الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويبدو لنا أيضًا أن الذي حمل عنترة على نظم معلقته هذه، هو عين الدافع الذي حمله على نظم أكثر شعره ألا وهو التغزل بعبلة ابنة عمه، والتغني بمناقبه ومحامده، لأن الشعر كان لدى عنترة وسيلة للتنويه بمآثره والافتخار بشجاعته وسجاياه، ولم يكن وسيلة للتكسب شأن المعاصرين له من الشعراء.
والملاحظ أنه بدأ معلقته بذكر عبلة ابنة عمه وبعد دارها، ثم وصف ناقته، ووصف نفسه بأنه لا يظلم أحدًا، ولا يجرؤ أحد على ظلمه، وبأنه يشرب الخمر، فيكون شريفًا كريمًا في شربه وصحوه، ثم وصف شجاعته وبطشه بأعدائه، وصور فرسه تصويرًا جميلًا، رفعه فيه إلى درجة الإنسانية بأنه يعقل، وفي معلقته من شرف المعاني، وسهولة اللفظ، وحسن الانسجام، ومتانة التعبير والموسيقى ما جعل الكثير يسمونها بالسلاسل الذهبية، وهي من البحر الكامل، اهـ من المراجع الموجودة التي اطلعت عليها.
فائدة: يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنا ألف فارس حازم، قال: وكيف يكون ذلك؟ قال: كان قيس بن زهير فينا، وكان حازمًا، فكنا لا نعصيه، وكان فارسنا عنترة، فكنا نحمل إذا حمل، ونحجم إذا أحجم، وكان فينا الربيع بن زياد، وكان ذا راي، فكنا نستشيره ولا نخالفه، وكان فينا عروة بن الورد، فكنا نأتم بشعره، فكنا كما وصفت لك، فقال عمر رضي الله عنه: صدقت.
تنبيه: أبيات هذه المعلقة من البحر الكامل.
1 - هل غادر الشعراء من متردم؟
…
أم هل عرفت الدار بعد توهم
؟
المفردات. غادر: انظر البيت رقم -11 - من معلقة لبيد. الشعراء: جمع شاعر، والأصل في فعلاء أن يكون جمع فعيل، مثل ظريف وظرفاء وشريف وشرفاء، لأن فعيلًا إنما يقع لمن قد كمل ما هو فيه، فلما كان شاعر
إنما يقال لمن عرف بالشعر شبه بفعيل، ودخلته ألف التأنيث الممدودة لتأنيث الجماعة، كما تدخل في صياقلة وزنادقة، وقد سمي الشاعر شاعرًا لفطنته، وهو الفقيه أيضًا، والشاعر مأخوذ من قولهم: ما شعرت بهذا الأمر، أي ما فطنت له. المتردم: هو من قولك: ردمت الشيء إذا أصلحته، وقال الأصمعي: ردم ثوبك، أي رقعه، ويقال: ثوب مردم، أي مرقع، فصار المعنى: هل ترك الشعراء شيئًا يرقع، وإنما هذا مثل، يقول: هل تركوا مقالًا لقائل، أي هل تركوا فنًا من الشعر لم يسلكوه، هذا ويروى (من مترنم) بدل (من متردم) والترنم صوت خفي ترجعه بينك وبين نفسك.
أم هل: إنما دخلت (أم) على (هل) وهما حرفا استفهام لأن هل ضعفت في حروف الاستفهام، فأدخلت عليها (أم) كما أن (لكن) ضعفت في حروف العطف لأنها تكون مثقلة ومخففة من الثقيلة وعاطفة، فلما لم لم تقو في حروف العطف أدخلت عليها الواو، ونظير هذا ما حكي عن الكسائي انه كان يجيز: جاءني القوم إلا حاشا زيد، لأن حاشا ضعفت عنده إذ كانت تقع في غير الاستثناء، وقال الزوزني: وأم ههنا معناه بل أعرفت، وقد تكون (أم) بمعنى (بل) مع همزة الاستفهام، وقال أيضًا: ويجوز أن تكون (هل) ههنا بمعنى قد مقوله تعالى: {هل أتى على الإنسان} أي قد أتى. الدار: انظر البيت رقم -2 - من معلقة زهير. توهم: أراد به هنا الإنكار، ويحتمل أن يكون بمعنى الظن، والتوهم في الحقيقة إنما هو نوع من الشك، وهو إدراك الطرف المرجوح.
المعنى يقول: هل ترك الشعراء فنًا من فنون الشعر لم يسلكوه، ثم هل عرفت دار المحبوبة بعد شكك فيها ففي البيت تجريد لا يخفى حيث جرد شخصًا من نفسه، وخاطبه.
الإعراب. هل: حرف استفهام. غادر: فعل ماض، الشعراء: فاعل.