الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الساكنة. وإذا حاولنا فهم كلامه على نحو صوتي لاحظنا أن الهمزة، ويعني بها الهمزة المحققة. إنما تنطق نتيجة التقاء تام يحدث إغلاقًا لحظيًّا في أقصى الحنجرة يتبعه انفراج مفاجئ فيصدر هذا الصوت الذي نعرفه بالهمزة. وهذا النطق يختلف اختلافًا أساسيًّا عن نطق الفتحة الطويلة، وهو ما يطلق عليه سيبويه "الألف". فالفتحة الطويلة إحدى الحركات، والحركات تختلف عن الأصوات الساكنة في اتساع مخرجها، وأنه لا يحدث ضيق شديد يسبب عقبة في سبيل تيار الهواء، فظهور العقبة ثم انفراجها من خصائص النطق بالأصوات الصامتة، أما الحركات فيمضي في النطق بها تيار الهواء من الداخل إلى الخارج دون عقبة، والهمزة من الأصوات الصامتة، ولكن الحركة الطويلة التي تكتب في الخط العربي بالألف ليست من الأصوات الصامتة. ويبدو أن تخفيف الهمزة كان يعني عند سيبويه أن الالتقاء الذي يحدث إغلاقًا لحظيًّا في أقصى الحنجرة لم يحدث، وأن الهواء المندفع إلى الحنجرة كان يمضي من دون أن يعترضه هذا الإغلاق الحنجري.
الإمالة:
من الظواهر التي ذكرها سيبويه ظاهرة الإمالة. والإمالة إحدى الظواهر الخاصة بنطق الفتحة الطويلة نطقًا يجعلها بين الفتحة الصريحة والكسرة الصريحة، يقول سيبويه في هذا:
"الألف تمال إذا كان بعدها حرف مكسور، وذلك قولك: عابد، وعالم، ومساجد. ومفاتيح
…
إنما أمالوها للكسرة التي بعدها، أرادوا أن يقربوها منها وجمع هذا لا يميله أهل الحجاز"1.
ويتضح من هذا النص أن الإمالة ظاهرة من ظواهر المماثلة، وتعني المماثلة
1 الكتاب 2/ 259.
أن صوتًا من الأصوات في كلمة أو ما يشبه الكلمة أثر في صوت آخر في نفس الكلمة فجعل نطقه قريبًا من نطقه، أي جعل نطقه مماثلا لنطقه. وفي شرح سيبويه لهذه الظاهرة تعليل بأن إمالة الفتحة الطويلة إنما حدث نتيجة لقربها من الكسرة، فيتحدث سيبويه عن الألف ونتحدث نحن عن الفتحة الطويلة، ويعتبر سيبويه الألف غير الممالة أصلا والممالة فرعًا، ونتحدث -نحن- عن نطق الألف الطويلة بصورة ما تجعلها قريبة -نطقًا- من الكسرة التي تلي اللام والباء. وهذا يعني أن الفتحة الطويلة الممالة إنما تأتي في محيط صوتي بعينه دون غيره، ومن هنا فنحن نتحدث عن صورة صوتية لا عن وحدة صوتية. فالفتحة الطويلة في تلك اللهجات لها صورتان: صورة بلا إمالة، وصورة بالإمالة، وكلتاهما وحدة صوتية واحدة، وكانت لهجة الحجاز القديمة لا تعرف الإمالة.
بقي أن نشير إلى المثال الأخير الذي ذكره سيبويه وهو "مفاتيح"، فالإمالة هنا في تفسير سيبويه أثر للكسرة، وكأنه تصور -في كلمة مفاتيح- الكسرة شيئًا والياء شيئًا آخر، فالواقع أن نظرة النحويين العرب للخط جعلتهم يتصورون أن ما نطلق عليه كسرة طويلة هو كسرة ثم ياء ساكنة، ولهذا لم يلاحظ سيبويه أن الإمالة حدثت كأثر لمد الياء "الكسرة الطويلة" وكفاه أن وجد الكسرة هنا وهناك، والصحيح أن الإمالة حدثت كأثر للكسرة الطويلة. هذا وقد علل سيبويه ظاهرة الإمالة بالتماس الخفة، وهذا الرأي هو التفسير السائد في علم اللغة إلى عهد قريب، فكان كل تطور يفسر بعامل السهولة في كثير من اللغات.
ولنحاول المضي قليلا مع سيبويه وهو يتحدث عن الإمالة. يقول سيبويه: "هذا باب ما يمتنع من الإمالة من الألفات
…
فالحروف التي تمنعها الإمالة هذه السبعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والغين، والقاف، والخاء. إذا