المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(644) تابع باب فضائل عائشة رضي الله عنها حديث أم زرع - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٩

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(599) باب قتل الحيات والأبتر والوزغ والهرة وسقي البهائم

- ‌كتاب الأدب من الألفاظ وغيرها

- ‌(600) باب سب الدهر - تسمية العنب كرما - قول: عبدي وأمتي - استعمال المسك

- ‌كتاب الشعر

- ‌(601) باب الشعر واللعب بالنرد

- ‌كتاب الرؤيا

- ‌(602) باب الرؤية والحلم، وتأويل الرؤيا

- ‌كتاب الفضائل

- ‌(603) باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة وتفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق

- ‌(604) باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(605) باب توكله صلى الله عليه وسلم على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس

- ‌(606) باب بيان مثل ما بعث به صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(607) باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم وإذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(608) باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌(609) باب إكرامه صلى الله عليه وسلم بقتال الملائكة معه

- ‌(610) باب من شجاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌(611) باب جوده صلى الله عليه وسلم

- ‌(612) باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌(613) باب في سخائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(614) باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه وفضل ذلك

- ‌(615) باب حيائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(616) باب تبسمه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته

- ‌(617) باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالنساء، والرفق بهن

- ‌(618) باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس، وتبركهم به، وتواضعه لهم

- ‌(619) باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله تعالى عند انتهاك حرماته

- ‌(620) باب طيب رائحته صلى الله عليه وسلم، ولين مسه وطيب عرقه، والتبرك به

- ‌(621) باب في صفاته الخلقية، وصفة شعره وشيبته

- ‌(622) باب إثبات خاتم النبوة، وصفته، ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم

- ‌(623) باب قدر عمره صلى الله عليه وسلم، وإقامته بمكة والمدينة

- ‌(624) باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(625) باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله، وشدة خشيته له

- ‌(626) باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم، وتوقيره، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه

- ‌(627) باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي

- ‌(628) باب فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم

- ‌(629) باب فضائل عيسى عليه السلام

- ‌(630) باب من فضائل إبراهيم الخليل، ولوط، عليهما السلام

- ‌(631) باب من فضائل موسى عليه السلام، ويونس، ويوسف، وزكريا، والخضر، عليهم السلام

- ‌كتاب فضائل الصحابة

- ‌(632) باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌(633) باب من فضائل عمر رضي الله عنه

- ‌(634) باب من فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(635) باب فضائل علي رضي الله عنه

- ‌(636) باب من فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌(637) باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما

- ‌(638) باب من فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌(639) باب من فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما

- ‌(640) باب من فضائل زيد بن حارثة، وابنه أسامة، رضي الله عنهما

- ‌(641) باب من فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنه

- ‌(642) باب من فضائل خديجة رضي الله عنها

- ‌(643) باب فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌(644) تابع باب فضائل عائشة رضي الله عنها حديث أم زرع

- ‌(645) باب من فضائل فاطمة رضي الله عنها

- ‌(646) باب من فضائل أم سلمة رضي الله عنها

- ‌(647) باب من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌(648) باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنها

- ‌(649) باب من فضائل أم سليم وبلال رضي الله عنهما

- ‌(650) باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما

- ‌(651) باب من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(652) باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌(653) باب من فضائل أبي دجانة: سماك بن خرشة رضي الله عنه

- ‌(654) باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر رضي الله عنهما

- ‌(655) باب من فضائل جليبيب رضي الله عنه

- ‌(656) باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه

- ‌(657) باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(658) باب من فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌(659) باب من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

- ‌(660) باب من فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌(661) باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه

- ‌(662) باب من فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌(663) باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(664) باب من فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌(665) باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان، رضي الله عنهم

- ‌(666) باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما

- ‌(667) باب من فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه

- ‌(668) باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما

- ‌(669) باب من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله عنهم

- ‌(670) باب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(671) باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيئ

- ‌(672) باب خيار الناس

- ‌(673) باب من فضائل نساء قريش

- ‌(674) باب مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، رضي الله عنهم

- ‌(675) باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة

- ‌(676) باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم

- ‌(677) باب معنى قوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌(678) باب تحريم سب الصحابة

- ‌(679) باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(680) باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

- ‌(681) باب فضل أهل عمان

- ‌(682) باب ذكر كذاب ثقيف

- ‌(683) باب فضل فارس

- ‌(684) باب بيان قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة

- ‌كتاب البر والصلة والآداب

- ‌(685) باب بر الوالدين

- ‌(686) باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة، وغيرها، وفضل بر الوالدين

- ‌(687) باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما

- ‌(688) باب تفسير البر والإثم

الفصل: ‌(644) تابع باب فضائل عائشة رضي الله عنها حديث أم زرع

(644) تابع باب فضائل عائشة رضي الله عنها حديث أم زرع

5484 -

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل. قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره إني أخاف أن لا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره قالت الثالثة: زوجي العشنق إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد ولا يسأل عما عهد قالت السادسة: زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء كل داء له داء شجك أو فلك أو جمع كلا لك قالت الثامنة: زوجي الريح ريح زرنب والمس مس أرنب قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من النادي قالت العاشرة: زوجي مالك. وما مالك؟ مالك خير من ذلك له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح؟ إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني وملأ من شحم عضدي وبجحني فبجحت إلي نفسي وجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق فعنده أقول فلا أقبح. وأرقد فأتصبح وأشرب فأتقنح أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح وبيتها فساح ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة ويشبعه ذراع الجفرة بنت أبي زرع؟ فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمها وملء كسائها وغيظ جارتها. جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثا ولا تنقث ميرتنا تنقيثا ولا تملأ بيتنا تعشيشا قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين. فطلقني ونكحها.

فنكحت بعده رجلا سريا ركب شريا وأخذ خطيا وأراح علي نعما ثريا وأعطاني من كل رائحة زوجا قال: كلي أم زرع وميري أهلك فلو جمعت كل شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع".

ص: 392

5485 -

وفي رواية عن هشام بن عروة بهذا الإسناد غير أنه قال: عياياء طباقاء ولم يشك وقال: قليلات المسارح وقال: وصفر ردائها وخير نسائها وعقر جارتها وقال: ولا تنقث ميرتنا تنقيثا وقال: وأعطاني من كل ذابحة زوجا.

-[المعنى العام]-

عائشة وفاطمة رضي الله عنهما كانتا في سن متقاربة، وكانت غيرة النساء تدفع كلا منهما أن تنافس وتناقش الأخرى ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم، فسمع عائشة تفخر بأبيها وبمال أبيها، فقد كان من أغنياء مكة، وتفخر بإنفاق أبيها ماله كله في سبيل الدعوة حتى نفقة الهجرة كانت من ماله دينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تجد فاطمة ما ترد به دعوى عائشة فوقعت في شبه إفحام وخجل ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفع عن ابنته وأن يبرز الحقيقة الساطعة وهي أن المنة لله ورسوله فقال مخاطبا عائشة: ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي؟ إن مثلي ومثلك كأبي زرع لأم زرع وبسرعة وبذكاء مفرط وبخفة روح وبأدب ورقة حولت عائشة جو المناقشة إلى جو الحب والمرح والمداعبة، فقال: بأبي أنت وأمي أفديك يا رسول الله وما قصة أبي زرع وأم زرع؟ فبدأ يقص قصة حدثت منذ زمن بعيد في أرض بعيدة عن أرضه لا سبيل له بعلمها إلا عن طريق الوحي وعلام الغيوب قال: كان في الزمن الغابر في قرية من قرى اليمن اجتمع نساء من أهل القرية في بيت إحداهن - وكما هي عادة النساء إذا اجتمعن تحدثن عن أزواجهن وأحوالهن في معاشرتهم فاقترحت زعيمتهن أن تتكلم كل واحدة منهن بإيجاز شديد عن زوجها تصفه بما فيه بل بأبرز ما فيه من خير أو شر وتعاهدن وتعاقدن على أن لا يكتمن ولا يكذبن لكن لا عليهن أن يتكلمن بالكناية والإشارة إن خفن الإفصاح والتصريح بالتجريح.

قالت الأولى: زوجي لحم جمل، لا لحم ضأن بل لحم جمل غث رديء ومع ذلك فهو بعيد المنال صعب المعاملة ليس سهلا فتصل الزوجة إلى قلبه وتعمل على مرضاته ابتغاء خير ولو قل وليس فيه خير يطمع فيه فيسعى إليه ولو بمشقة فهو حقير بعيد المنال.

وقالت الثانية: زوجي لا حسن فيه، لا أجد ما أذكره به كله عجر وبجر وعيوب وأخاف إن فسرتها وبلغه قولي طلقني وأنا لا أستطيع العيشة بدونه.

وقالت الثالثة: زوجي مفرط في الطول المذموم، سيئ الخلق أنا معه بين نارين، إن نطقت بكلمة أطلب فيها حقي ضربني وطلقني وإن سكت على حقوقي وعلى إهانته واحتقاره لي أكن كالمعلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة.

وقالت الرابعة: زوجي سهل طيب مريح كالنسيم العليل في ليالي الصيف في منطقة تهامة لا أخاف شره ولا أسأم من جواره.

ص: 393

وقالت الخامسة: زوجي حسن المعاشرة رقيق حنون حين يدخل بيتي خفيف الحركة كثير الوقاع، يتغافل عما لا يرضيه من أحوالي يتجاهل سوء تصرفي لا يسألني ماذا فعلت؟ ولا لماذا فعلت؟ ولا لم لم تفعلي؟ وليس ذلك فيه غفلة وضعفا واستكانة وذلة فهو مع الناس خارج البيت أسد جسور يحسب له كل حساب.

قالت السادسة: زوجي شره أكول كثير النوم قليل الوصال يأكل ويشرب ينام ولا يمد يده نحوي بالمداعبة ولا يحاول مداخلتي، ولا إرضائي، ولا معرفة همومي وأحزاني.

قالت السابعة: زوجي مظلم الأخلاق، ضال لا يهتدي، أموره كلها مغلقة عليه، لا يكاد يبين، فإن تكلم ظهر حمقه، يضربني فيكسر عظامي أو يشق لحمي أو يجمع بين الكسر والشق، كل داء عند الناس هو فيه.

قالت الثامنة: زوجي ناعم الملمس كالأرنب، رقيق المشاعر لين الخلق، طيب الريح.

قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، شجاع كريم، يقصده الناس فيكسب المعدوم ويقري الضيف ويعين على نوائب الدهر ويسكن في أبرز مكان، وفي أقرب مكان للمحتاجين.

قالت العاشرة: زوجي اسمه مالك، وله من اسمه نصيب فهو غني مالك وهو خير من كل من مدحتن من أزواج، يملك من الإبل الكثير ويذبح منها للضيفان ذبح من لا يخشى الفقر حتى أصبحت إبله الحية تترقب الموت، وتنتظر النحر، لما رأت من ذبح أختها بين الحين والحين.

قالت الحادية عشرة: وهي أم زرع - وقد كنيت بزرع ابن زوجها - زوجي غني سخي حسن العشرة احتضنني وأكرمني ورفعني وأعزني كنت من قوم فقراء يعيشون على غنيمات بشق الأنفس أجسامهم نحيلة من الجوع، ثيابهم خلقة من الفقر لا يملكون زينة لنسائهم فأثقل أذني وصدري وساعدي بالذهب والحلي وأشبعني بأصناف المأكولات والمشروبات حتى سمنت واحترمني وعظمني فعظمت نفسي إلى نفسي وشعرت عنده بالعزة والكرامة إذا تكلمت سمع قولي ونفذ أمري وإذا نمت نمت نوم العروس نوم هناء لا إزعاج فيه، إذا أكلت أكلت ما أشتهي من ألوان الطعام حتى أشبع وإذا شربت شربت من أصناف المشروبات حتى أروى.

وهكذا شعرت أم زرع عند أبي زرع بالسعادة والحب وحب الشخص يسري إلى حب من حوله حتى الجماد الذي يحيط به وقديما قال الشاعر:

أمر على الديار ديار ليلى

أقبل ذا الجدار وذا الجدار

وما حب الديار شغفن قلبي

ولكن حب من سكن الديارا

وقال الآخر:

فأحبها وتحبني

ويحب ناقتها بعيري

لذا نجدها تصف حماتها أم زوجها بالغنى وكثرة الخير وتصف ابن زوجها بالرقة والحسن، وتصف ابنة زوجها بالجمال والحسن، ونقاء الطبع، حتى جارية أبي زرع تصفها بالأمانة والنظافة والطاعة.

ص: 394

كل هذه الأوصاف تقولها على الرغم من أن أبا زرع طلقها وتزوج غيرها وتزوجت غيره من أهل الثراء لكن صدق القائل: وما الحب إلا للحبيب الأول.

وهكذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه القصة ليقول في آخرها ما قاله في أولها: كنت لك كأبي زرع لأم زرع فتقول عائشة رضي الله عنها وعلى شفتيها ابتسامة الحب والاعتذار - بل أنت يا رسول الله خير لي من أبي زرع لأم زرع.

-[المباحث العربية]-

(عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة) ظاهر هذا أن الحديث موقوف غير مرفوع قال الحافظ ابن حجر: المرفوع منه في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" وباقيه من قول عائشة وجاء خارج الصحيحين مرفوعا كله فعند النسائي بلفظ "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع قالت عائشة بأبي وأمي يا رسول الله ومن كان أبو زرع؟ قال: اجتمع نساء

" فساق الحديث كله.

وأما قوله "جلس إحدى عشرة امرأة" فهو هكذا في معظم نسخ مسلم قال ابن التين: التقدير: جلس جماعة إحدى عشرة امرأة وهو مثل قوله تعالى {وقال نسوة في المدينة} [يوسف: 30] اهـ. أي كان حق الفعل أن يؤنث لأن الفاعل حقيقي التأنيث وفي رواية أبي عوانة "جلست إحدى عشرة امرأة" وفي رواية "اجتمع إحدى عشرة امرأة" وفي بعض نسخ مسلم وفي رواية أبي يعلى "اجتمعن إحدى عشرة امرأة" قال القرطبي: زيادة النون على لغة "أكلوني البراغيث" وقد أثبتها جماعة من أئمة العربية، أي أثبتوا لحوق علامة الجمع والتثنية والتأنيث في الفعل إذا تقدم على الأسماء واستشهدوا لها بقوله تعالى {وأسروا النجوى الذين ظلموا} [الأنبياء: 3] وحديث "يتعاقبون فيكم ملائكة" وقد تكلف بعض النحاة رد هذه اللغة إلى اللغة المشهورة وهي أن لا يلحق علامة الجمع أو التثنية أو التأنيث في الفعل، إذا تقدم على الأسماء، وخرج لها وجوها وتقديرات في غالبها نظر ولا يحتاج إلى ذلك بعد ثبوتها نقلا وصحتها استعمالا.

وقال عياض: الأشهر ما وقع في الصحيحين، وهو توحيد الفعل مع الجمع.

ومن التوجيهات التي ذكروها في رواية "جلسن" أي يكون "إحدى عشرة" بدلا من الضمير في "جلسن"، والنون على هذا ضمير، لا حرف علامة، أو أنه خبر مبتدأ محذوف، كأنه قيل: من هن؟ فقيل: إحدى عشرة امرأة، أو مفعول به منصوب، بإضمار أعني.

وسميت أسماؤهن في روايات ضعيفة لا يعتد بها، ولم يسم - في رواية من الروايات - أزواجهن، ولا ابنة أبي زرع ولا أمه ولا الجارية ولا المرأة التي تزوجها أبو زرع ولا الرجل الذي تزوجته أم زرع.

وقد اختلف ترتيبهن في بعض الروايات في غير الصحيحين عنها في الصحيحين ولا ضير في ذلك ولا أثر للتقديم والتأخير.

وفي سبب سياق هذا الحديث أخرج أبو القاسم عبد الحكيم بن حيان بسند له مرسل "دخل

ص: 395

رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وفاطمة - وقد جرى بينهما كلام - فقال: ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي؟ إن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع فقالت: يا رسول الله حدثنا عنهما فقال: كانت قرية فيها إحدى عشرة امرأة وكان الرجال خلوفا فقلن: تعالين نتذاكر أزواجنا بما فيهم ولا نكذب".

وأخرج النسائي عن عائشة قالت: فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية وفيه فقال صلى الله عليه وسلم: "اسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع".

وفي رواية الزبير بن بكار عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي بعض نسائه فقال - يخضني بذلك - يا عائشة أنا لك كأبي زرع لأم زرع قلت: يا رسول الله ما حديث أبي زرع وأم زرع؟ قال: "إن قرية من قرى اليمن كان بها بطن من بطون اليمن وكان منهن إحدى عشرة امرأة وأنهن خرجن إلى مجلس فقلن: تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب" لكن في رواية الهيثم أنهن كن بمكة والراجح الأول فقد أفاد أبو محمد بن حزم فيما نقله عياض أنهن كن من خثعم وهم من أهل اليمن ووقع في رواية عند النسائي أنهن كن في الجاهلية.

قال الحافظ ابن حجر: وحكى عياض ثم النووي قول الخطيب في المبهمات: لا أعلم أحدا سمى النسوة المذكورات في حديث أم زرع إلا من طريق الزبير بن بكار وهو غريب جدا وذكر أسماء لا فائدة من ذكرها هنا وترتيبهن في رواية الزبير غير ترتيبهن في روايات الصحيحين فالأولى فيها هي الرابعة في الصحيحين والثانية فيها هي الثامنة في الصحيحين والثالثة فيها هي العاشرة والرابعة فيها هي الأولى والخامسة فيها هي التاسعة والسادسة فيها هي السابعة والسابعة فيها هي الخامسة والثامنة فيها هي السادسة والتاسعة فيها هي الثانية والعاشرة فيها هي الثالثة وقد اختلف كثير من الرواة في ترتيبهن قال الحافظ: ولا ضير في ذلك ولا أثر للتقديم والتأخير فيه.

(فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا) أي ألزمن أنفسهن عهدا وعقدن على الصدق من ضمائرهن عقدا أن لا يكتمن من محاسن أو مساوئ أزواجهن شيئا من الأمور المهمة وفي رواية "أن يتصادقن بينهن ولا يكتمن" وفي رواية "أن ينعتن أزواجهن ويصدقن" وفي رواية "فتبايعن على ذلك".

(قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل)"الغث" بفتح الغين وتشديد الثاء الهزيل الذي يستغث من هزاله أي يستترك ويستكره، وكثر استعماله في مقابلة السمين، فيقال للحديث المختلط: فيه الغث والسمين و"غث" هنا يجوز جره صفة للجمل ورفعه صفة للحم والمشهور في الرواية الخفض والوعر الصعب في الوصول إليه لكثرة عوائق الصعود وفي رواية "وعث" بالثاء بدل الراء وهي أوفق للسجع أي صعب المرتقى بحيث توحل فيه الأقدام فلا يتخلص منه، ويشق فيه المشي ومنه وعثاء السفر وقولها "لا سهل" بالفتح بدون تنوين ويجوز فيه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي لا هو سهل ويجوز الجر على أنه صفة جمل وجبل والأمر نفسه في قوله "ولا سمين" وعند النسائي "لا سهلا ولا سمينا" وعنده أيضا "لا بالسمين ولا بالسهل" قال القاضي عياض: أحسن الأوجه عندي الرفع في الكلمتين من جهة سياق الكلام وتصحيح المعنى لا من جهة تقديم اللفظ وذلك أنها أودعت كلامها تشبيه

ص: 396

شيئين بشيئين، شبهت زوجها باللحم الغث وشبهت سوء خلقه بالجبل الوعر، ثم فسرت ما أجملت، فكأنها قالت: لا الجبل سهل فلا يشق ارتقاؤه لأخذ اللحم ولو كان هزيلا لأن الشيء المزهود فيه قد يؤخذ إذا وجد بغير نصب، ثم قالت: ولا اللحم سمين فتتحمل المشقة في صعود الجبل لأجل تحصيله. اهـ.

وقولها "ولا سمين فينتقل" من الانتقال أي أنه لهزاله لا يرغب أحد في الانتقال إليه وفي رواية "فينتقى" أي ليس له نقي يستخرج بكسر النون وسكون القاف والنقي المخ يقال: نقوت العظم ونقيته وانتقيته إذا استخرجت مخه وقد كثر استعماله في اختيار الجيد من الرديء قال القاضي عياض: أرادت أنه ليس له نقي، فيطلب لأجل ما فيه من النقى، وليس المراد أنه فيه نقي لا يطلب استخراجه، قالوا: آخر ما يبقى في الجمل مخ عظم المفاصل ومخ العين، وإذا نفدا لم يبق فيه خير، قالوا: وصفته بقلة الخير وبعده مع القلة فشبهته باللحم الذي صغرت عظامه عن النقى وخبث طعمه وريحه مع كونه في مرتقى يشق الوصول إليه فلا يرغب أحد في طلبه لينقله إليه مع توفر دواعي أكثر الناس على تناول الشيء المبذول مجانا.

وقال النووي: فالمعنى أنه قليل الخير من أوجه منها: كونه لحم جمل لا لحم ضأن - يقول بعضهم: ليس في اللحوم أشد غثاثة من لحم الجمل لأنه يجمع خبث الطعام وخبث الريح - ومنه أنه مع ذلك الغث المهزول الرديء من لحوم الجمال، ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة وقال الخطابي: إن التشبيه بالجبل الوعر إشارة إلى سوء خلقه وأنه يترفع ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها، فيجمع البخل وسوء الخلق.

(قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره)"لا أبث خبره" بالباء والثاء أي لا أنشر خبره ولا أشيعه وفي رواية "لا أنث خبره" بالنون بدل الباء أي لا أذيع شره وفي رواية "لا أنم خبره" من النميمة "إني أخاف أن لا أذره" قال النووي: فيه تأويلان: أحدهما لابن السكيت وغيره، أن الهاء عائدة على "خبره" أي إني أخاف - إن شرعت في تفصيل خبره - أن لا أقدر على إتمامه لطوله وكثرته، ثانيهما أن الهاء عائدة على الزوج وتكون "لا" زائدة كما في قوله تعالى {ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: 12] اهـ. ومعناه: إني أخاف أن يطلقني، فأذره كأنها خشيت - إذا ذكرت ما فيه - أن يبلغه فيفارقها وهي لا تقدر على تركه لعلاقتها به وبأولادها منه، فاكتفت بالإشارة إلى أن له معايب، وفاء لما التزمته من الصدق وسكتت عن تفسيرها للعذر الذي ذكرته "والعجر" بضم العين وفتح الجيم جمع عجرة وهي تعقد العصب والعروق في الجسد حتى تصير ناتئة وقال ابن الأعرابي: هي نفخة في الظهر وقال بعضهم: العجر العقد التي تكون في البطن واللسان وقيل: في الجنب والبطن أما "البجر" فبضم الباء وفتح الجيم وجمع بجرة بضم الباء وسكون الجيم وهي النفخة في السرة أو في البطن ثم استعملا في الهموم والأحزان وفيما يكتمه المرء ويخفيه عن غيره وقال الخطابي: أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة قال: ولعله كان مستور الظاهر رديء الباطن وقال بعضهم: عنت أن زوجها كثير المعايب متعقد النفس عن المكارم.

ص: 397

(قالت الثالثة: زوجي العشنق إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق)"العشنق" بعين مفتوحة وشين مفتوحة ونون مشددة مفتوحة بعدها قاف وهو الطويل وقيل: هو المذموم الطول وقيل: هو طويل العنق قال الأصمعي: أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله، من غير نفع وقيل: ذمته بالطول لأن الطول في الغالب دليل السفه وعلل ببعد الدماغ عن القلب وأغرب من قال: مدحته بالطول لأن العرب تمتدح بذلك وتعقب بأن سياقها يقتضي أنها ذمته وأجيب عن التعقيب باحتمال أنها أرادت مدح خلقه وذم خلقه فكأنها قالت: له منظر بلا مخبر وهو محتمل.

وقيل: العشنق الطويل النجيب الذي يملك أمر نفسه ولا تتحكم النساء فيه بل يحكم فيهن بما يشاء فزوجته تهابه أن تنطق بحضرته فهي تسكت على مضض.

وقيل: هو المقدام على ما يريد الشرس في أموره وقيل: السيئ الخلق.

وقولها "إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق" معناه أنها إذا ذكرت عيوبه فيبلغه طلقها وإن سكتت عن ذكر عيوبه فهي عنده كالمعلقة ليست ذات زوج ولا خالية من الزوج أي لست ذات زوج فأنتفع به ولا مطلقة فأتفرغ لغيره قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون قولها "أعلق" مشتقا من علاقة الحب أو من علاقة الوصلة أي إن نطقت طلقني وإن سكت استمر بي زوجة وأنا لا أؤثر تطليقه لي، فلذلك أسكت.

(قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة) ما بعد "لا" بالفتح من غير تنوين مبني مع "لا" على الفتح وجاء الرفع مع التنوين فيها على أن "لا" عاملة عمل "ليس" وخبرها محذوف، أي ليس فيه حر، كذا في القراءات المشهورة في مثل قوله تعالى {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} [البقرة: 254] و {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة: 197] وعند النسائي "ولا برد" بدل "ولا قر" وزاد في رواية الزبير بن بكار "والغيث غيث غمامة" وقد ضربوا المثل بليل تهامة في الطيب، لأنها بلاد حارة في غالب الزمان، وليس فيها رياح باردة، فإذا كان الليل كان وهج الحر ساكنا فيطيب الليل لأهلها بالنسبة لما كانوا فيه من أذى حر النهار أما أن ليل تهامة لا مخافة فيه على أهلها فلأنهم محصنون بجبالها. فوصفت زوجها بجميل العشرة واعتدال الحال، وسلامة الباطن، فكأنها قالت: لا أذى عنده ولا مكروه وأنا آمنة منه فلا أخاف من شره ولا ملل عندي منه ولا عنده مني فأسأم عشرته أو يسأم عشرتي لأنه ليس بسيئ الأخلاق فأنا لذيذة العيش عنده كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل وقيل: أرادت بنفي الخوف وصف زوجها بأنه حامي الذمار مانع لداره وجاره ولا مخافة عند من يأوي إليه ثم أرادت وصفه بالجود بنفي سآمة من يأوي إليه ونفي سآمته من كثرة الأضياف واللاجئين.

قال النووي: وهذا مدح بليغ.

(قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد ولا يسأل عما عهد)"فهد" بفتح الفاء وكسر الهاء فعل ماض مشتق من الفهد شبهته بالفهد في كثرة النوم يقال: أنوم من فهد وفي كثرة الغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي وقوله "أسد" بفتح الهمزة وكسر السين مشتق من الأسد أي يصير بين الناس مثل الأسد وكلاهما يحتمل المدح والذم وأكثر

ص: 398

الشراح شرحوه على المدح فقال بعضهم وصفته بكثرة الجماع لها إذا دخل فهي محبوبة لديه بحيث لا يصبر عنها إذا رآها وإذا خرج كان في الإقدام مثل الأسد وبأنه شديد الكرم وكثير التغاضي لا يتفقد ما ذهب من ماله وإذا جاء بشيء لبيته لا يسأل عنه بعد ذلك أو لا يلتفت إلى ما يرى في البيت من المعايب بل يسامح ويغضي.

وقال بعضهم: شبهته بالفهد في دخوله بالرزق الوفير لأنهم قالوا في المثل: أكسب من فهد وأصله أن الفهود الهرمة تجتمع على فهد منها فتي فيتصيد عليها كل يوم حتى يشبعها فكأنها قالت: إذا دخل المنزل دخل بالكسب لأهله كما يجيء الفهد لمن يلوذ به من الفهود الهرمة ثم رفعت ما قد يحتمل الذم من جهة كثرة النوم بوصفها له بالأسد فأفصحت أن الأول سجية كرم ونزاهة شمائل ومسامحة في العشرة لا سجية جبن وخور في الطبع.

وزاد في رواية الزبير بن بكار "ولا يرفع اليوم لغد" يعني لا يدخر - لكرمه - ما حصل عنده اليوم من أجل غد فكنت بذلك عن غاية جوده، أو المراد وصفه بالحزم في جميع أموره فلا يؤخر ما يجب عليه اليوم إلى الغد.

وبعض الشراح شرحوه على الذم فقال بعضهم: شبهته بالفهد من جهة أنه غليظ الطبع ليست عنده مداعبة ولا ملاعبة قبل المواقعة بل يثب وثوبا كالوحش أو من جهة سوء الخلق، وأنه يبطش بها ويضربها وإذا خرج على الناس كان أمره في العنف أشد قسوة ولا يسأل عن أحوالها إذا دخل بعد غيبة حتى لو عرف أنها مريضة أو معوزة لا يسأل عن شيء من ذلك ولا يتفقد حال أهله ولا بيته.

قال عياض: وقد قلب الوصف بعض الرواة فقال "إذا دخل أسد وإذا خرج فهد" قال: فإن كان محفوظا فمعناه أنه إذا خرج إلى مجلسه كان على غاية من الرزانة والوقار وحسن السمت أو كان على غاية من تحصيل الكسب وإذا دخل كان متفضلا مواسيا لأن الأسد يوصف بأنه إذا افترس أكل من فريسته بعضا وترك الباقي لمن حوله من الوحوش ولم يهاوشهم عليها اهـ.

وفي الكلام مطابقة أو مقابلة لفظية بين "دخل" و"خرج" ومقابلة معنوية بين "فهد" و"أسد".

(قالت السادسة: زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث) قال النووي: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه، مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء والاشتفاف في الشرب أن يستوعب جميع ما في الإناء مأخوذ من الشفافة بضم الشين وهي ما بقي في الإناء من الشراب فإذا شربها قيل اشتفها وتشافها وقولها "ولا يولج الكف ليعلم البث" قال أبو عبيد: أحسبه كان بجسدها عيب أو داء كنت به لأن البث الحزن فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذلك لئلا يشق عليها فوصفته بالمروءة وكرم الخلق وقد رد ابن قتيبة على أبي عبيد تفسيره وقال: كيف تمدحه بهذا وقد ذمته في صدر الكلام؟ ورد ابن الأنباري على ابن قتيبة بأن النسوة تعاقدن أن لا يكتمن شيئا من أخبار أزواجهن فمنهن من كانت أوصاف زوجها كلها حسنة فوصفتها ومنهن من كانت أوصاف زوجها قبيحة فذكرتها ومنهن من كانت أوصافه فيها حسن وقبيح فذكرتهما.

ص: 399

وقال ابن الأعرابي: هذا ذم له أرادت: وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية ولم يضاجعها ليعلم ما عندها من محبته، قال: ولا بث هناك إلا محبتها الدنو من زوجها.

وقال آخرون: أرادت أنه لا يتفقد أموري ومصالحي.

وعند النسائي "إذا أكل اقتف" أي جمع واستوعب ومنه سميت القفة لجمعها ما وضع فيها وزاد "وإذا ربح اغتث" أي تحرى الغث الهزيل وفي رواية "استف" بالسين بدل الشين وهي بمعناها.

(قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء كل داء له داء شجك أو فلك أو جمع كلالك) قال النووي: هكذا وقع في هذه الرواية "غياياء" بالغين "أو عياياء" بالعين وفي أكثر الروايات بالغين وأنكرها أبو عبيدة وغيره وقالوا: الصواب بالعين وهو الذي لا يلقح وقيل: هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها وقال القاضي وغيره: غياياء بالغين صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص ومعناه لا يهتدي إلى مسلك أو أنها وصفته بثقل الروح وأنه كالظل المتكاثف المظلم الذي لا إشراق فيه أو أنها أرادت أنه غطيت عليه أموره أو يكون "غياياء" من الغي وهو الانهماك في الشر أو من الغي الذي هو الخيبة قال الله تعالى {فسوف يلقون غيا} [مريم: 59] وأما "طباقاء" فمعناه المطبقة عليه أموره حمقا وقيل: هو الذي يعجز عن الكلام فتنطبق شفتاه وقيل: هو العيي الأحمق، وقال ابن فارس:"الطباقاء" الذي لا يحسن الضراب فعلى هذا يكون تأكيدا لاختلاف اللفظ كقولهم: بعدا وسحقا. وقولها "شجك" أي جرحك في الرأس فالشجاج جراحات الرأس وقيل: الجراحات فيه وفي الجسد والفل الكسر والضرب ومعناه أنها معه بين شج رأس وضرب وكسر عضو أو جمع بينهما زاد في رواية "أو بجك" بالباء والجيم، أي طعنك في جراحتك فشقها والبج شق القرحة ووقع في رواية الزبير "إن حدثته سبك وإن مازحته فلك وإلا جمع كلالك". وقيل: المراد بالفل هنا الخصومة، وقولها "كل داء له داء" أي جمع أدواء الناس وعيوبهم مجتمعة فيه. اهـ.

و"أو" في "غياياء" أو "عياياء" شك من الراوي و"أو" في شجك أو فلك، أو جمع كلالك للتقسيم، لا للتخيير.

(قالت الثامنة: زوجي الريح ريح زرنب والمس مس أرنب) في رواية البخاري "زوجي المس من أرنب والريح ريح زرنب" وزاد في رواية الزبير "وأنا أغلبه والناس يغلب".

والزرنب نبت طيب الريح وقيل: هو شجرة عظيمة بالشام بجبل لبنان لها ورق بين الخضرة والصفرة وقيل: هو حشيشة دقيقة طيبة الرائحة وليست ببلاد العرب وإن كانوا قد ذكروها في أشعارهم.

والأرنب دويبة معروفة لينة المس ناعمة الوبر جدا. واللام في "المس" و"الريح" نائبة عن الضمير أي مسه وريحه وصفته بأنه لين الجسد ناعمه، ويحتمل أن تكون كنت بذلك عن حسن خلقه ولين جانبه وبأنه طيب العرق لكثرة نظافته واستعماله الطيب تظرفا ويحتمل أن تكون كنت بذلك

ص: 400

عن طيب حديثه أو طيب الثناء عليه لجميل معاشرته وأما قولها في رواية "وأنا أغلبه والناس يغلب" فقد وصفته بأنه مع جميل عشرته لها وصبره عليها وصفته بالشجاعة وهو كما قال معاوية: يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام.

(قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد طويل النجاد وعظيم الرماد قريب البيت من الناد) قال النووي: هكذا هو في النسخ "النادي" بالياء وهو الفصيح في العربية لكن المشهور في الرواية حذفها ليتم السجع و"العماد" بكسر العين أصله عماد البيت وجمعه عمد بضم العين والميم وهي العيدان التي تعتمد بها البيوت العربية - في المضارب والخيام - والبيت الرفيع ببنائه أو بأرضه وقاعدته يسكنه عادة الأشراف ومن لازم طول البيت غالبا أن يكون متسعا فيدل على كثرة الخدم والحشم والحاشية والغاشية كما يراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدونه فكأنها وصفته بالرفقة والشرف، وقيل: أرادت برفيع العماد أنه طويل الجسم فارتفاع الخيمة قد يكون لطول قامة أهلها وليس هذا بشيء فسيأتي مدح طول القامة في "طويل النجاد" و"النجاد" بكسر النون حمائل السيف وطولها يسلتزم طول حاملها قال بعضهم: وأشارت ضمن ذلك إلى أنه صاحب سيف وأنه شجاع وأما قولها "عظيم الرماد" أي كثير الرماد المتخلف عن كثرة النار التي يوقدها لطهي طعام الضيفان أو النار التي يوقدها الأجواد ليلا على التلال ومشارف الأرض لتهتدي بها الضيفان وأرادت بذلك وصفه بالكرم والجود وقولها "قريب البيت من الناد" تكنى به عن الكرم والسؤدد والمكانة لأنه لا يقرب البيت من النادي إلا إذا كان صاحبه أهلا للقاء القاصدين وإكرامهم وحل مشاكلهم وإصلاح أمورهم فالنادي مجلس القوم فهم إذا تفاوضوا وتشاوروا في أمر جلسوا قريبا من بيته فاعتمدوا على رأيه وامتثلوا أمره.

زاد الزبير بن بكار في روايته "لا يشبع ليلة يضاف ولا ينام ليلة يخاف" أي يجوع ليشبع الضيفان ويسهر حارسا وحاميا من يخاف.

ومحصل كلامها وصفه بالسيادة والكرم وحسن الخلق وطيب المعاشرة.

(قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك؟ مالك خير من ذلك له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك)"وما مالك"؟ الاستفهام للتفخيم والتعظيم والتعجب كقوله تعالى {الحاقة * ما الحاقة} [الحاقة: 1 - 2]؟ و {القارعة - ما القارعة} [القارعة: 1 - 2]؟ أي شيء عظيم هائل أي ما أعظمه وما أكرمه وقولها "مالك خير من ذلك" زيادة في التعظيم وتفسير لبعض الإبهام والمعنى مالك خير مما أقوله عنه من ثناء أي هو خير مما سأقول عنه ومدحي قاصر عن حقيقته وواقعه ومهما قلت فلن أوفيه حقه فالإشارة إلى ما ستقوله من مدح وقيل: الإشارة إلى ما في ذهن المخاطب أي مالك خير مما يخطر ببالك من الثناء ويحتمل أن تكون الإشارة إلى ما تقدم من الثناء على الذين قبله أي مالك أجمع من الذين قبله لخصال السيادة والفضل و"المبارك" بفتح الميم والباء جمع مبرك وهو موضع راحة الإبل ومبيتها و"المسارح" جمع مسرح وهو الموضع الذي تطلق الإبل لترعى فيه والمعنى له إبل كثيرة والقليل منها الذي يخرج للمسارح والرعي، أما غالبها فيبقى في المبارك استعدادا للضيفان فإن

ص: 401

فاجأه ضيف وجد عنده ما يقريه به من لحومها وألبانها ويحتمل أن قلة المسارح كناية عن كثرة الضيفان فاليوم الذي يكثر فيه الضيفان لا تسرح حتى يقضي الضيفان حاجتهم منها ويحتمل أن المراد من المبارك والمسارح أيام البروك وأيام السرح فاليوم الذي لا يطرقه فيه أحد أو يكون هو غائبا تسرح كلها فأيام الطروق أكثر من أيام عدمه فهي لذلك قليلات المسارح ويحتمل أن المراد بكثرة المبارك أنها كثيرات ما تثار لتحلب ثم تترك فتبرك ثم تثار فتحلب ثم تترك فتبرك فهي بذلك كثيرات المبارك وفي رواية "عظيمات المبارك" أي سمينة وجثتها عظيمة فتعظم مباركها وتتسع ويحتمل أن المراد بقلة مسارحها قلة الأمكنة التي ترعى فيها من الأرض وأنها لا تمكن من الرعي إلا بقرب المنازل لئلا يشق طلبها إذا احتيج إليها ويكون ما قرب

من المنزل كثير الخصب، لئلا تهزل.

و"المزهر" بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الهاء آلة من آلات اللهو وقيل هو العود وقيل: هو دف مربع. وأنكر بعضهم تفسير المزهر بالعود وقال: ما كانت العرب تعرف العود إلا من خالط منهم الحضر قال: وإنما هو بضم الميم وكسر الهاء وهو الذي يوقد النار فيزهرها للأضياف قال القاضي: وهذا خطأ منه لأنه لم يروه أحد بضم الميم ولأن المزهر- بكسر الميم - مشهور في أشعار العرب ولأنه لا يسلم له أن هؤلاء النسوة من غير الحاضرة فقد جاء في رواية أنهن من قرية من قرى اليمن اهـ قال الحافظ ابن حجر: و"أيقن أنهن هوالك" معناه أنه كثرت عادته بنحر الإبل لقرى الضيفان ومن عادته أن يسقيهم ويلهيهم، أو يتلقاهم بالغناء مبالغة في الفرح بهم فصارت الإبل إذا سمعت صوت الغناء عرفت أنها تنحر ويحتمل أن أم زرع لم ترد فهم الإبل لهلاكها ولكن لما كان ذلك يعرفه من يعقل أضيف إلى الإبل قال: والأول أولى.

(قالت الحادية عشرة) قال النووي: وفي بعض النسخ "الحادي عشر" وفي بعضها "الحادية عشر"

والصحيح الأول، اهـ وفي رواية الزبير "وهي أم زرع بنت أكميل بن ساعدة"

(زوجي أبو زرع) في رواية النسائي "نكحت أبا زرع".

(فما أبو زرع؟ ) في رواية "وما أبو زرع" قال الحافظ ابن حجر: وهو المحفوظ للأكثر زاد الطبري في رواية "صاحب نعم وزرع".

(أناس من حلي أذني)"حلي" بضم الحاء وكسرها اللام جمع حلية والياء في "أذني" مشددة تثنية أذن و"أناس" أي أثقل حتى تدلى واضطرب والنوس حركة كل شيء متدل يقال: ناس ينوس نوسا وأناسه غيره إناسة ووقع في رواية "أذني وفرعي" بالياء المشددة فيهما قال القاضي عياض: يحتمل أن تريد بالفرعين اليدين لأنهما كالفرعين من الجسد تعني أنه حلى أذنيها ومعصميها أو أرادت بالفرعين العنق واليدين وأقامت اليدين مقام فرع واحد أو أرادت بالفرعين اليدين والرجلين كذلك أو أرادت

ص: 402

بالفرعين الغديرتين، وقرني الرأس - والغديرة الذؤابة المضفورة من شعر المرأة - فقد جرت عادة المترفات - بتنظيم غدائرهن وتحلية نواصيهن وقرونهن بالحلي وفي رواية "وفرعي" بالإفراد أي حلى رأسي فصار يتدلى من كثرته وثقله والعرب تسمي شعر الرأس فرعا.

(وملأ من شحم عضدي) بالتثنية والعضد ما بين المرفق والكتف قال العلماء: معناه أسمنني وملأ بدني شحما فهي لم ترد العضد وحده وإنما أرادت الجسد كله لأن العضد إذا سمنت سمن سائر الجسد وخصت العضد بالذكر من بين سائر الجسد لأنه أقرب ما يلي بصر الإنسان من جسده.

(وبجحني فبجحت إلي نفسي) أي فرحني ففرحت وقيل عظمني فعظمت إلي نفسي وقيل: فخرني ففخرت وقيل: وسع علي ومتعني وأترفني، يقال: بجح به يبجح بفتح الجيم فيهما وبجح به يبجح بالكسر في الماضي والفتح في المضارع وأبجحه وبجحه وروايتنا "بجحني" بتشديد الجيم ورواية البخاري بتخفيفها "فبجحت" بكسر الجيم المخففة وسكون التاء، وفي رواية "فتبجحت إلي نفسي" بتشديد الجيم المفتوحة وسكون التاء وفي رواية النسائي "وبجح نفسي فبجحت إلي" بسكون التاء وفي أخرى له بضم التاء.

(وجدني في أهل غنيمة بشق)"غنيمة" بضم الغين مصغر للتقليل وأهل الغنم أقل شأنا وحالا من أهل الإبل والخيل والعرب لا تعتد بأهل الغنم وقولها "بشق" بكسر الشين وفتحها أي بشق جبل لقلتهم وقلة غنمهم وقيل: اسم موضع وقيل: بمشقة وشظف من العيش واختاره عياض وغيره ومنه قوله تعالى {لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس} [النحل: 7]

(فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق) الصهيل صوت الخيل والأطيط أصوات الإبل، والدائس هو الذي يدوس الزرع ليخرج الحب من غلافه وقشوره و"منق" قال أبو عبيد: أظنه بالفتح من تنقى الطعام وحكى الهروي أن المنق بالفتح الغربال وعن بعض المغاربة أنه يجوز أن يكون بسكون النون وفتح القاف مخففة وقيل: هو من النقيق وهو أصوات المواشي.

تصفه بأنه نقلها من شظف العيش عند أهلها إلى الثروة الواسعة من الخيل والإبل والزرع وغير ذلك وأنه كان كريما معها حسن العشرة.

(فعنده أقول فلا أقبح) أي لا يقبح قولي ولا يرده بل يقبل مني ويستحسن قولي وفي رواية للنسائي "أنطق" وفي رواية "أتكلم".

(وأرقد فأتصبح) أرقد ليلي وأستمر نائمة دون إزعاج ودون إيقاظ حتى بعد الصباح وفي ذلك إشارة إلى أنها مكتفية بمن يخدمها وبمن يكفيها مؤنة بيتها ومهنة أهلها.

(وأشرب فأتقنح) قال النووي: هو بالنون بعد القاف هكذا هو في جميع النسخ قال القاضي: لم نروه في البخاري ومسلم إلا بالنون ورواه الأكثر في غيرهما بالميم قال أبو عبيد: "أتقمح" أي أروى حتى لا أحب الشرب قال: وأما بالنون فلا أعرفه اهـ وأثبت بعضهم أن معنى "أتقنح" بمعنى "أتقمح" لأن النون والميم يتعاقبان مثل: امتقع وانتقع وحكي عن بعضهم أن

ص: 403

التقنح الشرب بعد الري وقيل: الشرب على مهل، وقيل: معناه لا يقطع على شرابي فتوارد هؤلاء كلهم على أن المعنى أنها تشرب حتى لا تجد مساغا أو أنها لا يقلل مشروبها ولا يقطع عليها حتى تتم شهوتها منه وقيل: كناية عن سمن جسمها.

ووقع في رواية "فأتفتح" بالتاء والفاء قال القاضي عياض: إن لم يكن وهما فمعناه التكبر والزهو. اهـ وفي رواية "وآكل فأتمنح" أي أطعم غيري يقال: منحه يمنحه إذا أعطاه أشارت بذلك إلى عزتها عنده وكثرة الخير لديها فهي تزهو لذلك والإتيان بالألفاظ كلها على وزن "أتفعل" للإشارة إلى تكرار الفعل وملازمته.

(أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح وبيتها فساح)"العكوم" بضم العين جمع عكم بكسرها وسكون الكاف وهي الأعدال والأحمال التي تجمع فيها الأمتعة وقيل: هي نمط تجعل المرأة فيها ذخيرتها و"رداح" بكسر الراء وفتحها أي عظام كثيرة الحشو أي ملأى وقيل: معناه ثقيلة ويقال: للكتيبة الكبيرة رداح إذا كانت بطيئة السير لكثرة ما فيها ويقال للمرأة إذا كانت عظيمة الكفل ثقيلة الورك: رداح والمراد وصف أوانيها وخزائنها بأنها مملوءة بالخيرات وقال الزمخشري: لو جاءت الرواية في "عكوم" بفتح العين لكان الوجه على أن يكون المراد بها الجفنة التي لا تزول عن مكانها إما لعظمها وإما لأن القرى متصل دائم أو التي كثر طعامها وتراكم

و"رداح" مفرد ويصح أن يكون خبر "عكوم" وهو جمع وأخبر بالمفرد عن الجمع وهو مسموع بقلة كقوله تعالى {أولياؤهم الطاغوت} [البقرة: 257] ويحتمل أن يكون مصدرا يخبر به عن المفرد والمثنى والجمع ويحتمل أنه على حذف مضاف أي عكومها ذات رداح ويحتمل أن يضبط "رداح" بكسر الراء جمع رادح كقائم وقيام فيخبر بالجمع عن الجمع ويصح أن يكون "رداح" خبر مبتدأ محذوف والجملة خبر المبتدأ الأول والتقدير: عكومها كلها رداح.

"وبيتها فساح" بفتح الفاء وتخفيف السين أي واسع ومثله فسيح ومثله "فياح" كما جاء في رواية وقد وصفت والدة زوجها بأنها كثيرة الآلات والأثاث واسعة المال كبيرة البيت إما حقيقة فيدل ذلك على عظم الثروة وإما كناية عن كثرة الخيرة ورغد العيش والبر بمن ينزل بها لأنهم يقولون: فلان رحب المنزل أي يكرم من ينزل عليه وفي هذا إشارة إلى أن زوجها كثير البر بأمه.

(ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة ويشبعه ذراع الجفرة)"المسل" بفتح الميم والسين بعدها لام مشددة و"شطبة" بفتح الشين وسكون الطاء ما شطب من جريد النخل أي ما شق من السعفة كالقضبان الرقاق ينسج منها الحصر قال ابن السكيت: الشطبة من سدى الحصير وقال ابن حبيب: هي العود المحدد كالمسلة وقال ابن الأعرابي: أرادت بمسل الشطبة سيفا سل من غمده فمضجعه الذي ينام فيه في الصغر كقدر مسل شطبة واحدة والمعنى على ما قاله الأولون: على قدر ما يسل من الحصير فيبقى مكانه فارغا وأما على ما قاله ابن الأعرابي فهو كغمد السيف.

وأما الجفرة بفتح الجيم وسكون الفاء فهي الأنثى من ولد المعز إذا كان ابن أربعة أشهر وفصل عن أمه وأخذ في الرعي وفي رواية "وترويه فيقة اليعرة" والفيقة بكسر الفاء وسكون الياء ما يجتمع

ص: 404

في الضرع بين الحلبتين والفواق بضم الفاء الزمان الذي بين الحلبتين واليعرة بالياء المفتوحة وسكون العين بعدها راء العناق وفي رواية "ويميس في حلق النترة" و"يميس" أي يتبختر "والنترة" بفتح النون وسكون التاء الدرع اللطيفة وصفته بهيف القد وأنه ليس ببطين ولا جاف وأنه قليل الأكل والشرب ملازم لآلة الحرب يختال في موضع القتال قال الحافظ ابن حجر: ويظهر لي أنها وصفته بأنه خفيف الوطأة عليها لأن زوجة الأب غالبا تستثقل ولد الزوج من غيرها فكان هذا خفيفا عليها لا يحتاج إلى ما عندها بالأكل فضلا عن الأخذ بل لو طعم عندها لاقتنع باليسير الذي يسد الرمق من المأكول والمشروب.

(بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع) في بعض النسخ "وما بنت أبي زرع؟ ".

(طوع أبيها وطوع أمها وملء كسائها وغيظ جارتها) أي أنها بارة بأبويها وعند النسائي "زين أبيها وزين أمها" وفي رواية "وزين أهلها ونسائها" وعند الطبراني "وقرة عين لأمها وأبيها" و"ملء كسائها" كناية عن كمال شخصها ونعمة جسمها وقيل: معناه ممتلئة الجسم سمينة وفي ملحق الرواية "وصفر ردائها" بكسر الصاد وسكون الفاء تصف رداءها بالخلو قال الهروي: أي ضامرة البطن وقال غيره: معناه أنها خفيفة أعلى البدن وهو موضع الرداء ممتلئة أسفله ويؤيد هذا رواية "وملء إزارها" قال القاضي: والأولى أن المراد امتلاء منكبيها وقيام نهديها بحيث يرفعان الرداء عن أعلى جسدها فلا يمسه فيصير خاليا بخلاف أسفلها ومعنى قولها "وغيظ جارتها" أن حالها يغيظ ضرتها من حيث الحسن والجمال والعفة والأدب وفي ملحق الرواية "وعقر جارتها" بفتح العين وسكون القاف أي وغيظ جارتها فتكون كالعقور وقيل: ودهشة جارتها من قولهم: عقر إذا دهش وضبطه بعضهم "وعبر جارتها" بضم العين وسكون الباء أي ترى جارتها من حسنها وعفتها وعقلها ما تعتبر به وقيل: هو من العبرة وهي البكاء أي ترى من ذلك ما يبكيها لغيظها وحسدها.

زاد في رواية "قباء هضيمة الحشا" يقال: امرأة قباء بفتح القاف وتشديد الباء أي دقيقة الخصر ضامرة البطن والهضيم من النساء اللطيفة الكشحين والحشا ما دون الحجاب مما يلي البطن كله من الكبد والطحال والكرش أي ضامرة الخصر والبطن لطيفة العجز وفي الرواية نفسها "جائلة الوشاح" الوشاح نسيج عريض يرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقها وكشحيها وجولانه تحركه واضطرابه لسعته وفي الرواية نفسها "عكناء، فعماء، نجلاء، دعجاء، رجاء، قنواء، مؤنقة، مفنقة" والعكناء التي صارت ذات عكن بضم العين وفتح الكاف أي ذات طيات في لحم البطن سمنا والفعماء الممتلئة الأعضاء والنجلاء متسعة العينين حسنتهما والدعجاء الشديدة سواد العين والرجاء بفتح الراء وتشديد الجيم أي كبيرة الكفل ترتج من عظمه وقيل ذات رجاء وأمل والقنواء بفتح القاف وسكون النون الطويلة والمؤنقة بفتح النون المشددة أي رائعة الحسن يعجب بها من يراها ويحبها يقال: أنق بكسر النون يأنق بفتحها أنقا وأناقة راع حسنه وأعجب فهو أنيق وآنقة الشيء وأنق الشيء فلانا بتشديد النون أعجبه.

ص: 405

وقوله "مفنقة" بفتح الفاء وفتح النون المشددة بعدها قاف أي منعمة يقال: فنقه بفتح النون المشددة يفنقه إذا نعمه فهو منفق أي منعم اسم مفعول.

(جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثا ولا تنقث ميرتنا تنقيثا ولا تملأ بيتنا تعشيشا) عند الطبراني "خادم أبي زرع" وفي رواية "وليد أبي زرع" والوليد الخادم يطلق على الذكر والأنثى و"لا تبث" بضم الباء بعدها ثاء أي لا تشيع أحوالنا وتظهر أخبارنا بل تكتم سرنا وحديثنا كله وفي رواية "لا تنث" بالنون بدل الباء وهي بمعناها والنثاث المغتاب وفي رواية "ولا تخرج

" و"لا تنفث" بضم التاء وفتح النون وكسر القاف المشددة بعدها ثاء أي لا تسرع بالخيانة وتذهب مالنا بالسرقة و"الميرة" بكسر الميم الزاد والطعام وأصله ما يحصله البدوي من الحضر ويحمله إلى منزله لينتفع به أهله وقال ابن حبيب: لا تفسد ميرتنا وفي ملحق الرواية "لا تنفث ميرتنا تنفيثا" قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن تكون إحدى الروايتين بالقاف والأخرى بالفاء وفي رواية "ولا تنقل" وفي رواية "ولا تفث" أي لا تفسد وفي رواية "ولا تفش ميرتنا تفشيشا" بالفاء من الإفشاش ومعنى "ولا تملأ بيتنا تعشيشا" بالعين أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطائر بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفه وقيل: معناه لا تخوننا في طعامنا في زوايا البيت كأعشاش من الطير وفي رواية "تغشيشا" بالغين من الغش.

(خرج أبو زرع والأوطاب تمخض)"الأوطاب" جمع وطب بفتح الواو وسكون الطاء وهو جمع قليل النظير وفي رواية في غير مسلم "والوطاب" وهو الجمع الأصلي وفي رواية "الأطاب" بغير واو قال عياض: فإن كان مضبوطا فهو على إبدال الواو همزة كما قالوا في "إكاف""وكاف" والمراد من الأوطاب الأسقية التي يمخض فيها اللبن أي يحرك تحريكا شديدا ليخرج زبده أرادت أنه بكر بخروجه من منزلها وقت قيام الخدم والعبيد لأشغالهم وفي خبرها هذا إشارة إلى كثرة خير داره وغزارة لبنه وأن عندهم منه ما يكفيهم ويفيض عنهم حتى يمخضوه ويستخرجوا زبده ويحتمل أنها أرادت بهذه العبارة أن الوقت الذي خرج فيه كان في زمن الخصب وطيب الربيع قال الحافظ ابن حجر: وكأن سبب ذكر ذلك التوطئة للباعث على رؤية أبي زرع للمرأة على الحالة التي رآها عليها أي أنها من مخض اللبن تعبت فاستلقت لتستريح فرآها على ذلك.

(فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين فطلقني ونكحها) في رواية الطبراني "فأبصر امرأة لها ابنان كالفهدين" وفي رواية "كالصقرين" وفي رواية "كالشبلين" وعند النسائي "فإذا هو بأم غلامين" والغرض من ذكر الولدين ووصفهما بما وصفا به التنبيه على بعض الأسباب الداعية لتزوج أبي زرع بها لأنهم كانوا يرغبون في أن يكون لهم أولاد وأن تكون أولادهم من النساء المنجبات وفي وصفهما إشارة إلى صغر سنهما واشتداد خلقتهما وخفة حركاتهما هذا بالإضافة إلى ما وصفت به المرأة قال أبو عبيد: وصفت بأنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على ظهرها رفع خصرها عن الأرض حتى يصير تحتها فجوة تجري فيها الرمانة اهـ.

وكان مع الولدين رمانتان كل واحد يرمي واحدة للآخر أو هي رمانة واحدة ثنيت باعتبار تناول

ص: 406

كل من الولدين لها ويؤيده ما وقع في رواية أبي معاوية "وهي مستلقية على قفاها ومعها رمانة يرميان بها من تحتها فتخرج من الجانب الآخر من عظم إليتيها".

وقال بعضهم: المراد بالرمانتين هنا ثدياها والمعنى أن لها نهدين حسنين صغيرين كالرمانتين يداعبهما الولدان قال القاضي عياض: وهذا أرجح لا سيما وقد روي "من تحت صدرها" و"من تحت درعها" ولأن العادة لم تجر برمي الصبيان الرمان تحت ظهور أمهاتهم ولم تجر العادة أيضا باستلقاء النساء كذلك حتى يشاهده منهن الرجال وردت رواية أبي معاوية بأن سياقها هذا لا يشبه كلام أم زرع فلعله من كلام بعض رواتها أورده على سبيل التفسير الذي ظنه فأدرج في الخبر وفسر القاضي قولها في روايتنا "يلعبان من تحت خصرها برمانتين" بقوله إن ذلك كان إشارة إلى مكان الولدين منها أي يلعبان وهما تحت خصرها أي أنهما كانا في حضنها أو جنبيها قال: وفي تشبيه النهدين بالرمانتين إشارة إلى صغر سنها وأنها لم تترهل حتى تنكسر ثدياها وتتدلى. اهـ.

وفي رواية "فأعجبته فطلقني" وقد يقال "لم طلق أبو زرع أم زرع؟ وكان راغبا فيها ويحبها؟ وكان يمكن أن يتزوج المرأة مع استبقاء أم زرع؟ وقد فسرت رواية أبي معاوية السر في ذلك ولفظها "فخطبها أبو زرع فتزوجها فلم تزل به حتى طلق أم زرع".

(فنكحت بعده رجلا سريا) بالسين على المشهور ومعناه سيدا شريفا وقيل: سخيا وسراة الناس كبراؤهم في حسن الصورة والهيئة والسري من كل شيء خياره.

(ركب شريا) بفتح الشين وكسر الراء وتشديد الياء صفة لموصوف محذوف أي ركب فرسا شريا والشري الذي يستشري في سيره أي يمضي ويلح دون فتور ولا انكسار وقال ابن السكيت: هو الفرس الفائق الخيار.

(وأخذ خطيا) بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة بعدها ياء مشددة صفة لموصوف محذوف أي أخذ رمحا خطيا قالوا: والخطي الرمح منسوب إلى الخط قرية من سيف البحر أي ساحله عند عمان والبحرين ونسبت الرماح إليها لأنها تحمل إلى هذا الوضع وتثقف فيه.

(وأراح علي نعما ثريا) قال النووي: أي أتى بها إلى مراحها بضم الميم أي موضع مبيتها وقيل: معناه أنه غزا فغنم فأتى بالنعم الكثيرة وفي رواية "وأراح على بيتي نعما" والنعم بفتح النون والعين الإبل والبقر والغنم ويحتمل أن المراد هنا بعضها وهي الإبل والثري بالثاء وتشديد الياء الكثير المال وغيره، ومنه الثروة في المال وهي كثرته. اهـ.

و"ثريا" صفة لنعما أي إبلا كثيرة والتذكير فيه مع الموصوف المؤنث لمراعاة السجع وفي رواية حكاها القاضي عياض: "نعما" بكسر النون جمع نعمة والأشهر الأول.

(وأعطاني من كل رائحة زوجا) أي وأعطاني من كل ما يروح من الإبل والبقر والغنم اثنين أو صنفا فإن الزوج قد يطلق على الصنف ومنه قوله تعالى {وكنتم أزواجا ثلاثة} وفي ملحق الرواية "وأعطاني من كل ذابحة زوجا" قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ "ذابحة" بالذال وبالباء أي من كل ما يجوز ذبحه من الإبل والبقر والغنم وغيرها وهي فاعلة بمعنى مفعولة اهـ. مثل "عيشة

ص: 407

راضية" أي مرضية وفي رواية الطبراني "من كل سائمة" والسائمة الراعية والرائحة الآتية وقت الرواح وهو آخر النهار وقد أرادت بذلك كثرة ما أعطاها.

(وقال: كلي أم زرع وميري أهلك)"أم زرع" منادى بحذف حرف النداء و"ميري أهلك" بكسر الميم من الميرة أي صليهم وأوسعي عليهم بالميرة وهي الطعام.

والحاصل أنها وصفته بالسؤدد في ذاته "رجلا سريا" والشجاعة في فعاله "ركب شريا وأخذ خطيا وأراح على نعما ثريا" وبالتفضل عليها وإكرامها و"أعطاني من كل رائحة زوجا" وزاد في إكرامها فأباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله وتهدي منه ما شاءت لأهلها.

(فلو جمعت كل شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع) في رواية البخاري "أعطانيه" وفي رواية "ما ملأ إناء من آنية أبي زرع" وعند الطبراني "فلو جمعت كل شيء أصبته منه فجعلته في أصغر وعاء من أوعية أبي زرع ما ملأه" وهذا الأسلوب كناية عن استصغار ما أصابته من زوجها الثاني بالنسبة لما أصابته من أبي زرع لأنه كان أول أزواجها فسكنت محبته في قلبها.

(كنت لك كأبي زرع لأم زرع) قال النووي: قال العلماء: هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها ومعناه: أنا لك كأبي زرع و"كان" زائدة أو للدوام كقوله تعالى {وكان الله غفورا رحيما} أي كان فيما مضى وهو باق كذلك. اهـ. فأصل الفعل الماضي يدل على حصول حدث في زمن مضى قبل التكلم ومقتضاه أنه لا يدل على استمرار الحدث في الحال ولا في الاستقبال ومقصود الحديث كنت لك في الماضي وأنا لك في الحال، وسأظل لك في المستقبل كأبي زرع لأم زرع ووجه الشبه في هذه القضية الألفة والوفاء لأن المشبه به له صفات لا يليق التشبه بها ولذلك زاد في رواية الهيثم ابن عدي "في الألفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء" وزاد الزبير في آخره "إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك" زاد النسائي والطبراني في رواية له "قالت عائشة: يا رسول الله. بل أنت خير من أبي زرع" وفي رواية "قالت: بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع" قال النووي: وكأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك تطيبا لها وطمأنينة لقلبها ودفعا لإيهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع إذ لم يكن فيه ما تذمه النساء به سوى طلاقه أم زرع وأجابت هي عن ذلك جواب مثلها في فضلها وعلمها.

-[فقه الحديث]-

هذا الحديث مسوق على أنه منقبة وفضيلة لعائشة رضي الله عنها.

ويؤخذ منه

1 -

فضيلة حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفض ذلك إلى ما يمنع.

2 -

وفيه المزاح أحيانا وبسط النفس به.

3 -

ومداعبة الرجل أهله وإعلامه بمحبته لها ما لم يؤد ذلك إلى مفسدة تترتب على ذلك من تجنيها عليه وإعراضها عنه.

ص: 408

4 -

وفيه منع الفخر بالمال فقد ركز صلى الله عليه وسلم على حسن العشرة وأهمل فخر أم زرع بالمال.

5 -

وفيه جواز ذكر الفضل بأمور الدين فقد ذكر لها حبه وحسن عشرته وهو من الدين.

6 -

وفيه إخبار الرجل أهله بصورة حاله معهم وتذكيرهم بذلك لا سيما عند وجود ما طبعن عليه من كفر الإحسان.

7 -

وفيه ذكر المرأة إحسان زوجها.

8 -

قال الحافظ ابن حجر: وفيه إكرام الرجل بعض نسائه بحضور ضرائرها بما يخصها به من قول أو فعل (هذا على احتمال حضور بعض الضرائر عند سياق القصة والأولى أن يقال: فيه تخصيص بعض نسائه بذكر حبه وحسن عشرته لها من بين ضرائرها) قال: ومحله عند السلامة من الميل المفضي إلى الجور.

9 -

وفيه جواز تحدث الرجل مع زوجته في غير نوبتها. قاله الحافظ ابن حجر. وهو غير واضح.

10 -

وفيه الحديث عن الأمم الخالية وضرب الأمثال بهم اعتبارا.

11 -

وفيه جواز الانبساط بذكر طرف الأخبار ومستطابات النوادر تنشيطا للنفوس.

12 -

وفيه حض النساء على الوفاء لبعولتهن وقصر الطرف عليهم والشكر لجميلهم أخذا من تقريره صلى الله عليه وسلم لأم زرع.

13 -

وفيه جواز وصف المرأة زوجها بما تعرفه من حسن وسوء قاله الحافظ ابن حجر. وفيه نظر.

14 -

وجواز المبالغة في الأوصاف ومحله إذا لم يصر ذلك ديدنا لأنه يفضي إلى خرم المروءة قاله الحافظ ابن حجر ويحمل على أن شرع من قبلنا شرع لنا وهو أيضا غير ظاهر فعمل هؤلاء النساء وقولهم لا يؤخذ منه شرع وسيأتي ما يؤيده ذلك.

15 -

ومن طلب عائشة ذكر قصة أبي زرع وجواب الرسول صلى الله عليه وسلم لها تفسير ما يجمله المخبر من الخبر إما بالسؤال عنه وإما ابتداء من تلقاء نفسه.

16 -

قال الحافظ ابن حجر: وفيه أن ذكر المرء بما فيه من العيب جائز إذا قصد التنفير عن ذلك الفعل ولا يكون ذلك غيبة أشار إلى ذلك الخطابي وتعقبه التميمي شيخ عياض بأن الاستدلال بذلك إنما يتم أن لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع المرأة تغتاب زوجها فأقرها وأما الحكاية عمن ليس بحاضر فليس كذلك.

وقال المازري: قال بعضهم: ذكر بعض هؤلاء النسوة أزواجهن بما يكرهون ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم وأسمائهم قال المازري: وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان من تحدث عنده بهذا الحديث سمع كلامهن في اغتياب أزواجهن فأقرهن على ذلك أما والواقع خلاف ذلك وهو أن عائشة حكت قصة عن نساء مجهولات غائبات فلا ولو أن امرأة وصفت زوجها بما يكرهه لكان غيبة محرمة على من يقوله ويسمعه إلا إن كانت في مقام الشكوى منه

ص: 409

عند الحاكم وهذا في حق المعين فأما المجهول الذي لا يعرف فلا حرج في سماع الكلام فيه لأنه لا يتأذى إلا إذا عرف أن من ذكر عنده يعرفه ثم إن هؤلاء الرجال مجهولون لا تعرف أسماؤهم ولا أعيانهم فضلا عن أسمائهم ولم يثبت للنسوة إسلام حتى يجري عليهن الغيبة فبطل الاستدلال به على ما ذكر. اهـ. ونحن مع التميمي والمازري ولا نسلم بالمأخذ: [13، 14، 16]. والله أعلم.

17 -

وفيه تقوية لمن كره نكاح من كان لها زوج سابق لما ظهر من اعتراف أم زرع بإكرام زوجها الثاني لها بقدر الطاقة ومع ذلك حقرته وصغرته بالنسبة إلى الزوج الأول. وذاك طبع لغالب النساء.

18 -

وفيه أن الحب يستر الإساءة لأن أبا زرع مع إساءته لها بتطليقها لم يمنعها ذلك من المبالغة في وصفه إلى أن بلغت حد الإفراط والغلو.

19 -

وفيه جواز وصف النساء ومحاسنهن للرجل لكن محله إذا كن مجهولات والذي يمنع من ذلك وصف المرأة المعينة بحضرة الرجل أو أن يذكر من وصفها ما لا يجوز للرجال تعمد النظر إليه. قاله الحافظ ابن حجر وفيه نظر.

20 -

وفيه أن التشبيه لا يستلزم مساواة المشبه بالمشبه به من كل جهة.

21 -

وفيه أن كناية الطلاق لا توقعه إلا مع مصاحبة النية فإنه صلى الله عليه وسلم تشبه بأبي زرع وأبو زرع قد طلق فلم يستلزم ذلك وقوع الطلاق لكونه لم يقصره.

22 -

وفيه جواز التأسي بأهل الفضل من كل أمة لأن أم زرع أخبرت عن أبي زرع بجميل عشرته فامتثله النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال المهلب واعترضه القاضي عياض فأجاد وهو أنه ليس في السياق ما يقتضي أنه تأسى به بل فيه أنه أخبر أن حاله معها مثل حال أبي زرع مع أم زرع قال الحافظ ابن حجر: نعم ما استنبطه صحيح باعتبار أن الخبر إذا سيق وظهر من الشارع تقريره مع الاستحسان له جاز التأسي به.

23 -

قيل: وفيه قبول خبر الواحد لأن أم زرع أخبرت بحال أبي زرع فامتثله النبي صلى الله عليه وسلم وتعقبه عياض.

24 -

وفيه مدح الرجل في وجهه إذا علم أن ذلك لا يفسده.

25 -

وفيه أن شأن النساء إذا تحدثن أن لا يكون حديثهن غالبا إلا في الرجال.

26 -

وفيه جواز استعمال الألفاظ الغريبة.

27 -

واستعمال السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفا.

والله أعلم

ص: 410