المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(642) باب من فضائل خديجة رضي الله عنها - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٩

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(599) باب قتل الحيات والأبتر والوزغ والهرة وسقي البهائم

- ‌كتاب الأدب من الألفاظ وغيرها

- ‌(600) باب سب الدهر - تسمية العنب كرما - قول: عبدي وأمتي - استعمال المسك

- ‌كتاب الشعر

- ‌(601) باب الشعر واللعب بالنرد

- ‌كتاب الرؤيا

- ‌(602) باب الرؤية والحلم، وتأويل الرؤيا

- ‌كتاب الفضائل

- ‌(603) باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة وتفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق

- ‌(604) باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(605) باب توكله صلى الله عليه وسلم على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس

- ‌(606) باب بيان مثل ما بعث به صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(607) باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم وإذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(608) باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌(609) باب إكرامه صلى الله عليه وسلم بقتال الملائكة معه

- ‌(610) باب من شجاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌(611) باب جوده صلى الله عليه وسلم

- ‌(612) باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌(613) باب في سخائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(614) باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه وفضل ذلك

- ‌(615) باب حيائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(616) باب تبسمه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته

- ‌(617) باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالنساء، والرفق بهن

- ‌(618) باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس، وتبركهم به، وتواضعه لهم

- ‌(619) باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله تعالى عند انتهاك حرماته

- ‌(620) باب طيب رائحته صلى الله عليه وسلم، ولين مسه وطيب عرقه، والتبرك به

- ‌(621) باب في صفاته الخلقية، وصفة شعره وشيبته

- ‌(622) باب إثبات خاتم النبوة، وصفته، ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم

- ‌(623) باب قدر عمره صلى الله عليه وسلم، وإقامته بمكة والمدينة

- ‌(624) باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(625) باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله، وشدة خشيته له

- ‌(626) باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم، وتوقيره، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه

- ‌(627) باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي

- ‌(628) باب فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم

- ‌(629) باب فضائل عيسى عليه السلام

- ‌(630) باب من فضائل إبراهيم الخليل، ولوط، عليهما السلام

- ‌(631) باب من فضائل موسى عليه السلام، ويونس، ويوسف، وزكريا، والخضر، عليهم السلام

- ‌كتاب فضائل الصحابة

- ‌(632) باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌(633) باب من فضائل عمر رضي الله عنه

- ‌(634) باب من فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(635) باب فضائل علي رضي الله عنه

- ‌(636) باب من فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌(637) باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما

- ‌(638) باب من فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌(639) باب من فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما

- ‌(640) باب من فضائل زيد بن حارثة، وابنه أسامة، رضي الله عنهما

- ‌(641) باب من فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنه

- ‌(642) باب من فضائل خديجة رضي الله عنها

- ‌(643) باب فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌(644) تابع باب فضائل عائشة رضي الله عنها حديث أم زرع

- ‌(645) باب من فضائل فاطمة رضي الله عنها

- ‌(646) باب من فضائل أم سلمة رضي الله عنها

- ‌(647) باب من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌(648) باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنها

- ‌(649) باب من فضائل أم سليم وبلال رضي الله عنهما

- ‌(650) باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما

- ‌(651) باب من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(652) باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌(653) باب من فضائل أبي دجانة: سماك بن خرشة رضي الله عنه

- ‌(654) باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر رضي الله عنهما

- ‌(655) باب من فضائل جليبيب رضي الله عنه

- ‌(656) باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه

- ‌(657) باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(658) باب من فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌(659) باب من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

- ‌(660) باب من فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌(661) باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه

- ‌(662) باب من فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌(663) باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(664) باب من فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌(665) باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان، رضي الله عنهم

- ‌(666) باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما

- ‌(667) باب من فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه

- ‌(668) باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما

- ‌(669) باب من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله عنهم

- ‌(670) باب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(671) باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيئ

- ‌(672) باب خيار الناس

- ‌(673) باب من فضائل نساء قريش

- ‌(674) باب مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، رضي الله عنهم

- ‌(675) باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة

- ‌(676) باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم

- ‌(677) باب معنى قوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌(678) باب تحريم سب الصحابة

- ‌(679) باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(680) باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

- ‌(681) باب فضل أهل عمان

- ‌(682) باب ذكر كذاب ثقيف

- ‌(683) باب فضل فارس

- ‌(684) باب بيان قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة

- ‌كتاب البر والصلة والآداب

- ‌(685) باب بر الوالدين

- ‌(686) باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة، وغيرها، وفضل بر الوالدين

- ‌(687) باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما

- ‌(688) باب تفسير البر والإثم

الفصل: ‌(642) باب من فضائل خديجة رضي الله عنها

(642) باب من فضائل خديجة رضي الله عنها

5457 -

عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خير نسائها مريم بنت عمران. وخير نسائها خديجة بنت خويلد" قال أبو كريب: وأشار وكيع إلى السماء والأرض.

5458 -

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".

5459 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب. فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب قال أبو بكر في روايته عن أبي هريرة ولم يقل سمعت ولم يقل في الحديث ومني.

5460 -

عن إسماعيل قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر خديجة ببيت في الجنة؟ قال: نعم بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية.

5461 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد ببيت في الجنة

ص: 367

5462 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة. ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين لما كنت أسمعه يذكرها ولقد أمره ربه عز وجل أن يبشرها ببيت من قصب في الجنة وإن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها.

5463 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة وإني لم أدركها قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة" قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني قد رزقت حبها".

5464 -

وفي رواية عن هشام بهذا الإسناد نحو حديث أبي أسامة إلى قصة الشاة ولم يذكر الزيادة بعدها.

5465 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت للنبي صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما غرت على خديجة لكثرة ذكره إياها وما رأيتها قط.

5466 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت.

5467 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك فقال: "اللهم! هالة بنت خويلد" فغرت فقلت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر فأبدلك الله خيرا منها! .

-[المعنى العام]-

خديجة بنت خويلد رضي الله عنها أول من تزوجها صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها تزوجها سنة

ص: 368

خمس وعشرين من مولده في قول الجمهور، وكانت قبله عند أبي هالة بن النباش بن زرارة التميمي، وله منها ولد اسمه "هند" ومات أبو هالة في الجاهلية وكانت خديجة قبله عند عتيق بن عائذ المخزومي.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة قد سافر في مالها مقارضا إلى الشام وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة.

وصدقت النبي من أول وهلة مما يدل على قوة يقينها ووفور عقلها وصحة عزمها، شاركته الحصار الاقتصادي وكانت حصنا له صلى الله عليه وسلم حتى قال: ما نالت مني قريش ما نالت مني بعد موت خديجة وأبي طالب.

وكان جميع أولاده صلى الله عليه وسلم منها إلا إبراهيم والمتفق عليه من أولاده منها:

القاسم وبه كان يكنى مات صغيرا قبل المبعث أو بعده، وبناته الأربع: زينت ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة وقيل: كانت أم كلثوم أصغر من فاطمة وعبد الله ولد بعد المبعث، فكان يقال له: الطاهر والطيب ويقال: وهما أخوان له، ومات الذكور صغارا باتفاق.

وماتت خديجة بعد المبعث بعشر سنين على الصحيح فأقامت معه خمسا وعشرين سنة لم يتزوج في حياتها غيرها. رضي الله عنها وأرضاها.

-[المباحث العربية]-

(خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد قال أبو كريب: وأشار وكيع إلى السماء والأرض) قال القرطبي: الضمير في "خير نسائها" عائد على غير مذكور لكنه يفسره المقام والمشاهدة يعني خير نساء الدنيا وقال الطيبي: الضمير الأول يعود على الأمة التي كانت فيها مريم والثاني على هذه الأمة - أي خير نساء عصر مريم مريم وخير أمة محمد صلى الله عليه وسلم خديجة - قال: ولهذا كرر الكلام "خير نسائها" - تنبيها على أن حكم كل واحدة منها غير حكم الأخرى اهـ. لكن لا يساعد هذا التفسير إشارة وكيع إلى السماء والأرض مما يرجح أن المراد بالضميرين نساء الدنيا.

قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي أن قوله "خير نسائها" خبر مقدم والضمير لمريم فكأنه قال: مريم خير نسائها، أي خير نساء زمانها وكذا في خديجة.

وقال النووي: الأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير من نساء الأرض في عصرها وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه.

وقال القاضي: يحتمل أن الكلام على تقدير "من" أي أنهما من خير نساء الأرض والصحيح الأول.

(كمل من الرجال كثير) فكانوا أنبياء ورسلا و"كمل" بفتح الكاف والميم مفتوحة ومضمومة ومكسورة ثلاث لغات مشهورات والكسر ضعيف.

ص: 369

(ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون){إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} [التحريم: 11] وذكر بعضهم أنها كانت عمة موسى عليه السلام وأنها آمنت به حين سمعت بتلقف العصا إفك السحرة فعذبها فرعون.

وأخرج أبو يعلى والبيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة "أن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها فكانت إذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة عليهم السلام وقالت: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فيكشف لها عن بيتها في الجنة" وفي رواية عند عبد بن حميد "أنه وتد لها أربعة أوتاد وأضجعها على ظهرها وجعل على صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس" وعن الحسن "فنجاها الله تعالى أكرم نجاة فرفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب وتنعم فيها" قال المفسرون: وظاهر هذه الرواية أنها رفعت بجسدها وهو لا يصح.

أما مريم ابنة عمران - ولها سورة باسمها في القرآن الكريم - فصدقت وآمنت بكلمات ربها وصحفه وبجميع كتبه من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وإن لم يكن قد نزل {وكانت من القانتين} ومن عداد المواظبين على الطاعة.

وأخرج الطبراني عن سعد بن جنادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وامرأة فرعون وأخت موسى عليه السلام".

ولفظة الكمال تطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى.

(وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) يقال: ثرد الرجل الخبز بفتح الثاء والراء يثرده بضم الراء ثردا بسكونها أي فته ثم بله بمرق.

قال النووي: قال العلماء: معناه أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق فثريد اللحم أفضل من مرقة بلا ثريد، وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه - ومعنى هذا تقييد "سائر الطعام" وجعل "أل" فيه وفي "الثريد" للعهد، أي الثريد من أي نوع أفضل من سائر طعامه ومرقه من غير فتات الخبز معه قال: والمراد بالفضيلة نفعه، والشبع منه، وسهولة مساغه والالتذاذ به وتيسر تناوله وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة وغير ذلك. قال: فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة أي فضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة اهـ وفي هذه العبارة الأخيرة نظر لأن من الأطعمة ما هو أفضل من الثريد في كل ما ذكره إلا أن يقال: إنه لم يكن ميسورا لهم، فالكلام جرى على حسب عادتهم وعرفهم.

وما ذكر من صفات الثريد المشبه به يقابله من صفات عائشة رضي الله عنها ما أعطيت من حسن الخلق وحلاوة المنطق وفصاحة اللهجة وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب للبعل وحسبك أنه عقلت من النبي ما لم يعقل غيرها من النساء وروت عنه ما لم يرو مثله كثير من الرجال.

ص: 370

(عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي: هذا الحديث من مراسيل الصحابة لأن أبا هريرة لم يدرك أيام خديجة فهو محمول على أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي ولم يذكر أبو هريرة أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ومراسيل الصحابة حجة عند الجماهير.

(هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام - أو طعام - أو شراب - فإذا هي أتتك) قال النووي: معنى "أتتك" الأولى توجهت إليك ومعنى "أتتك" الثانية وصلت إليك. اهـ والمعنى هذه خديجة أراها ولا تراها أعدت لك طعاما وحملته متوجهة به نحوك وعند الطبراني كان حيسا، بفتح الحاء وسكون الياء وهو تمر وأقط وسمن تخلط وتعجن وتسوى كالثريد فإذا وصلت عندك.

(فاقرأ عليها السلام، من ربها عز وجل، ومني) زاد في رواية الطبراني أنها لما بلغت قالت: "هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام" وعند النسائي "قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقرئ خديجة السلام" يعني فأخبرها "فقالت: إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته" زاد ابن السني "وعلى من سمع السلام، إلا الشيطان" قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن جبريل كان حاضرا عند جوابها فردت عليه وعلى النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بالتخصيص ومرة بالتعميم.

قيل: إنما بلغها جبريل عليه السلام من ربها بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم احتراما للنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك وقع له لما سلم على عائشة، ولم يواجهها بالسلام بل راسلها مع النبي صلى الله عليه وسلم لكن قد واجه مريم بالخطاب، قيل: لأنها لم يكن معها زوج ويحترم معه مخاطبتها.

يقال: قرأ عليه السلام قراءة أبلغه إياه وكذا أقرأه السلام أبلغه إياه ولا يقال: يقرؤك السلام بفتح الياء.

(وبشرها ببيت في الجنة من قصب) قال جمهور العلماء: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف، والقصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف ويقال لكل مجوف قصب وقال ابن التين: المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف وعند الطبراني في الأوسط "يعني قصب اللؤلؤ" وعنده في الكبير "بيت من لؤلؤة مجوفة" وعنده في الأوسط، من حديث فاطمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أين أمي خديجة؟ قال: في بيت من قصب قلت: أمن هذا القصب؟ "تقصد النبات المعروف الحلو؟ تخيلته منسوجة حوائطه بعيدان القصب، بدلا من أعواد الحطب والجريد التي يقيمونها حوائط ويغلفونها بالطين "قال: لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت".

والمراد بهذا البيت بيت وقصر زائد على ما أعده الله لها من ثواب عملها أي بيت صفته كذا وكذا هدية خالصة لا دخل لعملها في تحصيله وعلى هذا فسر قوله.

(لا صخب فيه ولا نصب) أي لا نصب ولا تعب منها في تحصيله، والصخب بفتح الصاد والخاء الصياح والمنازعة برفع الصوت، وأغرب الداودي، فقال: الصخب العيب والنصب العوج وهو تفسير لا تساعد عليه اللغة، والنصب بفتحتين وبضم النون وسكون الصاد، كالحزن والحزن، لغتان، والفتح أشهر وأفصح.

ص: 371

(ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة)"ما" مصدرية أي ما غرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأة من نسائه غيرتي عليه من خديجة، وفي الرواية السابعة "ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة"

(ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين) جملة معترضة بين الخبر، وبين بيان سببه، جيء بها للإشارة إلى أنها لو كانت اجتمعت معها في عصمته صلى الله عليه وسلم في زمن واحد لكانت غيرتها منها أشد، والمراد من الهلاك الموت، قال النووي: تعني قبل أن يدخل بها، لا قبل العقد، وإنما ماتت قبل أن يعقد عليها بنحو سنة ونصف سنة، وفي الرواية السابعة "وإني لم أدركها" أي لم أدرك حياتها زوجة مشاركة لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وإن أدركتها ووعيتها زوجة له، قبل أن يتزوجني، وفي الرواية الثامنة "وما رأيتها قط" أي وأنا زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

(لما كنت أسمعه يذكرها) اللام للتعليل، و"ما" موصولة، أو مصدرية، والمراد لكثرة سماعي ذكرها على لسانه صلى الله عليه وسلم، أي ذكرها بالمدح والخير والثناء، وفي الرواية الثامنة "لكثرة ذكره إياها" ومن هذا الذكر تبشيرها. ببيت في الجنة وكونه إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا بها - أي بجزئها - إلى أصدقاء خديجة، ولإشعاره بأنه لم يتزوج عليها حتى ماتت كما في الرواية التاسعة، ولحبه وارتياحه وسروره بلقاء أهلها وصاحباتها بعدها كما في الرواية العاشرة وعند البخاري "ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها

فيقول: إنها كانت وكانت .. وكان لي منها ولد" أي فهي أم أولادي الذين أحبهم، إذ كان جميع أولاده من خديجة، إلا إبراهيم "وكان إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها واستغفار لها".

(وإن كان ليذبح الشاة، ثم يهديها إلى خلائلها)"ثم يهديها" أي يهدي الكثير منها والخلائل جمع خليلة، وهي الصديقة، و"إن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن والحال، محذوف وفي رواية للبخاري "وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة" وفي الرواية السابعة "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة" والفاء عاطفة على محذوف جوابه "إذا" أي إذا ذبح الشاة اهتم بأصدقائها، فيقول: .... وهذا الأسلوب وإن كان يفيد العادة والشأن مراد به هنا الكثرة، ففي رواية للبخاري "ربما ذبح الشاة" بلفظ "ربما" وفي رواية أخرى للبخاري "وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن" أي ما يكفيهن وفي رواية "ما يشبعهن".

(قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ ) وفي رواية "خديجة؟ خديجة؟ " بالتكرير أي في كل وقت تذكر بالثناء خديجة؟ وفي رواية للبخاري "كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ " وفي روايتنا العاشرة "ما تذكر من عجوز من عجائز قريش؟ حمراء الشدقين" بالجر، وقال أبو البقاء: جوز في "حمراء" الرفع على القطع، والنصب على الحال، وحكى في بعضهم رواية "حمراء" بالجيم والزاي، ولا معنى لها، بل هي تصحيف قال القرطبي: قيل: معنى "حمراء الشدقين" بيضاء الشدقين والعرب تطلق على الأبيض الأحمر قال: والذي عندي أن المراد بذلك نسبتها إلى كبر السن لأن من دخل في سن الشيخوخة مع قوة في بدنه يغلب على لونه غالبا الحمرة المائلة إلى السمرة كذا قال:

ص: 372

قال الحافظ ابن حجر: والذي يتبادر أن المراد بالشدقين ما في باطن الفم، فالكلام كناية عن سقوط أسنانها، حتى لا يبقى داخل فمها إلا اللحم الأحمر من اللثة وغيرها، وبهذا جزم النووي وغيره.

(هلكت في الدهر) أي ماتت في الزمن الماضي، وعفا على آثارها الزمان.

(استأذنت هالة بنت خويلد، أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت "هالة" زوج الربيع بن عبد العزى، والد العاصي بن الربيع زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم فهي "حماة" زينب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني على معاملتها ومعاملة ابنها لزينب، قبل أن يسلما، وبعد أن أسلما، وقد ذكروها في الصحابة، وهو ظاهر هذا الحديث وقد هاجرت إلى المدينة، لأن استئذانها للدخول كان بالمدينة ويحتمل أن تكون قد دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حيث كانت عائشة معه في بعض سفره.

(فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك، فقال: اللهم. هالة بنت خويلد) أي هذا صوت هالة بنت خويلد عرفه لشبهه بصوت خديجة أختها، فتذكر خديجة بذلك، و"ارتاع" من الروع بفتح الراء وهو الفزع، والمراد من الفزع لازمه، وهو التغير، والمقصود التغير فرحا وبهجة وشوقا، ووقع في بعض الروايات "ارتاح" بالحاء، أي اهتز لذلك سرورا، قال الحافظ ابن حجر: وقوله "اللهم هالة" فيه حذف تقديره: اجعلها هالة فعلى هذا فهو منصوب - أي كما نقول: يا رب تكون هالة - قال: ويحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي هذه هالة.

(فأبدلك الله خيرا منها) تعني نفسها، فعند أحمد والطبراني في هذه القصة "قالت عائشة: فقلت: أبدلك الله بكبيرة السن حديثة السن" وفي رواية لأحمد والطبراني "فقال صلى الله عليه وسلم ما أبدلني الله خيرا منها. آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء" وفي روايتنا السابعة "إني رزقت حبها".

-[فقه الحديث]-

-[يؤخذ من أحاديث الباب]-

1 -

عن الرواية الثانية قال القاضي: هذا الحديث يستدل به من يقول بنبوة النساء، ونبوة آسية ومريم والجمهور على أنهما ليستا نبيتين، بل هما صديقتان، ووليتان من أولياء الله تعالى، ثم قال: فإن قلنا: هما نبيتان فلا شك أن غيرهما لا يلحق بهما، وإن قلنا: وليتان لم يمتنع أن يشاركهما من هذه الأمة غيرهما. اهـ. قال النووي: وهذا الذي نقله من القول بنبوتها غريب ضعيف، وقد نقل جماعة الإجماع على عدمها. اهـ.

وقد استدل بعضهم على نبوة مريم بقوله تعالى {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} [آل عمران: 42] ورد بأنه ليس بصريح في ذلك.

كما استدل على نبوتها بذكرها مع الأنبياء في سورة مريم ورد بأن دلالة الاقتران ليست دلالة شرعية قيل: ووصفها بصديقة يبعد كونها نبية ورد بأن يوسف عليه السلام قد وصف بالصديق وهو نبي.

ص: 373

وقد نقل عن الأشعري أن في النساء عدة نبيات، حصرهن ابن حزم في ست: حواء وسارة وهاجر، وأم موسى، وآسية ومريم وأسقط القرطبي سارة وهاجر ونقله في التمهيد عن أكثر الفقهاء وقال القرطبي: الصحيح أن مريم نبية قال عياض: والجمهور على خلافه وعن الحسن ليس في النساء نبية ولا في الجن.

وقد استدل على عدم نبوة النساء بروايتنا الأولى وبحديث البخاري "خير نسائها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة" فقد استويا في الخيرية، وخديجة ليست نبية باتفاق، فمريم كذلك، وإذا لم تكن مريم نبية، لم تكن غيرها من النساء كذلك، ورد بأنه لا يلزم من التسوية في الخيرية التسوية في جميع الصفات.

2 -

واستدل بقوله في الرواية الثانية "وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" على تفضيل عائشة على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن التين: في سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة حين قالت: قد أبدلك الله خيرا منها" دليل على أفضلية عائشة على خديجة إلا أن يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن، ورد بما جاء في الروايات الأخرى من أنه لم يسكت وبأنها صرحت في بعض الروايات بأن الخيرية التي تعنيها خيرية الصورة وحداثة السن.

3 -

ومن الرواية الأولى والثالثة والرابعة وما بعدهما فضل خديجة، ففي الأولى "خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة" فخديجة خير من عائشة. قال ابن التين: ويحتمل أن لا تكون عائشة دخلت في ذلك، لأنها كانت لها عند موت خديجة ثلاث سنين (كذا قال) فلعل المراد النساء البوالغ، قال الحافظ ابن حجر: وهو ضعيف، فإن المراد بلفظ النساء أعم من البوالغ، ومن لم تبلغ أعم ممن كانت موجودة وممن ستوجد، وعند البزار والطبراني "فضلت خديجة على نساء أمتي، كما فضلت مريم على نساء العالمين" وهو حديث حسن الإسناد وعند النسائي بإسناد صحيح والحاكم "أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية" قال: وهذا نص صريح، لا يحتمل التأويل.

4 -

ومن الرواية الثالثة، من قوله "اقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومني" أفضلية خديجة على عائشة لأن عائشة سلم عليها جبريل من قبل نفسه، وخديجة أبلغها السلام من ربها.

وزعم ابن العربي: أنه لا خلاف في أن خديجة أفضل من عائشة قال الحافظ: ورد بأن الخلاف ثابت قديما، وإن كان الراجح أفضلية خديجة. قال السبكي الكبير: لعائشة من الفضائل ما لا يحصى، ولكن الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة اهـ.

قال السبكي: ونساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل وهن أفضل النساء لقول الله تعالى {لستن كأحد من النساء إن اتقيتن} [الأحزاب: 32] وظاهر كلام السبكي تفضيلهن على فاطمة، لكن قوله الأول المختار عنده تفضيل فاطمة، حتى على خديجة وعائشة وقد نقل عنه أنه سئل: هل قال أحد: إن أحدا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة؟ فقال: قال به من لا يعتد بقوله وهو من فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الصحابة لأنهن في درجته في الجنة قال: وهو قول ساقط مردود اهـ. وقائله هو أبو محمد بن حزم وفساده ظاهر.

ص: 374

وعندي أن التفضيل بحث غير علمي، لا طائل تحته وعلمه عند الله فمقادير الفضائل وتقدير كل فضيلة مرجعه إلى الله تعالى وحده وواجبنا الاعتراف بالفضائل وتعظيم أصحابها والله أعلم.

5 -

ومن غيرة عائشة رضي الله عنها ثبوت غيرة النساء وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلا عمن دونهن.

6 -

وأن عائشة كانت تغار من نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكن كانت تغار من خديجة أكثر.

7 -

وأن الغيراء قد تعذر لما يصدر منها، قال الطبري: وغيره من العلماء: الغيرة مسامح للنساء ما يقع فيها، ولا عقوبة عليهن في تلك الحالة، لما جبلن عليه منها اهـ. وهذا فيما صدر من توافه الأمور أو كان لها عذر ظاهر وقد اعتذروا عن عائشة في موقفها من ذكر خديجة بأنها قد اجتمع فيها حينئذ الغيرة، مع صغر السن مع الإدلال فلا يقال على الإطلاق بالصفح عن الغيراء فيما تأتي بسبب الغيرة وحدها ثم إن عائشة لم تأت محرما وإنما صدر منها في وقت الغيرة ما لا يصدر منها في حال عدم الغيرة.

8 -

وفي هذه الأحاديث مزيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها، وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية السابعة "إني قد رزقت حبها" أن حب الرسول صلى الله عليه وسلم فضيلة لمن يحبه.

9 -

وفي موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من خديجة بعد موتها دليل لحسن العهد، وحفظ الود، ورعاية حرمة الصاحب والعشير، في حياته، وبعد وفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب.

10 -

وفي إخبار عائشة رضي الله عنها بغيرتها من خديجة، وبما قد ينقص عند البعض من رفعتها ومكانتها زيادة إيمان، وفرط إنصاف.

والله أعلم.

ص: 375