الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معلقة عبيد عبيد بن الأبرص الأسدي
هو
عبيد بن الأبرص، بن حنتم، وقيل: ابن جشم من بني أسد، ويتصل نسبه بمضر
، كان اسم أمه أمامة، ولا يعرف زمن مولده، وكان يعد في شعراء الجاهلية من الطبقة الأولى، على أن محمد بن سلام جعله في الطبقة الرابعة من شعراء الجاهلية، وقرن به طرفة وعلقمة بن عبدة، وقال فيه: عبيد بن الأبرص قديم الذكر، عظيم الشهرة، وشعره مضطرب، ذاهب لا أعرف إلا قوله في كلمته:(أقفر من أهله ملحوب) ولا أدري ما بعد ذلك.
وعبيد سيد من سادات قومه، وفرسانهم المشهورين، وكان في أيامه حجر بن الحارث أبو امرئ القيس الشاعر ملكًا على بني أسد، فنادمه عبيد، ثم تغير عليه حجر، وأخذ يتوعده في شيء بلغه عنه، ثم استصلحه، فقال عبيد يخاطبه:
أبلغ بني كرب عني وإخوته
…
قولًا سيذهب غورًا بعد أنجاد
ولما تمرد بنو أسد على حجر، وأبو أن يدفعوا الجباية، وقتلوا رسله، غضب وسار إليهم بجنده، وأخذ أشرافهم، وجعل يقتلهم بالعصا، فسموا عبيد العصا، وحبس منهم عمرو بن مسعود بن كندة، بن فزارة الأسدي، وكان
سيدًا، وعبيد بن الأبرص، وأباح أموالهم، وصيرهم إلى تهامة، وأبي أن يساكنهم في بلد، فسارت بنو أسد ثلاثًا، ثم إن عبيدة قام فقال: أيها الملك اسمع مقالتي:
يا عين فابكي بني أسد
…
فهم أهل الندامة
فرق قلب حجر حين سمع قوله، فبعث في أثرهم، فأقبلوا، ولم يطل الأمر حتى ثاروا عليه وقتلوه، فهددهم ابنه امرؤ القيس بفرسان قحطان، وبأنه سيحكم فيهم ظبي السيوف، وشبا الأسنة شفاء لقلبه وثأرًا بأبيه، انظر الكلام على حياة امرئ القيس، فخاطبه عبيد بقصيدة يفتخر فيها بمآثر قومه، ويتحداه قال:
يا ذا المخوفنا بقتل أبيه إذلالًا وحينًا
ويذكر أن عبيدًا عمر طويلًا جعله ابن رشيق ثلاثمائة سنة، وفيه مبالغة.
وعبيد من الشعراء الجاهليين الذين وضعت حول موتهم الأساطير شأن امرئ القيس، والحلة المسمومة، وطرفة وتفاصيل مقتله، وكلها تدل على أنه قتل بأمر المنذر بن ماء السماء الملك، فقد كان له يوم بؤس ويوم نعيم، وكان يقتل أول من رأى في يوم بؤسه فرآه في يوم يؤسه فقتله.
وشعر عبيد منثور في كتب الأدب، وله ديوان عثر على مخطوطته المستشرق الانكليزي السر تشارلس ليال، فحققه وطبعه وعلق حواشيه، وألحق به في ملحق وذيل ما وجده لعبيد من شعر في كتب العرب، ونقله إلى الإنكليزية وختمه بفهارس متعددة كلها جزيل الفائدة.
وشعر عبيد هو شعر الجاهلية الأولى بما فيه من مادية وعزة وأنفة، وصدق وغلو في الفخر، وبما فيه من تعدد المواضيع في القصيدة الواحدة،
والوقوف على الأطلال والبكاء عليها، وسؤالها عن الأحبة، ووصف للظعائن، ورسم مخطط جغرافي للأماكن التي تمر بها، وبما يحتويه من وصف الناقة وتشبيهها بالثور الوحشي، ثم الانصراف إلى الفخر والتغني بأمجاد القبيلة، التي ينتمي إليها الشاعر، أو إلى الغرض الذي شاء أن يرمي إليه.
ولغة عبيد خشنة جافة، وحشية الألفاظ أحيانًا، وبعض قوافيه عويص كالصاد والضاد والطاء، مما لا يمكن فهمه دون اللجوء إلى المعاجم، وربما مرت بك ألفاظ لا يمكن أن يعاد اشتقاقها إلى مادة صريحة في كتب اللغة.
وأكثر ما تكون خشونة ألفاظه في وصف الديار الخالية، ووصف الناقة والحرب، أما في غير ذلك فتلطف بعض اللطف وتنجلي، وكثير من أوزانه يشوبه الوهن والاضطراب كما يظهر لك ذلك في بعض أبيات معلقته، مما يدل على أن الأوزان كانت لا تزال متقلقلة في أيامه، وهذا ما جعل ابن سلام يقول عنه: وشعره مضطرب اهـ من الديوان بتصرف.
وذكر التبريزي نقلًا عن محمد بن عمرو بن أبي عمرو الشيباني أن عبيد بن الأبرص كان رجلًا محتاجًا، ولم يكن له مال، فأقبل ذات يوم، ومعه غنيمة، ومعه أخته ماوية، ليورد غنمه. فمنعه رجل من بني مالك بن ثعلبة، ورده أسوأ رد، فانطلق حزينًا مهمومًا لما صنع به المالكي، حتى أتى شجرات، فاستظل هو وأخته تحتهن، فناما، فزعم أن المالكي نظر إليه نائمًا، وأخته إلى جنبه، فقال:
ذاك عبيد قد أصاب ميا
…
يا ليته ألقحها صبيا
فحملت فولدت ضاويا
فسمعه عبيد فساءه ذلك، فرفع يديه نحو السماء، فابتهل فقال: اللهم إن كان هذا ظلمني ورماني بالبهتان فأدلني منه، ثم نام، ولم يكن قبل ذلك