الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النحو في منظومة أعدت لكي يحفظها التلاميذ. وأشهر هذه المحاولات ألفية ابن مالك، ت 672هـ، حاول ابن مالك أن ينظم كل قواعد النحو نظمًا لتكون في قصيدة ألفية يسهل حفظها، يتركز جهد ابن مالك في الصياغة وترجيح رأي نحوي على آخر، فلقد كان ابن مالك وأبناء عصره أبعد الناس عن ملاحظة التغير اللغوي وتسجيل مادة جديدة أو النظر إلى مادة قديمة بمنهج جديد لقد أعجب معاصروه كما أعجبت القرون التالية ببراعة ابن مالك في صياغة ألفيته التي فاقت غيرها من الألفيات، فاهتم مدرسو النحو بشرحها وبتعليق الحواشي على شروحها، واستمرت حركة تأليف الشروح على الألفية دون انقطاع أكثر من خمسة قرون، ومن أشهر هذه الشروح شرح ابن عقيل، ت 769هـ، والأشموني، ت 929هـ، وقد وضع الصبان، ت 1206هـ، حاشية على شرح الأشموني، ولا تزال هذه المنظومات والشروح والحواشي تشغل ساعات دراسة النحو في أكثر المعاهد العلمية المهتمة بذلك.
5-
الموسوعات النحوية والشروح:
كانت ظاهرة تأليف الموسوعات النحوية موازية لاتجاه تأليف الكتب التعليمية والمنظومات. تتسم الموسوعات النحوية التي بدأت بالمفصل للزمخشري، ت 538هـ، بالتركيز الشديد ومحاولة حشد آراء النحاة والاهتمام بالتقسيمات الداخلية للموضوعات. وقد أدت الصياغة المركزة لهذه الكتب إلى ضرورة شرحها كي نفهم، وكأنها ألفت موجزة لكي تحفظ حفظًا، فكتاب "المفصل" للزمخشري كتاب مركز يضم بين دفتيه كل أبواب النحو العربي، وقد شرح "المفصل" عشرات المرات لم يطبع منها إلا شرح ابن يعيش، ت 643هـ.
وبعد أن ألف ابن الحاجب، ت 646هـ، متنيه التعليميين:"الكافية"في النحو و"الشافية" في الصرف بدأ الشراح في تناول الكتابين بالتفصيل والتعليق فألفت على كل منهما عشرات الشروح العربية والتركية. وأشهر شروح
الكافية والشافية شرح الرضي الإستراباذي، ت 688هـ، عليها. وهناك محاولات كثيرة للتعليق على شرح الإستراباذي على الكافية وإيضاح شواهده، أشهرها كتاب "خزانة الأدب" لعبد القادر البغدادي، ت 1093هـ.
ولا شك أن أفضل جهد موسوعي في هذه الفترة هو كتاب "مغني اللبيب" لابن هشام، ت 762هـ، لقد شارك ابن هشام أبناء عصره في الاهتمام بتأليف المتون التعليمية وشرحها، فألف متن "شذور الذهب" ومتن "قطر الندى" وشرحهما وكتاب ابن هشام "أوضح المسالك في شرح ألفية ابن مالك" ولكن كتابه الأكثر أهمية هو كتاب "مغنى اللبيب"، فهو أفضل كتاب حول الجملة العربية وتحليلها النحوي.
وشارك السيوطي، ت 911هـ، في التأليف الموسوعي في النحو بعدة مؤلفات ضخمة ضم فيها آراء السابقين عليه. فالسيوطي في كل كتبه عالم على طريقة الجمع والتأليف، كان يجمع ما أمامه في الكتب المختلفة حول موضوع واحد، فيؤلف فيه كتابًا ضخمًا. ومن أشهر جهوده في النحو كتاب: همع الهوامع، وقد ألف السيوطي متنًا صغيرًا هو جمع الجوامع، ثم شرحه بكتاب موسوعي هو "همع الهوامع". وترجع أهمية همع الهوامع إلى تسجيله لكثير من الآراء والخلافات النحوية وإلى اهتمامه بالنحاة الأندلسيين الذين أتيحت كتبهم له، نجد في "همع الهوامع" في مئات المواضع أسماء النحاة الأندلسيين والمغاربة المتأخرين مثل: ابن عصفور وابن خروف وابن الطراوة والشّلَوْبين ولا نعرف اليوم آراء هؤلاء بقدر ما نعرفها خلال اقتباسات السيوطي من كتبهم. ويضم كتاب "الأشباه والنظائر" للسيوطي نقولات كثيرة من الكتب النحوية المشرقية والمغربية التي أتيحت للسيوطي.
ظلت حركة التأليف في النحو العربي في العصر العثماني في إطار وضع الشروح على المتون والمنظومات التعليمية. وكانت قيمة أي مؤلف في النحو تتركز في إحاطته إن كان يؤلف شرحًا موسوعيًّا، أو في حسن صياغته إن كان
يشرح متنًا تعليميًّا. ويعد عبد القادر البغدادي نموذجًا لشرح الشواهد، وله كتابان الأول "خزانة الأدب" في شرح شواهد الكافية والثاني في شرح شواهد "مغني اللبيب"، وكلا الكتابين موسوعة ضخمة تضم كثيرًا من المعلومات اللغوية والنحوية والأدبية. وهناك شروح تعليمية كثيرة ألفها مدرسو النحو في الأزهر مثل الشيخ حسن العطار. وتناول بعض هؤلاء شواهد الكتب التعليمية فشرحوها مثل:"شرح شواهد شرح ابن عقيل" للجرجاوي، و"شرح شواهد شرح شذور الذهب" للفيومي.
وظل اهتمام مدرسي النحو في الأزهر محصورًا داخل إطار هذه الشروح العقيمة التي لم تأت بجديد. وليس مصادفة أن أول من اهتم بكتاب سيبويه في العصر الحديث وحققه تحقيقًا علميًّا هو المستشرق الفرنسي درنبور. وارتبطت حركة التجديد في عرض النحو العربي في شكل حديث بكتاب "التحفة المكتبية لتقريب اللغة العربية". وقد ألف رفاعة الطهطاوي هذا الكتاب على نمط مؤلفات الفرنسيين في عرض النحو. لقد أعجب رفاعة الطهطاوي في أثناء إقامته في فرنسا بمنهج الفرنسيين في عرض النحو، فخرج عن طريقة معاصريه في الشروح والهوامش والتعليقات والتقريرات. وألف كتابًا بسيط العبارة سهل العرض ليس له متن أو شرح، بل له نص واحد يقرأ فيفهم، وكان الطهطاوي أول من استخدم الجداول الإيضاحية في كتب النحو العربي1 وبذلك بدأت الكتب التعليمية الحديثة في النحو العربي، ثم ظهرت بعد ذلك حركة تحقيق التراث النحوية وأخذت الكتب النحوية الأساسية المبكرة تظهر بتحقيق العلماء العرب
1 حول الطهطاوي، انظر محمود فهمي حجازي: أصول الفكر العربي الحديث عند الطهطاوي، عالم الفكر، أبريل 1973.