الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد جمعوا في هذا الكتاب ترانيمهم الدينية وآراءهم في الدين فأصبحوا بعد الفتح الإسلامي من أهل الكتاب، وبذلك أتيحت لهم في إطار الدولة الإسلامية حقوق أهل الكتاب، ولا يزال المندعيون يتعاملون داخليا بلهجتهم الآرامية إلى اليوم وهم يعيشون في عدة قرى في جنوب العراق.
وهكذا ارتبطت اللهجات تارة بالمسيحية، وأخرى باليهودية، وثالثة بالصابئة، ولكنها كانت في كل هذه الأحوال -وفي غيرها أيضا- في منطقة سادتها العربية بعد الفتح الإسلامي.
4-
العربية الجنوبية:
تكون العربية الجنوبية والعربية الشمالية واللغات السامية في الحبشة الفرع الجنوبي من اللغات السامية. وهناك خصائص مشتركة لا نجدها إلا في لغات الفرع الجنوبي من اللغات السامية منها ظاهرة جمع التكسير، فكل الجموع في اللغات السامية الأخرى يمكن أن توصف بأنها من الجمع السالم. أما المجموعة الجنوبية فقد أفادت من الجمع السالم، وطورت أيضا عدة أبنية لجموع التكسير1 وأول لغة من الفرع الجنوبي كان لها دور في التاريخ هي اللغة العربية الجنوبية.
1 انظر دراسات:
murtonen، early semitic. leiden 1967.
murtonen، broken plurals. leiden 1964.
القديمة التي عرفت قديما باسم الحميرية. وقد اكتشفت النقوش العربية الجنوبية القديمة في القرن التاسع عشر، وأمكن بعد فك رموز خطها المسند التعرف على مضمون هذه النقوش وتحليل خصائصها اللغوية1. ترجع النقوش العربية الجنوبية القديمة إلى فترة امتدت أكثر من ألف عام، فأقدم هذه النقوش من القرن الخامس قبل الميلاد، ويؤرخه البعض بالقرن الثامن قبل الميلاد. أما آخر هذه النقوش فيرجع باتفاق الباحثين إلى الربع الثالث من القرن السادس الميلادي2 ومعنى هذا أن النقوش العربية الجنوبية القديمة ترجع إلى أكثر من عشرة قرون. وعندما قلت النقوش الجنوبية في أواخر القرن السادس الميلادي كانت العربية الشمالية قد بدأت تنتشر في المنطقة اللغوية الجنوبية.
وقد وجدت النقوش العربية الجنوبية في النصف الجنوبي من الجزيرة العربية، فقد كانت المنطقة اللغوية العربية الجنوبية تضم الأقاليم الحالية لدولتي اليمن والقسم الجنوبي من المملكة السعودية، وهناك عدد من النقوش الجنوبية خارج هذه المنطقة، فقد أقام عدد من عرب الجنوب محطات تجارية في شمال غرب الجزيرة العربية، مثل ديدان التي توجد في مكانها اليوم مدينة العلا. وقد
1 حول الأبحاث التي أنجزت وما ينبغي القيام به في الدراسات العربية الجنوبية، انظر التقرير، الذي كتبته ماريا هوفنر:
M. Hofner، stand und aufgaben der sudarabischen forschung، in; beitrage zur arabistik، semitistik، hartmann 1944، s. 42 ff.
والفصل الذي كتبته مارسا هوفنر أيضا بعنوان:
Das sudarabische der inschriften und der lebenden Mundarten، in: handbch der orientalistik III، 314-341.
وقد اهتمت جامعة القاهرة منذ إنشائها "باسم الجامعة المصرية" بدراسة النقوش العربية الجنوبيةوطبع بجامعة القاهرة كتاب للمستشرق جويدي "الموجز في علم اللغة العربية الجنوبية1930، وقد نشر خليل يحيى نامي عددا من النقوش العربية الجنوبية القديمة.
2 حول التوزيع الجغرافي والتاريخ للنقوش العربية الجنوبية انظر:
A.F.L. Beeston، A descriptive grammar of epigraphic south arabian. london 1962.
وجدت في العلا عدة نقوش كتبها عرب الجنوب بلغتهم. وفضلا عن هذا فقد ترك بعض الرحالة والتجار اليمنيين نقوشا دونوها في خارج الجزيرة العربية، فقد وجدت عدة نقوش في صعيد مصر مكتوبة بالعربية الجنوبية، كما وجد نقش في جزيرة دبلوس. وقد انتشر عرب الجنوب أيضا في شرق إفريقيا؛ فأقدم النقوش التي وجدت في الحبشة ليست مدونة بإحدى اللغات المنسوبة إلى الحبشة بل هي بالعربية الجنوبية القديمة.
كتبت النقوش العربية الجنوبية القديمة بخط أبجدي يتكون من تسعة وعشرين رمزًا. ويقوم الخط المسند على أساس تدوين الصوامت فقط، فهو خط لا يدون الحركات لذا تظل معرفتنا بطبيعة الحركات في اللغة العربية الجنوبية القديمة مجرد افتراض يقوم على القياس مع أقرب لغتين إلى العربية الجنوبية وهما العربية الشمالية ولغة الجعز الحبشية. وهناك نصوص كتبت بعناية Inseriptions وأخرى دونها أفراد بسطاء بخط أقل وضوحا ويطلق عليها الجرافيتي Graffiti
وأهم اللهجات العربية الجنوبية القديمة: السبئية والمعينية والقتبانية والحضرمية والهرمية. وأكثر النقوش التي وجدت تمثل اللهجة السبئية. وهي نقوش كتبت في حوالي ألف عام. ولذا فالمعرفة باللهجة السبئية تفوق المعرفة بباقي اللهجات العربية الجنوبية القديمة، ومن السمات الأساسية في اللهجة السبئية استخدام الهاء في تكوين عدد من الصيغ الصرفية، فوزن التعدية في العربية الشمالية أفعل يقابله في السبئية وزن هفعل ولذا يعد الفعل أراق بوزن أفعل أصيلا في العربية الشمالية، بينما يعد الفعل هراق دخيلا من العربية الجنوبية إلى العربية الشمالية.
أما اللهجة المعينية فقد وجدت نقوشها في منطقة معين قرنا وبرافش في اليمن، كما وجدت أيضا في المستعمرة المعينية في ديدان في شمال غرب الجزيرة العربية، ويبدو أن اللهجة المعينية لم تعمر طويلا، فكل نقوشها ترجع إلى الفترة السابقة على الميلاد بينما ظلت اللهجة السبئية عدة قرون بعد هذا التاريخ. والسمة
الفارقة بين بنية السبئية وبنية المعينية هي استخدام الهاء في السبئية واستخدام السين في المعينية، فوزن أَفْعَلَ في العربية الشمالية يقابله وزن هَفْعَلَ في السبئية ويقابله وزن سَفْعَلَ في المعينية.
أما اللهجات الأخرى وهي القتبانية والحضرمية والهرمية فيبدو أنها أقل انتشارا. وتنسب اللهجة القتبانية إلى مملكة قتبان في وادي بيحان وحريب، وتنسب اللهجة الحضرمية إلى حضرموت، وقد وجدت أكثر نقوشها في منطقة شبوة ووادي حضرموت وساحل حضرموت، وقد عمرت اللهجة الحضرمية أكثر من اللهجة القتبانية، فآخر النقوش القتبانية يرجع إلى القرن الأول الميلادي بينما ظلت الحضرمية حتى القرن الثالث الميلادي على أقل تقدير، وكلا اللهجتين تشبهان اللهجة المعينية من ناحية استخدام السين ولكنهما تختلفان عنها من جوانب أخرى.
وأقل اللهجات العربية الجنوبية شأنا هي اللهجة الهرمية المنسوبة إلى منطقة هرم في غرب معين قرناو. وأهم خصائص هذه اللغة المحددة الانتشار قديما استخدام حرف الجر "من" على نحو استخدامه في العربية الشمالية وبذلك خالفت اللهجة الهرمية باقي اللهجات العربية الجنوبية لأنها تستخدم بدلا من هذا الحرف كلمة "بن" وهذا التقسيم يقوم في المقام الأول على الخصائص اللغوية لا على التوزيع المكاني ففي كل المواضع التي وجدت فيها نقوش عربية جنوبية قديمة تنوعت اللهجات، فليست كل النقوش الموجودة في منطقة هرم مكتوبة باللهجة الهرمية بل هي أيضا بالسبئية والمعينية.
وبعد انهيار سد مأرب هاجرت قبائل عربية جنوبية إلى الشمال ولم تكن القبائل المهاجرة في وضع اقتصادي طيب، ولذا تعربت بعربية الشمال ولم يبق لها من الأصل القديم إلا الذكرى والنسب، حتى إن شعراء هذه القبائل قبل الإسلام مثل امرئ القيس نظموا شعرهم بالعربية الشمالية، يضاف إلى هذا أن الإسلام قد ساعد على انتشار العربية الشمالية في اليمن فتعرب جنوب