الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنها -من هذا الجانب- أقرب إلى اللغة السامية الأولى، ولذا تعد دراسة الأجريتية أداة مهمة لدراسة عبرية العهد القديم والفينيقية كما جاءتنا في النقوش. ويعتمد الباحثون المعاصرون على الأجريتية لبيان المرحلة السابقة على العبرية والفينيقية، فالأجريتية أقدم لغة وصلت إلينا من المجموعة الكنعانية.
الفينيقية:
الفينيقية هي إحدى لغات المجموعة الكنعانية1 وقد وصلت إلينا الفينيقية في مجموعة من النقوش، فلا تعرف الفينيقية إلا من هذه النقوش. وأقدم ما وصل إلينا من اللغة الفينيقية بضع جمل وجدت في مجموعة رسائل تل العمارنة بصعيد مصر. وتمثل هذه العبارات الموجزة لهجة منطقة جبيل في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. ولكن أكثر النقوش الفينيقية ترجع إلى الفترة بين سنة 1000ق. م وسنة 100م.
كانت الفينيقية لغة الساحل الفلسطيني والسوري واللبناني، وفي هذه المنطقة وجدت مجموعة كبيرة من النقوش. وقد وجدت نقوش فينيقية كثيرة خارج منطقة الشام، فقد كان الفينيقيون مهتمين بالتجارة البحرية فكانت لهم محطاتهم التجارية وجالياتهم في مناطق مختلفة من جزر البحر المتوسط، ولذا هناك نقوش فينيقية كثيرة من قبرص. وقد انتشرت المحطات التجارية الفينيقية في كل أنحاء
1 حول الفينيقية
J. friedrich، w. rolling، phonizisch-punische grammatik. roma 19701.
z.s. harris، a grammar of the phoenician language. new haven 1936.
V. den branden، grammaire phenicienne. beyruth 1969.
ولا يوجد معجم مستقل للفينيقية بل يوجد معجم للنقوش السامية الغربية يفيد بصورة مباشرة في فهم النقوش الفينيقية وهو معجم:
ch-f. jean-j. hoftijer، dictionaire des inscriptions semitiques d'ouest. leiden 1965.
حوض البحر المتوسط، فهناك نقوش فينيقية وجدت في المنطقة الساحلية لآسيا الصغرى وعلى الساحل الأوربي للبحر المتوسط وخصوصا في جنوب إسبانيا1.
ويطلق على اللغة الفينيقية في امتدادها في المغرب اسم اللغة البونية، وتقع المنطقة اللغوية البونية على الساحل التونسي، وأهم المدن التي أسسها الفينيقيون هناك مدينة "قرت حدشت" أي "القرية الحديثة" بمعنى المدينة الحديثة2 ويقسم تاريخ اللغة الفينيقية في هذه المنطقة الإفريقية إلى مرحلتين: البونية والبونية الحديثة. تبدأ اللغة البونية بانتشار الفينيقيين في منطقة الساحل التونسي حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وتنتهي بسقوط الكيان السياسي للدولة البونية سنة146. فقد قضى الرومان الذين نازعوا الفينيقيين السيادة البحرية ودخلوا معهم في حروب متصلة على مدينة قرطاجنة واحتلوا المنطقة اللغوية البونية، وبعد سقوط قرطاجنة تبدأ الفترة الثانية في حياة اللغة البونية. لقد خضع البونيون للرومان، وكان الرومان في مركز السيادة ولذا تأثرت اللغة البونية الجديدة باللغة اللاتينية من أكثر من جانب. لقد دخلت ألفاظ لاتينية كثيرة إلى اللغة
1 انظر حول توزيع النقوش الفينيقية وغيرها جغرافيا وتاريخيا كتاب:
H.Donner، w. rolling، kanaanaische und aramaische inschriften. wiesbaden 1966.
ويضم هذا الكتاب الممتاز ثلاثة مجلدات، أولها للنصوص والثاني للتعليق والثالث معجم لغوي وفهارس، وبهذا تصبح هذه المجلدات أفضل أداة لدراسة النقوش الفينيقية وغيرها من النقوش التي تناولها الكتاب.
2 تدل كلمة "قرت" هنا على المعنى القديم للكلمة كما جاء في القرآن الكريم؛ فالقرية تعني ما نعبر عنه اليوم بكلمة مدينة، انظر المواضع التي وردت فيها الكلمة في القرآن الكريم.
وأشار القرآن الكريم إلى "رجل من القريتين" تدل على أن القريتين وهما مكة والطائف لم تكونا قريتين بالمعنى الحديث بل هما مدينتان، وهناك مدن كثيرة يوازي اسمها اشتقاقيا مدينة "قرت حدشت" فمدينة "نابولي" تكون اسمها من الكلمتين Neo+ polis وتعني كلمة جديد أو حديث، وكلمة Polis تعني المدينة. أما تسمية "قرت حدشت" باسم قرتاج أو قرطاجنة...... إلخ، فيعكس عدم نطق صوت الحاء وهو صوت حلق كان النطق قد ضعف به في البونية الحديثة.
البونية في هذه الفترة، ويبدو أن الازدواج اللغوي الحادث مع إقامة عدد من أبناء اللغة اللاتينية إلى جوار المتحدثين بالبونية قد أدى إلى ضعف النطق بأصوات الحلق في اللغة البونية الجديدة. وقد أمكن التعرف على هذه الظاهرة من النقوش البونية الجديدة. فكتابها يخلطون في التدوين بين الكلمات التي ينبغي أن تكتب بحرف العين والكلمات التي يجب أن تكتب بالهمزة، كما يخلطون بين الكلمات التي ينبغي أن تكتب بالحاء والكلمات التي ينبغي أن تكتب بالهاء، ويرجع هذا الخطأ في الكتابة إلى أنهم في النطق لم يكونوا يميزون بين العين والهمزة وبين الحاء والهاء، وفي عدد من النقوش البونية الجديدة تلاحظ مزيدا من الخلط بين الهاء والألف، وفي مرحلة متأخرة من تاريخ البونية الحديثة نجد الحروف التي كانت تستخدم قديما للتعبير عن أصوات الحلق تصبح وسيلة لكتابة الحركات القصيرة، ولا بد أن هذا حدث في فترة لم يعد أحد يحس فيها بأن هذه الحروف تعبر عن أصوات تنطق فعلا، فوجدوها بلا وظيفة فأفادوا منها لتدوين الحركات. ونلاحظ في هذه المحاولة التأثير المباشر لليونان واللاتين فقد قلدهم البونيون الخاضعون للرومان في كتابة الحركات داخل الكلمة على نحو ما فعل اليونان والرومان.
كان اليونان قد تعلموا في أثناء احتكاكهم بالفينيقيين حوالي القرن التاسع قبل الميلاد الكتابة الأبجدية. والكتابة الأبجدية الفينيقية امتداد مباشر للأبجدية الأجريتية. كان الأجريتيون قد بسطوا نظام الكتابة وجعلوها أبجدية. احتفظ الفينيقيون بفكرة النظام الأبجدي، غير أنهم عدلوا أشكال الحروف لتصبح سهلة في الكتابة. واحتفظ الفينيقيون في نفس الوقت بترتيب الحروف كما رتبها الأجريتيون. وعندما تعلم اليونان الكتابة من الفينيقيين بدأت أوربا حضارتها الراقية القديمة؛ ففي القرن التاسع قبل الميلاد كان عمر الحضارة في الشرق بضع آلاف من السنين وكان تاريخ الكتابة قد مر بمراحل متتابعة، ثم أخذ اليونان عن الفينيقيين فكرة التدوين الصوتي بالحروف، أي أنهم أخذوا الأبجدية. واحتفظوا أيضا بترتيب الحروف كما عرفه الفينيقيون، ولكن اليونان وجدوا مجموعة