الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأجريتية:
تعد الأجريتية اللغة الوحيدة التي نعرفها من لغات الفرع الكنعاني الشمالي وأغلب الظن أن الأجريتية لم تكن وحدها في منطقة شمال الشام. فهناك لغات أخرى مثل العمورية بادت منذ زمن بعيد ولم تدون في نقوش، ولذا فليس لها صورة واضحة بين اللغات القديمة1. وتنسب اللغة الأجريتية إلى اسم مدينة عتيقة هي مدينة أجريت، وقد جاء اسم هذه المدينة الساحلية في مراسلات وجدت بالعراق ومصر من القرنين الثامن عشر والرابع عشر قبل الميلاد، واللغة الأجريتية هي آخر لغة سامية اكتشفت، وهي اللغة السامية الوحيدة التي اكتشفت في القرن العشرين، وقد بدأت الكشوف بالقرب من مدينة رأس شمراء على الساحل السوري 1929، فكشفت عن مجموعة كبيرة من النقوش الأجريتية، ولم تكن اللغة الأجريتية معروفة قبل هذا التاريخ، ولذا تخلو كتب اللغات وكتب النحو المقارن في اللغات السامية المؤلفة قبل هذا التاريخ من أية إشارة إلى اللغة الأجريتية2.
لقد كشفت هذه الحفريات عن عدد كبير من النقوش المدونة على ألواح طينية مكتوبة بخط مسماري، أي أن هذا الخط يشبه من ناحية الشكل ذلك الخط الذي كتبت به من قبل اللغات السومرية والأكادية والحيثية ولكن عدد الرموز
1 هناك أيضا بضع أسماء من لغة أو لهجة كنعانية شمالية وصلت إلينا من عهد حمورابي "1728- 1636ق. م" وكذلك من القرن الخامس عشر قبل الميلاد، إن هذه الأسماء يتضح منها انتماؤها إلى لغة كنعانية شمالية:
2 حول الأجريتية انظر:
C.H. gordon، ugaritic manual
والطبعة الأجريتية، انظر:
analecta orientalia 35، roma 1955.
والطبعة الموسعة المعدلة بعنوان:
C.H. gordon، ugaritic textbook. 3 vols grammar; glossary and indices text in transliteration. analecta orientalia 38 reprinted: roma 1965-67.
وأهم المعاجم J. Aistleitner، worterbuch der ugaritischen sprache، berlin 1963.
التي تتكرر في هذه النقوش الأجريتية الكثيرة يقل كثيرا عن عدد الرموز المستخدمة في الخط المسماري الأكادي، ويرجع هذا إلى سبب يتعلق بطبيعة الكتابة الأكادية واختلافها عن الكتابة الأجريتية. لقد كتب الأكاديون برموز مسمارية يدل كل منها بصفة عامة على مقطع، ولذا كانت هناك حاجة إلى استخدام مئات الرموز. ولكن الأجريتيين كتبوا برموز قليلة لا يتجاوز عددها الثلاثين. ومعنى هذا أن الأجريتيين بسطوا نظام الكتابة فلم تعد هناك حاجة لتعلم مئات الرموز، بل بسط الأجريتيون الرموز المكتوبة إلى عدد قليل. لقد عبر الأجريتيون عن كل صوت من أصوات اللغة بحرف واحد، ولذا كانت الحروف بعدد الوحدات الصوتية الموجودة في لغتهم، غير أنهم جعلوا للهمزة المفتوحة ثم للهمزة المضمومة ثم للهمزة المسكورة رموزا مختلفة، وهذا القصور في تدوين الهمزة أصبح ميراثا تناقلته كل الكتابات السامية الأبجدية بعد ذلك. وبذلك كان الأجريتيون أول من دون أية لغة من اللغات تدوينا صوتيا يقوم على أساس استخدام الحرف الواحد -دائما- للوحدة الصوتية الواحدة، وكانت الكتابة قبلهم إما صورية مثل الكتابة الهيروغليفية، أو مقطعية مثل الكتابة السومرية والأكادية، ولم تكن الكتابة الهيروغليفية صورية مائة في المائة كما لم تسلم الكتابة الأكادية من تأثيرات الكتابة السومرية؛ بمعنى أن يؤخذ الرمز الدال على الكلمة السومرية ويستخدم بمعناه في النقوش الأكادية. وابتكار الأجريتيين للأبجدية وهي نظام سهل يقوم على أساس صوتي منتظم مكن الإنسانية أن تمضي في ركب الحضارة وأن تصبح المعرفة شيئا متاحا لعدد كبير من البشر، بعد أن كانت في الحضارات الأقدم وقفا على نخبة من كبار رجال الدولة.
ولكن الكتابة الأجريتية تعد من جانب بعينه مختلفة عن الكتابة الأكادية، وقد امتد هذا القصور إلى الكتابات السامية الأبجدية عدة قرون بعد ذلك، كان الأكاديون يدونون الحركات، فالرمز المقطعي كان يدل على الصامت مع الحركة، وبذلك اختلف الرمز الخاص بالباء المفتوحة عن الرمز الخاص بالباء المكسورة عن الرمز الخاص بالباء المضمومة. ولذا يمكن التعرف على البنية
الصوتية للحركات الأكادية على نحو أفضل من معرفتنا بالحركات الأجريتية، فالأجريتيون لم يدونوا الحركات على الإطلاق، وتقوم كتابتهم على تدوين الصوامت فقط. وقد ظلت الكتابات السامية تدون الصوامت فقط على نحو ما فعل الأجريتيون ولا تدون الحركات عدة قرون بعد الميلاد.
لقد اتبع الأجريتيون لأول مرة في التاريخ النظام الأبجدي في تدوين اللغة وترجع كلمة الأبجدية إلى ترتيبهم للحروف التي كتبوا بها لغتهم1 فالحروف انتظمت عندهم وفق الترتيب التالي: أب ج د هـ وز ح ط ي ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت. وهذا الترتيب الأبجدي هو الأبجدية لأنه يبدأ بالألف والباء والجيم والدال. وقد ظل الترتيب الأبجدي للحروف سائدا عند كل الشعوب التي تعلمت الخط من الأجريتيين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأكثر النظم المعروفة في ترتيب الحروف ترجع بشكل مباشر إلى الترتيب الأبجدي الأجريتي أخذته كما هو أو عدلت فيه قليلا، فترتيب الحروف على النحو الأبجدي هو ترتيبها في العبرية وفي كل اللهجات الآرامية إلى اليوم.
النقوش الأجريتية تلي الأكادية من الناحية الزمنية، فالأكادية أول لغة سامية دونت، وكان هذا حوالي سنة 2500ق. م ثم دونت بعد ذلك اللغة الأجريتية حوالي 1400 ق. م ولذا تحمل اللغة الأجريتية سمات قديمة كثيرة، بل إنها تختلف -من هذا الجانب عن باقي لغات الفرع الكنعاني، وتقترب بذلك من العربية، فالعربية احتفظت بصفة عامة بالأصوات السامية الأولى، نجد في العربية مثلا تمييزا واضحا بين الحاء والخاء، وهذه هي الحال أيضا في الأجريتية، أما في العبرية والفينيقية فقد تحولت كل حاء وكل خاء إلى صوت واحد هو الحاء، وهناك تمييز بين العين والغين في العربية وكانت الأجريتية تميز بينهما أيضا، ولكن العبرية جعلت منهما صوتا واحدا هو العين. ويوضح تمييز الأجريتية بين أصوات اختلطت بعد ذلك في العبرية والفينيقية
1 انظر ما كتبه ماير: R. Mayer Hebrauache، Grammatik، 1، s. 37-39