الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث عشر: العربية في المشرق الأسيوي
مدخل
…
الفصل الثالث عشر: العربية في المشرق الأسيوي
اتسعت رقعة اللغة العربية بعد تكوين الدولة الإسلامية اتساعًا كبيرًا، فمع الفتوح الإسلامية بدأت الهجرات العربية إلى المناطق المفتوحة، ومع ازدياد الهجرات بدأ استخدام اللغة العربية في هذه المناطق، ومهد هذا لانتشار العربية في هذه الأقاليم مما أدى إلى تغير الحدود الجغرافية للمنطقة اللغوية العربية تغيرًا حاسمًا. ولذا تعد دراسة موجات انتشار العرب في المناطق المفتوحة أساسًا ضروريًّا لفهم موجات انتشار اللغة العربية.
1-
موجات التعريب في المشرق:
خرجت بطون كثيرة من القبائل العربية في السنوات التالية للفتح الإسلامي إلى مناطق مختلفة من الشام والعراق وإيران لقد كانت جماعات عربية تعيش في بادية الشام وبادية العراق قبل الفتح الإسلامي، ولكن دخول هذه المناطق وغيرها في إطار الدول الإسلامية جعل هذه القبائل وغيرها تتوغل وتستقر في
مناطق لم تكن مجالا لها من قبل. لقد هاجرت هذه القبائل واستقرت في الأمصار المفتوحة داخل معسكرات، ثم أدى اختلاط هؤلاء العرب الوافدين مع السكان الأصليين في هذه المناطق إلى تعريف العراق والشام شيئًا فشيئًا كانت اللهجات الآرامية المختلفة تسود الحياة اللغوية في هذه المناطق، وهي لهجات قريبة من الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية من اللغة العربية، فالآرامية لغة سامية مثل العربية، ولذا لم يكن التحول من الآرامية إلى العربية أمرًا صعبًا. وليس معنى هذا أن التحول اللغوي تم دون صعوبات، بل لا تزال هذه الصعوبات النسبية واضحة في التأثيرات الآرامية في اللهجات العربية في هذه المناطق. لقد سهل عليهم أن يتحولوا من الآرامية إلى العربية، ولكن عربيتهم تأثرت بالآرامية فاختلفت عن عربية البدو في الجزيرة العربية.
ولكن درجة التعريب في الشام والعراق اختلفت من منطقة لأخرى ومن جماعة بشرية لأخرى فالمناطق السهلية تعربت على نحو أسرع من تعريب المناطق الجبلية، ولا تزال المناطق الجبلية في شمال العراق وفي بعض أنحاء منطقة الشام تضم جماعات لغوية احتفظت بلغتها القديمة منذ الفترة السابقة على الفتح الإسلامي، فالأقليات الآرامية في هذه المناطق تعيش في مناطق جبلية وعرة، وكأن صعوبة الاتصال بهذه المناطق قد حال دون تعريبها. فلم تصل الهجرات العربية إلى هذه المناطق الوعرة، وبذلك ظلت بعيدة عن تأثيرات التعريب وقتًا طويلًا، ولا يزال بعضها محتفظًا بلغته القديمة إلى اليوم.
ولم تقتصر الهجرات في المشرق على الشام والعراق، بل امتدت أيضًا إلى أنحاء الدول الفارسية التي دخلت في إطار الدول الإسلامية المنتصرة. فإذا كانت المصادر تشير إلى وجود جماعات عربية على الساحل الإيراني للخليج منذ العصر الجاهلي فإن عدد هذه الجماعات العربية زاد في صدر الإسلام بإطراد الهجرات زيادة ملحوظة. فقد هاجرت قبائل من عبد القيس كانت تقيم في منطقة ساحل عمان إلى إيران عن طريق الخليج، استقرت بعض هذه القبائل على الساحل
وتوغلت بعضها في الداخل، وظلوا هناك متميزين لغويًّا عدة قرون حتى العصر المغولي1. ودخلت موجات عربية أخرى إلى إيران عن طريق العراق. وقد تكونت جاليات عربية كبيرة في القرن الثاني الهجري في مناطق مختلفة من إيران. فقد كانت هناك جماعات عربية كثيرة العدد في كاشان وهمذان وأصفهان. بل وكان العنصر العربي سائدًا في منطقة "قم" ولكن أكبر تجمع عربي دخل إلى هذه المناطق استقر في منطقة خراسان، ففي منتصف القرن الأول الهجري هاجر عدة آلاف البصرة إلى خراسان، وعدة آلاف من الكوفة إلى خراسان أيضًا. وتتابعت الهجرات، وزادت نسبة العرب في خراسان، وما نكاد نصل إلى أوائل القرن الثاني الهجري حتى نجد عدد العرب في خراسان يقدر بمائتي ألف2. لم يعش العرب في خراسان في المدن فحسب، بل عاش بعضهم في الريف الإيراني أيضًا، واختلطوا بصورة متزايدة مع السكان الأصليين.
لقد كان العرب المهاجرون إلى هذه المناطق منتمين إلى قبائل مختلفة، ففيهم عرب من بكر ومن تميم ومن عبد القيس ومن الأزد3، ولكن استقرار هؤلاء العرب في الريف الإيراني واختلاطهم المتزايد مع أبناء اللغات واللهجات الإيرانية خلق في هذه المناطق ظاهرتين متوازيتين عدة قرون، فقد تعلم كثير من
1 حول العرب وهجراتهم إلى إيران انظر:
A، Christensen، L'Iran sous les sassanides، pp. 87- 126.
Spuler، Die، Mongolen in Iran، Leipzig 1955، 142- 49
وكذلك المصادر المذكورة في مادة "Arab" في الطبعة الانجليزية الثانية من Encyclopeadia of Islam،
2 انظر تاريخ الطبري 2/ 1929. وفي عهد قتيبة بن مسلم كان العرب في خراسان على نحو ما وصف البلاذري: "وبخراسان يومئذ من مقاتلة أهل البصرة أربعون ألفًا ومن أهل الكوفة سبعة آلاف ومن الموالي سبعة آلاف"، فتوح البلدان 596.
3 فتوح البلدان 584، 405