الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرن الثاني للهجرة جمع اللغة وتدوين الرسائل اللغوية وبداية العمل المعجمي وبداية التأليف النحوي. وإذا كان القرن الرابع الهجري قد عرف مجموعة كبيرة من أعلام النحاة فإن نفس الفترة الزمنية أخرجت لنا عددًا كبيرًا من المعاجم اللغوية التي تمثل اتجاهات مختلفة في التأليف المعجمي، وكانت حركة تأليف الموسوعات النحوية موازية لتأليف المعاجم الموسوعية مثل لسان العرب، كما كانت حركة تأليف الحواشي والشروح النحوية مصحوبة بتأليف حواش على المعاجم وشروح لها، وكان عبد القادر البغدادي، ت 1093هـ، بكتابيه خزانة الأدب وشرح شواهد مغني اللبيب ظاهرة موازية لتأليف مرتضى الزبيدي لتاج العروس شرحًا للقاموس المحيط، وإذا كانت كتب النحو تختلف اختلافًا بسيطًا في تبويبها الداخلي وترتيبها للموضوعات فإن المعاجم العربية تقسم من ناحية ترتيبها للألفاظ الواردة فيها إلى مدارس مختلفة، لكل منها منهجها الخاص.
2-
معاجم الترتيب الصوتي:
يعد كتاب "العين" أقدم المعاجم العربية على الإطلاق ورائد أقدم مدرسة في التأليف المعجمي، يختلف كتاب العين عن الجهود الأخرى المبكرة في التأليف اللغوي في أنه أول محاولة لحصر ألفاظ اللغة العربية على نحو شامل وفي إطار نظام منهجي واضح، يتفق الباحثون على أن خطة كتاب العين من عمل الخليل بن أحمد، ولكن مدى إسهامه وإسهام تلميذه الليث بن المظفر في تنفيذ المعجم ظل موضع خلاف بين الباحثين. فمنهم من ينسب العمل كله للخليل ومنهم من ينكر نسبته للخليل وينسبه لليث بن الظفر1 وأغلب الظن أن جهد الخليل
1 انظر الفهرست لابن النديم 420 والمعجم العربي لحسين نصار 1/ 254 وما بعدها.
المعاجم العربية مع اعتناء خاص بمعجم العين للخليل بن أحمد، تأليف عبد الله درويش القاهرة 1956.
في كتاب العين هو المقدمة المنهجية1 وهي أهم ما في الكتاب، مع محاولة تطبيقها في الأبواب. أما الليث فهو رواية ما أعده الخليل ومؤلف باقي الكتاب.
يقوم منهج الخليل في ترتيب ألفاظ اللغة العربية على مجموعة أسس عامة.
1-
ترتب الكلمات باعتبار حروفها الأصول فقط، ومعنى هذا أن الخليل بنى معجمه على أساس التمييز بين الحروف الأصول والحروف الزوائد في الكلمة الواحدة، وهو أساس صرفي لم يكن من الممكن تصوره قبل اتضاح ملامح البحث في بنية الكلمة العربية، من هذا الجانب يختلف كتاب العين عن الرسائل الكثيرة التي ألفت في القرن الثاني الهجري والتي صنفت فيها الألفاظ تصنيفًا موضوعيًّا، وقد ظل المبدأ الذي وضعه الخليل في كتاب العين باعتبار الحروف الأصول دون الحروف الزوائد في ترتيب الكلمات أساسًا متعارفًا عليه في كل المعاجم العربية العامة حتى العصر الحديث، لم تخرج عنه إلا قلة من المعاجم الخاصة وبعض المعاجم التعليمية الحديثة.
2-
ترتب الكلمات المندرجة في مادة لغوية واحدة ترتيبًا داخليًّا على أساس الأبنية الثنائي، الثلاثي -الصحيح والمعتل واللفيف- الرباعي الخماسي.
والثنائي مثل: قد، لم، هل، والثلاثي مثل: ضرب، خرج، والرباعي مثل: دحرج، قرطس، والخماسي مثل: اقشعر. وقد اتبع هذا الأساس في الترتيب الداخلي لعدد من المعاجم العربية التالية التي التزمت بمنهج الخليل، وهي "البارع" للقالي، ت 356هـ، و"تهذيب
1 يقول الأزهري: "ولم أر خلافا بين اللغويين أن التأسيس المجمل في أول كتاب العين لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد، وأن ابن المظفر أكمل الكتاب عليه بعد تلقفه إياه عن فيه" تهذيب اللغة 1/ 41، وانظر مقدمة النسخة المطبوعة من الكتاب رواية الليث عن الخليل، ومعجم مقاييس اللغة 1/ 3-4.
اللغة" للأزهري، ت 370هـ، و"المحيط" للصاحب بن عباد، ت 385هـ، و"المحكم والمحيط الأعظم" لابن سيده ت 458هـ.
3-
توضع الكلمة ومقلوباتها في مادة واحدة وبذلك ترد الكلمة وقد جردت من حروفها الزوائد في أول موضع ممكن، فالحروف "ك ت ب" يمكن أن تأخذ الترتيبات التالية: 1- كتب، 2- كبت، 3- تكب، 4- تبك، 5- بكت، 6- بتك، وتعد كل هذه المواد مجموعة واحدة.
ولا شك أن هذه الفروض الرياضية لا تجد لها في اللغة شواهد على كل صيغة من الصيغ السابقة، وقد أطلق الخليل على الصيغ الموجودة فعلا مصطلح المستعمل وعلى الصيغ غير الموجودة والممكنة نظريًّا المهمل، وبغض النظر عن نسبة المستعمل والمهمل من كل مجموعة من الحروف فإن هذه المجموعة تناقش كوحدة واحدة. وتأتي المجموعة كاملة وفق أحد حروفها، قد يكون الأول أو الثاني أو الأخير، يتحدد ذلك بجدول المخارج، فكلما كان الحرف سابقًا في جدول المخارج جاء بمجموعته كاملة إلى مكانه. وبذلك تأتي أي كلمة بها حرف العين في القسم الخاص بالعين وهو أول أقسام كتاب العين، وبالمثل لا تأتي كلمة بكت تحت الباء لأن الباء تأتي متأخرة في ترتيب المخارج ولكنها تأتي تحت الكاف لأن الكاف أسبق من الباء والتاء في التريب المخرجي.
4-
رتب الخليل الحروف العربية وفق المخارج، وبدأ بأصوات الحلق ثم ذكر باقي الحروف منتهيًا بالحروف الشفوية، وختم ترتيبه بأصوات العلة والهمزة، لم يبدأ الخليل بالهمزة أو بالألف لما لاحظه من تغير صوتي يؤدى بها، ولكنه بدأ معجمه بكتاب العين باعتبارها الصوت الحلقي الأول الذي لا يتغير في الأبنية الصرفية، وقد سمي المعجم باسم أول قسم فيه كتاب العين.
وقد احتفظت مجموعة من المعاجم العربية العامة بمنهج الخليل وطبقته من
الجوانب المذكورة، ولكنها اختلفت في تريبها للحروف عن ترتيب الخليل اختلافًا يسيرًا، وهذه المعاجم هي "البارع" للقالي، ت 356هـ، و"تهذيب اللغة" للأزهري، ت 370هـ، و"المحيط" للصاحب بن عباد، ت 385هـ، و"المحكم والمحيط الأعظم" لابن سيده، ت 458هـ، وقد ألفت هذه المعاجم في القرنين الرابع والخامس للهجرة في مناطق متباعدة من العالم الإسلامي، فقد ألف القالي معجمه "البارع" في الأندلس وألف ابن سيده معجمه "المحكم والمحيط الأعظم" في الأندلس أيضا ولكن "تهذيب اللغة" للأزهري و"المحيط" للصاحب بن عباد معجمان مشرقيان ألفا في خرسان والري.
وقد اعتمدت كل هذه المعاجم على المادة اللغوية المتاحة في كتاب العين وفي الكتب اللغوية الأخرى وتختلف قيمتها باختلاف مصادرها ومدى اعتماده عليها فقد اعتمد ابن سيده في "المحكم" على مجموعة مصادر منها الكتب اللغوية النحوية وكتب التفسير والحديث، وبهذا اختلف "المحكم" من هذا الجانب عن المعاجم المشابهة، ولكن أهم معاجم الترتيب الصوتي التي وصلت إلينا هو تهذيب اللغة للأزهري فقد وصل إلينا هذا المعجم كاملا بينما لم يصل إلينا من المعاجم التى التزمت بمنهج الخليل إلا قطع منها. ولكن أهم سمة تميز تهذيب اللغة للأزهري عن المعاجم المماثلة أن الأزهري جمع مادة جديدة عن البدو الذين عاش بينهم فترة من الزمن، وقد ذكر الأزهري في مقدمته أنه وقع أسيرًا في أثناء ثورة القرامطة وعاش بين مجموعة من العرب أكثرهم هوازن بعضهم من تميم وأسد، ولا يكاد يقع في منطقتهم لحن أو خطأ فاحش فبقيت في إسارهم دهرًا طويلا واستفدت من مخاطبتهم ومحاورة بعضهم بعضًا ألفاظا جمة ونوادر كثيرة أوقعت أكثرها في مواقعها من الكتاب1، وبهذا يعتبر الأزهري اللغوي الوحيد الذي اهتم في القرن الرابع الهجري بالعمل اللغوي الميداني وكانت حركة جمع اللغة قد توقفت منذ أكثر من قرن.
1 تهذيب اللغة للأزهري 1/ 7