المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(637) باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٩

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(599) باب قتل الحيات والأبتر والوزغ والهرة وسقي البهائم

- ‌كتاب الأدب من الألفاظ وغيرها

- ‌(600) باب سب الدهر - تسمية العنب كرما - قول: عبدي وأمتي - استعمال المسك

- ‌كتاب الشعر

- ‌(601) باب الشعر واللعب بالنرد

- ‌كتاب الرؤيا

- ‌(602) باب الرؤية والحلم، وتأويل الرؤيا

- ‌كتاب الفضائل

- ‌(603) باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة وتفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق

- ‌(604) باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(605) باب توكله صلى الله عليه وسلم على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس

- ‌(606) باب بيان مثل ما بعث به صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(607) باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم وإذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(608) باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌(609) باب إكرامه صلى الله عليه وسلم بقتال الملائكة معه

- ‌(610) باب من شجاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌(611) باب جوده صلى الله عليه وسلم

- ‌(612) باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌(613) باب في سخائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(614) باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه وفضل ذلك

- ‌(615) باب حيائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(616) باب تبسمه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته

- ‌(617) باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالنساء، والرفق بهن

- ‌(618) باب قربه صلى الله عليه وسلم من الناس، وتبركهم به، وتواضعه لهم

- ‌(619) باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله تعالى عند انتهاك حرماته

- ‌(620) باب طيب رائحته صلى الله عليه وسلم، ولين مسه وطيب عرقه، والتبرك به

- ‌(621) باب في صفاته الخلقية، وصفة شعره وشيبته

- ‌(622) باب إثبات خاتم النبوة، وصفته، ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم

- ‌(623) باب قدر عمره صلى الله عليه وسلم، وإقامته بمكة والمدينة

- ‌(624) باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(625) باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله، وشدة خشيته له

- ‌(626) باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم، وتوقيره، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه

- ‌(627) باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي

- ‌(628) باب فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم

- ‌(629) باب فضائل عيسى عليه السلام

- ‌(630) باب من فضائل إبراهيم الخليل، ولوط، عليهما السلام

- ‌(631) باب من فضائل موسى عليه السلام، ويونس، ويوسف، وزكريا، والخضر، عليهم السلام

- ‌كتاب فضائل الصحابة

- ‌(632) باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌(633) باب من فضائل عمر رضي الله عنه

- ‌(634) باب من فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(635) باب فضائل علي رضي الله عنه

- ‌(636) باب من فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌(637) باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما

- ‌(638) باب من فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌(639) باب من فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما

- ‌(640) باب من فضائل زيد بن حارثة، وابنه أسامة، رضي الله عنهما

- ‌(641) باب من فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنه

- ‌(642) باب من فضائل خديجة رضي الله عنها

- ‌(643) باب فضائل عائشة رضي الله عنها

- ‌(644) تابع باب فضائل عائشة رضي الله عنها حديث أم زرع

- ‌(645) باب من فضائل فاطمة رضي الله عنها

- ‌(646) باب من فضائل أم سلمة رضي الله عنها

- ‌(647) باب من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌(648) باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنها

- ‌(649) باب من فضائل أم سليم وبلال رضي الله عنهما

- ‌(650) باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما

- ‌(651) باب من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(652) باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌(653) باب من فضائل أبي دجانة: سماك بن خرشة رضي الله عنه

- ‌(654) باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر رضي الله عنهما

- ‌(655) باب من فضائل جليبيب رضي الله عنه

- ‌(656) باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه

- ‌(657) باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(658) باب من فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌(659) باب من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

- ‌(660) باب من فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌(661) باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه

- ‌(662) باب من فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌(663) باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(664) باب من فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌(665) باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان، رضي الله عنهم

- ‌(666) باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما

- ‌(667) باب من فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه

- ‌(668) باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما

- ‌(669) باب من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله عنهم

- ‌(670) باب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(671) باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيئ

- ‌(672) باب خيار الناس

- ‌(673) باب من فضائل نساء قريش

- ‌(674) باب مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، رضي الله عنهم

- ‌(675) باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة

- ‌(676) باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم

- ‌(677) باب معنى قوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌(678) باب تحريم سب الصحابة

- ‌(679) باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(680) باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

- ‌(681) باب فضل أهل عمان

- ‌(682) باب ذكر كذاب ثقيف

- ‌(683) باب فضل فارس

- ‌(684) باب بيان قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة

- ‌كتاب البر والصلة والآداب

- ‌(685) باب بر الوالدين

- ‌(686) باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة، وغيرها، وفضل بر الوالدين

- ‌(687) باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما

- ‌(688) باب تفسير البر والإثم

الفصل: ‌(637) باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما

(637) باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما

5432 -

عن أبي عثمان رضي الله عنه قال: لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد. عن حديثهما.

5433 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم. فانتدب الزبير. ثم ندبهم. فانتدب الزبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي حواري وحواري الزبير".

5434 -

عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: كنت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطم حسان. فكان يطأطئ لي مرة فأنظر. وأطأطئ له مرة فينظر. فكنت أعرف أبي إذا مر على فرسه في السلاح إلى بني قريظة. قال: وأخبرني عبد الله بن عروة، عن عبد الله بن الزبير قال: فذكرت ذلك لأبي فقال: ورأيتني يا بني؟ قلت: نعم. قال: أما والله! لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يومئذ أبويه فقال:"فدك أبي وأمي".

5435 -

وفي رواية عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم الذي فيه النسوة. يعني نسوة النبي صلى الله عليه وسلم وساق الحديث، بمعنى حديث ابن مسهر، في هذا الإسناد. ولم يذكر عبد الله بن عروة في الحديث ولكن أدرج القصة في حديث هشام عن أبيه عن ابن الزبير.

5436 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء، هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير. فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اهدأ. فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد".

ص: 347

5437 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فتحرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي اللهم عنهم.

5438 -

وعن هشام عن أبيه قال: قالت لي عائشة: أبواك والله من {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح}

5439 -

وفي رواية عن هشام بهذا الإسناد، وزاد تعني: أبا بكر والزبير.

5440 -

عن عروة قال: قالت لي عائشة: كان أبواك من {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح}

-[المعنى العام]-

بطلان من أبطال الإسلام، عظيمان في السلم، أسد عند اللقاء طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وهو من المهاجرين الأولين ومن العشرة المبشرين بالجنة، ومن الستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة من بعده، له مواقف مشهودة في المعارك، وله قصب السبق إلى الجهاد في سبيل الله.

أما طلحة: فيكفيه فخرا ما كان منه يوم أحد لقد أوجب واستحق الجنة وقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين الذين أحاطوا به بعد هزيمة أصحابه، وكان يقول له: لا تبرز يا رسول الله، فتصيبك سهامهم، صدري دون صدرك، ونحري دون نحرك كان يصد السهام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى قطعت إصبعه، ولم يتوقف عن رمي الكافرين حتى نفدت سهام جعبته فنثر له رسول الله صلى الله عليه وسلم جعبته ولما نفذت سهامهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: انثروا سهامكم لطلحة حتى أجلي الكافرين عن الموقع وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يصعد إلى صخرة يجلس عليها بعد أن كسرت رباعيته وسال الدم من جبهته، ولم يستطع صعودها من الإجهاد حمله طلحة على ظهره، فرفعه إلى الصخرة، فأجلسه عليها، وظل حاميا حارسا له مع بعض قادة المسلمين.

وأما الزبير بن العوام: فقد شارك طلحة في حراسة النبي صلى الله عليه وسلم وحمايته من الكافرين يوم أحد، كان معهما أبو بكر وعمر وعلي، نحو العشرة من الرجال أحيانا، وأحيانا لا ترى حوله إلا طلحة

ص: 348

والزبير، لانشغال الآخرين بالحركة ومتابعة الكافرين، وأحيانا ترى العدد الكبير الذي عاد حول قيادته بعد الفرار.

لكن الزبير بن العوام امتاز بميزة أخرى يوم الأحزاب، وكان يهود بني قريظة قد نقضوا العهد وتعاونوا مع الأحزاب وطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من صحابته أن يتطوع أحدهم بالدخول في بني قريظة يتحسس أخبارهم وتحركاتهم، قال: من يأتيني بخبر القوم وله الجنة؟ فسكتوا خوفا من غدر اليهود والوقت وقت حرب فقال الفارس الشجاع الزبير بن العوام: أنا يا رسول الله وأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم الطلب: من يأتيني بخبر القوم وله الجنة؟ فسكتوا إلا الزبير فقال: أنا يا رسول الله. وأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم الطلب ثالثا فلم يجب إلا الزبير قال: أنا يا رسول الله. قال له صلى الله عليه وسلم: توكل على الله، فداك أبي وأمي، وأخذ الفارس الشجاع يتجول بين المسلمين وبين بني قريظة يتظاهر بالحراسة وهو يتجسس للمسلمين ويتحسس تحركات اليهود ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخبارهم، حينئذ قال صلى الله عليه وسلم "لكل نبي حواري" أي ناصر ومخلص "وحواري الزبير".

-[المباحث العربية]-

(لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام، التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد) أي طلحة بن عبيد الله وستأتي قصته وسعد بن أبي وقاص وقد سقت قصته في الباب السابق والمراد ببعض تلك الأيام هنا يوم أحد وهو يوم من أيام القتال مع الكفار، أي غزوة من الغزوات.

(عن حديثهما) هذا قول أبي عثمان يعني به أن طلحة وسعدا هما اللذان حدثاه بذلك وهو تابعي لم يشهد الواقعة فمن أين له علم ذلك؟ يوضح ذلك ما عند أبي نعيم في المستخرج في هذا الحديث "قال سليمان (الراوي عن أبي عثمان) فقلت لأبي عثمان: وما علمك بذلك؟ قال: عن حديثهما".

(ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق) أي دعاهم للجهاد، وحرضهم عليه.

(فانتدب الزبير) أي أجاب الزبير، فالزبير فاعل، يقال: ندبته فانتدب، أي دعوته فأجاب.

(ثم ندبهم فانتدب الزبير) أي طلب منهم، فأجاب الزبير، وتشرح رواية البخاري الواقعة فتقول: عن جابر رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا. ثم قال من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا. ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا. ثم قال إن لكل نبي حواريا وإن حواريي الزبير" وكان بنو قريظة قد نقضوا العهد، وأيدوا الأحزاب فأراد صلى الله عليه وسلم أن يعلم أخبارهم وتحركاتهم فطلب من الصحابة من يقوم بهذه المهمة فخاف الصحابة من غدر اليهود، فسكتوا وأجاب الزبير وقام بفرسه يجوب المنطقة ويدرس التحركات فيها، وتحكي الرواية الثالثة هذه الطليعة.

(لكل نبي حواري، وحواري الزبير)"لكل نبي حواري" بفتح الحاء والواو وكسر

ص: 349

الراء وضم الياء مشددة. و"حواري الزبير" قال القاضي: اختلف في ضبطه، فضبطه جماعة من المحققين بفتح الياء مشددة كمصرخي وضبطه أكثرهم بكسرها أي مشددة وعن الضحاك: الحواري هو الغسال، وعن قتادة: الذي يصلح للخلافة وقيل: هو الوزير وقيل: هو الناصر وقيل: هو الخالص، وقيل: هو الخليل.

(كنت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة) في ملحق الرواية "يعني نسوة النبي صلى الله عليه وسلم".

(في أطم حسان) الأطم بضم الهمزة والطاء الحصن وجمعه آطام كعنق وأعناق قال القاضي: ويقال في الجمع أيضا إطما بكسر الهمزة "وكان عبد الله بن الزبير وعمر بن أبي سلمة صبيين صغيرين حول الرابعة.

(فكان يطئ لي مرة، فأنظر، وأطأطئ له مرة فينظر) أي فكان باب الحصن ضيقا، لئلا يرى من بداخله وفتحته للطريق منخفضة وكان الصبيان على بابه، بحيث لا يرى أحدهما المار بالطريق إلا إذا طأطأ الآخر ظهره وخفض رأسه.

(فكنت أعرف أبي إذا مر على فرسه في السلاح إلى بني قريظة) يعرفه بفرسه ولباسه وسلاحه، حيث يكون ملثما في هذه الحالة وفي رواية للبخاري "فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه، يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا".

(قال: فذكرت ذلك لأبي، فقال: ورأيتني يا بني؟ ) في رواية البخاري "فلما رجعت قلت: يا أبت. رأيتك تختلف. قال: أو هل رأيتني يا بني؟ "

(كان على حراء، هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة) هذا التواجد غير تواجده عليه صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر وعثمان. قال النووي: وقع في معظم النسخ بتقديم علي على عثمان وفي بعضها تقديم عثمان على علي، كما في الرواية الخامسة، وترتيبها باتفاق النسخ.

(اهدأ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)"اهدأ" بهمز آخره أي اسكن وفي الرواية الخامسة "اسكن حراء" وفيها ذكر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو ليس صديقا ولا شهيدا، وأجاب القاضي بقوله: إنما سمي شهيدا لأنه مشهود له بالجنة.

(أبواك - والله - من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) في ملحق الرواية "تعني أبا بكر والزبير" لأن أم عروة أسماء بنت أبي بكر فأطلقت على الجد أبا، ويحتمل أنه من قبيل التغليب، كقولهم القمران للشمس والقمر والآية (172) من سورة آل عمران وقبلها {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون* يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين * الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} [آل عمران: 169 - 172].

ص: 350

-[فقه الحديث]-

طلحة بن عبيد الله بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي، يكنى أبا محمد ويعرف بطلحة الخير، وطلحة الفياض، من المهاجرين الأولين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار، قبيل بدر، فلم يشهدا بدرا، وجاءا عقبها فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه، قال: وأجري يا رسول الله؟ قال: وأجرك، وشهد أحدا والمشاهد بعدها وأبلى يوم أحد بلاء حسنا، وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه واتقى النبل عنه بيده حتى قطعت إصبعه، وكان يقول له لا تظهر يا رسول الله، تصبك سهامهم، صدري دون صدرك، ونحري دون نحرك ولما نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستقل صخرة ولم يستطع حمله طلحة على ظهره حتى استقلها وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة الذين جعل عمر الخلافة فيهم قيل: إنه بايع عليا بعد عثمان، ثم خرج عليه ليحاربه مع عائشة في موقعة الجمل، لكنه اعتزل المعركة هو والزبير عند الصفوف فرماه مروان بن الحكم بسهم وكان في حزبه فقتله وفيما زعموا أنه كان ممن حاصر عثمان.

وقتل طلحة رحمه الله وهو ابن ستين سنة، سنة ست وثلاثين ويقال: إن طلحة تزوج أربع نسوة عند النبي صلى الله عليه وسلم أخت كل منهن، أم كلثوم بنت أبي بكر، أخت عائشة وحمنة بنت جحش أخت زينب، والفارعة بنت أبي سفيان أخت أم حبيبة ورقية بنت أبي أمية أخت أم سلمة وكان بكفاحه غنيا، قال عنه سفيان بن عيينة: كانت غلة طلحة بن عبيد الله ألف دينار كل يوم رضي الله عنه وأرضاه.

أما الزبير بن العوام بن خولد بن أسد بن عبد العزى بني قصي بن كلاب القرشي أبو عبد الله فهو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، أمه صفية بنت عبد المطلب وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى.

أسلم وله اثنتا عشرة سنة وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد وكان في جيش عائشة يوم الجمل، فالتقى به علي فذكره فانصرف فلقيه ابن حرموز فقتله غدرا، سنة ست وثلاثين وله سبع وستون سنة، بمكان يقال له: وادي السباع.

وقد أوضح البخاري ثروة الزبير في حديث طويل، تحت باب بركة الغازي في ماله، حيا وميتا، مع النبي صلى الله عليه وسلم حيا وميتا قال عبد الله بن الزبير "فقتل الزبير رضي الله عنه ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها الغابة وإحدى عشرة دارا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارا بالكوفة ودارا بمصر وما ولي إمارة قط ولا جباية خراج ولا شيئا إلا أن يكون في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم قال عبد الله بن الزبير: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف، وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه على أنه سلف مأذون له في التصرف فيه، فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قسم باقي التركة على الورثة وأنفذ وصيته، وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف.

ص: 351

ولوضوح الرؤية، وأن هذه الثروة الهائلة كانت نتيجة سعي وكفاح لبناء الحياة الدنيا متوازنة مع السعي والكفاح الأخروي نسوق حديث البخاري عن زوجته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما وكانت قد تزوجها بمكة وهاجرت إلى المدنية وهي حامل بابنها عبد الله قالت:"تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شيء، غير ناضح" أي جمل لسقي الماء "وغير فرسه فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه" أي دلوه "وأعجن وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ قال: حتى أرسل لي أبو بكر بعد ذلك بخادم يكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني".

(فائدة) جمع النووي في تبويب شرحه لصحيح مسلم بين طلحة والزبير رضي الله عنهما تحت باب واحد، وتبعناه في ذلك ولعله لاحظ ما جاء من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما آخى بين أصحابه بمكة قبل الهجرة آخى بين طلحة والزبير ولعله لاحظ اشتراكهما في كثير من الفضائل فكل منهما أحد العشرة وأحد الستة، وأحد السابقين وأحد أصحاب الدور البارز في الجهاد، وفي الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وفي دورهما مع عثمان ومع علي، وفي طريقة وأسباب مقتلهما رضي الله عنهما وكان من المقبول ضم طلحة إلى سعد بن أبي وقاص، لجمعهما في الرواية الأولى، كما كان من المقبول تخصيص باب لكل منهما.

-[ويؤخذ من أحاديث الباب فوق ما تقدم]-

1 -

فضيلة طلحة لدوره في غزوة أحد.

2 -

فضيلة الزبير لدوره في غزوة الخندق.

3 -

من الرواية الثالثة قال النووي: وفي هذا الحديث دليل لحصول ضبط الصبي وتمييزه، وهو ابن أربع سنين فإن ابن الزبير ولد عام الهجرة في المدينة وكان الخندق سنة أربع من الهجرة على الصحيح فيكون له وقت ضبطه لهذه القضية دون أربع سنين وفي هذا رد على ما قاله جمهور المحدثين أنه لا يصح سماع الصبي حتى يبلغ خمس سنين، والصواب صحته، متى حصل التمييز، وإن كان ابن أربع أو دونها. اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: المقصود أن البلوغ ليس شرطا في التحمل وقال يحيى بن معين: أقل سن التحمل خمس عشرة سنة فبلغ ذلك أحمد فقال: بل إذ عقل ما يسمع وهذا هو المعتمد فالتحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية، وإنما يشترط عند الأداء ويلحق بالصبي في ذلك العبد والفاسق والكفار.

4 -

وفي ضبط ابن الزبير وجودته لهذه القضية مفصلة، في هذا السن منقبة لابن الزبير.

5 -

وفي الرواية الرابعة إثبات التمييز في الجماد.

6 -

وجواز التزكية والثناء على الإنسان في وجهه، إذا لم يخف عليه فتنة، بإعجاب ونحوه.

7 -

وفي الرواية السادسة جواز التعبير عن الجد بالأب.

والله أعلم

ص: 352