الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(654) باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر رضي الله عنهما
5527 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما كان يوم أحد، جيء بأبي مسجى وقد مثل به. قال: فأردت أن أرفع الثوب، فنهاني قومي. ثم أردت أن أرفع الثوب. فنهاني قومي فرفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فرفع فسمع صوت باكية أو صائحة فقال:"من هذه؟ " فقالوا: بنت عمرو، أو أخت عمرو، فقال:"ولم تبكي؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع".
5528 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أصيب أبي يوم أحد. فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعلوا ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني. قال: وجعلت فاطمة بنت عمرو تبكيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها، حتى رفعتموه".
5529 -
وفي رواية عن جابر رضي الله عنه بهذا الحديث. غير أن ابن جريج ليس في حديثه ذكر الملائكة وبكاء الباكية.
5530 -
وفي رواية عن جابر رضي الله عنه قال: جيء بأبي يوم أحد مجدعا فوضع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حديثهم.
-[المعنى العام]-
عبد الله بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا جابر كان نقيبا يوم العقبة الثانية ويقال: إن ابنه جابرا كان معه في العقبة وهو صغير وشهد بدرا وأحدا وقتل يوم أحد شهيدا ومثل به المشركون فقطعوا أنفه وأذناه وكان أول قتيل من المسلمين يوم
أحد، جاءوا به مغطى فحاول ابنه أن يكشف وجهه فمنعوه لئلا يزداد حزنا وغيظا حين يراه ممثلا به وبكت عليه أخته بصوت وبكى ابنه جابر وبكى فقال صلى الله عليه وسلم:"ابكوا عليه أو لا تبكوا عليه فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى دفنتموه" يقول جابر: فجعلت أبكي وجعل القوم ينهوني ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني ودفن هو وعمرو بن الجموح في قبر واحد، وكان عمرو بن الجموح زوجا لأخته هند بنت عمرو بن حرام، وكان القبر في جانب السيل فجرف السيل القبر وانكشف ما فيه، فحفر جابر لأبيه قبرا آخر، ونقله إليه بعد ستة أشهر من دفنه يقول جابر: فوجدا لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد وضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت يقول جابر: فما أنكرت من أبي شيئا إلا شعرات من لحيته كانت مستها الأرض.
وظل جابر منكسرا، فقد ترك له أبوه دينا وعيالا أخوات بنات قام عليهن بعد أبيه مما اضطره إلى أن يتزوج ثيبا، ترعى شئونهن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، ويعطف عليه، ويسامره، قال له يوما:"أفلا أبشرك يا جابر؟ أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ " قال جابر: بلى يا رسول الله. قال: "إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحا وما كلم أحد قط إلا من وراء حجاب فقال لأبيك: عبدي تمن أعطك. قال: يا رب. تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب تعالى ذكره: إنه سبق مني {أنهم إلينا لا يرجعون} [القصص: 39] قال: يا رب، فأبلغ من ورائي، فأنزل الله {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} "[آل عمران: 169].
شهد جابر مع النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة غزوة، ولم يشهد بدرا، ولا أحدا مقاتلا، لصغره فقد روي عنه أنه قال: لم أشهد بدرا ولا أحدا، منعني أبي فلما قتل لم أتخلف وقيل: إنه كان ينقل الماء لأصحابه يوم بدر.
واشترى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم جمله الضعيف، ونقده ثمنه وأعاده إليه في قصة سبقت في باب بيع البعير واستثناء ركوبه وشهد صفين مع علي رضي الله عنهما وكف بصره في آخر عمره وتوفي سنة ثمان وسبعين بالمدينة وكان من المكثرين من رواية الحديث وكان له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم، رضي الله عنه وعن أبيه عبد الله وعن الصحابة أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(جيء بأبي مسجى) أي مغطى، يقال: سجا الشيء يسجو سجوا سكن، وسجا الليل وسجا البحر وسجت الريح، وسجا الناس الميت، بتخفيف الجيم، وسجى الناس الميت بتشديدها غطوه.
(وقد مثل به) بضم الميم وتشديد الثاء المكسورة، مبني للمجهول وبضم الميم وكسر الثاء مخففة والاسم المثلة، أما مثل بتشديد الثاء فهو للمبالغة، قال النووي: والرواية هنا بتخفيف الثاء المكسورة، ومثل بالقتيل إذا قطع أطرافه أو أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو نحو ذلك، وفي رواية حماد
"قتل أبي يوم أحد وجدع أنفه، وقطعت أذناه" وفي ملحق الرواية الثانية "جيء بأبي يوم أحد مجدعا" قال الخليل: الجدع قطع الأنف والأذن.
(فأردت أن أرفع الثوب، فنهاني قومي) أي أردت أن أرفع الثوب عن وجهه لأرى ما فعل به وفي الرواية الثانية "فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعلوا ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني" أي جعلت أحاول كشف الثوب وهم يمنعونني.
(فرفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر به فرفع) الظاهر أن "أو" للإضراب، وأن الواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به فرفع، وإسناد الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله "فرفعه" مجاز عقلي.
(فقالوا: بنت عمرو، أو أخت عمرو) الشك من القائلين، وكان لعمرو بن الجموح بنت وأخت واستشهد يوم أحد، حين انكشف المسلمون، شهد العقبة، ثم بدرا ودفن مع عبد الله بن عمرو بن حرام في قبر واحد، وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام، فعبد الله بمنزلة عمه، وكان زوجا لأخت عبد الله، فبنت عمرو تبكي أباها وخالها، وأخت عمرو تبكي أخاها وعمها وفي الرواية الثانية "وجعلت فاطمة بنت عمرو تبكيه" بدون شك والمراد: تبكي عمرا أو تبكي خالها عبد الله وهو الأولى لتناسق الضمائر وعودها على مصدر واحد.
(فقال: ولم تبكي؟ ) الاستفهام إنكاري توبيخي أي لا ينبغي أن تبكي لحسن خاتمته التي يسر لها أحبابه، وفي الرواية الثانية "تبكيه أو لا تبكيه" أي يستوي بكاؤها وعدمه فقد أكرمه الله بالشهادة التي تخفف حزن الحزين قال النووي: معناه سواء بكت عليه أم لا فما زالت الملائكة تظله أي فقد حصل له من الكرامة هذا وغيره، فلا ينبغي البكاء على مثل هذا.
(فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع) قال القاضي: يحتمل أن ذلك لتزاحمهم عليه لبشارته بفضل الله ورضاه عنه وما أعد له من الكرامة، أو ازدحموا عليه إكراما وتكريما له، وفرحا به، أو أظلوه من حر الشمس لئلا يتغير ريحه أو جسمه اهـ. وهذا الأخير مستبعد لما سبق في المعنى العام أنه لم يتغير بعد أشهر في قبره.
-[فقه الحديث]-
فيه فضيلة عبد الله بن عمرو وتكريم الله له عند موته وبشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأهله ومواساته لهم وجواز البكاء على الميت والكشف عن وجهه.
والله أعلم.