الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(605) باب توكله صلى الله عليه وسلم على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس
5190 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد. فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد كثير العضاه. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، فعلق سيفه بغصن من أغصانها. قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده. فقال لي: من يمنعك مني؟ قال قلت: الله. ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال قلت: الله. قال: فشام السيف. فها هو ذا جالس" ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5191 -
عن جابر بن عبد الله الأنصاري وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد. فلما قفل النبي صلى الله عليه وسلم قفل معه. فأدركتهم القائلة يوما. ثم ذكر نحو حديث إبراهيم بن سعد ومعمر.
5192 -
عن جابر رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع بمعنى حديث الزهري ولم يذكر: ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-[المعنى العام]-
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول "احفظ الله يحفظك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ما ضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك" وصدق الله العظيم، إذ يقول:{ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا} [الطلاق: 2، 3].
وأخشى بني آدم لله، وأتقاهم له محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فكافأه ربه بقوله {والله يعصمك من
الناس} [المائدة: 67] عصمة هلاك واستئصال، لا عصمة إيذاء وبلاء، فكم أوذي من الكفار، وكم تحمل من جهل الجاهلين، وكذلك الأنبياء، يبتلون فيصبرون، وإذا كان بعض الأنبياء قد قتلوا فإن محمدا صلى الله عليه وسلم عصم من الناس بوعد الله، وظهر هذا اليقين بهذا الوعد في هذه القصة.
كانت الجولات الحربية بين الإسلام والكفر على أشدها، وما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة إلا وري بغيرها، ليبقى المسلمون على استعداد دائم، وكان الكفار متربصين بالمسلمين وبرسول الإسلام، لا يدعون فرصة للنيل منهم إلا ويقتنصونها.
وسنحت لهم فرصة العمر في ظن أحدهم، حيث تعقب جيش المسلمين العائد من غزوة ذات الرقاع، لعله ينفرد بأحدهم، فيغتاله، ورأى من بعيد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في نحر الظهيرة، وفي شدة الحر ينزلون للقيلولة، في واد كثير الشجر، كثير الظل، ينزلون للراحة، ويتفرقون تحت الشجر، ورأى من بعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد انفرد بشجرة مظلة، علق على غصن من أغصانها سلاحه وسيفه، ثم افترش الأرض، فنام، وتسلل الأعرابي في غفلة من الصحابة لنومهم واستراحتهم، حتى وصل إلى شجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسحب سيفه، وأخرجه من غمده، وأشهره، وقال: يا محمد، من يمنعك مني الآن؟ من يحول بيني وبين قتلك بسيفك؟ فقال صلى الله عليه وسلم بهدوء الواثق الشجاع: الله يمنعني. ونزلت الكلمة على قلب الأعرابي كالصاعقة، أعاد التهديد مرة أخرى، وأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم لفظ الله مرة أخرى، وزاد الرعب في قلب الأعرابي فكرر التهديد للمرة الثالثة وكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواب، وارتجف الأعرابي، وسقط السيف من يده، وتناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسمر الأعرابي في مكانه لا يتحرك، لا يفكر في الجري والفرار، وأصابه ذهول الموقف وغطاه الخوف. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس، فجثا خاضعا على ركبتيه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من يمنعك أنت مني الآن؟ قال: لا أحد. فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فجاءوا، فقص عليهم ما جرى، فحاولوا قتل الرجل، فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للرجل: اذهب إلى حال سبيلك. قال الرجل: أنت خير مني، أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أعين عليك من يقاتلك، فلما ولى دخل الإسلام قلبه، فرجع إلى قومه، فقال لهم: جئتكم من عند خير الناس، وقص عليهم القصة، فآمن بإيمانه خلق كثير، وهكذا أسلم الكافرون، لأن رسول الإسلام كان قدوة، كان رحمة للعالمين.
-[المباحث العربية]-
(غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد) الضمير في "غزونا" لجابر ومن كان معه من الصحابة، و"قبل نجد" بكسر القاف وفتح الباء، أي جهتها، وقد وقع القصد إلى جهة نجد في عدة غزوات وفي رواية البخاري تحديد الغزوة، ولفظها "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع
…
" وذكر القصة.
وكذا في الملحق الثاني لروايتنا، ولفظه "حتى إذا كنا بذات الرقاع" وعند ابن إسحق "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني النضير شهر ربيع وبعض جمادى - يعني من سنته - وغزا نجدا، يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان، حتى نزل نخلا، وهي غزوة ذات الرقاع، وقد سبق الكلام عنها في الغزوات.
(فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الكاف، و"رسول الله" فاعل، وكان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يكون في مؤخرة الجيش العائد، تواضعا، وحراسة، وكانت القصة في العودة من الغزوة، ففي رواية البخاري "أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة .... " الحديث، وكذا في الملحق الأول لروايتنا.
(في واد كثير العضاه) بكسر العين وفتح الضاد، آخره هاء، وهي كل شجرة ذات شوك، وقيل هو العظيم من السمر مطلقا، والسمرة الشجرة الكثيرة الورق.
(فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة) زاد في رواية "فاستظل بها" أي من حر الشمس في القائلة، وفي رواية "فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم".
(فعلق سيفه بغصن من أغصانها) وفرش فراشه، ونام تحتها، من التعب.
(وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر) المراد من الناس الجيش.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رجلا أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف، فاستيقظت، وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده)"صلتا" بفتح الصاد وضمها وسكون اللام، أي مجردا من غمده، أي مسلولا، وهو منصوب على الحال، و"السيف" مبتدأ، و"في يده" خبر، وفي رواية للبخاري "فجاء رجل من المشركين، وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة، فاخترطه" أي استله من غمده، وفي رواية "فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس" وفي رواية "فإذا أعرابي قاعد بين يديه" وفي رواية "قال جابر: فنمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه" فهذا القدر من الرواية لم يحضره الصحابة، وإنما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن دعاهم واستيقظوا.
وهذا الرجل اسمه غورث على وزن جعفر، وقيل: بضم الغين، من الغرث، وهو الجوع، ووقع عند الخطيب "غورك" بالكاف بدل الثاء، وحكى الخطابي غويرث بالتصغير، وهو غورث بن الحارث، قال القاضي: وقد جاء حديث آخر مثل هذا الخبر، وسمي الرجل فيه "دعثورا".
(فقال لي: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله. ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال: قلت الله) في رواية "فقال: تخافني؟ قال: لا" وفي رواية كرر "من يمنعك مني" ثلاث مرات، وهو استفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لا يمنعك مني أحد، لأن الأعرابي كان قائما، والسيف في يده، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، لا سيف معه، ولفظ "الله" خبر لمبتدأ محذوف أي مانعي منك الله.
(فشام السيف) أي أعاده في غمده، وألقاه، وهذه الكلمة تستعمل في الأضداد، يقال: شامه إذا استله، وشامه إذا أغمده، وعند ابن إسحاق "فدفع جبريل في صدره، فوقع السيف من يده، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: من يمنعك أنت مني؟ قال: لا أحد، قال: قم، فاذهب لشأنك، فلما ولى قال: أنت خير مني".
(فها هو ذا جالس. ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري "لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم "فيجمع بين هذا، وبين رواية ابن إسحاق السابقة، بأن قوله "فاذهب" كان بعد أن أخبر الصحابة بقصته، فمن عليه، لشدة رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في استئلاف الكفار، ليدخلوا في الإسلام، وقد ذكر
الواقدي أنه أسلم، وأنه رجع إلى قومه، فاهتدى به خلق كثير، وفي رواية للبخاري "فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" أي فمنعهم صلى الله عليه وسلم.
-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من الحديث]-
1 -
جواز تفرق العسكر في نزولهم ونومهم، ومحله إذا لم يكن هناك من يخافون منه.
2 -
جواز الاستظلال بأشجار البوادي.
3 -
وتعليق السلاح وغيره فيها.
4 -
وجواز المن على الكافر الحربي، وإطلاقه.
5 -
وفرط شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
6 -
وقوة يقينه.
7 -
وصبره على الأذى.
8 -
وحلمه وعفوه عن الجهال.
9 -
ومقابلة السيئة بالحسنة.
10 -
وفيه الحث على مراقبة الله تعالى، وحفظه في الرخاء ليحفظ في الشدة.
11 -
وفيه عصمته سبحانه وتعالى لرسوله من القتل.
والله أعلم