الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(معلقة لبيد بن ربيعة)
لبيد ونسبه
هو
أبو عقيل لبيد بن ربيعة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
.
شيء من أخباره
يروى أن أبا براء، وهو عم لبيد، واسمه عامر بن مالك بن جعفر قد وفد في رهط بني جعفر على النعمان بن المنذر، ومعه لبيد، وهو يومئذ غلام؛ فوجدوا عند النعمان الربيع بن زياد العبسي - وكان نديمًا له - مع تاجر من تجار الشام يقال له سرجون بن توفيل، وكان أديبًا حسن الحديث والمنادمة، فاستخفه النعمان، فكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه وإلى النطاسي متطبب كان له، وإلى الربيع، وهو وأخوته الكملة من الرجال، وهم الربيع وعمارة وقيس وأنس، وأمهم فاطمة بنت الخرشب الأنمارية-، فلما قدم الجعفريون على النعمان كانوا يأتونه لحوائجهم، فإذا خرجوا من عنده، وخلا به الربيع طعن فيهم، فصده عنهم، فدخلوا عليه يومًا فرأوا منه جفاءً وتغيرًا، وكان قبل ذلك يكرمهم ويقدم مجالسهم، فخرجوا من عنده غضابًا، ولبيد متخلف في رحالهم يحفظ أمتعتهم، ويغدو كل صباح بإبلهم فيرعاها، فأتاهم ذات ليلة فوجدهم يتذاكرون أمر الربيع، وما يلقون منه، فسألهم عما هم فيه
فكتموه، فقال لهم: والله لا أحفظ لكم متاعًا، ولا أسرح لكم بعيرًا، أو تخبروني بهذا الأمر.
وكانت أم لبيد امرأة من بني عبس، يتيمة في حجر الربيع بن زياد، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك، وصد بوجهه عنا، فقال: هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه، فازجره عنكم بقول ممض مؤلم لا يلتفت إليه النعمان بعده أبدًا؟ قالوا: وهل عندك من ذلك شيء؟ قال: نعم، قالوا: إنا نبلوك بشتم هذه البقلة - لبقلة قدامهم رقيقة القضبان، قليلة الورق، لاصقة فروعها بالأرض، تدعى التربة - فقال:
هذه التربة التي لا تذكي نارًا، ولا توهل دارًا، ولا تسر جارًا، عودها ضئيل، وفرعها ذليل، وخيرها قليل، أقبح البقول مرعى، وأقصرها فرعًا، وأشدها قلعًا، آكلها جائع، والمقيم عليها قانع، فألقوا بي أخا بني عبس، أرده عنكم بتعس، وأدعه من أمره في لبس.
قالوا: نصبح فنرى فيك رأينا، فقال عامر عمه: انظروا غلامكم فإن رأيتموه نائمًا فليس أمره بشيء، إنما يتكلم بما جاء على لسانه، وإن رأيتموه ساهرًا فهو صاحبه، فرمقوه بأبصارهم فوجدوه قد ركب رحلاً، وقد تكدم واسطه حتى أصبح، قالوا له: أنت والله صاحبه، فعمدوا إليه فحلقوا رأسه، وتركوا له ذؤابتين، وألبسوه حلة، ثم غدوا به معهم، فدخلوا على النعمان، فوجدوه يتغدى، ومعه الربيع بن زياد، وهما يأكلان ليس معه غيره، والدار والمجالس مملؤة من الوفود، فلما فرغوا من الغداء أذن للجعفريين، فدخلوا عليه، وقد كان تقارب أمرهم، فذكروا للنعمان الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع في كلامهم، فقام لبيد يرتجز، وهو يقول:
يا رب هيجا هي خير من دعه
…
أكل يوم هامتي مقزعة
لا تمنع الفتيان من حسن الرعه
…
نحن بني أم البنين الأربعة
ونحن خير عامر بن صعصعه
…
المطعمون الجفنة المدعدعه
والضاربون الهام تحت الخيضعه
…
مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه
إن استه من برص ملمعه
…
وإنه يدخل فيها إصبعه
يدخلها حتى يواري أشجعه
…
كأنه يطلب شيئًا ضيعه
وزعموا أنه لما أنشد لبيد هذا الرجز التفت النعمان إلى الربيع شذرًا، فقال: كذاك أنت يا ربيع؟ فقال: لا والله لقد كذب ابن الحمق اللئيم، فقال النعمان: أف لهذا الطعام، لقد خبثت علي طعامي، فغضب، وقال: أبيت اللعن، أما إني قد فعلت بأمه، فقال لبيد: أنت لهذا الكلام أهل، وهي من نسوة غير فعل، وأنت المرء فعل بيتيمةٍ في حجره، فغضب الربيع وغضب لغضبه بنو فقيم ونهشل، وضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل، وكان أبرص، وكانت بنو كلاب أسروا ضمرة فمنوا عليه، فقال لبيد يرتجز بضمرة أيضًا:
يا ضمر يا عبد بني كلاب
…
يا أير كتب علي بباب
تمكو استه من حذر الغراب
…
يا ورلا ألقي في السراب
أكان هذا أول الثواب
…
لا يعلقنكم ظفري ونابي؟
إني إذا عاقبت ذو عقاب
…
بصارم مذكر الذباب
فأمر النعمان بلبيد وأصحابه فأخرجوا، وقام الربيع فانصرف إلى منزله، فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه وأمره بالانصراف إلى أهله. فكتب إليه الربيع (إني قد عرفت أنه وقر في صدرك ما قال لبيد. ولست برائم حتى تبعث إلي من يجردني، فيعلم من حضرك من الناس أني لست كما قال) فأرسل إليه (إنك صادق لست صانعًا بانتفائك مما قال لبيد شيئا، ولا قادرا
على ما زلت به الألسن فالحق بأهلك) فلحق بأهله، وأرسل إلى النعمان بأبيات قالها:
لئن رحلت جمالي لا إلى سعة
…
لا مثلها سعة عرضًا ولا طولا
بحيث لو وزنت لخم بأجمعها
…
ما وزنت ريشة من ريش سمويلا
ترعى الروائم أحرار البقول بها
…
لا مثل رعيكم ملحًا وغسويلا
فأبرق بأرضك بعدي واخل متكئًا
…
مع النطاسي طورًا وابن توفيلا
فأجابه النعمان بقوله:
شرد برحلك عني حيث شئت ولا
…
تكثر علي، ودع عنك الأباطيلا
فقد ذكرت به والركب حامله
…
ما جاور الفيل أهل الشام والنيلا
نما انتفاؤك منه بعدما جرعت
…
هوج المطي به أبراق شنيلا
قد قيل ما قيل إن صدقًا وإن كذبًا
…
فما اعتذارك من قول إذا قيلا؟
فالحق بحيث رأيت الأرض واسعةً
…
فانشر بها الطرق، إن عرضًا وإن طولا
وقد كان لبيد مخضرمًا، قال الشعر في الجاهلية والإسلام، وإنما قيل لمن كان على هذه السبيل مخضرمًا لأن بعض أيام مضت في الجاهلية، وبعضها في الإسلام. وقال بعض الرواة: لم يقل لبيد في الإسلام إلا بيتًا واحدًا:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي
…
حتى لبست من الإسلام سربالا
والحق فقد روي له مقطعات، وما يروى عند موته يثبت ذلك.
يروى عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة رضي الله عنها كانت تكثر تمثل قول لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
…
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتأكلون ملامة ومذمة
…
ويلام قائلهم، وإن لم يشغب
قالت: ويح لبيد بن ربيعة كيف لو بقي إلى مثل هذا اليوم؟ . قال هشام: قال أبي: فكيف لو بقيت عائشة رضي الله عنها إلى هذا اليوم. قال هشام: وأنا أقول: كيف لو بقي أبي إلى هذا اليوم؟ وأنا أقول: رضي الله عن الجميع كيف لو رأوا هذا الزمان وأهله الذين صاروا خلاً ودودًا، بل حيات وعقارب، وذئابًا وثعالب.
عاش لبيد رضي الله عنه مائة وثلاثين سنة، وأدرك معاوية بن أبي سفيان، وقال بعضهم: عاش مائة وأربعين سنة، وقال حين طوى سبعًا وسبعين:
قامت تشكي إلى النفس مجهشةً
…
وقد حملتك سبعًا بعد سبعينا
فإن تزادي ثلاثًا تبلغي أملاً
…
وفي الثلاث وفاء للثمانينا
فلما بلغ تسعين حجة قال:
كأني وقد جاوزت تسعين حجةً
…
خلغت بها عن منكبي ردائيًا
فهو يعني أن مضي هذه السنين في سرعتها بمنزلة خلع الرداء عن الكتف، فلما بلغ مائة وعشرًا قال:
أليس في مائةٍ قد عاشها رجل
…
وفي تكامل عشرٍ بعدها عبر
فلما بلغ مائة وثلاثين قال:
ولقد سئمت من الحياة وطولها
…
وسؤال هذا الناس كيف لبيد؟
غلب العزاء، وكان غير معلب
…
دهر طويل دائم ممدود