الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(611) باب جوده صلى الله عليه وسلم
5238 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير. وكان أجود ما يكون في شهر رمضان. إن جبريل عليه السلام كان يلقاه، في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ. فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن. فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
-[المعنى العام]-
يراجع المعنى العام لأحاديث باب في سخائه صلى الله عليه وسلم الآتي بعد باب واحد.
-[المباحث العربية]-
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير)"أجود" بالنصب، خبر "كان" والمعنى كان أكثر الناس جودا، والجود الكرم، وهو من الصفات المحمودة، وقدم ابن عباس هذه الجملة على ما بعدها على سبيل الاحتراس من مفهوم ما بعدها، لئلا يتخيل من قوله "وكان أجود ما يكون في شهر رمضان" أن الأجودية منه خاصة برمضان، فأثبت له الأجودية المطلقة أولا، ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان، وقوله "بالخير" أعم من الصدقة ومن المال، إذ الجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وعند الترمذي عن أنس، رفعه "أنا أجود ولد آدم، وأجودهم بعدي رجل علم علما، فنشر علمه، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله".
(وكان أجود ما يكون في شهر رمضان) برفع "أجود" في أكثر الروايات، على أنه اسم "كان" وخبره محذوف، وهو نحو أخطب ما يكون الأمير في يوم الجمعة، أو هو مرفوع على أنه مبتدأ، مضاف إلى المصدر، وهو "ما يكون" فما مصدرية، وخبره "في شهر رمضان" والتقدير: أجود أكوان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان.
وفي رواية "أجود" بالنصب، على أنه خبر "كان" وتعقب بأنه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها، وأجيب بجعل اسم "كان" ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، و"أجود" خبرها، والتقدير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة كونه
في رمضان أجود منه في غيره. قال النووي: الرفع أشهر، والنصب جائز، قال الحافظ ابن حجر: ويرجح الرفع وروده بدون "كان" عند البخاري في الصوم.
(إن جبريل عليه السلام كان يلقاه) الجملة مستأنفة استئنافا تعليليا، لبيان سبب الأجودية المذكورة، ففي رواية للبخاري "لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان" وفي رواية أخرى له "وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل" وفي آخر روايتنا "فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة".
(في كل سنة في رمضان، حتى ينسلخ) أي شهر رمضان، أي حتى ينقضي، قال النووي: هكذا في جميع النسخ "في كل سنة" ونقله القاضي عن عامة الروايات والنسخ، قال: وفي بعضها "كل ليلة" بدل "كل سنة" قال: وهو المحفوظ، لكنه بمعنى الأول، لأن قوله "حتى ينسلخ" بمعنى كل ليلة اهـ. فالمراد من الروايتين: في كل سنة في كل ليلة من رمضان، أي بالإضافة إلى لقاءات أخرى في السنة، لأسباب أخرى.
(فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن) أي ما نزل منه، وفي هذه الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يعرض، وفي رواية للبخاري "كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم" والمعنى يستعرضه ما أقرأه إياه، فيحمل الأمر على أن كلا منهما كان يعرض على الآخر، ويؤيده رواية للبخاري "فيدارسه القرآن".
(فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) مبالغة في التشبيه، وذلك أنه أثبت له أولا وصف الأجودية، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك، فشبه جوده بالريح المرسلة، بل جعله أبلغ في ذلك منها، لأن الريح قد تسكن، ووصفها بالمرسلة المبشرة بالخير، المطلقة ليحترس بذلك عن الريح العقيم الضارة، والمرسلة يستمر إرسالها مدة إرسالها، وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان، ديمة لا ينقطع، فشبهه بريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى، لإنزال الغيث العام، الذي يكون سببا لإصابة الميتة وغير الميتة، أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة، ومن هو بصفة الغنى والكفاية، عموما أكثر من عموم الغيث الناشئ عن الريح المرسلة.
واستعمل أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي، لأن الجود من النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة، والجود من الريح مجاز، فكأنه استعار للريح جودا، باعتبار مجيئها بالخير، فأنزلها منزلة من جاد، وفي تقديم معمول "أجود" وهو "بالخير" على المفضل عليه نكتة لطيفة، وهي أنه لو أخره، لظن تعلقه بالمرسلة، وهذا وإن كان صحيح المعنى، إلا أنه تفوت به المبالغة، لأن المراد وصفه بزيادة الأجودية على الريح المرسلة مطلقا. قاله الحافظ ابن حجر.
-[فقه الحديث]-
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
1 -
استحباب زيارة الصلحاء وأهل الخير في رمضان.
2 -
وتكرار ذلك إذا كان المزور لا يكرهه.
3 -
واستحباب الإكثار من القراءة في رمضان، لأن رمضان موسم الخيرات، ونعم الله على عباده زائدة فيه، وفيه تضاعف الحسنات.
4 -
وأن قراءة القرآن أفضل من سائر الأذكار، إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويا، لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام، فاجتمع بذلك أفضلية النازل، وأفضلية المنزول عليه، والمنزول به، والوقت.
5 -
قال الحافظ ابن حجر: وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان، لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان، كما ثبت من حديث ابن عباس، فكان جبريل يتعاهده في كل سنة، فيعارضه بما نزل عليه، من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين، كما ثبت في الصحيح.
6 -
وفيه أن القرآن يطلق على بعضه، وعلى معظمه، كما يطلق على كلمه، لأن أول رمضان من البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه، ثم كذلك كل رمضان بعده إلى رمضان الأخير، فكان قد نزل كله، إلا ما تأخر نزوله بعد رمضان المذكور، وكان في سنة عشر، إلى أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، ومما نزل في تلك المدة قوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] فإنها نزلت يوم عرفة، والنبي صلى الله عليه وسلم في عرفة، بالاتفاق، وكأن الذي نزل في تلك الأيام لما كان قليلا بالنسبة لما تقدم اغتفر أمر معارضته، قال الحافظ ابن حجر: فيستفاد من هذا أن القرآن يطلق على البعض مجازا، ومن ثم لا يحنث من حلف: ليقرأن القرآن، فقرأ بعضه، إلا إن قصد الجميع، قال: ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء، فيقرأ كل ليلة جزءا في جزء من الليلة، ثم يشتغل في ليلة بسوى ذلك من تهجد بالصلاة ومن راحة بدن، ومن تعاهد أهل، ولعله كان يعيد الجزء مرارا، وبتعدد الحروف المأذون في قراءتها، لتستوعب بركة القرآن جميع الشهر، ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة، وفي السنة الأخيرة عرضه مرتين، لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة، ثم يعيده في بقية الليالي، وفي هذه المعارضة يحكم الله ما يشاء، وينسخ ما يشاء.
7 -
وفيه أن مداومة تلاوة القرآن توجب زيادة الخير.
8 -
وفيه المذاكرة مع الفاضل في القرآن والعلم، وإن كان الفاضل لا يخفى عليه ما يذاكره للعبادة، وزيادة الاتعاظ.
9 -
وفيه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة فيه.
10 -
وأن ليل رمضان أفضل من نهاره.
11 -
وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم، لأن الليل مظنة ذلك، لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية.
12 -
وفيه جواز قول "رمضان" من غير "شهر".
13 -
وفيه الحث على الجود في كل وقت.
14 -
واستحباب زيادة الجود في رمضان، وعند الاجتماع بأهل الصلاح.
15 -
وفيه تشبيه المعقول بالمحسوس، لتقريبه إلى الأذهان.
16 -
وفيه جوده صلى الله عليه وسلم.
17 -
وفيه استحباب تكثير العبادة في آخر العمر.
وسيأتي بعد باب واحد أمثلة ووقائع
من جوده صلى الله عليه وسلم