هلال"، ولا بد هنا أن نتحفظ قليلًا، فلم يهاجر كل الهلالية إلى المغرب "تغريبة بني هلال"، ولا بد هنا أن نتحفظ قليلًا، فلم يهاجر كل الهلالية إلى المغرب، بل بقيت بطون منهم في مصر، ذكر المقريزي في وقت لاحق للتغريبة أن "ببلاد الصعيد عدة قبائل من العرب، ففي بلاد أسوان وما تحتها بنو هلال"3.
وأغلب الظن أن الموجات البشرية استمرت بعد ذلك، ففي عهد صلاح الدين جاءت هجرة كان العدوان الصليبي قد قطع عليها الطريق إلى مصر، يقول المقريزي:"فلما فتح صلاح الدين.... بلاد غزة، وأعادها من أيدي الفرنج إلى المسلمين جاءت ثعلبة وطائفة من جرهم إلى مصر، وبقيت بقايا جرهم في مكانها"4، وليس من مجال بحثنا هنا أن ننظر في حركات بشرية تالية، فما شأننا بها في وقت كانت مصر قد تعربت تعريبًا كاملًا.
غير أن نود أن نشير هنا إلى أحداث جعلت العرب الوافدين يذوبون في الكيان المصري، فلم يكونوا مجموعة لغوية متميزة كما حدث مثلًا عندما.
1 ابن خلدون: العبر 6/ 27.
2 المرجع السابق 6/ 28.
3 المقريزي: 27 – 28.
4 المقريزي: 5 – 6.
هاجرت جماعات جرمانية من وسط أوروبا إلى شرقها، بل ساعدت عوامل مختلفة على انصهارهم في بوتقة واحدة مع السكان الأقدمين. لقد احتفظت القبائل الوافدة فترة من الزمن بالبداوة، إذ نزلوا في مناطق خاصة بهم، عاشوا في فخر الغزاة المحاربين ذوي الرواتب. كان عمر بن الخطاب قد حرم عليهم امتلاك الأرض، فأقاموا في معسكرات خاصة بهم أبقت لهم شخصيتهم متميزة وصقلت لغتهم على نحو قضى على كثير من الفروق المحلية غير الشائعة، وظلت لهم رواتبهم باعتبارهم طبقة عسكرية فاتحة حتى انتهى العصر الأموي.
ودفعت عدة عوامل السكان الأصليين إلى تعلم العربية، فهي لغة الدين ولغة القرآن، وهي منذ حوالي 87هـ اللغة الرسمية للدولة، وهي لغة الطبقة العربية الحاكمة، وكل هذا جعل الطامحين في مكانة اجتماعية رفيعة أو في التعامل والتكامل في الدولة الإسلامية يحاولون تعلم العربية. وفي القرن الثاني الهجري زاد الاختلاط بين العرب والسكان الأصليين في مصر، إذ سمح للعرب الوافدين بامتلاك الأرض، وفي هذا يقول المقريزي:"ولم ينتشر الإسلام في قرى مصر إلا بعد المائة من تاريخ الهجرة". وهنا نسجل اتجاه كثير من العرب –في وقت كانت مكانة العربية قد استقرت فيه– إلى الاستقرار في الريف، وهذا ما أتاح مزيدًا من التعريب ونشر الدين خارج مراكز الثقل في المدن والتجمعات العسكرية.
ولا نكاد نمضي طويلا حتى نصل في خلافة المعتصم العباسي "218 – 227هـ" إلى نقطة تحول مهمة في وضع العرب في مصر، لقد انتقل الحكم إلى العباسيين اعتمادًا على العناصر غير البدوية، فتكون الجيش الاسلامي من غير البدو، وهنا فقد العرب وظيفتهم كطبقة عسكرية في مصر، ولم تعد لهم أهمية بالنسبة للدولة، فحرم البدو من رواتب الدولة التي كانت تؤدي إليهم باعتبارهم جنودًا1. وفي هذا يقول المقريزي: "فانقرضت دولة العرب
1 انظر مقدمة عبد المجيد عابدين لتحقيق كتاب المقريزي ص104.
من مصر، وصار جندها العجم والموالي من عهد المعتصم". وأدى هذا الموقف الجديد إلى توطين كثير من البدو المسرحين في الريف فأسهموا في تعريب الريف، ورفض بعضهم احتراف الزراعة وفضل الهجرة جنوبًا إلى منطقة تشاد -وهو ما نشير إليه فيما بعد. وهاجر بعض هؤلاء الوافدين إلى الجنوب الشرقي لصعيد مصر. وكانت قبائل ربيعة قد نزلت أرض مصر في العصر الطولوني، ثم هجرتهم الدولة جنوبا لوقف إغارات البجة الذين كانوا يتحكمون في المنطقة ويرهبون الحجاج، وما أن قتلوا حاكم فقط -على البحر الأحمر- ومن معه من الحجاج حتى دفعت الدولة قبائل ربيعة لكبح جماح البجة، فقاوموهم، ثم تزوجوا منهم واستولوا على معدن الذهب بالعلاقي، فكثرت أموالهم واتسعوا في أحوالهم". وعن هذا التزواج بين البجة وربيعة نجمت أسرة "أولاد الكنز" نسبة إلى جدهم صاحب النفوذ في العصر الفاطمي الملقب بكنز الدولة، وظل الكنوز أصحاب نفوذ في جنوب مصر حتى قضى العادل أبو بكر بن أيوب عليهم سنة 570هـ،1 وبذلك أسهم تهجير ربيعة واختلاطها بالبجة في تعريب هذا القطاع البشري بين الوادي والبحر الأحمر.
وقد ظلت منطقة النوبة بعيدة عن موجات تعريب مصر، ولهذا تفسير تاريخي واضح المعالم، فقد عرف النوبيون في فجر الفتح الإسلامي مملكة نوبية متحدة عاصمتها دنقلة "تنطق: دنجلة بجيم مصرية"، ومملكة علوه وعاصمتها سوبه. وظل النوبيون وثنيين حتى القرن السادس الميلادي عندما انتشرت المسيحية بين النوبة والبجة. ولم تتجاوز الجيوش العربية الفاتحة حدود مملكة النوبة، بل وقفت دونها وارتبطت النوبة مع مسلمي الشمال بمعاهدة عقدت سنة 651هـ عرفت باسم البقط "عن الكلمة اللاتينية Pactum وتعنى التعاهد أو الحلف" وقد نصت هذه الاتفاقية على عدم إقامة العرب في النوبة مقابل التزامات أخرى يلتزم بها النوبيون2، والملاحظ هنا أن البقط منع إقامة
1 المقريزي: 44.
2 انظر كتاب مصطفى مسعد "الإسلام والنوبة" وكذلك: المقريزي في المواعظ والاعتبار "بولاق" 1/ 200، والبلاذري في: فتوح البلدان "نشرة دي خويه، ليدن 1866" ص 396، والمسعودي في: التنبيه والإشراف "نشرة ذي خوبيه ليدن 1897" ص 329- 330. والنص عند المقريزي: "على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه، وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه".
العرب في المنطقة فحال دون تعريبها. واستمرت مملكة النوبة في عزلتها عن العربية حتى أن ابن سليم الأسواني الذي زار النوبة سنة 365هـ لاحظ أن العرب الذين اختلطوا بالنوبة، قد تعلموا النوبية وكادوا ينسون العربية. واستمرت الحال في النوبة على هذا النحو إلى أن تحولت إلى منطقة تابعة لمصر في القرن الثالث عشر الميلادي على أثر خلاف على عرش مملكة النوبة أدى بنفوذ القاهرة إلى تعيين حاكم من الكنوز المتعربين. ويبدو أن تحول النوبة إلى الإسلام كان بطيئًا، ففي القرن الرابع عشر ذكر ابن بطوطة1 أن حاكمهم مسلم وأنهم مسيحيون.
أما تعريب المناطق الواقعة بين وادي النيل والبحر الأحمر فقد زاد، إذ اهتم الفاطميون بتحويل التجارة إلى البحر الأحمر كي ينافسوا العباسيين، فازدهرت المحطات التجارية على الساحل السوداني للبحر الأحمر، وازدهر كذلك ثغر عيذاب. وبعد تخلص المماليك من الاحتلال الصليبي في الشام عادت التجارة إلى طريقها القديم. كانت الحركة التجارية قد دفعت بكثير من العرب إلى منطقة ساحل البحر الأحمر فأسهموا في تعريبها، وعندما كسدت الحركة التجارية عبر البحر الأحمر أخذوا يسلبون العابرين، وكان أن انقضوا على ركب يمني قادم إلى مصر يحمل هدايا لسلطان المماليك، فتحرك جيش السلطان وهزم هؤلاء البدو في معركة أسوان سنة 754هـ، فهرب بعضهم مهاجرًا إلى السودان وهنا حدثت خلخلة بشرية في هذه المنطقة جعلت السلطان يعمل على نقل الهوارة –وسيأتي ذكرهم- إلى المنطقة.
وفي النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي كان عدد كبير من
1 رحلة ابن بطوطة ص68.