المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المغرب وتعريب البربر: - علم اللغة العربية

[د. محمود فهمى حجازى]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفهرس

- ‌الفصل الأول: اللغة والحياة اللغوية

- ‌مدخل

- ‌طبيعة اللغة

- ‌مدخل

- ‌اللغة والكتابة

- ‌النظام اللغوي:

- ‌الرموز اللغوية والدلالة:

- ‌وظيفة اللغة

- ‌مدخل

- ‌الفصحى واللهجات:

- ‌أشكال التنوع اللغوي:

- ‌لغات التعامل واللغات الدولية:

- ‌مستويات الاستخدام اللغوي:

- ‌مستويات الاستخدام اللغوي والقوانين الصوتية:

- ‌اللغة والكلام:

- ‌ المؤثرات العامة في الحياة اللغوية:

- ‌الفصل الثاني: علم اللغة الحديث

- ‌مدخل

- ‌ علم اللغة وعلم النصوص القديمة:

- ‌ علم اللغة المقارن

- ‌ علم اللغة الوصفي:

- ‌ علم اللغة التاريخي

- ‌ علم اللغة التقابلي

- ‌ علم اللغة والبحث النحوي:

- ‌علم اللغة العام

- ‌مدخل

- ‌قضايا البحث في علم اللغة

- ‌ التسميات المختلفة لعلم اللغة:

- ‌ علم اللغة وعلم النفس

- ‌ علم اللغة والعلوم الاجتماعية:

- ‌ علم اللغة وتعليم اللغات:

- ‌ علوم اللغة بين العلوم:

- ‌الفصل الثالث: علوم اللغة في التراث العربي

- ‌مدخل

- ‌ النحو وعلم العربية:

- ‌ اللغة وعلم اللغة وفقه اللغة:

- ‌ علم اللسان وعلوم الأدب والعلوم العربية:

- ‌الفصل الرابع: كتب طبقات النحويين واللغويين

- ‌مدخل

- ‌ كتب الطبقات

- ‌ كتاب الفهرست:

- ‌ كتب التراجم:

- ‌ المراجع العامة الحديثة في التراث:

- ‌الفصل الخامس: المكتبة النحوية

- ‌مدخل

- ‌ كتاب سيبويه والنحاة البصريون:

- ‌النحاة الكوفيون في القرنين الثاني والثالث

- ‌ نحاة القرن الرابع:

- ‌ الكتب النحوية التعليمية والمنظومات:

- ‌ الموسوعات النحوية والشروح:

- ‌الفصل السادس: المكتبة اللغوية

- ‌ جمع اللغة وتأليف المعاجم:

- ‌ معاجم الترتيب الصوتي:

- ‌ معاجم الترتيب الهجائي:

- ‌ مصادر المعاجم الموسوعية العامة:

- ‌ المعاجم الدلالية الخاصة ذات الترتيب الهجائي:

- ‌ المعاجم الموضوعية:

- ‌ كتب الأبنية الصرفية:

- ‌ كتب التثقيف اللغوي ولحن العامة:

- ‌ كتب الموضوعات الصوتية:

- ‌الفصل السابع: المنهج المقارن و‌‌تصنيف اللغات

- ‌تصنيف اللغات

- ‌ العرب واللغات الأجنبية:

- ‌الأوروبيون والمقارنات

- ‌ نشوء علم اللغة المقارن:

- ‌الفصل الثامن: اللغات السامية بين‌‌ اللغات الأفروأسيوية

- ‌ اللغات الأفروأسيوية

- ‌ اللغات السامية

- ‌ اللغات السامية واللغة المصرية القديمة:

- ‌ اللغات السامية واللغة الليبية القديمة

- ‌الفصل التاسع: الخصائص المشتركة بين اللغات السامية

- ‌ الأصوات

- ‌ بناء الكلمة

- ‌بناء الجملة:

- ‌ الألفاظ الأساسية:

- ‌الفصل العاشر: التوزيع الجغرافي والتاريخي للغات السامية

- ‌ الفرع الأكادي

- ‌الفرع الكنعاني

- ‌مدخل

- ‌الأجريتية:

- ‌الفينيقية:

- ‌اللهجات الكنعانية الجنوبية:

- ‌العبرية:

- ‌الفرع الآرامي

- ‌مدخل

- ‌الآرامية القديمة:

- ‌آرامية الدولة:

- ‌السريانية:

- ‌اللهجات الآرامية اليهودية:

- ‌النبطية:

- ‌المندعية:

- ‌العربية الجنوبية:

- ‌ اللغات السامية في الحبشة:

- ‌الفصل الحادي عشر: العربية في ضوء اللغات السامية

- ‌مدخل

- ‌ الخطوط السامية والواقع الصوتي:

- ‌القوانين الصوتية

- ‌مدخل

- ‌الثاء العربية ومقابلاتها في اللغات السامية:

- ‌الضاد العربية ومقابلاتها في اللغات السامية:

- ‌أصوات عربية تختلف عن السامية الأولي

- ‌مدخل

- ‌الفاء العربية والباء المهموسة السامية:

- ‌السين والشين العربيتان وأصولهما السامية:

- ‌ الضمائر:

- ‌ الأسماء الثنائية:

- ‌ الأفعال

- ‌ تحديد الجذور في ضوء المقارنات:

- ‌ الألفاظ المشتركة:

- ‌ الدخيل في ضوء القوانين الصوتية:

- ‌ المقارنات اللغوية وتاريخ الألفاظ:

- ‌الفصل الثاني عشر: العربية في جزيرة العرب

- ‌النقوش العربية القديمة

- ‌مدخل

- ‌النقوش الثمودية:

- ‌النقوش الصفوية:

- ‌النقوش اللحيانية:

- ‌الخط:

- ‌اللغة:

- ‌اللهجات العربية واللغة الفصحى

- ‌مدخل

- ‌الهمز بين التحقيق والتخفيف:

- ‌الإمالة:

- ‌الاتباع = التوافق الحركي

- ‌كسر أحرف المضارعة:

- ‌مطابقة الفعل والفاعل:

- ‌ما الحجازية:

- ‌ قضية الاستخدام اللغوي للفصحى واللهجات:

- ‌الفصل الثالث عشر: العربية في المشرق الأسيوي

- ‌مدخل

- ‌ موجات التعريب في المشرق:

- ‌ العربية في العصر الأموي:

- ‌ الجاحظ وملاحظاته اللغوية:

- ‌ العربية بين البداوة والحضارة:

- ‌ العربية في القرن الرابع:

- ‌ الهمداني والحياة اللغوية في القرن الرابع الهجري:

- ‌ المقدسي والحياة اللغوية في القرن الرابع الهجري

- ‌ العلاقات اللغوية في القرن الخامس إلى فجر العصر الحديث

- ‌الفصل الرابع عشر: العربية في القارة الإفريقية

- ‌مدخل

- ‌ تعريب مصر والنوبة والسودان:

- ‌ المغرب وتعريب البربر:

- ‌ العربية جنوب دول المغرب:

- ‌ العربية لغة الدين والثقافة الإسلامية:

- ‌الفصل الخامس عشر: اتجاهات‌‌ التغير في البنيةوالمعجم

- ‌ التغير في البنية

- ‌مدخل

- ‌كلمات جديدة:

- ‌تراكيب نحوية جديدة:

- ‌ نمو المفردات في العربية:

- ‌بيليوجرافيا مختارة بالكتب العربية في الدراسات اللغوية والموضوعات المرتبطة بها

- ‌ببليوجرافيا مختارة بالكتب الأوروبية في علم اللغة العام واللغات السامية

الفصل: ‌ المغرب وتعريب البربر:

القبائل العربية قد تجاوز حدود النوبة جنوبًا، يقول ابن خلدون:"وبالصعيد الأعلى من أسوان وما وراءها إلى أرض النوبة إلى بلاد الحبشة قبائل متعددة وأحياء متفرقة، كلهم من جهينة -إحدى بطون قضاعة- ملئوا تلك القفار وغلبوا النوبة على مواطنهم وملكهم، وزاحموا الحبشة في بلادهم وشاركوهم في أطرافها1". والواقع أن هجرة بطون كثيرة من جهينة إلى السودان كانت قد تمت في عصر ابن خلدون، ولا تزال آثار هذه الهجرات واضحة في السودان العربي، فالتجمعات البشرية المسماة باسم: رفاعة والكبابيش ودار حامد والبقارة في كوردفان ودارفور والمناطق الغربية تنسب نفسها إلى جهينة. وينبغي أن نوضح هنا أن هذه التجمعات البشرية إنما نتجت عن الاختلاط بين العرب المهاجرين والسكان الأقدم. وهذه أيضًا حال التجمع البشري العربي الثاني في السودان، ويطلق عليهم اسم "الجعليين"، وهؤلاء الجعليون منتشرون في المنطقة الممتدة من الحبشة إلى تشاد، وهكذا كان تعريب السودان مرتبطًا بالهجرات الوافدة عبر مصر، ولم يتضح بعد دور الهجرات عبر مضيق باب المندب والتي تفترض أنها أمدت السودات كذلك بدماء عربية ولسان عربي، ولكنا لا نستطيع القول بالرأي في هذا لنقص المصادر.

1 ابن خلدون 6/ 10.

ص: 280

2-

‌ المغرب وتعريب البربر:

كانت هجرة بني هلال وبني سليم هي العامل الحاسم في تعريب المغرب في القرن الحادي عشر الميلادي، فالفتح الاسلامي كان ذا أثر في تعريب منطقة الساحل، وفي هذا يقول ابن خلدون:"العرب لم يكن المغرب لهم في الأيام السابقة بوطن، وإنما انتقل إليه في أواسط المائة الخامسة أفاريق من بني هلال وسليم اختلطوا في الدول هناك"1. وفي موضع آخر يقول ابن خلدون:

1 المرجع السابق 6/ 8.

ص: 280

العرب لم يوطنوا المغرب، ثم إنهم دخلوا إليه في منتصف المائة الخامسة وأوطنوه، وافترقوا بأحيائهم وحللهم في جهانة1". والعبارتان تحملان قدرًا من التعميم الذي لا تبرره القرائن التاريخية التي نستقي بعضها من كتابات ابن خلدون نفسه، وعنصر التعميم هنا نفي ابن خلدون وجود تعريب في المغرب قبل الهجرة الهلالية.

وقد لاحظ اللغوي الفرنسي وليام مارسيه وجود مجموعتين اثنتين من اللهجات العربية في المغرب2 فالمدن الساحلية مثل القيروان وتونس وتلمسان وفاس تختلف في لهجاتها -وهي متشابهةمتقاربة- عن لهجات البدو والمناطق الريفية ومنخضات برقة وجنوب تونس والريف الجزائري وجنوب المغرب والسواحل الجنوبية. وبهذا تنقسم لهجات المغرب إلى مجموعتين متميزتين، تمثل كل مجموعة منهما مرحلة بعينها من مرحلتي تعريب المغرب. فالمجموعة الأولى وريث اللغة المشتركة التي تكونت في القرون الثاني والثالث والرابع للهجرة مع قيام المدن العربية في المغرب، والمجموعة الثانية وريث لهجات بني هلال وبني سليم.

المجموعة الأولى -في المقام الأول- لهجات مدن، ويدعم هذا قول ابن خلدون عن عرب الفتح في المغرب:"إن الملك الذي حصل لهم يمنعهم من سكنى الضاحية ويعدل بهم إلى المدن والأمصار". وينبغي أن نلاحظ هنا أن هذه المجموعة من اللهجات تضم كذلك عددًا من اللهجات التي أثبتتها الدراسات الميدانية الحديثة للمناطق الزراعية التالية: الساحل التونسي، المنطقة الساحلية شمال قسطنطينة، ومنطقة تراره شمال قسطنطينة، وكذلك مرتفعات

1 المرجع السابق 6/ 27.

2 انظر البحث التالي: W. Marcais، Comment Lafrique du Nord s'est arabisee، dans amales de lInst. Det. Orient. Facult، Lettres d'alger 1938، t. IV".

ص: 281

جبالة في شمال فارس، وكل هذه اللهجات تكون مجموعة واحدة تتفق في عدد من الخصائص التي تميزها عن اللهجات العربية الأخرى في المغرب. فالمجموعة الأولى أقدم من المجموعة الثانية، يتضح هذا من كثرة الألفاظ البربرية بها، كما يتضح من أثر اللغة البربرية في هذه اللهجات.

إن هذه اللهجات كانت في القرون الأولى جزرًا لغوية عربية في منطقة تحيط بها لهجات بربرية مختلفة.

ومع هذا فقد تم في وقت مبكر تعريب قسم من البربر، فلا شك أن التعامل بالعربية مع مراكز الحكم جعل بعض البربر المحيطين بتلك المراكز يقبلون على تعلم العربية، وليس صحيحًا أن المناطق التي تعربت قبل الموجة الهلالية في القرن الحادي عشر الميلادي كانت تضم عرب الفتح وحدهم، فالبربر الذين بادروا إلى الإسلام وانتظموا في جيوش الفتح الإسلامي الزاحف إلى الأندلس اختلطوا بالعرب وتزاوجوا معهم، فاتخذت كثرة من الأسر الإسلامية الجديدة أنسابًا عربية ليدخلوا في الأرستقراطية الحاكمة. وبعد تأسيس مدينة فاس سنة 193هـ أصبحت هذه المدينة مركزًا للعرب والمتعربين في المغرب ولمن اضطروا لهجر الأندلس أو تونس في الظروف السياسية المضطربة.

وفي نفس الوقت كانت العلاقات بين الأندلس والمغرب الأقصى تدعم مكانة العربية باعتبارها لغة التعامل المشتركة فضلا عن كونها لغة القرآن الكريم، وبذلك أسهمت هذه العلاقات في تعريب المنطقة. وقد لاحظ الباحثون تشابه ما عرف عن اللهجات العربية في أسبانيا والاستخدام اللغوي في هذه المدن المغربية الأولى.

أما المجموعة الثانية من اللهجات العربية في المغرب فهي لهجات تتحدث بها مجموعات بشرية تنتسب إلى بني هلال وبني سليم. ومعروف أن هجرة بني هلال وبني سليم على المغرب "تغريبة بني هلال" أحدثت أكبر تحول بشري عرفته المنطقة في العصور الوسطى. وينبغي أن نقف قليلا لنتابع ظروف تحركاتهم وخط

ص: 282

سيرهم، فقد دخل الهلاليون مصر الفاطمية بدعوة من حكامها وعاشوا في الصعيد حياة بدوية، الغزو أحد مقوماتها "فعم ضررهم، وأحرق البلاد والدولة شررهم". وما لبث الفاطميون أن فكروا في دفعهم إلى المغرب ليقفوا في وجه البربر من صنهاجة الذين ثاروا على التبعية للفاطميين. وفي هذا يقول ابن خلدون: "دفعهم إلى حرب صنهاجة، ليكونوا عند نصر الشيعة والسبب في الدفاع عن الدولة، فإن صدقت المخيلة في ظفرهم بالمعز وصنهاجة كانوا أولياء للدعوة وعمالا بتلك القاصية، وارتفع عدوانهم عن ساحة الخلافة، وإن كانت الأخرى فلها ما بعدها"1. وترغيبًا لبني هلال في دخول المغرب "وصل عامتهم بعير ودينار لكل منهم، وأباح لهم إجازة النيل، وقال لهم أعطيتكم المغرب وملك المعز بن بلكين الصنهاجي العبد الآبق فلا تفتقرون"2. وهكذا تحركت بطون كثيرة من بني هلال متجهين إلى المغرب العربي، وفي هذا يقول ابن خلدون: "سارت

جميع بطون هلال إلى أفريقية كالجراد المنتشر لا يمرون بشيء إلا أتوا عليه حتى وصلوا أفريقية سنة ثلاث وأربعين "443هـ"3. وهكذا بدأت "تغريبة بني هلال" وبدأت بذلك سلسلة طويلة من الصدام والصراع بين الغازين وأبناء المنطقة. وقد اهتم ابن خلدون بهذه الموجة، واستخدم مصطلح "عرب الفتح" للدلالة على الموجة العربية الأولى التي دخلت المغرب، فهو يقول:"ولما تزاحم الفريقان انخذل بقية عرب الفتح وتحيزوا للهلالية للعصبية القديمة، وخانته زناتة وصنهاجة وكانت الهزيمة على المعز"4، وهكذا دخل بنو هلال وبنو سليم المغرب.

وبعد فترة سادها الصدام البدوي المعتاد والغزوات المتجددة، لاحظ الهلالية والبربر أن نمط حياتهم ومثلهم متشابهة متماثلة، وفي هذا يقول ابن خلدون:

1 ابن خلدون 6/ 30.

2 المرجع السابق 6/ 30–31.

3 المرجع السابق 6/ 31.

4 المرجع السابق 6/ 32.

ص: 283

البربر "أشبه الخلق بالعرب" فالبداوة ليست ظاهرة عربية ينفرد بها العرب، وما زلنا نعرف إلى اليوم بدوًا من البربر في المغرب، بل ويعتبر الطوارج "بجيم مصرية" أكثر البربر تبديا، وهم لا يمتون بصلة مباشرة إلى العرب، فهم لا يستخدمون في التعامل اليومي المحلي البربرية.

كان البربر والعرب الغازون يمثلون نمطًا من أنماط الحياة يقوم على الرعي، ويدور داخل القبيلة، ويحتفل بالدم والأنساب. وأدى هذا التشابه إلى الاندماج بين العرب والبربر. وكان من الممكن أن يؤدي هذا الاندماج إلى ذوبان العرب في البربر لولا أن اللقاء كان في إطار الإسلام والحضارة العربية الإسلامية وبذا كان هذا الإندماج مشجعًا على تعريب أكثر البربر في المغرب.

ونستطيع تتبع مراحل التعريب في ضوء ما كتبه المؤرخ ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي، فهو يصور لنا ثلاثة قرون من الانتقال المكاني والاندماج البشري والتحول اللغوي في المغرب.

لقد صور ابن خلدون انتشار العرب في المغرب قبل تغريبة بني هلال قائلًا: "إن آخر مواطن العرب كانت برقة، وكان فيها بنو قرة بن هلال بن عامر.... ولما أجاز بنو هلال وسليم إلى المغرب خالطوهم في تلك المواطن، ثم ارتحلوا معهم إلى المغرب.... وبقي في مواطنهم لهذا العهد -القرن الرابع عشر الميلادي- أحياء بن جعفر"1. ومضت تحركات الهلالية وزاد اندماجهم لا مع عرب الفتح فحسب، بل مع البربر كذلك. ويهمنا هنا أن كثيرًا من القبائل البربرية قد تعربت بين القرنين الحادي عشر عندما دخل الهلالية، والرابع عشر عندما دون ابن خلدون كتابة: العبر. لقد تعربت قبائل بربرية كثيرة، فقبيلة كتامة من قبائل البربر2 ولكنها كانت قد تعربت باندماج أهلها مع بني

1 المرجع السابق 6/ 8 -9.

2 جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص51.

ص: 284

سليم، وأخذ التجمع البشري الناتج ينتسب إلى بني سليم، وفي هذا يقول ابن خلدون: وهم ينتفون من نسب كتامة ويفرون منه لما وقع من أربعمائة سنة من النكير على كتامة بانتحال الرافضة وعداوة الدول بعدهم فيتفادون الانتساب إليهم، وربما انتسبوا في سليم من قبل مضر، وليس بصحيح"1.

وذكر ابن خلدون بطونًا أخرى، كانت بربرية ثم اختلطت وتعربت فنسبت نفسها إلى العرب2. ومن أهم الأمثلة الدالة على تعريب قبائل من البربر بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر تعربًا كاملًا ما دونه ابن خلدون عن الهوارة3، فهذه القبيلة الكبرى كانت من بطون البرانس، يتفق في هذا نسابة البربر والعرب، وكانت مواطنهم في القرن العاشر الميلادي -كما نقل ابن خلدون عن البكري- بنواحي طرابلس وما يليها من برقة4، ولكنهم اختلطوا أول الأمر ببعض الهذليين الذين "جاءوا من مواطنهم بالحجاز مع العرب الهلاليين عند دخولهم إلى المغرب، واختلطوا بهوارة وحطوا في عدادهم"5. ويبدو أن اشتغالهم بالتجارة مع بلاد السودان عبر الصحراء ومع الإسكندرية عبر الساحل جعلهم ينتشرون في منطقة واسعة ويختلطون ببني سليم. وكانت بطون من بني سليم تعمر المنطقة الممتدة من الإسكندرية إلى برقة، وبمضي الوقت اندمج الهوارة في بني سليم فأصبحت منازلهم جميعًا بين برقة والإسكندرية، وما نكاد نصل إلى القرن الرابع عشر الميلادي حتى نجد الهوارة "صاروا في عداد الناجعة -عرب بني سليم- في اللغة والزي وسكنى الخيام وركوب الخيل والإبل وممارسة الحروب وإيلاف الرحلتين في الشتاء والصيف في تلولهم، قد نسوا رطانة البربر واستبدلوها بفصاحة العرب، فلا يكاد يفرق

1 ابن خلدون 6/ 304

2 المرجع السابق 6/ 380.

3 جمهرة أنساب العرب لابن حزم 500.

4 ابن خلدون 6/ 284.

5 المرجع السابق 6/ 289.

ص: 285

بينهم"1. وهكذا تحرك الهوراة شيئًا فشيئًا مقتربين من مصر وقد تعربوا باندماجهم مع بطون من بني سليم. ويبدو أن عددًا من الهوارة تحرك جنوباً إلى فزان فكانت لهم بها محطة تجارية عظيمة، أو كما يقول ابن خلدون: "كان لهم بها ملك ودولة"2.

ولم تكن هوارة القبيلة البربرية الوحيدة التي اختلطت مع عرب بني سليم وبني هلال فتعربت، فابن خلدون يذكر أن المنطقة الممتدة غرب الدلتا كانت بها "قبائل رحالة ينتقلون في نواحي البحيرة هنا، ويعمرون أرضها بالسكنى والفلح ويخرجون في المشاتي إلى نواحي العقبة وبرقة" ويذكر ابن خلدون من هذه القبائل "بعض بطون لواته" ثم يقول: "ويندرج فيهم أخلاط من العرب والبربر لا يحصون كثرة"3. ولنقف قليلا عند نسب قبيلة لواته، فهي قبيلة من البربر تعربت شيئًا فشيئًا، وما نكاد نصل إلى عصر المقريزي حتى نجده يذكرهم بين القبائل العربية في مصر، ويقول: "وفي معظم بلاد البهنسا لواته، ومنهم طوائف بالجيزة وبالمنوفية"4. وهكذا نلاحظ تحرك البربر المتعربين من المغرب الأوسط إلى البحيرة ثم إلى المنوفية والجيزة.

ولكن انتشار البربر المتعربين لم يقتصر على الوجه البحري، فقد ذكر المقريزى هوارة، وحار في أصلها بين العروبة والبربرية5. ثم حدد منازلهم في عصره قائلا: "ثم قدم منهم طوائف إلى أرض مصر، ونزلوا بلاد البحيرة.... وهوارة التي ببلاد الصعيد أنزلهم الظاهر برقوق بعد وقعة بدر بن سلام هنا سنة

1 المرجع السابق 6/ 288.

2 المرجع السابق 6/ 191 – 192.

3 المرجع السابق 6/ 10.

4 البيان والإعراب للمقريزي 27 – 28.

5 المرجع السابق 58.

ص: 286

اثنين وثمانين وسبعمائة تخمينًا"1، وهكذا دخلت مصر عدة قبائل عربية اللغة بربرية الأصل، فأسهمت في تعريب مصر بعد أن عربهم بنو سليم وبنو هلال في تغريبتهم بعد خروجهم من مصر.

ولننظر بعد هذا فيما كتبه ابن خلدون عن قبائل البربر المقيمين في المغرب في عصره، فنلاحظ مع الباحثين أن عددًا من القبائل البربرية التي ذكرها ابن خلدون في المغرب الأقصى والأوسط قد تعربت، فقبيلة زناتة البربرية2 كانت في عصر ابن خلدون قبيلة بربرية كبيرة، يقول:"وشعارهم بين البربر اللغة التي يتراطنون بها، وهي مشتهرة بنوعها عن سائر رطانة البربر، ومواطنهم في سائر مواطن البربر بأفريقية والمغرب"3، ولكن أين هم اليوم؟ لقد ظهرت في المنطقة تجمعات بشرية جديدة تنسب نفسها جميعًا إلى بني هلال وبني سليم وتتوسل بالعربية، ولو سلمنا بأنهم جميعًا من أحفاد الهلالية والسليمية لتصورنا المنطقة كانت خالية قبل التغريبة. والأدنى إلى الصواب أن نقول بأن هؤلاء البربر، ومنهم القبيلة العظيمة زناتة قد تزاوجوا مع العرب، فتعربوا كما تعربت هوارة ولواته قبل ذلك، وبذلك تغيرت الصورة اللغوية للمغرب، فأصبحت، ربوعه –بعض النظر عن الجزر اللغوية البربرية- عربية اللسان.

وختامًا لا بد أن نشير إلى أن المصادر التي ترسم لنا مراحل التعريب بعد القرن الخامس عشر لم تر النور بعد، وربما تكون المخطوطات العربية المغربية حافلة بمعلومات في هذا. غير أنا نود أن نوضح أن أكثر التنظيمات العشائرية هناك إنما ترجع على الأرجح إلى فترة الحكم التركي، وهي لا تنسب نفسها إلى زناته أو لواته، بل هي أولاد سيدي.... واليوم لا نجد التوزيع القديم، ولا نجد

1 المرجع السابق 58.

2 جمهرة أنساب العرب لا بن حزم 495.

3 ابن خلدون 7/ 3 وكذلك 7/ 13–14.

ص: 287