الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(673) باب من فضائل نساء قريش
5616 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير نساء ركبن الإبل (قال أحدهما: صالح نساء قريش. وقال الآخر: نساء قريش) أحناه على يتيم في صغره. وأرعاه على زوج في ذات يده".
5617 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه. يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم. وابن طاوس عن أبيه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم. بمثله. غير أنه قال: "أرعاه على ولد في صغره" ولم يقل: يتيم.
5618 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نساء قريش خير نساء ركبن الإبل. أحناه على طفل. وأرعاه على زوج في ذات يده". قال: يقول أبو هريرة على إثر ذلك: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط.
5619 -
وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ، بنت أبي طالب. فقالت: يا رسول الله! إني قد كبرت. ولي عيال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير نساء ركبن" ثم ذكر بمثل حديث يونس. غير أنه قال: "أحناه على ولد في صغره".
5620 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير نساء ركبن الإبل، صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده".
-[المعنى العام]-
فضل الله بعض الأزمنة على بعض، وفضل بعض الأمكنة على بعض، وفضل بعض الناس على
بعض، وفضل بعض الرسل على بعض، وفضل بعض الرجال على بعض، وفضل بعض النساء على بعض، ولكل تفضيل جهة فضل، وليست هناك أفضلية من جميع الجهات.
وهذا الحديث يفضل نساء قريش على نساء العرب من زاوية معينة، هي زاوية العطف على الولد، وحسن رعايته وتربيته إذا فقد أباه، وآية هذا الحنان تظهر عند اشتداد الحاجة إليه، وتشتد الحاجة إليه عند فقد المربي الأول، والراعي الأول للأولاد، وهو الأب، وآية حنان الأم، أن تقيم على أولادها، وتمنحهم كل مشاعرها وعطفها، فإن هي تزوجت رجلا غير أبيهم، فقدت بعض عطفها عليهم، بل قد تفقد كل عطفها عليهم.
كما يفضل الحديث نساء قريش من زاوية أخرى هي زاوية رعاية الزوج في ماله، وحفظه في بيته، وحسن تبعله، أما نساء الأنصار، فقد فضلن من زاوية أخرى "نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين".
-[المباحث العربية]-
(خير نساء ركبن الإبل نساء قريش) وفي الرواية الثالثة "صالح نساء قريش" وهذا القيد مراد في الرواية الأولى، قال النووي: ومعنى "ركبن الإبل" نساء العرب. وقال القرطبي: هذا تفضيل لنساء قريش على نساء العرب خاصة، لأنهم أصحاب الإبل غالبا، وقد عرف أن العرب خير من غيرهم مطلقا في الجملة، فكأنه قال: خير النساء نساء قريش، أو صالح نساء قريش. وفي رواية "صلح نساء قريش" بضم الصاد وفتح اللام المشددة، بصيغة الجمع، والمراد بالصلاح هنا صلاح الدين وحسن المخالطة مع الزوج ونحو ذلك.
وفي ملحق الرواية الثانية بيان سبب ورود هذا الحديث، وفيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله، إني قد كبرت، ولي عيال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير نساء ركبن الإبل
…
" ويذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة وابن عبد البر في الاستيعاب أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ من أبيها عمه أبي طالب، وكان اسمها فاختة، وقيل: فاطمة، وقيل: هند وهي شقيقة علي، وخطبها في الوقت نفسه هبيرة ابن عمرو بن عائذ المخزومي، فزوج هبيرة، واعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم فرق الإسلام بين أم هانئ وبين هبيرة، لأن هبيرة لم يسلم، ولما فتحت مكة هرب إلى نجران، وقال معتذرا عن فراره:
لعمرك ما وليت ظهري محمدا
…
وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكنني قلبت أمري فلم أجد
…
لسيفي غناء - إن ضربت - ولا نبلي
وقفت فلما خفت ضيعة موقفي
…
رجعت لعود كالهزبر أبي الشبل
ولما علم هبيرة بإسلام أم هانئ قال فيها شعرا، منه قوله يخاطبها:
لئن كنت قد تابعت دين محمد
…
وعطفت الأرحام منك حبالها
فكوني على أعلى سحيق بهضبة
…
ممنعة لا تستطاع قلالها
فإني من قوم إذا جد جدهم
…
على أي حال أصبح القوم حالها
وإني لأحمي من وراء عشيرتي
…
إذا كثرت تحت العوالي مجالها
ولدت أم هانئ لهبيرة عمرا وهانئا ويوسف وجعدة، فلما فرق الإسلام بين أم هانئ وبين هبيرة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله. والله، إني كنت لأحبك في الجاهلية فكيف في الإسلام، ولأنت أحب إلي من سمعي وبصري، وحق الزوج عظيم، وأنا أخشى أن أضيع حق الزوج، وأنا امرأة مصبية، فأكره أن يؤذوك، فقال صلى الله عليه وسلم:"خير نساء ركن الإبل .... " الحديث.
فلما أدرك بنوها عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أما الآن فلا، لأن الله أنزل عليه قوله {وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك} [الأحزاب: 50] ولم تكن من المهاجرات. عاشت رضي الله عنها بعد علي رضي الله عنه.
(أحناه على يتيم في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده) في ملحق الرواية "أرعاه على ولد في صغره" وفي الرواية الثانية "أحناه على طفل" و"أحناه" بسكون الحاء، أي أكثره شفقة، وعطفا من الحنو، يقال: حنا يحنو ويحني، من الثلاثي، وأحنى يحني من الرباعي، والحانية التي تقوم بولدها بعد موت الأب، قال ابن التين: وحنت المرأة على ولدها إذا لم تتزوج بعد موت الأب، فإن تزوجت فليست بحانية.
و"أرعاه على زوج" أي أحفظه، وأصونه لماله، بالأمانة فيه، والصيانة له، وترك التبذير في الإنفاق، من الرعاية، وكان حقه أن يقول: أحناهن، وأرعاهن، أي أحنى النساء، لكن العرب تكلموا بالضمير مفردا مذكرا، على إرادة اللفظ أو الجنس أو الشخص أو الإنسان، وجاء نحو ذلك في حديث "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسنه خلقا" بالإفراد في "أحسنه" الثانية، أي أحسن الجنس خلقا، ومر علينا قريبا حديث أبي سفيان، وقوله "عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة" بالإفراد والتذكير في "أجمله" قال أبو حاتم السجستاني: لا يكادون يتكلمون به إلا مفردا.
ومعنى "في ذات يده" أي في ماله ومكسبه المضاف إليه، ومنه قولهم: فلان قليل ذات اليد، أي قليل ما ملكت يداه، أي قليل المال، ووضعت المرأة ذات بطنها، أي ولدت، وأصل "ذات" مؤنث "ذو" بمعنى صاحب، فهي صفة لموصوف مؤنث محذوف، وأصل "أرعاه في ذات يده" أي أرعى النساء في الأموال صاحبة يده، ووضعت المرأة ذات بطنها، أي وضعت نفسا صاحبة بطنها، وقابلته ذات يوم، أي مقابلة صاحبة يوم، أي في يوم، وما كلمته ذات شفة، أي ما كلمته كلمة صاحبة شفة، أي خارجة من شفة، وإصلاح ذات البين، أي إصلاح الشأن والحال صاحبة الفرقة، وجلس ذات اليمين، وذات الشمال، أي الجهة صاحبة اليمين والجهة صاحبة الشمال.
(يقول أبو هريرة على إثر ذلك: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط) يشير بذلك إلى أن "مريم" لم تدخل في هذا العموم، لأنه قيد أصل الفضل بمن يركبن الإبل، ومريم لم تركب بعيرا قط، وقد اعترض بعضهم، فقال: كأن أبا هريرة ظن أن البعير لا يكون إلا من الإبل، وليس كما ظن، بل يطلق البعير على الحمار، وهذا الاعتراض ساقط، لأنه على فرض إطلاق البعير على الإبل وعلى الحمار، فنفي ركوبه يخرج "مريم" من عموم التفضيل. والظاهر أن أبا هريرة علم ذلك عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، فعند أحمد "وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مريم لم تركب بعيرا قط".
-[فقه الحديث]-
فهم بعضهم أن أبا هريرة يرى أن مريم أفضل النساء مطلقا، وهذا مقبول على القول بأنها كانت نبية، وقد استدل على أنها كانت نبية بقوله تعالى {واصطفاك على نساء العالمين} [آل عمران: 42] وأنها ذكرت في سورة مريم بمثل ما ذكر به الأنبياء، قالوا: ولا يمنع وصفها بأنها صديقة من كونها نبية، فإن يوسف عليه السلام وصف بذلك مع كونه نبيا، وقد نقل الأشعري أن في النساء نبيات، وجزم ابن حزم بنبيات ست: حواء، وسارة، وهاجر، وأم موسى وآسية، ومريم، ولم يذكر القرطبي سارة ولا هاجر، ونقله السهيلي في آخر الروض عن أكثر الفقهاء، وقال القرطبي: الصحيح أن مريم نبية، وقال عياض: الجمهور على خلافه، وذكر النووي في الأذكار عن إمام الحرمين أنه نقل الإجماع على أن مريم ليست نبية، ونسبه في شرح المهذب لجماعة، وجاء عن الحسن البصري: ليس في النساء نبية، ولا في الجن. وقال السبكي: اختلف في هذه المسألة، ولم يصح عندي في ذلك شيء. اهـ. وإخراج أبي هريرة "مريم" من المفاضلة لا يلزم منه أن تكون أفضل النساء مطلقا، لأن المفاضلة بين راكبات الإبل، والكثيرات من النساء لم يركبن الإبل في سابق العصور ولاحقها، على أن "من" مقدرة، كما ذكرنا سابقا، لأن من اتصفت بذلك فقط لا تكون خير النساء على الإطلاق، فإخراج مريم من المفاضلة لا يمنع من إخراج غيرها، ولا يفيد تفضيل مريم على غيرها من النساء، وقد قالوا في تفسير قوله تعالى:{واصطفاك على نساء العالمين} قالوا: على عالمي زمانها، وقد سبقت المسألة في كتاب فضائل الصحابة أبواب من فضائل خديجة وعائشة وفاطمة رضي الله عنهن.
وفي الحديث منقبة لنساء قريش، وأن غير القرشيات لسن كفئا لهن، واستحباب تخير الزوجة، ذكره الحافظ ابن حجر.
وفي الحديث فضل الحنو والشفقة، وحسن التربية والقيام على الأولاد، وحفظ مال الزوج وحسن التدبير فيه، ومشروعية إنفاق الزوج على زوجته.
والله أعلم