الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معلقة عنترة بن شداد العبسي
اسمه ونسبه
هو
عنترة بن شداد الذي ينتهي نسبة إلى قبيلة بني عبس، فبني غطفان، فبني قيس، أمه أمة حبشية، يقال لها: زبيبة
، سباها أبوه في بعض الغارات؛ وكان لها ولد عبيد من غير شداد، وكانوا إخواته لأمه، فولدت له عنترة فجاء أسود اللون، مشقوق الشفة السفلي، وقد عد لسواده من أغربة العرب، لأن السواد لم يكن شائعًا في العرب، وعدوا منهم غير عنترة، خفاف بن ندبة، والسليك بن السلكة وكلهم من الشعراء الفتاك في الجاهلية، وكل واحد منهم ينسب إلى أمه.
وكان من عادة العرب في الجاهلية استرقاق أولاد الإماء، فنشأ عنترة عبدًا لأبيه يرعى إبله. يحتقره أفراد عشيرته لأنه عبد، ويأبون أن يشاطروه ما يحصلون عليه من الأسلاب في غزواتهم، ويلقبونه بابن السوداء، فحز ذلك في نفسه؛ وكان محبًا لعبلة ابنة عمه مالك، ولكن دمامة خلقه ووضاعة نسبه كانتا تجعلانه غير جدير بها، فرأى أن خير ما يمحو به دمامة شكله، وهجنة نسبه، أن يكون فارسًا مقدامًا، فينال شرف الدفاع عن قبيلته، وتعلو منزلته، ويصبح جديرًا بابنة عمه؛ ويظفر بحريته، وقد نال حريته فعلًا بفضل استبساله في الدفاع عن قومه.
فيذكر لنا أبو الفرج في الأغاني أن بعض أحياء العرب، أغاروا على بني
عبس، فأوقعوا فيهم واستاقوا إبلًا لهم، فلحقهم العبسيون، فقاتلوهم عما معهم، وعنترة يومئذ فيهم. فقال له أبوه: كر يا عنترة، فقال: العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب والصر، فقال: كر وأنت حر، فكر وهو يقول:
أنا الهجين عنتره
…
كل امرئ يحمي حره
أسوده وأحمره
…
والشعرات المشعره
الواردات مشفره
وقاتل يومئذ قتالًا حسنًا، فادعاه أبوه بعد ذلك وألحقه بنسبه. وقد أشار عنترة في شعره أكثر من مرة إلى أن له من شجاعته وبطولته ما يغنيه عن شرف النسب كقوله:
إني آمرو من خير عبس منصبًا
…
شطري، واحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت
…
ألفيت خيرًا من معًم مخول
يقول: إن أبي من أكرم عبس بشطري، والشطر الآخر ينوب عن كرم أمي فيه ضربي بالسيف، فأنا خير في قومي ممن عمه وخاله منهم، وهو لا يغني غنائي، وهذان البيتان من قصيدة، قالها في حرب داحس والغبراء، وقد أنفق عنترة حياته في الحروب والغزوات، واشترك في حرب داحس والغبراء التي قامت بين عبس وذبيان، وقتل فيها ضمضمًا المري، وقد أشار إلى ذلك، في معلقته.
وكان دون ريب، فارسًا مغوارًا وبطلًا شجاعًا، رفع رأس قبيلته عاليًا، ولكن شجاعته لم تصل إلى حد التهور، كما تصورها القصص، وقد نقل عن الهيثم بن عدي أنه قيل لعنترة: أنت أشجع الفرسان، وأشدها، قال: لا، قيل: فبماذا شاع لك هذا في الناس؟ قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزمًا، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزمًا، ولا ادخل إلا موضعاً أرى لي منه مخرجًا،
وكنت أعتمد الضعيف الجبان، فأضربه الضربة الهائلة يطير لها الشجاع فأثنى عليه فأقتله.
وكان عنترة إلى شجاعته، طيب الشمائل، حسن المخالقة، عفيفًا كريمًا، وكان شعره يدور كله حول الفخر بشجاعته، وكرم أخلاقه، والتغزل بابنة عمه عبلة.
أما سنة ولادته ووفاته فلا يسعنا تحديدهما على وجه الدقة، شأنه في ذلك شأن أغلب الجاهليين، ولكن أغلب الروايات تدل على أنه كان من المعمرين، وأنه توفي أو قتل، قبيل الإسلام، بعد حرب داحس والغبراء التي اشترك فيها، والتي انتهت حوالي سنة 610 م، وقد ذكر أنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، ونزول الوحي عليه-.
والروايات مختلفة في خبر موته، فأبو عبيدة يروي أن رجلًا من بني نبهان يدعى زر بن جابر (وكان غزاهم، وهو شيخ كبير) رماه بسهم فقتله، ويروى أيضًا أنه خرج في طلب دين له، بعد أن أسن وعجز، فأصابته ريح وقتلته، وأما أبو عمرو الشيباني، فيروي أنه قتل على إثر غزوة مع بني عبس غزا فيها طيئًا، فانهزمت عبس فسقط عن فرسه، وعجز عن امتطائه لكبره، فدخل دغلًا، فأبصره ربيئة طيئ فقتله، والمرجع الأول لأنه قال في شعره:
وإن ابن سلمى عنده فاعلموا دمي
…
وهيهات لا يرجى ابن سلمى ولا دمي
يحل بأكناف الشعاب وينتمي
…
مكان الثريا ليس بالمتهضم
رماني ولم يدهش بأزرق لهثم
…
عشية حلو بين نعف ومخرم
وابن سلمى هو زر بن جابر النبهاني، فقد روي في الأغاني: وكان زر بن جابر النبهاني في فتوة، فرماه، وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه، فتحامل بالرمية حتى أتى أهله، فقال وهو مجروح الأبيات.
هذا عنترة كما يصوره التاريخ وكما يصوره شعره، وهذا مجمل ما عرف عن حياته ولكن عنترة صار فيما بعد بطلًا لقصة عرفت (بسيرة عنترة) وقد صور فيها بطل من أبطال الأساطير، وأضيفت إليه قصص البطولة الخارقة، التي تجعله يستقبل الجيوش وحده غير هياب، فيتغلب عليها، ويبيدها، وتعرض لأخطر المهالك، ويخرج منها سالمًا، ولم تقتصر السيرة على اختراع الوقائع والأحداث، وإضافتها إلى عنترة، بل أضافت إليه أيضًا كثيرًا من الشعر المهلهل الركيك الذي اختلط بالصحيح من شعره.
ولم يعرف من هو واضع سيرة عنترة، ويرجح أنها ليست من وضع مؤلف واحد، وذكروا من أسباب وضعها أن ريبة حدثت في بلاط الخليفة العزيز بالله الفاطمي -975 - 996 م، لهج بها الناس كثيرًا، فأشار الخليفة على رجل يدعى يوسف بن إسماعيل المصري بوضع قصة تشغل الناس عن حادثة القصر، فوضع لهم قصة عنترة هذه، فشغل بها الناس.
هذا وقد اختلف في بيان السبب الذي دعا عنترة إلى نظم هذه المعلقة، ومما قيل: إنه كان في مجلس بعد أن اعترف به أبوه وأعتقه، فسابه رجل من بني عبس، وعيره بسواده، وسواد أمه، وفاخره بشعره، فأجابه عنترة بأنه أكرم منه، وأشجع، وأحكم، وقال له في آخر كلامه: وإني لأحتضر البأس؛ وأوفي المغنم، وأعف عند المسألة، وأجود بما ملكت يدي، وأفصل الخطة الصماء، وأما الشعر فستعلم، ثم أنشأ معلقته، وكان لا يقول قبل ذلك إلا البيتين أو الثلاثة.
هذا مجمل ما قيل في الدافع إلى نظم المعلقة، ويظهر أن هذا الكلام المنسوب إلى عنترة مفتعل مختلف، وقولهم: إن معلقته كانت أول شعر قاله ظاهر البطلان؛ لأن معلقته تدل على أنه نظمها بعد حرب داحس والغبراء، أي قبل وفاته بسنوات، فلا يعقل أن يكون قد بدأ نظم القصائد في أواخر حياته،