الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن اللغة المصرية القديمة لغة سامية وفسر إرمان أوجه الشبه بين اللغات السامية واللغة المصرية القديمة بأن هذه اللغة قد انفصلت في وقت مبكر عن الأسرة السامية وشقت طريقها وحدها عدة آلاف من السنين1 وشبيه بهذا أمر العلاقة بين اللغات السامية وتلك اللغات المسماة بالحامية. كان البعض يجعل: لغات البربر، والنوبة ولغة الهوسا والفولبا، واللغات الكوشية مثل: لغات البشارية، والبجه، والماهو، والجالا، والصومالية وغيرها ضمن أسرة لغوية واحدة، أطلقوا عليها اسم الأسرة الحامية، وقد أدت دراسة أوجه الشبه بين هذه اللغات واللغات السامية إلى افتراض أنها جميعًا تكون أسرة لغوية كبرى وأن اللغات الحامية قد انفصلت عن اللغات السامية2 في وقت مغرق في القدم، فشق كل فرع لغوي طريقه المستقل في التغيير اللغوي، ويقول هذا الرأي أيضا بأن اللغة المصرية القديمة قد انفصلت عن الأسرة الكبرى في مرحلة تالية، واحتفظت لذلك بقدر أكبر من الملامح المشتركة مع اللغات السامية.
1 انظر بحث إرمان erman المنشور في: ZDMG 46، 125 ff.
2 انظر الدراسات التالية:
pratorius. UPer die hamitischen sprachen ostafrikas، beitrage zur assyriologie، II 312-41.
A. meillet، m. cohen، les langues du monde. paris 1928.
وفي هذا الكتاب عرض مفصل للغات الحامية السامية:
m. clhen، essai copatatif du chamitosemitique paris 1947.
4-
اللغات السامية واللغة الليبية القديمة
وفي السنوات الأخيرة اهتم اللغوي الألماني روسلر ببحث لغة النقوش الليبية القديمة المسماة بالنقوش النوميدية1. وأثبت روسلر بما لا يقبل الشك أن اللغة النوميدية لغة سامية انفصلت عن اللغات السامية في الشرق في مرحلة مغرقة في القدم، ثم تطورت بعد ذلك في اتجاه خاص جعلها تختلف إلى حد كبير عن باقي
1حول خصائص اللغة النوميدية: انظر:
o. rossler، die sprache numidiens. festschrift hans krahe
اللغات السامية1 واستطاع روسلر أن يفسر كثيرًا من الجوانب الصوتية والصرفية والمعجمية في اللغة النوميدية القديمة باعتبارها تغيرات حدثت فيها بعد انفصالها عن الأصل القديم المشترك. لاحظ روسلر عدم وجود أصوات حلق في اللغة النوميدية. لكنه فسر هذا باعتبار أن النوميدية عرفت أصوات الحلق قديما بدليل وجودها في اللغة الصومالية التي تمت بصلة القرابة مباشرة للغة الليبية القديمة. فوجود أصوات الحلق في الصومالية دليل على أنها كانت موجودة في اللغة النوميدية في أقدم مراحلها. وقد أوضح روسلر اشتقاق كثير من الكلمات النوميدية على أساس المقارنة باللغات السامية في المشرق، فكلمة "بُِن" بكسر الباء أو ضمها تعني في النوميدية واللغات البربرية التي تطورت عنها ما يعبر عنه في اللغات السامية بالمشرقية بكلمة "بيت" ومعنى هذا أن اللغة النوميدية اشتقت من المادة اللغوية الخاصة بالبناء كلمة تدل على البيت، بينما اشتقت اللغات السامية المشرقية من نفس المادة اللغوية كلمات تدل على الاتصال الجنسي بالمرأة والإنجاب منها، ونجد كلا المعنيين في المادة العربية "بنى": بنى البيت، بنى بالمرأة، فكأن الفعل العربي "بنى" ضم المعنيين: بناء البيت، والبناء بالمرأة أي الدخول بها والإنجاب، أما الكلمة العربية "بيت" فترتبط بالفعل "بات" أي قضى الليل، أي أنها من مادة لغوية مخالفة، وتثبت المواد اللغوية النوميدية التي بحثها روسلر أن اللغة النوميدية لغة سامية قديمة، ولكنها خضعت لمؤثرات إفريقية جعلتها تتخذ طابعها الخاص المتميز.
وهكذا أوضحت الأبحاث حول اللغات السامية بالمعنى الضيق، واللغة المصرية القديمة، واللغة النوميدية أو الليبية القديمة أوجه الشبه بين كل هذه
1 انظر كذلك بحث روسلر Rossleer عن الطابع السامي للغة الليبية:
Der Semitische Charakter der Iibyschen sprache.
المنشور في: Zeitschrift fur Assyriologie العدد 50.
كذلك البحث التالي: Libysh- Hamitisch - Semitich
المنشور في: Oriens Vol 17، 1964، S. 199-216.
اللغات. وترجع صعوبة البحث في هذا الموضوع إلى طبيعة المادة المدونة المتاحة، فالمادة المتاحة باللغة المصرية القديمة مدونة في أكثر الأحوال بخط صوري لا يعكس الخصائص الصوتية، والنقوش النوميدية قليلة جدًّا وتزيد هذه الصعوبة إذا أدخلنا في مجال المقارنة اللغات الأخرى، في الأسرة الأفروأسيوية ومنها اللغات الكوشية واللغات التشادية1 ومشكلة هذه المقارنات أنها لا يمكن أن تقارن بالمنهج التاريخي المقارن المتعارف عليه في بحث اللغات القديمة، فكثير من هذه اللغات لم يدون إلا منذ سنوات معدودة، ومن الطبيعي ألا يجد الباحث أوجه شبه كثيرة بين هذه اللغات القديمة البائدة والحديثة التي لم تكد تدون. شأن هذا البحث شأن من يقارن اللغة الفرنسية واللغة الروسية المعاصرة باللغة السنسكريتية وهذه مشكلة عامة في تصنيف اللغات الإفريقية وغيرها من اللغات التي ليست لها نصوص قديمة مدونة، وقد أثبت اللغوي الأمريكي جرينبرج وجود سمات بنوية مشتركة في كل أفراد الأسرة الأفروأسيوية: السامية، والبربرية، والمصرية القديمة، والكوشية، والتشادية، وأهم هذه السمات: التمييز بين المذكر والمؤنث باستخدام التاء للتأنيث، واستخدام النون للربط بين وحدتين صرفيتين، مثل نون الوقاية في العربية، ووجود الضمائر المتصلة، واستخدام الواو كصوت علة يسقط كثيرًا، وتكوين عدد من المشتقات بأبنية تبدأ بالميم مثل اسم المكان واسم المفعول في العربية2. وكل هذه الدراسات الصعبة توضح أن اللغات السامية ليست أسرة لغوية مستقلة كل
1 انظر
J.H. Greenberg Languages of Africa. Indiana University 1966 p. 42-65.
2 المرجع المذكور ص46-48.
الاستقلال، وأغلب الظن أنها تشكل فرعًا من الأفرع الخمسة للأسرة الأفروأسيوية1.
1 لا يدل مصطلح الأفروأسيوية عند جرينبرج على ما كان غيره يصفه بمصطلح الحامية السامية فهناك اختلافات بين رأيه في تصنيف اللغات ورأي الباحثين السابقين عليه، فاللغة القولانية لا تدخل في تصنيف جرينبرج ضمن اللغات الأفروأسيوية بينما جعلها باحثون آخرون من اللغات الحامية. ولم يكن ثمة يقين حول انتماء لغة الهوسا إلى السامية- الحامية وقد أثبت جرينبرج أن لغة الهوسا وباقي اللغات التشادية تكون فرعًا من أفرع المجموعة اللغوية الكبرى "الأفروأسيوية". انظر المرجع السابق ص45.