المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(614) باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه وفضل ذلك - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٩

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(599) باب قتل الحيات والأبتر والوزغ والهرة وسقي البهائم

- ‌كتاب الأدب من الألفاظ وغيرها

- ‌(600) باب سب الدهر - تسمية العنب كرما - قول: عبدي وأمتي - استعمال المسك

- ‌كتاب الشعر

- ‌(601) باب الشعر واللعب بالنرد

- ‌كتاب الرؤيا

- ‌(602) باب الرؤية والحلم، وتأويل الرؤيا

- ‌كتاب الفضائل

- ‌(603) باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة وتفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق

- ‌(604) باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(605) باب توكله صلى الله عليه وسلم على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس

- ‌(606) باب بيان مثل ما بعث به صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(607) باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم وإذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(608) باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌(609) باب إكرامه صلى الله عليه وسلم بقتال الملائكة معه

- ‌(610) باب من شجاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌(611) باب جوده صلى الله عليه وسلم

- ‌(612) باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌(613) باب في سخائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(614) باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه وفضل ذلك

- ‌(615) باب حيائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(616) باب تبسمه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته

- ‌(617) باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالنساء، والرفق بهن

- ‌(618) باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس، وتبركهم به، وتواضعه لهم

- ‌(619) باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله تعالى عند انتهاك حرماته

- ‌(620) باب طيب رائحته صلى الله عليه وسلم، ولين مسه وطيب عرقه، والتبرك به

- ‌(621) باب في صفاته الخلقية، وصفة شعره وشيبته

- ‌(622) باب إثبات خاتم النبوة، وصفته، ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم

- ‌(623) باب قدر عمره صلى الله عليه وسلم، وإقامته بمكة والمدينة

- ‌(624) باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(625) باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله، وشدة خشيته له

- ‌(626) باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم، وتوقيره، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه

- ‌(627) باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي

- ‌(628) باب فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم

- ‌(629) باب فضائل عيسى عليه السلام

- ‌(630) باب من فضائل إبراهيم الخليل، ولوط، عليهما السلام

- ‌(631) باب من فضائل موسى عليه السلام، ويونس، ويوسف، وزكريا، والخضر، عليهم السلام

- ‌كتاب فضائل الصحابة

- ‌(632) باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌(633) باب من فضائل عمر رضي الله عنه

- ‌(634) باب من فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(635) باب فضائل علي رضي الله عنه

- ‌(636) باب من فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌(637) باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما

- ‌(638) باب من فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌(639) باب من فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما

- ‌(640) باب من فضائل زيد بن حارثة، وابنه أسامة، رضي الله عنهما

- ‌(641) باب من فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنه

- ‌(642) باب من فضائل خديجة رضي الله عنها

- ‌(643) باب فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌(644) تابع باب فضائل عائشة رضي الله عنها حديث أم زرع

- ‌(645) باب من فضائل فاطمة رضي الله عنها

- ‌(646) باب من فضائل أم سلمة رضي الله عنها

- ‌(647) باب من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌(648) باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنها

- ‌(649) باب من فضائل أم سليم وبلال رضي الله عنهما

- ‌(650) باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما

- ‌(651) باب من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(652) باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌(653) باب من فضائل أبي دجانة: سماك بن خرشة رضي الله عنه

- ‌(654) باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر رضي الله عنهما

- ‌(655) باب من فضائل جليبيب رضي الله عنه

- ‌(656) باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه

- ‌(657) باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(658) باب من فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌(659) باب من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

- ‌(660) باب من فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌(661) باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه

- ‌(662) باب من فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌(663) باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(664) باب من فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌(665) باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان، رضي الله عنهم

- ‌(666) باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما

- ‌(667) باب من فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه

- ‌(668) باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما

- ‌(669) باب من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله عنهم

- ‌(670) باب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(671) باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيئ

- ‌(672) باب خيار الناس

- ‌(673) باب من فضائل نساء قريش

- ‌(674) باب مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، رضي الله عنهم

- ‌(675) باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة

- ‌(676) باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم

- ‌(677) باب معنى قوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌(678) باب تحريم سب الصحابة

- ‌(679) باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(680) باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

- ‌(681) باب فضل أهل عمان

- ‌(682) باب ذكر كذاب ثقيف

- ‌(683) باب فضل فارس

- ‌(684) باب بيان قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة

- ‌كتاب البر والصلة والآداب

- ‌(685) باب بر الوالدين

- ‌(686) باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة، وغيرها، وفضل بر الوالدين

- ‌(687) باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما

- ‌(688) باب تفسير البر والإثم

الفصل: ‌(614) باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه وفضل ذلك

(614) باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه وفضل ذلك

5250 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين يقال له أبو سيف فانطلق يأتيه واتبعته فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره قد امتلأ البيت دخانا فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا أبا سيف أمسك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه وقال ما شاء الله أن يقول فقال أنس لقد رأيته وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضى ربنا والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون.

5251 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان إبراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن وكان ظئره قينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع قال عمرو فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة.

5252 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أتقبلون صبيانكم فقالوا نعم فقالوا لكنا والله ما نقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة وقال ابن نمير من قلبك الرحمة.

5253 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل

ص: 155

الحسن فقال إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه من لا يرحم لا يرحم.

5254 -

عن جرير بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل.

-[المعنى العام]-

أنجب صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها سبعة، ثلاثة ذكور، وأربع إناث، أما الذكور فهم القاسم، وبه كان يكنى، والطاهر والطيب، وقيل: إن الطاهر هو الطيب، وأما الإناث فهن فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم، وقد مات الذكور صغارا بمكة في عهد أمهم، ومات الإناث كلهن قبله، إلا فاطمة، التي عاشت بعده ستة أشهر، ولما أهديت إليه مارية القبطية أسكنها عوالي المدينة وضواحيها بعيدة عن نسائه، ولم يقسم لها، بل كان يأتيها بدون قسم، فهي مملوكة، وشاء الله أن لا تلد له امرأة من التسع، مع أن بعضهن كانت ولودا عند غيره، وشاء الله أن تلد الأمة ولدا، قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بعامين، وكأي بشر كبير السن، ليس له ولد حي، فرح بالولد الجديد، فرحا كفرح زكريا بيحيى، أو كفرح إبراهيم بإسماعيل، وفي أول ليلة بشر به سماه إبراهيم، واختار له مرضعة بجوار سكن أمه، وكانت المرضعة زوجة حداد، يملأ بيته دائما بالدخان، ونفخ الكير، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور ابنه هذا بين الحين والحين، فيأخذه، فيشمه ويضمه ويقبله، ثم يسلمه لمرضعته، ويعود إلى المدينة، وكثيرا ما كان يأخذ معه أنس بن مالك خادمه، أو بعض الصحابة كعبد الرحمن بن عوف.

وشاء القدر أن لا تطول فرحة الأب بابنه، فقد مرض الطفل وعمره ثمانية عشر شهرا، وشق على الوالد مرض ولده، فذهب إليه وهو يحتضر، فأخذه وضمه وشمه وقبله، ونفسه في حشرجة الموت، يعلو في صدره وينخفض، إن قلب الأب يتقطع، فهو بشر، ولا يملك لفلذة كبده شيئا، وهو أرحم الناس بالناس، فكيف بابنه الوليد، لقد سقطت دمعتان من عينيه أمام أصحابه، وكان عبد الرحمن بن عوف قد سمعه ينهى عن البكاء عند الميت، فقال له: رسول الله. ما هذا الذي أرى؟ أنت تبكي؟ وكنت تنهى عن البكاء؟ فأتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدمعتين بدمعتين أخريين، وقال: إنما هذه رحمة، وشفقة، لا سخط ولا اعتراض على قدر، لكنه حزن الإنسان، الذي لا يملك دفعه أو كتمانه، وحزني على موت

ص: 156

إبراهيم شديد، وعاش صلى الله عليه وسلم بعده ثلاثة أشهر، وكان صلى الله عليه وسلم عطوفا رحيما بالأطفال، لدرجة تلفت النظر، في البيئة العربية، يصحب معه في المسجد أمامة بنت أبي العاص، ابنة ابنته زينب، تقام الصلاة، فيحملها ويقف، ويقرأ فإذا ركع وضعها على أرض المسجد، يخشى عليها أن تقع منه عند الركوع، ويسجد بجوارها، فإذا قام للركعة الثانية حملها، وهكذا حتى يكمل صلاته، وابنة ابنته على كتفه وصدره، وأمام الوفود، وأكابر القوم يقبل الحسن والحسين، ابني فاطمة، فيعجب الكبراء ويقولون: أهكذا تقبلون أطفالكم؟ فيقول: نعم، فيقول أحدهم: إن لي عشرة من الأبناء، ما قبلت واحدا منهم، فيقول صلى الله عليه وسلم: وماذا أفعل؟ وما ذنبي، إذا كان الله قد نزع من قلوبكم الرحمة؟ أما نحن فقد غرس الله الرحمة في قلوبنا. صلى الله عليه وسلم.

-[المباحث العربية]-

(ولد لي الليلة غلام، فسميته باسم أبي إبراهيم) وكان إبراهيم من مارية القبطية، قال الحافظ ابن حجر: على أنه ولد في ذي الحجة، سنة ثمان.

(ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين، يقال له: أبو سيف) في الكلام مجاز المشارفة أي أراد أن يدفعه إلى مرضعة، تسمى أم سيف، وزوجها يقال له: أبو سيف، وكان حدادا، ينفخ للحديد في كير، والقين بفتح القاف، وسكون الياء بعدها نون، هو الحداد، ويطلق على كل صانع، ولكن المراد هنا الحداد، وأم سيف اسمها أم بردة خولة بنت المنذر، من بني عدي بن النجار، وعند ابن سعد في الطبقات "لما ولد إبراهيم للنبي صلى الله عليه وسلم تنفاست فيه نساء الأنصار، أيتهن ترضعه؟ فدفعه صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة".

(فانطلق يأتيه، واتبعته) الظاهر أن جارية حملته، وسارت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما أنس بن مالك.

(فانتهيا إلى أبي سيف) أي قربنا من بيت أبي سيف.

(وهو ينفخ بكيره، قد امتلأ البيت دخانا) هكذا رأوه قبل أن يدخلوا.

(فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوقف أبا سيف عن العمل، ليخف الدخان، حتى يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(فقلت: يا أبا سيف، أمسك) عن نفخ الكير، وإثارة الدخان.

(فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي) من حاملته.

(فضمه إليه) أي سلمه لأبي سفيان، لترضعه أم سيف، وليبقى في بيتها مدة إرضاعه.

وفي الرواية الثانية "كان إبراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة" وهي قرى على مشارف المدينة، وكانت مارية تسكنها "فكان ينطلق" صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى هذه العوالي بين الحين والحين، ليرى ابنه "ونحن معه، فيدخل البيت، وإنه ليدخن، وكان ظئره قينا" أي وكان زوج

ص: 157

المرأة التي ترضعه حدادا، والظئر بكسر الظاء وسكون الهمزة بعدها راء هو المرضع، وأطلق عليه ذلك لأنه كان زوج المرضعة، وأصل الظئر من ظأرت الناقة، إذا عطفت على غير ولدها، فقيل ذلك للتي ترضع غير ولدها، وأطلق ذلك على زوجها، لأنه يشاركها في تربيته غالبا، فلفظة "الظئر" تطلق على الأنثى والذكر "فيأخذه، فيقبله، ثم يرجع" إلى المدينة.

(قال أنس: لقد رأيته - أي رأيت إبراهيم - وهو يكيد بنفسه، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية للبخاري "قال أنس: ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه" أي يموت، أي يخرج نفسه، ويدفعها، كما يدفع الإنسان ماله، ومعنى "وهو يكيد بنفسه" أي يسوقها.

(فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية للبخاري "فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان" أي يجري دمعهما، وعند البخاري "فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ "أي الناس لا يصبرون على المصيبة، وأنت تفعل كفعلهم؟ كأنه تعجب من ذلك، مع عهده منه أنه يحث على الصبر، وينهى عن الجزع.

(فقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا والله - يا إبراهيم - إنا بك لمحزونون)"ما يرضى" بفتح الياء وسكون الراء وفتح الضاد، و"ما" موصولة، والعائد مفعول "يرضى" محذوف، أي ما يرضاه ربنا وفي رواية للبخاري "فقال يا ابن عوف، إنها رحمة - أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد، لا ما توهمته من الجزع - "أي أتبع الدمعة الأولى بدمعة أخرى" وقيل: أتبع الكلمة الأولى المجملة، وهي قوله "إنها رحمة" بكلمة أخرى مفصلة، وهي قوله "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" وفي رواية "قال عبد الرحمن بن عوف: تبكي يا رسول الله؟ أولم تنه عن البكاء؟ وزاد فيها" قال صلى الله عليه وسلم: إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين. صوت عند نغمة لهو، ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة، خمشة وجوه، وشق جيبوب، ورنة شيطان" قال: إنما هذا رحمة، ومن لا يرحم لا يرحم" وفي رواية "إنما أنا بشر" وفي رواية "أنهى الناس عن النياحة، أن يندب الرجل بما ليس فيه" وفي رواية "ولا نقول ما يسخط الرب" في رواية "لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وسبيل نأتيه، وإن آخرنا سيلحق بأولنا، لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا".

(فيدخل البيت وإنه ليدخن) بضم الياء وتشديد الدال المفتوحة وفتح الخاء، يقال: ادخنت النار البيت، بهمزة وصل وتشديد الدال المفتوحة وفتح الخاء والنون أي ملأته دخانا.

(إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين، تكملان رضاعه في الجنة) مات إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهرا، وجزم الواقدي بأنه مات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، وقال ابن حزم: مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، ومعنى "وإنه مات في الثدي" أي في سن رضاع الثدي، أو في حال تغذيه بلبن الثدي، ومعنى "وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة" أي إن له مرضعتين تتمان رضاعه سنتين، فإنه تمام الرضاعة بنص القرآن، قال صاحب التحرير: وهذا الإتمام لإرضاع إبراهيم رضي الله عنه يكون عقب موته، فيدخل الجنة، متصلا بموته، فيتم رضاعه، كرامة له ولأبيه صلى الله عليه وسلم.

ص: 158

(قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكنا - والله - ما نقبل) وفي الرواية الرابعة "أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن. فقال: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت واحدا منهم" وعند البخاري "قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت منهم واحدا" وفي رواية للبخاري "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم" قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون المراد بالأعرابي الأقرع المذكور في الحديث الذي قبله، ويحتمل أن يكون المراد به قيس ابن عاصم التميمي السعدي، فقد أخرج أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني ما يشعر بذلك، ووقع نحو ذلك لعيينه بن حصن بن حذيفة الفزاري، أخرجه أبو يعلى في مسنده بسند رجاله ثقات، ويحتمل أن يكون قد وقع ذلك لجميعهم - فرادى أو مجتمعين - فقد روى مسلم "قدم ناس من الأعراب، فقالوا

"

(وأملك؟ إن كان الله نزع منكم الرحمة) الكلام على الاستفهام الإنكاري، بمعنى النفي، وحذفت أداة الاستفهام، وأصلها: أو أملك؟ بفتح الواو والهمزة الأولى، كما هي في رواية البخاري، أي ماذا أملك لك؟ أي لا أملك لك شيئا، وقد نزع الله الرحمة من قلبك، أي لا أقدر أن أجعل الرحمة تملأ قلبك، بعد أن نزعها الله منه، وفي رواية "وما أملك"؟ وفي رواية "ما ذنبي إن كان .. "؟ وفي روايتنا "إن كان الله نزع منكم الرحمة" بكسر همزة "إن" وهي أداة شرط، وما بعدها فعل الشرط، وجوابه محذوف، دل عليه ما قبله، أي إن كان الله قد نزع منكم الرحمة فلا أملك لكم شيئا.

وفي رواية للبخاري "أن نزع الله من قلبك الرحمة" بفتح همزة "أن" مصدرية، والمصدر مفعول "أملك".

(من لا يرحم لا يرحم) وفي الرواية الخامسة "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل" قال القاضي عياض: هو للأكثر بالرفع فيهما على الخبر، فمن موصولة، وقال أبو البقاء: يجوز أن تكون شرطية، فيقرأ بالجزم فيهما، قال السهيلي: جعله على الخبر أشبه بسياق الكلام، لأنه سيق للرد على من قال: إن لي عشرة من الولد

إلخ" أي الذي يفعل هذا لا يرحم، ولو كانت شرطية لكان في الكلام بعض انقطاع، لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف، قال الحافظ ابن حجر: لكن الشرط أولى من جهة أخرى، لأنه يصير من نوع ضرب المثل، ورجح بعضهم كونها موصولة، لكون الشرط إذا أعقبه نفي ينفى غالبا بلم، قال الحافظ: وهذا لا يقتضي ترجيحا إذا كان المقام لائقا لكونها شرطية.

-[فقه الحديث]-

-[يؤخذ من أحاديث الباب]-

1 -

من الرواية الأولى جواز تسمية المولود يوم ولادته.

2 -

وجواز التسمية بأسماء الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام.

3 -

ومن الأولى والثانية استتباع العالم الكبير بعض أصحابه، إذا ذهب إلى منزل قوم ونحوه.

ص: 159

4 -

من قول أنس "واتبعته" الأدب مع الكبار.

5 -

ومن قوله في الرواية الثانية "فيأخذه فيقبله" مشروعية تقبيل الأطفال الرضع.

6 -

ومن الروايتين مشروعية الرضاع بغير الأم.

7 -

وعيادة الصغير.

8 -

والحضور عند المحتضر.

9 -

والرحمة بالعيال.

10 -

قال ابن بطال وغيره: هذا الحديث يفسر البكاء المباح، والحزن الجائز، وهو أبين شيء وقع في هذا المعنى.

11 -

وفيه جواز الإخبار عن الحزن، وإن كان الكتمان أولى.

12 -

ومن مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم ولده، مع أنه في تلك الحالة لم يكن ممن يفهم الخطاب، لصغره واحتضاره مخاطبة الإنسان وإرادة غيره بذلك الخطاب.

13 -

قال بعضهم: فيه دليل على تقبيل الميت، ورده ابن التين بأن القصة إنما وقعت قبل الموت.

14 -

وفيه فضيلة وخاصة لإبراهيم رضي الله عنه، لتكملة إرضاعه في الجنة بمرضعتين.

15 -

ومن الرواية الثالثة وما بعدها جواز تقبيل الولد الصغير في كل عضو منه، قال ابن بطال: كذا الكبير عند أكثر العلماء، ما لم يكن عورة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل فاطمة، وكذا كان أبو بكر يقبل عائشة رضي الله عنهم.

16 -

قال الحافظ ابن حجر: وفي جواب النبي صلى الله عليه وسلم للأقرع إشارة إلى أن تقبيل الولد وغيره من الأهل والمحارم وغيرهم من الأجانب إنما يكون للشفقة والرحمة، لا للذة والشهوة، وكذا الضم والشمة والمعانقة اهـ.

أي إن كان للشفقة والرحمة جاز، وإلا منع.

والله أعلم

ص: 160