الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(617) باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالنساء، والرفق بهن
5258 -
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وغلام أسود يقال له: أنجشة يحدو، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أنجشة، رويدك، سوقا بالقوارير".
5259 -
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على أزواجه، وسواق يسوق بهن يقال له: أنجشة. فقال: "ويحك يا أنجشة! رويدا سوقك بالقوارير" قال: قال أبو قلابة: تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه.
5260 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت أم سليم مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وهن يسوق بهن سواق. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"أي أنجشة! رويدا سوقك بالقوارير".
5261 -
عن أنس رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاد حسن الصوت. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رويدا يا أنجشة! لا تكسر القوارير! يعني ضعفة النساء".
5262 -
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يذكر: حاد حسن الصوت.
-[المعنى العام]-
يقول صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" ويقول "اتقوا الله في النساء، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا".
ومن مسلمات الحياة أن المرأة ضعيفة البنية، ناعمة الصوت والملمس، رقيقة الحس، مرهفة العواطف، كالزجاجة الرقيقة، بل كزجاجة المصباح، فائدتها في شفافيتها وصفائها، وفي وقايتها والحفاظ عليها، وفي صيانتها وحمايتها من أدناس البيئة وعواصف الأهواء، ولذا شبهوها بالزجاجة
والقارورة، يقول صلى الله عليه وسلم في الوصاية بها "رفقا بالقوارير" والقوارير يضرب بها المثل في سرعة الكسر، وعدم قبول الإصلاح والجبر، يقول الشاعر:
ارفق بعمرو إذا حركت نسبته
…
فإنه عربي من قوارير
والإسلام يعتز بالمرأة، ويصونها، ويعتبر حصانتها أساس حياتها، من هنا أحاطها بسياج من وسائل الحفظ والتكريم، حتى في الجنة، وصفها القرآن الكريم بقوله {حور مقصورات في الخيام} [الرحمن: 72]، {وعندهم قاصرات الطرف عين* كأنهن بيض مكنون} [الصافات: 48 - 49]، {وحور عين* كأمثال اللؤلؤ المكنون} [الواقعة: 22 - 23] حرص الإسلام على راحتها إن هي أقامت، فأوجب لها على الرجل السكنى والنفقة والكسوة والمعاشرة بالمعروف وإن هي سافرت، حتى لا تسافر مسافة قصر بدون زوج أو محرم، نركب ويمشي الرجل، وعليه أن يهيئ لها في مركبها ما يريحها من هودج وفراش وثير، ومشي وئيد، بل وأن يحدو لها الحادي، ويغني لها لينعشها في سفرها، كالطفل تغني له أمه، وتحننه، وتهدهده، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر ببعض نسائه، فيهيئ لهن الركائب، ويعد لهن الهوادج، ويخصص لهن عبدا خادما، يقودهن، ويراعي مصالحهن، ويحدو لهن، ولا يكتفي صلى الله عليه وسلم بذلك، بل يرعى بنفسه شئونهن، ويتعهد أحوالهن، فيذهب إلى رحلهن بنفسه، يطمئن عليهن، ويوصي بهن وبراحتهن، فيقول للخادم: يا أنجشة، ارفق بهن في سوقك، وارفق بهن في حدوك وغنائك، فإنهن كالقوارير، فهل رأيت حنانا ورقة وعطفا على النساء مثل هذا؟ صلى الله عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وغلام أسود، يقال له: أنجشة، يحدو) في الرواية الثانية "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على أزواجه، وسواق يسوق بهن، يقال له: أنجشة" وفي الرواية الثالثة "كانت أم سليم مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وهن يسوق بهن سواق" وفي الرواية الرابعة "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاد حسن الصوت" وفي رواية البخاري "أتى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه" وفي رواية "وكان معهم سائق وحاد" وفي أخرى "كان أنجشة يحدو بالنساء، وكان البراء يحدو بالرجال" وفي رواية "وأنجشة غلام النبي صلى الله عليه وسلم يسوق بهن" وفي رواية "وكان يحدو بأمهات المؤمنين ونسائهم" أي نساء المؤمنين.
فمن هذه الروايات يتبين أن الرحلة كانت رحلة سفر، وفيها رجال ونساء، من غير اختلاط، فللرجال حاد، وللنساء حاد، وكان في ركب النساء بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كل واحدة في هودج على بعير، وأن أنجشة كان سائق ركب النساء وحاديه، وكان غلاما أسود، حبشيا حسن الصوت، قيل: كان يكنى أبا مارية، وأنه كان ممن نفاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المخنثين.
وأن أم سليم، أم أنس، كانت مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يطمئن على ركب النساء، فأتى عليهن، والظاهر أنه أحس بركبهن ما يشغله عليهن، ففي رواية "فاشتد عليهن السياق" أي أسرع بركبهن بسبب انسجام الإبل بالحداء، وفي رواية "فإذا أعنقت الإبل" أي أسرعت.
(فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنجشة. رويدك، سوقا بالقوارير) في الرواية الثانية "فقال: ويحك يا أنجشة، رويدا، سوقك بالقوارير" وفي الرواية الثالثة "أي أنجشة: رويدا، سوقك بالقوارير" وفي الرواية الرابعة "رويدا يا أنجشة، لا تكسر القوارير" يعني ضعفة النساء.
وفي رواية " يا أنجش" على الترخيم، وفي رواية "ارفق" وفي رواية "رويدك ارفق" وفي رواية "كذلك سوقك" أي كفاك سوقك، وفي رواية "رويدك سوقك، ولا تكسر القوارير" والقوارير جمع قارورة، وهي الزجاجة، قيل: سميت بذلك لاستقرار الشراب فيها، كنى عن النساء بالقوارير، لرقتهم وضعفهن عن الحركة، والنساء يشبهن بالقوارير في الرقة واللطافة وضعف البنية، والكناية لفظ أطلق، وأريد منه لازم معناه، فكأنه قال: رفقا بالضعيفات المحمولات على الإبل، وقيل: شبهن بالقوارير لسرعة انقلابهن عن الرضا، وقلة دوامهن على الوفاء، كالقوارير، يسرع إليها الكسر ولا تقبل الجبر، والأول أولى في هذا المقام، وقيل: أراد بالقوارير الإبل، وكان في سوق أنجشة لها عنف، فأمر أن يرفق بالمطايا، وهذا أبعد من سابقه، والهدف من الأمر بالرفق أحد احتمالين أو هما معا، الأول أن الحداء دفع الإبل إلى الإسراع، أو أن سوقه العنيف دفع الإبل إلى الإسراع، مما يقلق الراكبات، ويزعزعهن، ويحول دون راحتهن، فأمر بالعمل على راحة الراكبات، والرفق بهن، والثاني أن أنجشة كان حسن الصوت، وأكثر من الحداء، وحسن صوته يحرك نفوس النساء، ويضعف عزائمهن، فخشي من سماعهن النشيد أن يقع بقلوبهن منه شيء، فأمر بالكف عن الحداء.
قال عياض: وقوله "رويدا" منصوب على أنه صفة لمحذوف، دل عليه اللفظ السابق، أي سق سوقا رويدا، أو احد حدوا رويدا، أو منصوب على المصدر، أي أورد رويدا، مثل ارفق رفقا، أو على الحال، أي سر رويدا، و"رويدك" منصوب على الإغراء، أو مفعول بفعل مضمر، أي الزم رفقك، وقيل:"رويدك" إما مصدر، والكاف في محل خفض، وإما اسم فعل والكاف حرف خطاب، وقال الراغب: يقال: أورد، يورد كأمهل يمهل لفظا ومعنى، وهو من الرود بفتح الراء، وسكون الواو، وهو التردد في طلب الشيء برفق ويقال: راد، وارتاد، والرائد طالب الكلأ، ورادت المرأة، ترود إذا مشت على هنيتها، وقال الرامهرمزي: رويدا تصغير رود، وهو مصدر فعل الرائد، وهو المبعوث في طلب الشيء، ولم يستعمل في طلب المهلة، إلا مصغرا، وقال السهيلي: قوله "رويدا" أي أرفق، جاء بلفظ التصغير لأن المراد التقليل، أي ارفق قليلا.
و"سوقك" منصوب على نزع الخافض، أي ارفق في سوقك، أو سقهن كسوقك، وقال القرطبي في المفهم:"سوقك" مفعول به، وفي الرواية الأولى "سوقا" وهو منصوب على الإغراء، أو على المصدر.
وجاء في الرواية الثانية "ويحك يا أنجشة، رويدا سوقك بالقوارير" قال النووي: هكذا وقع في مسلم "ويحك" ووقع في غيره "ويلك" قال سيبويه "ويل" كلمة تقال لمن وقع في هلكة، و"ويح" زجر لمن أشرف على الوقوع في هلكة، وقال الفراء: ويح، وويك، وويس بمعنى، وقيل:"ويح" كلمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها، أي فيرثى له، ويترحم عليه، و"ويل" ضده، قال القاضي: قال بعض أهل اللغة" لا يراد بهذه الألفاظ حقيقة الدعاء، وإنما يراد بها المدح والتعجب، اهـ. ولا يصلح هذا القول في هذا المقام.
(قال أبو قلابة: تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة، لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه) كذا ورد في الرواية الثانية، وأبو قلابة الراوي عن أنس، وأراد بالكلمة، قوله صلى الله عليه وسلم "بالقوارير" وهي كلمة تشبه النساء بالقوارير، وقد يفهم منها الغزل والهزل، وقد تعاب على قائلها عند المتنطعين، وكان أهل العراق كذلك في زمن أبي قلابة، يميلون إلى التكلف وكثرة الجدل والمراء ومعارضة الحق بالباطل، فلو قال كبير مثلها لعابوها عليه، وقيل: مراد أبي قلابة أن هذه الكلمة غير واضحة الدلالة على المراد، لأن وجه الشبه بين القارورة والمرأة ليس جليا، فلو قالها أحد من أهل العراق، لعابها العراقيون، معترضين عليها من حيث البلاغة، وقيل: إن مراد أبي قلابة أن هذا التعبير مثل في البلاغة، ومن أرقى أساليبها التي لا يمسها أهل العراق، ولا يفهمونها، فيدفعهم جهلهم إلى عيبها، لو صدرت من أحدهم.
-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من الحديث]-
1 -
جواز الحداء، والحداء شعر، يجري عليه من الأحكام ما يجري على الشعر، وقد بوب البخاري لهذا الحديث بباب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء، والشعر في الأصل اسم لما دق، واستعمل في الكلام المقفي الموزون قصدا، والرجز بفتح الراء والجيم نوع من الشعر عند الأكثر، والحداء بضم الحاء، وتخفيف الدال، يمد، ويقصر، سوق الإبل بضرب مخصوص من الغناء، ويكون في الغالب بالرجز، وقد يكون بغيره من الشعر، وقد جرت عادة الإبل أنها تسرع السير، إذا حدي بها.
ونقل ابن عبد البر الاتفاق على إباحة الحداء، وفي كلام بعض الحنابلة إشعار بنقل خلاف فيه، قال الحافظ ابن حجر: ومانعه محجوج بالأحاديث الصحيحة، ويلتحق بالحداء هنا الحجيج المشتمل على التشوق إلى الحج بذكر الكعبة وغيرها من المشاهد، ونظيره ما يحرض أهل الجهاد على القتال، ومنه غناء المرأة لتسكين الولد في المهد، أقول: ومثله غناء عمال البناء وملاحي السفن الشراعية وغيرهم، وأخرج الطبري من طريق ابن جريج، قال: سألت عطاء عن الحداء والشعر والغناء؟ فقال: لا بأس به ما لم يكن فاحشا.
2 -
وفيه جواز السفر بالنساء.
3 -
واستعمال المجاز.
4 -
وفيه مباعدة النساء من الرجال، قال النووي: ومن سماع كلامهم إلا الوعظ ونحوه.
5 -
ذكر البخاري هذا الحديث تحت باب: المعاريض مندوحة عن الكذب، والمعاريض جمع معراض من التعريض بالقول، وهو خلاف التصريح، وهو التورية بالشيء عن الشيء، قال الراغب: التعريض كلام له وجهان في صدق وكذب، أو باطن وظاهر، قال الحافظ ابن حجر: والأولى أن يقال: كلام له وجهان، يطلق أحدهما ويراد لازمه، والمراد هنا قوله "رفقا بالقوارير" فإنه كنى بذلك عن النساء.
والله أعلم