الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللغة وفي غيرها. قسم ابن النديم هذه المقالة إلى قسم خاص بالبصريين وقسم آخر للكوفيين وقسم ثالث لمن خلط المذهبين. وقد تابع ابن النديم حركة التأليف في النحو واللغة منذ بدايتها حتى عصره. وبذلك يختلف ابن النديم عن كثير من علماء عصره والذين كانوا يتجنبون الترجمة لمن عاصرهم، فابن النديم يحترم النابهين من أبناء عصره وترجم لهم في حياتهم، فقد ذكر ابن النديم في ترجمة الرماني النحوي أنه كان على قيد الحياة وقت تأليف الكتاب1.
1 الفهرست لابن النديم "فلوجل" ص63:
"أبو الحسن..... الرماني...... ويحيا إلى الوقت الذي بيض هذا الكتاب فيه".
3-
كتب التراجم:
هناك مجموعة كثيرة من الكتب التي ترجمت للنحويين واللغويين وحدهم أو مع غيرهم من أصحاب العلوم، ولكنها رتبتهم ترتيبا مخالفا لكتب الطبقات. كانت كتب الطبقات ترتبهم ترتيبا زمنيا، فكل طبقة تمثل مجموعة متعاصرة من العلماء، ولكن كتب التراجم لم تتبع هذا المنهج في الترتيب بل كانت ترتب الرجال وفق الأسماء الحقيقية لكل منهم، فالمبرد لا يذكر بهذا الاسم، بل ينبغي البحث تحت اسمه الحقيقي: محمد بن يزيد وسيبويه يذكر في هذه الكتب تحت اسمه الحقيقي: عمرو بن عثمان، وبغض النظر عن بعض السمات الخاصة ببعض هذه الكتب فإن أكثرها يرتب أسماء النحاة واللغويين الحقيقية ترتيبًا هجائيًّا.
وصل إلينا من القرنين الخامس والسادس الهجريين كتابان مهمان ترجما للنحاة واللغويين، هما كتاب "تاريخ بغداد" لابن الأنباري، ت 577هـ، كتاب تاريخ بغداد من كتب التاريخ العام بل هو كتاب في تاريخ الرجال
الذين كانت لهم ببغداد صلة مولد أو دراسة أو إقامة1، ولذا يضم الكتاب تراجم لعدد كبير من أعلام الحضارة الإسلامية حتى عصره؛ فما أكثر من كانت لهم صلة ببغداد حتى القرن الخامس الهجري. ويلاحظ في ترجمة الخطيب البغدادي للنحويين واللغويين أنه اعتمد على مصادر شفوية بجانب أخذه عن المؤلفات السابقة عليه في هذا المجال، وقد اهتم في المقام الأول بذكر الأخبار الخاصة بكل نحوي أو لغوي أتى بترجمته، وقد جاءت هذه الأخبار مزودة بأسانيدها المفصلة، فكتابه في الأخبار وليس في حصر المؤلفات وتصنيفها. ومن هذا الجانب يختلف كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي عن كتاب "الفهرست" لابن النديم.
أما كتاب "نزهة الألباء في طبقات الأدباء" لابن الأنباري فهو كتاب موجز لخص المادة التي وجدها في الكتب السابقة عليه مثل الفهرست لابن النديم وتاريخ بغداد، ولكن ابن الأنباري حذف كثيرًا من أسانيد الأخبار التي وجدها في تاريخ بغداد.
ولا يكاد كتاب نزهة الألباء يقدم مادة جديدة بخصوص النحويين واللغويين الذين جاءت ترجمتهم في المصادر التي ألفت قبل ابن الأنباري. ولكنه أضاف
1 يقول الخطيب البغدادي "...... بدأنا بذكر الصحابة مفردًا عمن سواهم، أما التابعون ومن بعدهم فإنا سنورد أسماءهم في جملة البغداديين عند وصولنا إلى ذكر كل واحد منهم إن شاء الله تعالى، وهذه تسمية الخلفاء والأشراف والكبراء والقضاة والفقهاء والمحدثين والقراء والزهاد والصلحاء والمتأدبين والشعراء من أهل مدينة السلام الذين ولدوا بها أو بسواها من البلدان ونزلوها، وذكر من انتقل عنها ومات ببلدة غيرها، ومن كان بالنواحي القريبة منها ومن قدمها من غير أهلها..... ألفته أبوابًا مرتبة على نسق حروف المعجم من أوائل أسمائهم وبدأت منهم بذكر من اسمه محمد تبركًا..... ولم أذكر من محدثي الغرباء الذين قدموا مدينة السلام ولم يستوطنوها، سوى من صح عندي أنه روى العلم بها...... غير نفر يسير عددهم عظيم عند أهل العلم محلهم ثبت عندي ورودهم مدينتنا ولم أتحقق تحديثهم بها، فرأيت أن لا أخلي كتابي من ذكرهم لرفعة أخطارهم وعلو أقدارهم" تاريخ بغداد 1/ 212- 213.
مجموعة تراجم للغويين ونحويين ترد ترجماتهم لأول مرة في كتابه، وله أهميته من هذا الجانب.
وهناك ثلاثة كتب من القرن السابع الهجري تضمنت تراجم النحويين واللغويين وهي "إنباه الرواة" للقفطي، ت 634 هـ، و"إرشاد الأريب" لياقوت، ت626 هـ، و "وفيات الأعيان" لابن خلكان، ت 681هـ،
تناول القفطي وهو مؤلف مصري في كتابه "إنباه الرواة على أنباه النحاة" اللغويين والنحويين وحدهم. ولا يقتصر كتابه على ذكر النحويين واللغويين المصريين بل هو كتاب شامل لعلماء اللغة والنحو ومن ألف في علوم اللغة أو درس علوم اللغة في أرض الحجاز واليمن والبحرين وعمان واليمامة والعراق وأرض فارس والجبال وخرسان..... والشام والساحل ومصر....... وأفريقية ووسط المغرب وأقصاه وجزيرة الأندلس وجزيرة صقلية1" يتسم كتاب إنباه الرواة بالشمول والإحاطة؛ فقد ترجم للمشتغلين بعلوم اللغة في كل أنحاء الدول الإسلامية حتى عصره، إلا أنه لا يكاد يأتي بجديد حول النحويين الذي ترجم لهم مؤلفو القرن الرابع مثل السيرافي وابن النديم، وأهميته ترجع إلى ترجمته للنحاة الذين جاءوا بعد ذلك.
ويضم كتاب "إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب" لياقوت الحموي تراجم كثيرة للمشتغلين بالعلوم المختلفة حتى عصره، فالأديب عنده هو المشتغل بالعلوم أيضا، ولذا عرف كتابه باسم "معجم الأدباء"2 خصص ياقوت تراجم مستفيضة للنحويين واللغويين واستقى مادته من كتب الطبقات السابقة عليه ومن كتاب الفهرست لابن النديم، كما أضاف إلى ذلك مادة كثيرة
1 إنباه الرواة 1/ 2
2 إرشاد الأريب، ط فريد رفاعي القاهرة، ويتناول هذا الكتاب: من عرف بالتصنيف واشتهر بالتأليف وصحت روايته وشاعت درايته وقل شعره وكثر نثره 1/ 50.
أخذها من كتب أخرى، فقد اعتمد في ترجمته لأبي سعيد السيرافي، الحسن بن عبد الله، على كتب الطبقات وكتاب الفهرست، واقتبس نصوصا كثيرة حول السيرافي من كتب تليمذه أبي حيان التوحيدي مثل كتاب محاضرات العلماء وكتاب مثالب الوزيرين وكتاب الإمتاع والمؤانسة، أيضا من كتاب تقريظ الجاحظ، وقد ضاع الكتاب الأخير ولم يعد له أثر إلا ما نقل عنه ياقوت الحمودي وغيره1. ويعد ياقوت في كتابه "إرشاد الأريب" من أكثر العلماء العرب دقة في استخدام المصادر، يظهر هذا من عبارات كثيرة له تحفظ فيها تجاه النصوص التي ذكرها.
فقد علق على خبر ذكره بقوله: أو كما قال أبو حيان فإني لم أنقل ألفاظ الخبر لقدم الأصل الذي قرأت منه2. وكان ياقوت يقارن عدة نسخ من الكتاب الواحد ليصل إلى حقيقة ما عناه مؤلفه دون تصحيف الوراقين والكتاب، نجد هذا واضحا في تعليقاته على بعض العبارات مثل: "وكانت النسخة غير مرضية فتركتها إلى أن يقع لي ما أرتضيه". وأكثر النسخ
…
لا توجد هذه الرقعة فيها3.
فياقوت كان يتحرى الدقة في النقل عن مصادره ويقارن النسخ بعضها ببعض تحقيقًا لمبدأ الأمانة العلمية في صحة النقل. ولذا يعتبر كتاب إرشاد الأريب على الرغم من تأخره زمنيًّا - من أهم الكتب التي ترجمت للنحويين واللغويين وغيرهم.
1 انظر ترجمة أبي سعيد السيرافي "الحسن بن عبد الله، ت 368" في إرشاد الأريب 8/ 14-233، وقد أشار ياقوت كثيرًا إلى مصادره: قرأت بخط أبي حيان التوحيدي في كتابه الذي ألفه في تقريظ عمرو بن بحر 8/ 150 "مفقود"، "وقال أبو حيان في كتاب محاضرات العلماء 8/ 152"، "قال في كتاب الإمتاع
…
8/ 178" ونص مناظرة أبي سعيد السيرافي مع متى بن يونس 8/ 190-233 " مأخوذ من الإمتاع والمؤانسة.
2 إرشاد الأريب 7/ 147.
3 إرشاد الأريب 7/ 260.
وقد اتبع ابن خلكان في كتابه "وفيات الأعيان" الترتيب الهجائي للأعلام المترجم لهم، اعتمد ابن خلكان على الكتب السابقة عليه، وأضاف إليها ما أخذه من أفواه الأئمة المتقنين وما أن فكر المؤلف في تحرير كتابه في صيغته الأخيرة سنة 654هـ حتى وجد أن ترتيب أسماء الأعلام ترتيبًا هجائيًّا أفضل من ترتيبهم وفق المعيار الزمني. ويفيد كتاب "وفيات الأعيان" في الترجمة للعلماء الذين لا نجد لهم تراجم في الكتب السابقة عليهم، ولكنه في كثير من التراجم لا يكاد يضيف إلى مصادره المعروفة لنا شيئًا.
ويعد كتاب "بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة" للسيوطي، ت 911هـ، أحد الكتب الموسوعية التي ظهرت في مصر قبيل الفتح العثماني، ألف السيوطي في كل فروع المعرفة التي اعترف بها عصره، وهو فيها جميعا ناقل جامع لا يضيف إلى العلم جديدًا، تتركز قيمة كتبه في احتفاظها بنقول أخذها السيوطي من مصادر لم تعد متاحة للباحث الحديث. اعتمد السيوطي في بغية الوعاة على كتب الطبقات السابقة عليه، وأفاد أيضا من معرفته الواسعة للتراث العربي الأندلسي، ففصل القول في ذكر النحويين واللغويين والأندلسيين، وله أهميته من هذا الجانب، ويفيد كتاب بغية الوعاة في معرفة أعلام النحاة واللغة حتى عصره، وتتسم تراجم النحاة واللغويين عند السيوطي بالتركيز على ثقافة النحوي ومؤلفاته. وقد لاحظ السيوطي صعوبة البحث عن النحوي تحت اسمه الحقيقي، فأعد في آخر كتابه ثبتًا بالنحويين واللغويين وفق ألقابهم وكناهم، وبذلك يستطيع الباحث إذا عرف لقب النحوي أو كنيته أو اسمه الذي اشتهر أن ينظر في هذا الثبت ليجد الاسم الحقيقي للنحوي أو اللغوي1
1 يتناول الباب الأخير من بغية الوعاة الكنى والألقاب والنسب والإضافات، وهو باب مهم تشتد إليه الحاجة يذكر فيه من اشتهر بشيء من ذلك لينظر اسمه ويسهل الكشف عليه من بابه 2/ 367-395.