الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتح الله استخدام هذا المصطلح بهذا المعنى، كما أطلق أحمد رضا أيضا على معجمه متن اللغة.
وهكذا استخدم المؤلفون العرب قبل العصر الحديث، وتابعهم المؤلفون السلفيون في أوائل القرن العشرين بصفة خاصة مصطلحات اللغة وفقه اللغة وعلم اللغة ومتن اللغة في عناوين مؤلفاتهم أو وصفًا لجهود مؤلفي المعاجم وكتب المفردات اللغوية.
3-
علم اللسان وعلوم الأدب والعلوم العربية:
ترجع أول محاولة جادة1 لترتيب علوم اللغة في نسق واحد إلى الفارابي، وقد أطلق الفارابي على كل العلوم اللغوية اسما شاملا لها هو "علم اللسان"، يتألف علم اللسان عنده من عدة مجالات. يقابل "علم الألفاظ المفردة" في تصنيف الفارابي "علم الدلالة" في التصنيف الحديث. ويتناول "قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة وعندما تركب" البحث في الأصوات وبناء الكلمة وبناء الجملة على التوالي. ولكن الفارابي أدخل في علم اللسان بعض الموضوعات التي لا تدخل في علم اللغة بالمعنى الحديث، من ذلك علم الألفاظ المركبة التي صنعها خطباؤهم وشعراؤهم أي دراسة الشعر والنثر. ومن ذلك أيضا قوانين تصحيح الكتابة وقوانين تصحيح القراءة وقوانين الأشعار2. وهكذا ضم علم اللسان عند الفارابي علوم اللغة إلى جانب غيرها من العلوم والمهارات.
ويدل مصطلح علوم الأدب عند ابن الأنباري على علوم اللغة: النحو
1 ابن فارس الصحابي ص 9-20 ميز بين "علم العرب أصلا وفرعًا". وهو تمييز القضايا اللغوية من جانب ومعرفة الألفاظ ودلالاتها من الجانب الآخر.
2 انظر: إحصاء العلوم للفارابي، تحقيق عثمان أمين 1948. ص 47 - 50.
واللغة والتصريف وعلم الجدل في النحو وعلم أصول النحو بالإضافة إلى العروض والقوافي وصنعة الشعر وأخبار العرب وأنسابهم1. أي أن علوم الأدب تشمل عند ابن الأنباري مجموعة العلوم اللغوية والأدبية وما يتعلق بها من معارف.
وكان ابن الأنباري أول من اعتبر علم أصول النحو أي مناهج البحث النحوي علمًا قائمًا بذاته، وقد ألف فيه محتذيًا حذو المؤلفين في علم أصول الفقه يقول ابن الأنباري أصول النحو هي أدلة النحو التي تفرعت عنها فروعه وفصوله كما أن معنى أصول الفقه أدلة الفقه التي تفرعت عنها جملته وتفصيله.
والأديب عند ابن الأنباري وعند ياقوت الحموي هو المشتغل بهذه العلوم اللغوية الأدبية وما يرتبط بها من معارف، وبهذا المعنى ألف ابن الأنباري كتابه نزهة الألباء في طبقات الأدباء، وألف ياقوت الحموي إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب.
أما تصنيف السكاكي لعلوم اللغة فيقوم على أساس "مثارات الخطأ"، فالخطأ اللغوي يمكن أن يكون في بنية الكلمة وهذا موضوع علم الصرف وقد يكون في تأليف المفردات داخل الجملة وهذا موضوع علم النحو وقد يكون في مطابقة العبارة للمعنى وهذا موضوع علمي المعاني والبيان. واعتبر السكاكي علوم الصرف والنحو والمعاني والبيان بالإضافة إلى علم اللغة مجموعة علوم متكاملة انتظمت عنده في نسق واحد2.
وكان أبو حيان النحوي أول من أطلق مصطلح علوم اللسان العربي على علوم اللغة. وقد تابعه ابن خلدون في استخدام هذا المصطلح. تضم علوم اللسان
1 انظر: نزهة الألباء في طبقات الأدباء لابن الأنباري تحقيق: عطية عامر. ص 53، انظر: لمع الأدلة في أصول النحو، تحقيق: عطية عامر، ص 227.
2 انظر: مفتاح العلوم للسكاكي المؤلف سنة 716 هـ تقريبا ص 3، والبلاغة عند السكاكي لأحمد مطلوب ص 65.
العربي عند أبي حيان علم اللغة وعلم التصريف وعلم النحو. يتناول علم اللغة "مدلول مفردات الكلم" ويتناول علم التصرف "أحكام مفردات الكلم قبل التركيب" أما علم النحو فيتناول أحكام مفردات الكلم "حالة التركيب" وبذلك كان مصطلح "علوم اللسان العربي" عند أبي حيان شاملا لعلوم اللغة عند العرب دون غيرها من العلوم1.
ولا يقتصر مجال علوم اللسان العربي عند ابن خلدون على النحو واللغة بل ضم إليهما علم البيان وعلم الأدب، وبذلك لم يفصل ابن خلدون بين علوم اللغة بمعناها المحدد والدراسة الأدبية2.
ويقوم تصنيف طاشكبري زاده للعلوم اللغوية وما يتعلق بها من دراسات على أساس التمييز بين ما يتناول "المفردات" من جانب وما يتناول "المركبات" من الجانب الآخر3. ذكر طاشكبري زاده أن دراسة المفردات تتناول مجالات خمسًا، أولها: علم مخارج الحروف. ويعد هذا المصطلح أول تسمية محددة شاملة لما يطلق عليه في العصر الحديث علم الأصوات، فإذا كانت الدراسة الصوتية قديمة في التراث العربي فإن سيبويه والخليل ومن جاء بعدهما لم يضعوا لها تسمية خاصة وشاملة إلى أن جاء طاشكبري زاده وحاول في تصنيفه للعلوم أن يخصص هذه الدراسة. فأطلق عليها علم مخارج الحروف، وجعل هذا العلم أول مجالات البحث اللغوي، وبهذا اتفق طاشكبري زاده مع ما تعارف عليه اللغويون المحدثون بعده بقرون. يتناول علم مخارج الحروف معرفة تصحيح مخارج الحروف -كيفية وكمية- وصفاتها العارضة لها بحسب ما تقتضيه طباع العرب
…
ويستمد من العلم الطبيعي وعلم التشريح ويتضح من تحديد
1 انظر: الإدراك للسان الأتراك ص66.
2 مقدمة ابن خلدون 1254، وقد أطلق عليها ابن خلدون في موضع آخر ص1263 "العلوم اللسانية".
3 مفتاح السعادة ص99.
طاشكبري زاده لمكان علم مخارج الحروف في أول مجالات البحث اللغوي إدراكه العميق لأهمية علم الأصوات، بل ويعد فهمه لعلاقة البحث الصوتي بالعلم الطبيعي وبعلم التشريح سابقا لعصره ولكثيرين ممن جاءوا بعده.
وإلى جانب علم مخارج الحروف تضم دراسة المفردات عند طاشكبري زاده: "علم اللغة" ويبحث "جواهر المفردات وهيئاتها من حيث الوضع للدلالة على المعاني الجزئية" كما يضم "علم الوضع"، ويبحث في "تفسير الوضع وتقسيمه إلى الشخصي والنوعي والعام والخاص"، والمقصود بذلك دراسة الدلالات التي وضعت لها الألفاظ، ويضم أيضا "علم الاشتقاق" وموضوعه كيفية خروج الكلم بعضها عن بعض. وآخر مجالات دراسة المفردات: علم الصرف1 وعلى هذا تتناول دراسة المفردات عند طاشكبري زاده ما يقابل علم الأصوات وعلم بنية الكلمة وعلم الدلالة في مجالات علم اللغة الحديث. أما بنية الجملة فقد جعلها طاشكبرى زاده الموضوع الأول للبحث في المركبات، وتضم دراسة المركبات عنده النحو والمعاني والبيان والبديع والعروض والقوافي
…
إلخ2.... وبذلك ضم طاشكبري زاده
…
هذه الدراسات الأدبية مع علم النحو في إطار واحد.
ويتفق التهانوي في تصنيفه لما أطلق عليه العلوم العربية مع تصنيف هذه العلوم عند طاشكبري زاده اتفاقًا بعيدًا، ولكن التهانوي لم يخصص لعلم الأصوات قسمًا مستقلا كما فعل طاشكبري زاده. بل بدأ التهانوي حصره للعلوم العربية بعلم اللغة، ثم جاء علم الصرف، وعلم الاشتقاق، وعلم النحو، وعلم المعاني، وعلم البيان، وعلم العروض، وعلم القافية.....إلخ3 وقد
1 مفتاح السعادة ص100.
2 مفتاح السعادة ص144
3 كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 18- 19.
ظل مصطلح العلوم العربية مستخدمًا عند أصحاب الثقافة السلفية في العالم العربي الحديث. فقد صنف الشيخ المرصفي العلوم العربية إلى علم "متن اللغة" و"فقه اللغة" و"علم الصرف" و"علم النحو"، والفرق بين علم متن اللغة وفقه اللغة عند المرصفي أن الأول يبحث في "أوضاع الألفاظ لمعانيها" والثاني يبحث الألفاظ "باعتبار تخالفها في المعاني التي وضعت لها"1 أي أنه يعتبر علم متن اللغة هو معرفة المعاني الحقيقية للألفاظ وفقه اللغة هو دراسة الفروق في المعاني.
وهكذا تنوعت التسميات التي أطلقت في مراحل تاريخية مختلفة على مجال البحث في اللغة، ولذا تعتبر هذه المصطلحات جزءًا من تاريخ البحث اللغوي. وينبغي أن نترك هذه المصطلحات للحديث في تاريخ العلم على أن تكون المصطلحات الحديثة قائمة على أساس النظرية الحديثة لعلم اللغة.
1 الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية 1/ 20.